الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّيءِ أن لا يوجدَ عند عَدَمهِ، لجوازِ نقيض آخر، ولا يلزمُ من كونه خرجَ بالتَّغيُّر إلى النَّجاسة أن لا يخرُج إلا به، لاحتِمالِ وصفٍ آخر يخرجُ به عن الطَّهارة بِمجرَّد المُلاقاة، وهو كونُه قليلًا كما قال به الشَّافعيُّ عَمَلًا بحديثِ القُلَّتَين.
* * *
71 - بابُ الماء الدَّائِمِ
(باب لا تبولوا في الماء الدائم): في بعضِها: (بابُ الماء الدَّائم)، وفي بعضِها:(البولِ في الماءِ الدَّائم).
238 -
حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبو الزِّناَدِ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحمَنِ بْنَ هُرْمُزَ الأَعْرَجَ، حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمعَ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ).
(ع).
(أبو الزِّناد) عبدُ الله بنُ ذَكْوانَ.
(الآخرون) بكسر الخاء جَمعُ (آخِر) مقابلُ (أوَّل)، أمَّا (آخَر) بالفتح: فأفعلُ تفضيلٍ بمعنَى مُغايِر، فهو أعمُّ من الآخِر بالكسر، والمعنَى: نحنُ المُتأخِّرون في الدُّنيا المتَقَدِّمون يومَ القيامة.
* * *
239 -
وَبِإِسنَادِهِ قَالَ: (لَا يَبُولَنَّ أَحَدكم فِي المَاءِ الدَّائِم الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ).
(وبإسناده) أي: إسنادِ الحديث السَّابق، وهو أبو اليَمَان إلى آخره.
(ثم يغتسل) قال ابنُ مالك: يجوزُ جَزمُه عَطفًا على (يبولَنَّ)، المَجزوم مَحلًّا بـ (لا) النَّاهية، ولكنَّه فُتِحَ بناءً لتوكيدِه بالنُّون، والرَّفعُ أي: ثم هو يغتَسلُ، والنَّصبُ على إضمارِ (أَنْ) إعطاءً لـ (ثُمَّ) حكمَ واو الجَمعِ، كما جَرت الأَوجُه في {ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ} [النساء: 100]، وقُرِئ شاذًّا بالنَّصبِ والرَّفع، ومنعَ القُرطُبِيُّ النَّصب، وكذا قال (ن): إنه لا يجوزُ، لأنَّه يقتَضي أنَّ النَّهي للجَمع بينَهما دونَ إفرادِ أحدِهِما، ولم يقلْه أحَدٌ، بل البولُ منهيٌّ أرادَ الغُسلَ منه أو لا.
قال (ك): لتشبيهِ (ثمَّ) بالواو في النَّصب لا في الجَمع، وإنْ سُلِّمَ؛ فمَنعُ الإفرادِ بدليلٍ آخر مثل:{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} [البقرة: 42] على تقديرِ النَّصب.
فإن قيلَ: ما دخلُ (نحن الآخِرون السَّابقون) في الترجمة؟ وما مُناسبَةُ الحديث لآخِرِه؟
قيل: أجابَ (ط) عن الأوَّل بأنَّ أبا هُريرة يُمكن أن يكون سَمِعهما جَميعًا فأدَّاهُما كذلك، فرواه البخاريُّ جُملَةً، كان كان الدَّليلُ في الآخر
فقط، وقد ذَكَر مثلَه في (الجهاد) وغيرِه، أو أنَّ همَّامًا يسَمِعه من أبي هريرة كذلك، فرواه، فيجعلُ (نحنُ السابقون) في أوَّل الصَّحيفة التي يرويها، ثم يذكرُ الحديثَ بعدَه، ووافقه على الجوابَين غيرُه.
وأما الثَّاني: فنَقل (ك) عن بعضِ علماءِ عَصره بأنَّ الوَجه أنَّ هذه الأمَّة لما كانت آخرَ من يُدفَنُ وأوَّلَ من يَخرجُ؛ لأنَّ الأرضَ وعاءٌ، والوِعاءُ آخرُ ما يُوضَعُ فيه أوَّلُ ما يُخرَجُ منه، فكذا الماءُ الرَّاكدُ آخرُ ما يقعُ فيه من البَول أوَّلُ ما يُصادِفُ أعضاءَ المُتطَهِّر منه، فينبَغي أن يُجتَنَب. قال: وكَلَفُ الكُلْفَةِ فِي وجهِه لا يَخفَى عليك.
(الذي لا يجري) صفةٌ للدَّائم، وهو مِنْ دامَ الشَّيءُ: إذا سَكَن، ومفهومُ الحديثِ أنَّ الجاريَ مخالفٌ لحكمِ الرَّاكدِ، والمعنى في الفَرق: أنَّ الجاريَ إذا خالطَه نَجِسٌ دفعَه الجزءُ الثَّاني الذي يليه، فيغلِبُه، فيصيرُ كالمُستَهلَك، ويَخلُفُه الطَّاهرُ الذي لَم يُخالطْه نَجِسٌ، والرَّاكدُ ليس فيه شيءٌ يدفَعُ بل يداخِلُه، فكلُّ ما يستعملُ منه النجِسُ فيه قائمٌ، والماءُ في حدِّ القُلَّة، فكانَ نحوَ ما قاله (خ).
قال (ك): وفي الحديث تحريمُ الوُضوء والغُسل بالماء النَّجس، والتأديبُ بالتَّنزه عن البَول، والنَّهيُ عن البولِ في الماء، لأنَّه إمَّا يُنجِّسُه إن كان قليلًا فيحرُم، وإمَّا يقَذِّرُه إن كان كثيرًا، فالنَّهي للتنزيه؛ لأنَّ طهارتَه باقيةٌ، حتَّى يتغيَّر.
وقال داود: النَّهيُ مُختصٌّ ببول البائِل، حتى يجوز لغيرِه أن