الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقبض أمانة: وهو: ما كان فيه القابض غير مسئول عن المقبوض إلا بالتعدي، أو التقصير في الحفظ.
ويرى الحنفية أن قبض الضمان أقوى من قبض الأمانة.
والقبض في الوديعة هو قبض أمانة، والقبض المستحق بالصرف هو قبض ضمان، وقبض الأمانة لا ينوب عنه؛ لأنه دونه، فلا بد من تجديد القبض، فإذا افترقا قبل تجديد القبض، أو كانت الوديعة ليست حاضرة بطل الصرف.
واستدل غيرهم: بأنه لما كان حق المودع بكسر الدال متعلقًا بعين الوديعة ولم يتعلق حقه بذمة المودَع، لم تقع المصارفة على ما في ذمة المودع حتى يقال: إن ما في الذمة بحكم العين الحاضرة، أو بحكم المقبوض، وإنما وقعت المصارفة على عين الوديعة، وهي غائبة عن مجلس العقد، فكانت حقيقة المصارفة: صرف عين غائبة بعين حاضرة، وهذا لا يجوز في الصرف.
يقول الباجي: «لأن حق المودع متعلق بعين ماله، ولم يتعلق بذمة الشخص المودع، فلا يجوز أن يصارف به إلا عند حضوره»
(1)
.
دليل من قال بصحة الصرف في الوديعة:
أن المطلوب من القبض ليس الضمان، وإنما المطلوب من القبض أن تكون تحت يده، ويتمكن من التصرف فيها، والوديعة حقيقة في يد المودع، وتحت تصرفه، ولذلك لو تعدى في حفظها وقصر لضمن الوديعة مما يدل على أنها تحت يده، وإذا كان القبض الحكمي كالقيد المصرفي ينوب مناب القبض الحقيقي مع أنه لا يوجد تقابض في اليد، فقبض الوديعة أولى بالاعتبار؛ لأن
(1)
المنتقى شرح الموطأ (4/ 263).
قبض الوديعة قبض حقيقي وليس حكميًا وإذا كان الشأن كذلك فإن الصرف صحيح، وقد تحقق شرط الصرف من وجود التقابض من الطرفين، حيث لم يتفرقا إلا وكل واحد منهما في يده وتحت تصرفه بدل الصرف.
* * *
الفرع الثاني
المصارفة في الوديعة المصرفية
عرفنا في المسألة السابقة حكم المصارفة في الوديعة المطلقة غير المصرفية، فهل يختلف الحكم في الوديعة المصرفية؟
قبل الجواب على ذلك: نبين الفرق بين الوديعة المطلقة والوديعة المصرفية:
الوديعة المطلقة: أمانة في يد صاحبها، لا يتصرف بها، ولا يخلطها بماله، ويقبضها لمصلحة صاحبها فقط.
الوديعة المصرفية: يملكها المصرف، ويتصرف بها، ويتاجر، ويخلطها بماله، ويقبضها لمصلحته هو.
الوديعة المطلقة: إذا تلفت من غير تعد ولا تفريط لا يضمنها المودَع.
الوديعة المصرفية: مضمونة على المصرف حتى ولو تلفت بآفة سماوية، ولوجود هذا الفرق بين الوديعة المصرفية والوديعة الفقهية يذهب كثير من الباحثين إلى تكييف الوديعة المصرفية على أنها قرض، وهو الصحيح.
[ن-67] إذا عرفنا ذلك فما حكم المصارفة بالوديعة المصرفية؟
أما من أجاز المصارفة بالوديعة المطلقة كالحنابلة
(1)
، وقول في مذهب المالكية
(2)
، فهو سيجيز المصارفة بالوديعة المصرفية، إما لأنها من جنسها، أو لأنها من باب أولى.
(1)
المغني (4/ 57)، كشاف القناع (3/ 270)، قواعد ابن رجب، القاعدة الثامنة والستون (ص: 121).
(2)
المنتقى للباجي (4/ 263).
وأما من منع المصارفة بالوديعة المطلقة كالحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، والشافعية
(3)
، فينبغي أن يقول بالجواز بالوديعة المصرفية؛ لأن تعليل الحنفية للمنع: هو عدم ضمان الوديعة، لأن القبض في الوديعة المطلقة هو قبض أمانة، والقبض المستحق بالصرف هو قبض ضمان، وقبض الأمانة أضعف من قبض الضمان، فلا ينوب الأضعف عن الأقوى، فإذا علم أن قبض المصرف لما يسمى بالوديعة المصرفية هو قبض ضمان، اقتضى ذلك جواز الصرف عندهم.
وكذلك تعليل المالكية بالمنع من المصارفة بالوديعة المطلقة يقتضي جواز المصارفة بالوديعة المصرفية؛ لأن تعليل المالكية أن حق صاحب الوديعة متعلق بعين الوديعة ولم يتعلق حقه بذمة المودَع، فلم تقع المصارفة على ما في ذمة المودَع حتى يقال: إن ما في الذمة بحكم العين الحاضرة، أو بحكم المقبوض، وإنما وقعت المصارفة على عين الوديعة، وهي غائبة عن مجلس العقد، فإذا علم أن حق المودِع في الوديعة المصرفية متعلق بذمة المودَع، اقتضى ذلك جواز الصرف عندهم.
فالتعاليل التي احتج بها الفقهاء لمنع المصارفة بالوديعة، هي غياب الوديعة، أو عدم ضمانها من قبل المودع، والوديعة المصرفيه مضمونة على المصرف.
نعم يتنزل الخلاف فيها كالخلاف في المصارفة على ما في الذمة، وقد سبق بحث هذه المسألة، والحمد لله وبيان الخلاف فيها، والراجح من الخلاف، فأغنى عن تكراره. والله أعلم.
* * *
(1)
المبسوط (14/ 53)، الفتاوى الهندية (3/ 248)، البحر الرائق (6/ 211)، حاشية ابن عابدين (5/ 259). بدائع الصنائع (5/ 248)، تحفة الفقهاء (2/ 43).
(2)
المنتقى للباجي (4/ 263)، الشرح الكبير (3/ 31)، التاج والإكليل (4/ 311)، الخرشي (5/ 39)، مواهب الجليل (4/ 311)، منح الجليل (4/ 497).
(3)
الأم (3/ 31).