الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ اللهَ لَا يَسْتحيِي مِنَ الحَقِّ، هَلْ عَلَى المرأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احتَلَمَت؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(نعم، إِذَا رَأَتِ المَاء).
(بنت أبي سلمة) لفظُه هناك: بنتُ أمِّ سَلَمَةَ، وكلاهُما صحيحٌ.
قال (ط): لا خلافَ أنَّها كالرَّجلِ في وجوبِ الغُسلِ إذا رأت الماء، وفيه دليلٌ على أنَّه ليسَ كلُّ النِّساء يَحتَلِمنَ، ففي غيرِ هذه الرِّواية أنَّ أمَّ سُلَيمٍ غَطَّت وجهَها وقالت:(أتَحتَلِمُ المَرأةُ)؟
وفيه أنَّ مَن جَهِلَ شيئًا من دينه يلزمُه أن يَسألَ عنه العالِمَ به، ولا حياءَ في ذلك، وإنَّما الحياءُ فيما منه بُدٌّ، وإنَّما اعتَذَرت لمُشافَهتِه صلى الله عليه وسلم بِمثلِه.
* * *
23 - بابُ عَرَقِ الجُنُبِ، وَأَنَّ المُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ
(باب عرق الجنب، وأنَّ المسلمَ لا ينجس): بضَمِّ الجيم وفتحِها بناءً على ضمِّها في الماضي وكَسرِها.
283 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ المَدِينَةِ وَهْوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ:(أَيْنَ كنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَة؟)، قَالَ: كنْتُ جُنُبًا،
فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَناَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَقَالَ:(سُبْحَانَ اللهِ! إِنَّ المُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ).
(ع).
(علي)؛ أي: ابنُ المَدينيِّ.
(يحيى)؛ أي: القَطَّانُ.
(حُميد) -بالضمِّ-؛ أي: الطَّويلُ.
(بكر)؛ أي: ابنُ عبدِ الله المُزنيُّ.
(عن أبي رافع) وهو نُفَيعٌ بالتصغير، الصَّائِغُ بالغَين المعجمَة.
(جنب) هو ممَّا يستَوي فيه المُفرَدُ وغيرُه قال تعالى: {وَإِن كُنْتُمْ جُنُبًا فَاَطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
والجنابةُ: البُعد، فسُمِّي جُنُبًا؛ للنَّهي عن أن يَقرَب الصَّلاة ما لم يتطَّهر.
(فانبجست)؛ أي: قالَ أبو هريرةَ ذلك، وهو بالنَّون والمُوَحَّدة، أي؛ انفَجَرتُ وجَرَيتُ، وهي رِوايةُ ابنِ السَّكَنَ، فوزنُ الفعلِ: اِنْفَعَلَ، ويروى:(اِنْخَنَسْتُ) بالخاء المُعجمة والنُّون.
قال (ط): وهي الأكثرُ، أي: تأخَّرتُ وانقبَضتُ، ومنه وُصِفَ الشَّيطانُ بالخَنَّاس، ومنه قوله تعالى:{فَلَاَ أُقسمُ بالخُنَّس} [التكوير: 15]، وانْخِنَاسُها: رُجوعُها وتواريها تحتَ ضَوءِ الشَّمس.
وقيل: اختِفاؤُها بالنَّهار، وفي بعضِها:(انتَحَست) اِفتِعَالٌ من
النَّحْسِ، أي: اعتَقَدتُ نَفسي نَحِسًا.
(فذهبت فاغتسلت) هو المناسِبُ لما قبله، وفي بعضِها:(فذهَبَ فاغتَسلَ)، وهو من النَّقل من الرَّاوي عنه بالمعنَى، ويجوزُ أن يُجعَلَ من قَول أبي هريرة، بأن يكونَ قد جعلَ نفسَه غائبًا، ومثلُه يُسمَّى بالتَّجريد، يعني جَرَّدَ من نفسِه شخصًا وأخبَرَ عنه، فيكونُ ذلك من لفظِه بعينه.
(يا أبا هريرة!) يجوز أن تُحذفَ همزةُ (أبا) تخفيفًا.
(سبحان الله) منصوبٌ بفعلٍ لازمِ الحذف، وأتى به هنا للتَّعجبِ والاستِعظام، أي: كيف يَخفى مثلُ هذا الظَّاهرِ علَيك.
قال (خ): وفي الحديث دليلٌ على جواز تأخيرِ الاغتِسال عن أوَّلِ وقتِ وُجوبه.
قال (ط): وعلى أنَّ النجاسةَ في الآدميِّ ليست في ذاته؛ بل لِمَا يعتَريه من تَرك التحفُّظِ من النَّجاسات والأقذار، كما في قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]؛ أي: لنَجاسَةِ أفعالِهم، والبعدِ عمَّا قدَّسه الله من بُقعةٍ أو كتاب، حتَّى إنَّ عَرَقه طاهرٌ [لإباحتِه، قال تعالى: {ياأَهْلِ الْكِتَابِ} ولم يسلَم من ضاجَعَهُنَّ من عَرَقٍ، ولا خلافَ في عَرَقِ الجنُب أنَّه طاهرٌ](1)، فدلَّ على أنَّ نَجاسةَ الآدميِّ لا في ذاته؛ بل لِما يَعرِضُ له، فلذلك قال هنا:(إنَّ المُؤمِنَ لا ينجُس)،
(1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.