الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَسِرَةَ عُفِيَ عن اللَّونِ أو الرِّيح.
* * *
69 - بابُ أَبْوَالِ الإِبِلِ وَالدَّوَابِّ وَالغَنَمِ وَمَرَابِضِها
وَصَلَّى أَبُو مُوسَى فِي دارِ البَرِيدِ وَالسِّرقِينِ وَالبَرِّيَّةُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: ها هُنَا وَثَمَّ سَوَاءٌ.
(باب أَبْوَالِ الإبِلِ وَالدَّوَابِّ وَالغَنَم وَمَرَابِضِها): المرادُ: الدَّوابُّ بالمعنَى العُرفيِّ، وهو ذواتُ الحوافِرِ من فَرسٍ وبَغلٍ وحِمارٍ، لا بالمعنَى اللُّغوي، وهو ما دبَّ على الأرضِ، فإنَّ عطفَها على الإبلِ، وعطفَ الغَنَم عليها اقتضَى مغايرتَها، إلا أن يُجعَلَ من عَطفِ عامٍّ على خاصٍّ، ثم عَطفِ خاصٍّ على عامٍّ.
(ومرابضها) جمع (مربِض) بكسر المُوحَّدة والضَّاد المعجمة، وهي للغَنَمِ كالمعاطِنِ للإبل، ورُبُوضِ الغَنَم مثلُ بُروكِ الإِبل، ويقال: مِربَضُ الغَنَم: مَأواها.
(البريد) بفتحِ المُوحَّدة، قال الجوهري: هو المُرَتَّبُ، والرَّسولُ، واثنا عشَر ميلًا، أي: يُطلَق على كلٍّ منها، ودارُ البَريدِ: منزلُ مَن يأتي برسالةِ السُّلطانِ ونحو ذلك.
قال (ش): البَريدُ المُرتَّب في الرِّبَاط، ثم سُمِّي به الرَّسولُ
المَحمولُ عليها، ثم سُمِّيت المسافَة به، والجَمع (بُرُد) بضَمَّتَين؛ قاله المُطَرِّزيُّ، والمُراد هنا في الحديثِ: الأَوَّل.
(والسرقين) بكَسرِ السِّين وفَتحِها، ويقالُ له: السِّرجِين بالجيم: رَوثُ الدَّوابِّ، وهو مُعَرَّبٌ، لأنَّه ليسَ في الكلامِ (فَعيل) بالفَتح، وهو عُطِفَ على (البَريد) أو على (دار)، ويُروى بالرَّفع أيضًا.
(والبرية إلى جنبه) جُملةٌ حاليَّةٌ، والبَرِّيةُ: بفتحِ المُوحَّدة وتشديدِ الرَّاء؛ قال في "المُحكَم": هي خلافُ الرِّيفيَّة، فهي الصَّحراءُ نسبةً إلى البَرِّ، خلاف البَحر.
(هاهنا وثم سواء)؛ أي: ذلك والبَرِّيَّة مُستَويان في جواز الصَّلاة فيه، أي: لأنَّ ما فيها من الأَرواثِ والبَولِ طاهِرٌ، فلا فَرقَ بينها وبينَ البَرِّيَّة، وقَصَدَ البخاريُّ من هذا الاستدلالَ على طَهارة بَول ما يُؤكلُ؛ لكنَّه لا حُجَّةَ فيه لاحتِمالِ أنَّه بَسَطَ ثَوبًا، بل ولا في الحديثِ لِما سنَذكُرُه.
* * *
233 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَربٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أيوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: قَدِمَ أُناَسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَأمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلِقَاحٍ، وَأَنْ يَشْربُوا مِنْ أَبْوَالِها وَألبَانها، فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا قتلُوا رَاعيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الخَبَرُ فِي أَوَّلِ النهارِ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهم، فَلَمَّا ارْتَفَعَ
النَّهارُ جِيءَ بِهم، فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُم وَأَرجُلَهُم، وَسُمِرَتْ أَعيُنُهُم، وَأُلْقُوا فِي الحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَونَ، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: فَهؤُلَاءَ سَرَقُوا وَقتَلُوا وَكَفَرُوا بَعدَ إِيمَانِهم، وَحَاربوا الله وَرَسُولَهُ.
