الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النُّحاة، وأمَّا الاستنجاءُ باليمين؛ فهو كان عُطِفَ عليه؛ قد يَختصُّ بالقُبُل، بل يَعُمُّ الدُّبر، ففيه ردٌّ على من قيَّد:(لا يتَمسَّح)؛ بأنَّه للدُّبر.
* * *
20 - بابُ الاِسْتِنْجَاء بِالحجَارَةِ
(باب الاستنجاء بالحِجَارة)
155 -
حَدَّثَنَا أَحمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمرُو بْنُ يَحيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمرٍو الْمَكِّيُّ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اتَّبَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ، فَكَانَ لَا يَلْتَفِتُ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقَالَ:(ابْغِنِي أحجَارًا أَسْتَنْفِضْ بِها -أَوْ نَحْوَهُ- وَلَا تأتنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ)، فَأَتَيْتُهُ بأَحجَارٍ بِطَرَفِ ثِيَابِي، فَوَضَعتها إِلَى جَنْبِهِ وَأَعْرَضْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا قَضَى أَتبَعَهُ بِهِنَّ.
(خ).
(أحمدُ بنُ محمَّدٍ المَكِّيّ) هو أبو الوليدِ الأَزرَقِيُّ، جَدُّ صاحِبِ "تاريخ مكَّة"، وفي طبقته: أحمدُ بنُ محمَّدِ بنِ عوفٍ، أبو محمَّد المكِّيُّ يُعرَفُ بالقَوَّاس، لم يروِ عنه البخاري، وقد وَهِمَ (ك) حيثُ جعَلَهما واحدًا.
(أتبعت) قلتُ: بقَطعِ الهمزةِ رُباعيًّا؛ أي: لَحِقتُه، قال تعالى {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [الشعراء: 60].
وجوَّز ابنُ التِّينِ معَ ذلك أن يكونَ بالتَّشديد وهمزةِ الوَصل خُمَاسيًّا، أي: مَشَيتُ خلفه، وتبعَه على تجوّز الوجهين الحافظُ عبدُ الكريم في "شرحه"، وفي "المُحكَم": تَبعَ وأتْبَعَ واتَّبَعَ؛ بمعنى.
قال: وفي التَّنزيل: {أَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: 89]، أي: تَبعَ.
(وخرج) جملةٌ حاليَّةٌ بتقدير: قَد.
(ابغني) بهمزة وَصلٍ ثلاثيًّا؛ أي: اطلُب لي، نحو:{يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التوبة: 47]؛ أي: يطلُبونها لكم، أمَّا (أبغَيتُك) الرُّباعي؛ فمعناه: أعنتُكَ على طَلَبِه.
وقال (ك): الوَجهان جائِزَان مروِيَّان. قال: وفي بعضِها: (ابغِ لي).
(أحجارًا) في بعضِها: (حجارَة).
(أستنفض) بالرَّفع صفةٌ، وقال (ك): استئنافٌ، وبالجَزم جوابُ الأمرِ، وهو (استفعالٌ) من النَّفضِ، وهو: هزُّ الشَّيء ليطيرَ غُبارُه وغيرُه، والمرادُ هنا: أستَنظِفُ بِها، أي: أُنظِّفُ نفسِي بِها من الحدَث، فكَنَّى به عن الاستِنجاء، أو عن الاستِجمار.
قال (ش): كذا رُوي، وقال المُطَرِّزِيُّ: مَن رواه بالقَاف والصَّاد المُهملة فقَد صَحَّفَ.
(أو نحوه) بالنَّصب، أي: أو قالَ نحوَ هذا القَول، ففيه جوازُ الرواية بالمَعنى.
(ولا تأتني)، في بعضِها:(ولا تأتِ لي).
(بعظم) قيل في معناه: أنَّه لَزِجٌ فلا يتَماسكُ لقَلعِ النَّجاسَة به.
وقيلَ: لأنَّه لا يَعرَى غَالبًا من بقيَّة دَسَمٍ يعلَقُ به، فيكونُ مأكولًا للنَّاس، ولأنَّ الزَّجرَ عنه؛ لأنَّه يُمَشمَشُ في الرَّفاهية، والصُّلبُ يُدَقُّ ويُستَفّ.
