الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الغنم) جنسٌ يَشملُ الذُّكور والإناث، وهو مؤَنَّث، فلذلك يُصغَّر على (غُنَيمَة)، وكلُّ واحدٍ من أسماء الجُموعِ التي لا واحدَ لَها من لفظِها غيرِ الآدَمِي تأنيثُها لازمٌ.
* * *
70 - بابُ مَا يَقَعُ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي السمنِ وَالمَاءِ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا بَأسَ بِالمَاء مَا لَم يُغَيِّرْهُ طَعمٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ لَوْنٌ.
وَقَالَ حَمَّادٌ: لَا بَأسَ بِرِيشِ المَيْتَةِ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي عِظَامِ المَوْتَى نَحْوَ الفِيلِ وَغَيْرِهِ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ سَلَفِ العُلَمَاءَ يَمْتَشِطُونَ بِها، وَيَدَّهِنُونَ فِيها، لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأسًا.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ وإبْرَاهِيمُ: وَلَا بَأسَ بِتِجَارَةِ العَاجِ.
(باب مَا يَقَعُ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي السَّمْنِ وَالمَاءِ)
قولُ الزُّهريِّ (ما لم يغيره طعم أو لون أو ريح) يحتملُ أنَّ الضَّميرَ في (يغيِّره) للماءِ وطَعمٍ وريحٍ ولونٍ، أي: ما يقعُ فيه، أي: فتَغَيَّر طعمُ الماء بطعمِ الوَاقعِ، أو لونُه بلَونِه، أو ريحُه بريحِه، ويحتملُ ما لم يتغير الواقعُ في الماءِ بطَعمِ الماءِ أو ريحِه أو لونِه، وإذا غيَّره؛ فبالضرورة يكونُ الماءُ قد تغيَّرَ بِما وَقَعَ فيه، ثمَّ ذلك الواقعُ إنْ كان نَجِسًا نَجُسَ الماءُ بتغيُّرِه به، وإلا فيَسلُبُه الطَّهورِيَّة.
قلت: هذا بعيدٌ لفظًا ومعنًى، والأوَّلُ هو الظَّاهر.
(حماد) هو ابنُ أبِي سُلَيمانَ الكوفيُّ، شيخُ أبِي حنيفةَ.
(لا بأسَ بريشِ الميتة)؛ أي: إمَّا لأنَّه عندَه طاهرٌ، ولو كانَ غيرَ مَأكولٍ، وإمَّا لكونه لا يغيِّر ما يقعُ فيه، فيُستَشهدُ به على أنَّ ما لا يغيِّرُ لا بأسَ به، وهذا هو الظَّاهرُ اللائِقُ بقَصد البخارِيِّ؛ إذ ليسَ قصدُه وقوعَ طاهرٍ لا يغيِّر.
(نحو الفيل وغيره)؛ أي: ما لا تُؤثِّرُ الذَّكاةُ فيه، غيرُ المَأكولِ، ويحتملُ إرادةُ الأعمِّ من ذلك.
(ناسًا)؛ أي: كثيرًا، فتنوينُه للتكثير، إذ المَقام يقتضيه، نحو: إنَّ لنا مالًا.
(ويدهنون) بالتَّشديد، افتِعَالٌ من الدَّهن، أُبدِلَ من تائِهِ دالٌ وأُدغِمَت.
(بأسًا)؛ أي: حَرَجًا، أي: ولو كانَ نَجِسًا لما امتَشطُوا به، وادَّهنوا، وعُلِمَ أنَّ عَظمَ الفَيل إذا وَقع في الماء فلا بأسَ به، فإمَّا بناءً على طَهارته كقولِ أبي حنيفة؛ لأنَّه لا تَحُلُّه الحياة عندَه، أو لأنَّه نَجسٌ مُطلقًا كقول الشَّافعي، أو إذا لم يُذَكَّ كقول مالكٍ، لكنَّ وقوعَه في الماء لا يغيِّر، كما سبق مثلُه في الرَّش، وإنَّ الظَّاهرَ الثاني.
(ابن سيرين)؛ أي: محمَّد الإمام.
(العاج) بتخفيف الجيم: عَظْمُ الفَيل، أي: ولو كانَ نَجِسًا لَمَا صَحَّ بيعُه، وإيرادُ ذلك كلِّه من البُخاريِّ يدلُّ على أنَّ عندَه أنَّ الماءَ
قليلًا كان أو كثيرًا لا يَنجُسُ إلا بالتَّغيُّرِ كما هو مذهبُ مالكٍ، وذَكَر من الحديثِ ما يَشهدُ؛ لأنَّ التَّغيُّرَ هو المؤثِّرُ، ولكنْ سيأتي جَوابه.
* * *
235 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيمُونة: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ فَأرةٍ سَقَطَتْ فِي سَمنٍ فَقَالَ: (ألقُوها وَمَا حَوْلَها فَاطْرَحُوهُ، وَكُلُوا سَمْنَكُمْ).
الحديث الأول (م س):
(وما حولها) دليلٌ على أنَّ السَّمنَ كان جامدًا؛ إذ المائعُ لا حولَ له، أو الحولُ كلُّه فيُلقى، وقد صرَّح به في بعضِ الرِّوايات؛ لأن الجامدَ لا يسري بعضُه إلى بَعضٍ.
* * *
236 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالكٌ، عَنِ ابْنِ شِهابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونة: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ فَأْرَةٍ سَقَطَتْ فِي سَمْنٍ، فَقَالَ:(خُذُوها وَمَا حَوْلَها فَاطْرَحُوهُ).
قَالَ مَعْنٌ: حَدَّثَنَا مَالكٌ مَا لَا أُحصِيهِ يَقُولُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونة.
الثاني:
(علي)؛ أي: ابنُ المَدينيّ.