الحديث الأول (م د س):
(قدم ناس)، وفي رواية:(أُناسٌ).
(من عُكْل) بضَمِّ المُهمَلة وسكونِ الكاف.
(أو عُرَينة) بضَمِّ المُهمَلَة والرَّاء المَفتوحةِ وسكونِ الياء، قبيلتان معروفتان، والشَّكُّ من الرَّاوي، وهو أنسٌ رضي الله عنه.
قال السَّفاقُسِيُّ: و (عُكْل) هم (عُرَينة)، وسيأتي في البخاريّ أنَّ عِدَّتَهم ثَمانية، أي: قَدِما إلى النبِي صلى الله عليه وسلم أو إلى المَدينة، ويحتملُ أنَّ (قَدِمَ) متعلقٌ بلفظِ (المَدينة)، كما أنَّ:(فاجتَوَوا) كذلك، فهو من التَّنازُع.
(فاجتووا) بالجيم؛ أي: كَرِهوا، يقالُ: اجتوى البلدَ؛ كَرِة المُقامَ بِها، وإن وافَقَت بدَنَه، بخلاف استَوبَأَها؛ فإنَّه إذا لم تُوافِق بدَنَه وإن أحبَّها، والمرادُ أنَّهم استَوخَموها.
(بلقاح) بلامٍ مكسورةٍ جَمع (لَقُوحٍ)، وهي: الحَلُوبُ كـ (قُلُوصٍ وقِلاصٍ).
قال أبو عمرو: وهي لَقوحُ شهرَين أو ثلاثة، ثمَّ هي لَبونٌ.
قال ابن سعد: كانت عِدَّتُها خَمسةَ عشرَ.
(وأن يشربوا) في محلِّ جَرٍّ عطفٌ على (لِقَاح).
وردَّد (ك) بينَ أن تكونَ مُلكَه صلى الله عليه وسلم، أو لبيتِ المالِ، أو مُشتَرَكَةً بينهما، وعلى هذين إذنُه لَهم في ألبانِها، لأنَّ ألبانَ الصَّدَقَةِ للمُحتاجين من المُسلمينَ، وهؤلاءِ منهم.
(صحوا)؛ أي: من مَرَضِهم.
(راعي النبي صلى الله عليه وسلم) اسمُه: يسارُ النوبِيُّ.
(واستاقوا)؛ أي: ساقُوا.
(النعم) بفتحِ النُّون واحدُ الأَنعام، وهي الأموالُ الرَّاعيةُ، وأكثرُ ما تقعُ على الإبل.
(فبعث)؛ أي: سَريَّةً، وكانوا عشرين، وأميرُهم: كُرْزُ بنُ جَابرٍ، وقال موسى بنُ عُقبَةَ: أميرُهم سعيدُ بنُ زَيدٍ، وروى الطَّبَرِيُّ: أنَّه جريرٌ، ولا يصحُّ.
(فأمر): قال (ك): هي الفاءُ الفَصيحةُ، أي: المقتضيةُ للعَطف على مَحذوفٍ، أي: فأخَذوا وجاؤوا بِهم فَأَمَر، وهو عجيبٌ فإنَّه صَريحٌ في الحديث، وهو قوله:(فجيء بِهم فأمر)، وفي بعضِها:(فأمَر فقَطعَ)؛ أي: أمَرَ بالقَطعِ، فقَطَع.
(أيديهم)؛ أي: يدَ كلِّ واحدٍ منهم بناءً على أنَّ أقلَّ الجمع اثنان، أو من توزيعِ الجَمع على جَمع، أي: من كلّ واحدٍ يدًا واحدةً.
(وسمرت): قال (ن): ضَبطوه في البخاريِّ بتشديدِ الميم، أي: كَحَلَ أعيُنَهم بمساميرَ مَحْمِيَّةٍ.