وقيلَ: لأنَّه طعامُ الجِنّ.
(ولا روثة) لأنَّه نجِسٌ، فيَزيدُ ولا يُزيل.
وقيل: لأنه طُعْمُ دوابِّ الجِنِّ، ففي "دلائل النبوة" لأبي نُعيم: أنَّهم سألوه صلى الله عليه وسلم هديَّة؛ فأعطَاهم العَظم لهم، والرَّوثَ لدوابِّهم، بل قيلَ: إنَّه طعامٌ لنفسِ الجِن.
ففي "الدَّلائل" للحاكِم: أنَّه صلى الله عليه وسلم "قال لابنِ مسعود ليلةَ جِن نَصيبِين: أنَّهم سألوه الزَّادَ، فمتَّعهم بالعَظم والرَّوث، فقال له: وما يُغنِي عنهم؟ قال: "إنَّهم لا يجدونَ عظمًا إلا وجَدوا عليه لحمَه الذي كانَ عليه يومَ أُخذ، ولا يجدونَ رَوثًا إلا وجَدوا فيه حبَّه الذي كان فيه يومَ أُكِلَ، فلا يستنجِ أحدُكم: لا بعظمٍ، ولا برَوثٍ".
وفي "أبي داود": أنَّهم قالوا: (يا محمَّدُ، اِنْهَ أُمَّتك لا يستَنجوا بعَظمٍ أو رَوثٍ، فإنَ الله جعلَ لنا فيه رِزقًا، فنهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عنه).
وفي الحديث: أنَّ ما في معنى الحجَر من كلِّ طاهرٍ قالعٍ غيرِ مُحترم يُستَنجى به؛ لأنَّ بإخراجِهما عُلِمَ أنَّه لا خصوصيَّة للحِجارة،
وإلا لمَا كان لذلك فائدةٌ؛ لأنَّها غيرُ الحِجارة.
وعُلِمَ أنَّ ذِكر الحِجارة إنَّما هو لأنَّها الغالبُ في الوِجدان، فبَطَلَ قولُ أهلِ الظَّاهر أنَّ الحَجَر متعيِّنٌ، فلا يجوزُ غيرُه، ولا ينبغي أن يُمنعَ كلُّ ما ليس بحَجَر قياسًا على مَا مُنِعَ منه، وهو العَظم والرَّوثُ، لعَدَمِ المَعنى الذي فيهما فِي غيرِهِما، وليسَ فيه أيضًا تنبيهٌ على مَنعِ غيرهما؛ لأنَّ غيرَهما ليس بالمَنع أولى، حتَّى يكونَ مثل:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، فعم أصلَ الاستِنجاء.
قال (ط): إن مذهبَ مالك والكوفيين أنَّه سنَّةٌ، لأنَّ الحجَر لا يُنقِّي كالماء، فلمَّا جازَ الحَجَر مع بقاءِ الأَثر النَّجِس عُلِمَ أنَّ الاستِنجاء سُنَّةٌ، والشَّافعيُّ وأحمدُ قالا: فَرضٌ؛ لأمرِه صلى الله عليه وسلم بالاستِنجاء بثَلاثة أحجارٍ، وكلُّ ما فيه تعدُّدٌ يكونُ واجبًا، كوُلوغِ الكَلب.
قلت: ينتقِضُ بغَسل الكفَّين قبلَ أن يغمِسهُما ثلاثًا عندَ الشَّك في نجاسَتِهما.
(بطرف)؛ أي: في طَرف (ثيابي)، المُرادُ جنسُها، لا الكلّ.
قلت: قد رواه الإسمَاعيليُّ في "مُستَخرجه": (طرف مُلاءَتي).
وفي الحديثِ جوازُ اتَّباعِ السَّاداتِ بغير إذنِهم، واستخدامُ المَتبوعِ إيَّاهم، وندبُ الإعراضِ عن قاضي الحَاجة، وإعدادُ النُّبَلِ للاستِنجاء به قبلَ القعود؛ لئَلا يتلوَّثَ إذا قامَ بعد الفَراغ لطلَبِها.