(معن) بفتحِ الميمِ وسُكونِ المُهمَلة، هو ابنُ عيسى أبو يَحيى القَزَّازُ.
(فاطرحوه)؛ أي: ذلك المَأخوذَ، ففيه أنَّه نجسٌ وإنْ لم يتغيَّر بِخلافِ المَاء، والمُرادُ بطَرحِه: أن لا تأكُلوه، أما الاستِصباحُ فلا بأسَ، فهو من إطلاق اللازمِ وإرادَة المَلزوم، يدلُّ علَيه قولُه في الحديث الآخر:"وكُلوا سَمنَكم".
(قال معن) هو من كلامِ ابنِ المَدينيِّ، داخلٌ تحتَ الإسناد، ويحتملُ على بُعدٍ أن يكونَ تعليقًا منَ البخارِيّ.
(ما لا أحصيه)؛ أي: مِرارًا كثيرةً لا أضبِطُها، والقَصدُ أنَّه من مسانيدِ ميمونةَ برواية ابنِ عبَّاسٍ عنها، لا ما تتَوهَّمُه بعضُهم أنه من مسانيد ابنِ عبَّاس عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
* * *
237 -
حَدَّثَنَا أحمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: أَخْبَرَناَ عَبْدُ اللهِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ مَعْمرٌ، عَنْ همَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(كُلُّ كَلْمٍ يُكْلَمُهُ المُسْلِمُ فِي سَبِيلِ اللهِ يَكُونُ يَوْمَ القِيَامَةِ كهيْئَتِها إِذْ طُعِنَتْ، تَفَجَّرُ دَمًا، اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالعرفُ عَرْفُ المِسْكِ).
الثالث:
(أحمد بن محمد)؛ أي: المعروفُ بِمَرْدُوْيه، بفتح الميم وسكون الراء وضم المُهمَلة والواو السَّاكنة ثم ياء.
(كلم) بفتح الكافِ وسكون اللام، أي: جُرْح؛ رواه القَابِسِيُّ، كَلْمَة؛ أي: جِراحَة.
(يكلمه) بضَمِّ الياء وسكون الكاف وفتح اللام، أي: يُكلَمُ به، فحُذِفَ الجارُّ وأُضيفَ توسُّعًا.
(المسلم) هو نائبُ الفاِعِل.
(كهيئتها)؛ أي: هيئَةِ الكلمة، وأُنِّثَ لتأويله بالجِراحة.
(إذ طعنت) المَطعونُ هو المُسلم، وهو مذكَّر، لكنْ لمَّا أُريدَ: طُعِنَ بِها؛ حُذِفَ الجارُّ، ثم أوصل الضَّميرَ المَجرورَ بالفعل، وصار المُنفَصِلُ متَّصلًا، كذا قاله (ك)، وفيه نَظَر! لأنَّ التَّاء علامةٌ لا ضميرٌ، فإنْ أرادَ المُستترَ فتسميتُه متَّصلًا طريقةٌ، والأجودُ أنَّ الاتِّصالَ والانفِصالَ وصفٌ للبارز.
وفي بعض النُّسَخ كما هو في "مسلم": (إذا طعنت)، فتكونُ (إذا) لِمُجرَّد الظَّرفية؛ لأنَّها شرطًا تكونُ للاستِقبال، وليس المعنَى عليه؛ إذ هو بِمعنى (إذ)؛ لأنَّهما قد يتقارَضان، أو لاستِحضارِ صورَة الطَّعن؛ لأنَّ الاستِحضار كما يكونُ بصريحِ لفظِ المُضارع نحو:{وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} [فاطر: 9]، يكونُ بِما في معنى المُضارع كما فيما نَحنُ فيه.
(تفجر) بضَمِّ الجيم من الثلاثيِّ، وبفَتحها مُشدَّدَةً من التَّفَعُّلِ، وحُذِفَ إحدى التَّاءين.
(واللون) في بعضِها بلا واو.
(والعرف) بفتحِ العَين المُهملة وسكونِ الرَّاء، أي: الرِّيح، قيل: ومنه أصحابُ الأعراف؛ لأنَّهم يَجدون عَرْفَ الجنَّة.
(المسك) فارسيٌّ مُعرَّبٌ، وفي بعضِها تنكيرُ (مسك) و (دم)، والحكمةُ في ذلك أنْ يأتيَ يومَ القيامةِ وشاهدُ فضلِه وبذلِه نفسَه في سبيل الله ظاهرٌ علَيه.
ووَجه دُخولِ الحديث في البابِ: أنَّ المِسكَ طاهرٌ لثناء النبي صلى الله عليه وسلم علَيه (1)، وأصلُه نجسٌ، فلمَّا تغيَّر خرجَ عن حُكمِه، فكذا المَاء إذا تغيَّر خرجَ عن حُكمِه، وأنَّ دمَ الشَّهيد لما انتقلَ بطيبِ الرَّائحة من النَّجاسة إلى الطَّهارة حين حُكِمَ له في الآخرة بحُكمِ المِسك الطَّاهر؛ وجبَ أن ينتقلَ الماءُ الطَّاهر بخبيث الرَّائحة إذا حلَّت فيه نجاسةٌ من حُكمِ الطَّهارة إلى النَّجاسة.
ولمَّا لم يجد البخاريُّ في التنجيسِ بالتَّغيُّرِ حديثًا صحيحَ السَّند ذَكَر قِصَّةَ الدَّم ليقيسَ عليه الماء؛ لأنَّ كلًّا مائعٌ تأثَّر بالتغيُّر من حُكْمٍ إلى حُكْمٍ، ولكنَّ جوابَ ما ذكره أنَّه لا يلزمُ من وجودِ الشَّيءِ عند
(1)"عليه" ليس في الأصل.