الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روَوْه عن سُفيانَ بلا شكٍّ.
(صوتًا)؛ أي: وهو من الدُّبُر، (أو ريحًا) أي: ولو من القُبُل، وذِكرُ الصَّوتِ والرِّيحِ ليس لقَصرِ الحُكمِ عليهما، فكلُّ حَدَثٍ كذلك، إلا أنَّه وقَع جوابًا لسؤالٍ، ثمَّ المُرادُ بِـ (يَسمع) (ويَجد): التَّحقيقُ، حتَّى لو كانَ أَخشَمَ لا يشُمُّ؛ أو أصَمَّ لا يسمَعُ؛ كان الحكمُ كذلك، لأنَّ المعنَى مفهومٌ، وقد جاء في روايةٍ: "إذا وَجَدَ أحدُكم في بطنِه شيئًا فأشكَلَ عليه
…
" إلخ.
وهذا الحديثُ أصلٌ في قاعدة: اليقينُ لا يُزالُ بحدوثِ الشَّكِّ، كمن تيقَّن النِّكاحَ، وشكَّ في الطَّلاق ونحوِ ذلك؛ نعم، مالكٌ يُخالفُ فيهما، فيُروى عنه: أنَّ من شكَّ في الحَدَث بعدَ تيقُّن الطَّهارة فعليه الوُضُوء، قال: لأنَّا تُعُبِّدنا باليقين؛ والشَّكُّ يبطِلُه، كالمُتوضِّئ ينامُ مضطجعًا، فإنَّ النومَ نفسَه ليسَ حدثًا؛ بل هو شكَّ أَخَرجَ منه شيءٌ أم لا؟ ومع ذلك ينتقضُ الوُضُوء به.
قلتُ: لمَّا كانَ مظنةً لأمرٍ غيرِ مُنضَبطٍ؛ جُعلت المظنَّة حَدثًا، بخلاف مَسألتِنا.
* * *
5 - بابُ التَّخْفِيفِ فِي الوُضُوءِ
(باب: التَّخْفِيفِ فِي الوُضُوءِ)
138 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو
قَالَ: أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ صَلَّى -وَرُبَّمَا قَالَ: اضْطَجَعَ حَتَّى نَفَخَ- ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى، ثُمَّ حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونة لَيْلَةً، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فتَوَضَّأ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا -يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو ويُقَلِّلُهُ - وَقَامَ يُصَلِّي فتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ، ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ -وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: عَنْ شِمَالِهِ- فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينهِ، ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ اضْطَجَعَ، فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ المُنَادِي فآذَنَهُ بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ مَعَهُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَصَلَّى وَلَمْ يتَوَضَّأْ، قُلْنَا لِعَمْرٍو: إنَّ ناَسًا يَقُولُونَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَنَامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: رُؤْيَا الأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، ثُمَّ قَرَأَ:{قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102].
(ع)
وإسنادُه مكِّيون سوى عليٍّ، وقد أقامَ بِها، وهو روايةُ تابعيٍّ عن تابعيٍّ.
(نفخ) بفاءٍ ومُعجَمَة، أي: من خَيشُومِه، وهو المُسمَّى:(غَطيطًا) كما سبَق في (باب السَّمَرِ في العِلم).
(وربما) أصلُ (رُبَّ) للتَّقليل، وتستَعمَلُ للتَّكثير، وهما محتَمَلان هنا.
(اضطجع)؛ أي: قالَها بدلَ (نام)، وزادَ لفظَ (قامَ).
(ثم حدثنا) هو من قولِ ابنِ المَدينِيِّ.
(خالتي) لأنَّ أمَّه لُبابةُ، أختُ ميمونةَ كما سبقَ بيانُه.
(فلما) إلى آخره، هو من عَطفِ مُفصَّل على مُجملٍ، حتَّى يتغَايرا.
(كان) الضميرُ فيه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، اسمُها إنْ كانت ناقصةً، وفاعلُها إن كانت تامَّةً على رِوايةِ (في بعضِ الليلِ)، أمَّا على رواية (مِن)، فتكونُ زائدةً، و (بعضُ) هو الفاعلُ بِـ (كان).
(شَنٌ) بفتح المُعجَمة: قِربةٌ خَلَقٌ، (معلق) بالتَّذكير على معنَى الجِلدِ أو السِّقاءِ أو الوِعاءِ، ويروى:(معلَّقة) -بالتأنيث-؛ أي: القِربَة.
(يخففه عمرو) أي: ابنُ دينار، وهو: مُدرَجٌ من ابنِ عُيينةَ، (ويقلله) من باب الكَمِّ، بخلافِ (يخفِّفُه)؛ فإنَّه من بابِ الكَيف، فهذا الفرقُ بينَهُما.
قال (ط): يريدُ بالتَّخفيف: تَمامَ غَسلِ الأعضاء دونَ التَّكثير، وإمرارِ اليدِ عليها، وذلك أدنَى ما تُجزئُ الصلاةُ به، وإنَّما خفَّفه الرَّاوي؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم كان يتوضَّأ ثلاثًا ثلاثًا، فالواحدةُ بالنِّسبة إلى الثَّلاث تخفيفٌ.
(نحوًا)، هي دونَ (مِثل)، لأنَّه لا يقدِرُ على مثلِه، قاله:(ك).
وسيأتي بعدَ أبوابٍ: (فقُمتُ فصَنعتُ مثلَ ما صنعَ)، ولا يلزمُ من إطلاقِ المثليَّةَ المُساواةُ من كل جِهَة.
(وربَّما
…
) إلخ، هو إدراجٌ من ابنِ المَدينِيِّ.
(بشماله) ضِدُّ اليمين، بخلافِ الشَّمَال بفتح الشِّين، فإنَّه الرِّيحُ التي تَهُبُّ من ناحِيَة القُطبِ خلافِ الجَنوبِ.
(فآذنه) بالمدِّ، أي: أعْلَمَه، وفي بعضِها:(يُآذِنُه)، بلفظِ المُضارعِ بلا فَاء.
(معه)؛ أي: مع المُنادي، أو مع الإيذانِ.
(قلنا
…
) إلخ، وهو من قَولِ سفيانَ.
(عبيد) هو: أبو عاصِمٍ المَكِّيُّ، قيلَ: رأى النبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَلِيَ قضاءَ مكَّةَ، وماتَ قبل ابنِ عمرَ.
(رؤيا) مصدرٌ كـ (رُجْعَى)، وتختصُّ بالمَنامِ كما اختصَّ الرَّأيُ بالقَلبِ، والرُّؤيةُ بالعَين.
قلت: هذا صوابٌ، خلافًا لما قالَه (ك) في حديث:(أولُ ما بُدِئَ به منَ الوَحي)، وسبَقَ بيانُه.
ووجهُ الاستدلالِ بالآية: أنَّ الرُّؤيا لو لَم تكن وحيًا؛ لما جَازَ لإبراهيمَ عليه السلام الإقدامُ على ذبحِ ولدِه، فإنَّ ذلكَ حرامٌ.