الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنه، أو لا يُسمع سلامه، أو أَراد الإِبلاغ في التعليم، أو الزَّجر في المَوعِظة.
وفيه أنَّ الثلاث غايةُ ما يقَع به البَيان والإعذار.
* * *
96 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ سَافَرْناَهُ فَأَدْركَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الصَّلَاةَ -صَلَاةَ الْعَصْرِ- وَنَحْنُ نتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتهِ:"وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ"، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا.
(فأدركنا) بفتح الكاف.
(أرهقنا) بسكون القاف، وفي بعض النُّسَخ:(أَرهقَتْنا).
وشرح باقي الحديث سبَق في (باب مَن رفَع صوتَه بالعِلْم).
* * *
31 - بابُ تَعْلِيمِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَهُ
(باب تعليم الرجل أمته وأهله) الأَمَة خِلاف الحُرَّة، وأَصلها: أَمَوَة -بالتَّحريك-، وعطْف الأَهل عطْفُ عامٍّ على خاصٍّ.
97 -
أَخْبَرَناَ مُحَمَّد -هُوَ ابْنُ سَلَامٍ-، حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: قَالَ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثةٌ لَهُمْ أَجْرَانِ؛ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَالْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ إِذَا أَدَّى حَقَّ اللهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ فَأَدَّبَهَا، فَأَحْسَنَ تأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فتزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ"، ثُمَّ قَالَ عَامِرٌ: أَعْطَيْنَاكهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، قَدْ كَانَ يُرْكَبُ فِيمَا دُونها إِلَى الْمَدِينَةِ.
(ثلاثة)؛ أي: ثلاثةُ رجالٍ، أو نحو ذلك، وهو مبتدأٌ خبره الجُملة بعده، وهي:(لهم أجران)، فقوله بعدَه:(رجل) ليس ذلك قَيْدًا، بل المرأَة كذلك؛ لشُمول الحكم للنِّساء، أو رجلٌ، بدَلٌ من (ثلاث) بدلَ تفصِيلٍ، أو يُقال:(رجلٌ) بدَل بعضٍ، وهو وما عُطف عليه مَجموعُه بدَلُ كلٍّ، أو خبر مبتدأ، أي: هي رجلٌ، إلى آخره، أو جملة:(لهم أَجْران) صِفةٌ لـ (ثلاث)، و (رجلٌ) وما عُطف عليه خبَره.
(الكتاب) المراد به في عُرف الشَّرع التَّوراة والإنجيل، وإنْ كان بحسَب العُرف أعمَّ، ولعلَّ غير اليهود والنصارى لم يُوجد حين بِعْثة النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلذلك تخصص، نعَمْ، كون اليهود من ذلك فيه إشكالٌ؛ لأنَّ شَرعَهم نُسخ بعيسى عليه السلام، والمَنْسوخ لا أَجْرَ في العمل به، فيختصُّ الأَجران بالنَّصارى.
وجوابه: إما منعْ نَسْخه به، وإنما نَسْخ كليهما بشَرعنا، ولا يَنبغي
حَمْله على العُموم، ولو قُلنا بنسخه بعيسى من حيثُ إنَ طرَيان الإيمان يكون سبَبًا لقَبول تلك الأعمال وإنْ كانت منسوخةً، كما جاء في الحديث:"إنَّ حسَناتِ الكُفَّار مقبولةٌ بعد إِسلامِهم"؛ لأَنَّا نقول: فلا يكون ذلك مختصًّا بأهل الكتاب بل هو في مُطلَق الكافر؛ إذْ لفْظ الكفَّار في الحديث يتناول الحَرْبيَّ، وليس له أَجْران قطْعًا، نعَمْ، جاء في "الصحيح" بدَل (آمَن بنبيِّه):(آمَنَ بعِيْسَى).
وبالجُملة فاللام في الكتاب للعهد، إما للتوراة والإنجيل، أو للإِنجيل فقط، قال تعالى:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 52]، ثم قال:{أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} [القصص: 54].
(آمن بنبيه) تنبيهٌ على أنَّ هذا سبَب أحَد الأَجرَين، وإلا فلا يكون من أهل الكتاب، وعُلم من استئنافه منه أنَّ إيمانه كان قبْل البِعثة؛ لأنَّ بعد البِعْثة لا نبيَّ له إلا محمد صلى الله عليه وسلم.
(المملوك) قيدٌ للعبد؛ لأن كل الناس عباد الله، وإنما عرِّف (العبد)، ونُكِّر (رجلٌ) في الموضِعَين الآخَرين؛ لأنَّ المعرَّف بلام الجِنْس كالنَّكرة في المعنى، وكذا الإتْيان في العبْد بـ (إذا) دون القِسْم الأول؛ لأنَّها ظرفٌ، وآمَن حالٌ، وهي في حُكم الظَّرف؛ لأنَّ معنى جاء زيدٌ راكبًا: جاءَ في حالَة رُكوبٍ، أو يُقال: في وجه المُخالفة الإشعار بفائدةٍ عظيمةٍ، وهي أن الإيمان بنبيِّه لا يُفيد الاستِقبال للأجرين، بل لا بُدَّ من الإيمان في عهده حتى يستحقَّ أجرَين، بخلاف
العبْد فإنَّه في زمان الاستقبال مستحِقٌّ للأَجرَين أيضًا، فأتى بـ (إذا) التي للاستقبال.