وقال المُنذِريُّ: هو بتخفيف الميم، أي: كَحَّلَها بالمَساميرِ، وشدَّدَها بعضُهم، والأوَّل أشهرُ وأوجَهُ، وقيل: سُمِّرَت: فُقِئَت، أي: مثلَ ما رُوِي: (سُمِلَ) باللام مبنيًّا للمفعول، أي: فُقِئَت أعينُهم، فيكونُ السَّمرُ بمعنَى السَّملِ، لقُربِ مَخرجِ الرَّاء واللام.
(الحرة) بفتحِ المُهملةِ وتشديدِ الرَّاء: أرضٌ ذاتُ حجارَةٍ سودٍ، كأنَّها أُحرقت بالنَّار، ويحتملُ إرادةُ حرارةِ الشَّمس.
(فلا يسقون) المَنع من ذلك مع كونِ الإجماع على سَقيِ مَن وَجَبَ قتلُه إذا استَسقَى، إمَّا لأنَّه ليس بأمرِه صلى الله عليه وسلم، أو أنَّه نَهيٌ عن سقيِهم لارتدادِهم، ففي مسلِمٍ والتِّرمذِي: أنَّهم ارتدُّوا عن الإسلام، وحينَئِذٍ فلا حُرمَةَ لَهم كالكلبِ العَقورِ، وكذا في قولِ البخاري، (قال أبو قتادة
…
) إلى آخره، إذا جُعِلَ من قَولِ أيُّوبَ، حتى يكونَ مُسندًا لا تعليقًا من البخاريّ.
وأما سَمْرُ أعينِهم، فإمَّا أن يكونَ قبل نزولِ الحدودِ وآيةِ المُحارَبة والنهيِ عن المُثلَةِ، فيكونُ منسوخًا، وإمَّا أنَّ ذلك قِصاصٌ، ففي "مسلم": أنَّهم فَعَلوا بالرَّاعي ذلك، وإمَّا أنَّ النَّهيَ عن المُثلَةِ نَهيُ تنزيهٍ لا تحريمٍ.
والحديثُ إن جَعَله البُخاريُّ حجَّةً لطهارَةِ الرَّوثِ والبَولِ مُطلقًا -كما هو قَولُ الظَّاهريَّة ولم يستَثنوا إلا بولَ الآدمِيِّ فقط- فالقَضيَّةُ في أبوالِ المأكولِ لا عامَّة، ولا يَسوغُ قياسُ غيرِ المأكولِ على المأكولِ
لظُهورِ الفَرق، وكذا إن وَافق مالكًا في أنَّ بولَ ما يُؤكَلُ طاهرٌ دونَ غيره؛ لأنَّه للتَّداوي من أمراضِهم، لكنَّ مالكًا يَمنَعُ التَّداوِيَ بالنَّجِسِ، كما نقَله (ط).
وأمَّا أبو حنيفةَ، والشَّافعيُّ وغيرُهما من القائلينَ بنجاسةِ البَولِ مُطلقًا، فلا يَمنعونَ المُداواةَ بالنَّجِس، ويحمِلونَ الحديث على ذلك.
وقال ابن القَصَّار: إنَّ مالكًا يقيسُ ما يُؤكَلُ على ريقِهِ وعَرَقه، لأنَّ كلًّا مائعٌ مستحيلٌ من حَيَوانٍ مأكولٍ ليسَ بدَمٍ ولا قَيحٍ، وجوابُه أنَّ ذلك لا يَجتمِعُ ولا يَستحيل في باطِنٍ، بخلافِ البَول، فإنَّه أشبهُ بالدَّمِ والقَيح، وأيضًا فيلزَمُه ذلك في بَولِ ما لا يُؤكَلُ.
* * *
234 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعبَةُ قَالَ: أَخْبَرَناَ أَبُو التَّيَّاحِ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يُبْنَى المَسْجدُ فِي مَرَابِضِ الغَنَم.
الثاني:
قوله: (أبو التياح) بفتحِ المُثنَّاة وتشديدِ الياءِ والحاءِ المُهمَلة، اسمه: يزيدُ.
(المسجد) اللام للعَهد؛ أي: مَسجِدِ المَدينة.