(حق الله)؛ أي: من صلاةٍ وصومٍ ونحو ذلك.
(وحق مواليه)؛ أي: خدَمتهم، والمَوالي جمع: مَولَى، وجمَعه لأنَّ المراد بالعبد جنس العبد، حتى يُوزِّع لكلِّ عبدٍ مولى، وأيضًا فلدُخول ما لو كان العبد مُشتركًا بين موالي، ويُطلق المولى أيضًا على المعتِق، والعَتيق، وابن العَمِّ، والناصِر، والجار، والحَلِيْف، ومَن ولي أَمر أحدٍ كالسيِّد، وهو المراد هنا؛ لأنَّه مَولى أَمْرِ العبد، وقَرينته لفظ: العبد، ولهذا لم يُعمم في الكلِّ حملًا للمُشترك على معانيه، كما هو مَذْهب الشَّافعي؛ لأن ذاك حيثُ لا قَرينةَ تخصِّص البعض، وتَوقُّفه على القَرينة لا يُخرجه عن كونه حقيقةً فيه؛ لأنَّ هذه القرينة تُخرج غيرَه بخلاف قَرينة المَجاز فإنَّها المخصِّصة له.
فإن قيل: يكون للعبْد ضِعْف أَجْر السيِّد؛ قيل: قد يُلتزم ذلك، أو يكون ضِعفه من هذه الجِهَة، وللسيِّد أَضعافُ ذلك من جِهاتٍ أُخرى، والمراد إنما هو تَرجيح العبْد المؤدِّي للحقَّين على العبد المؤدِّي لأَحدهما.
فإن قيل: فالصَّحابي الذي كان كِتابيًّا يَلزم أنْ يَزيد أَجره على أكَابِر الصَّحابة.
قيل: خَرجوا بالإِجماع، ويلتزم ذلك في كلِّ صحابيٍّ لا يدلُّ دليلٌ على زيادةِ أَجره على مَن كان كِتابيًّا.
(يطؤها)؛ أي: يتمكَّن من وطئِها شَرعًا وإنْ لم يَطَأْ.
(فأدبها) الأدب: حُسن الأَحوال والأَخلاق.
(فأحسن) أي أَدَّبها من غير عُنْفٍ وضربٍ، بل بالرِّفْق، وإنما غايَر بينه وبين التَّعليم وهو داخلٌ فيه؛ لتعلُّقه بالمُروءات، والتعليم بالشَّرعيات، أي: الأول عُرفيٌّ، والثاني شَرعيٌّ، أو الأول دُنيويٌّ، والثاني دِينيٌّ، وعطْفهُ (أعتقَ) بـ (ثم) والباقي بالفاء؛ لأنَّ التأْديب والتعليم يَنفعان في الوطء، بل لا بُدَّ منهما فيه وقبله، والعِتْق نقْلٌ من صِنْفٍ إلى صِنْفٍ، ولا يخفى ما بين الصِّنْفين من البُعد، بل من الضِدِّية في الأحكام، والمُنافاة في الأَحوال.
(فله أجران) الظاهر أنَّ الضمير للرجل، ويحتمل أنْ يُعاد إلى كلٍّ من الثلاثة.
واعلم أنَّه إنما خصَّ الثلاثة وإنْ كان مَنْ صامَ وصلَّى له أَجران، والولد إذا أدَّى حقَّ الله وحقَّ والده له أَجران؛ لأن كلًّا من الثلاثة فاعلٌ لضِدَّين.
فإنْ قيل: فلِمَ لا كان للأَخير أربعةُ أُجورٍ: التَّأْديب، والتَّعليم، والإِعْتاق، والتَّزويج، بل سبعةٌ؛ لأنَّ المراد أنَّه لأجل ذلك جمَع بين مُتنافيَين، الأَجْران وما زادَ على ذلك.
قيل: قال (ط): أي إنَّ أحد الأجرَين على العِتْق والتَّزويج، والآخر على التأْديب والتعليم، وإنما كرَّر: له أَجران؛ للاهتمام والتوكيد، كما
قال الحَماسي:
وإنْ أَرادتْ مواثيق عهد
…
على مِثْلِ هذا إنَّه لكريم
وأجاب المُظهري بأنَّ الأجرَين بالإعتاق والتَّزويج، لأنَّ الأجر فيهما أكمَل.
(أعطيناكها) الخِطاب لصالح، والضمير في (ها) للمسأَلة، أو المقابلة.
(بلا شيء)؛ أي: من أَجْره ونحوها، وإلا فالأَجر في الآخِرة على ذلك موجودٌ.
(قَدْ) في بعض النُّسَخ: (فقَدْ).
(تركب)؛ أي: ترحل.
(المدينة) اللام للعهد، أي: طَيْبة.
واعلم أنَّ الترجمة فيها (الأهل)، وليستْ في الحديث، إلا أن تكون بالقياس، أو أراد أن يُورد فيه حديثًا غير ذلك فلم يتفق له.
قال (ن): وفي قول الشَّعبي جواز ذلك قول العالِم مثلَه للمُتعلِّم؛ للتَّحريض على العِلْم.
وفيه: ما كان السَّلَف عليه من الرِّحلة البَعيدة في المسأَلة الواحدة.
قال (ط): وفيه قصْدُ المدينة؛ لأنَّها مَعدِن العِلْم، وكان يُرحَل إليها في طلَبه.
* * *