الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الرابع
في بيع المصرف السلعة بعد تملكها وقبل قبضها
يقول ابن تيمية: «القبض في البيع ليس هو من تمام العقد
…
ولكن أثر القبض إما في الضمان، وإما في جواز التصرف»
(1)
.
[ن-98] جاء في مجلة الأحكام العدلية: «القبض ليس بشرط في البيع إلا أن العقد متى تم كان على المشتري أن يسلم الثمن أولًا، ثم يسلم البائع المبيع إليه»
(2)
.
(3)
والذي يعنينا في هذا الباب أن البنك أحيانًا يبيع السلعة بعد تملكها، وقبل قبضها، فهل يصح البيع، أو لا بد من قبضها وحيازتها؟
و
للجواب على ذلك نقول:
تارة يكون القبض من تمام العقد كقبض الثمن في السلم، والتقابض يدًا بيد في الأموال الربوية، فإذا تفرق العاقدان بدون القبض بطل العقد؛ لأن تأخير
(1)
مجموع الفتاوى (20/ 343).
(2)
مادة (262).
(3)
مجموع الفتاوى (20/ 343).
القبض يوقع في محذور شرعي لا يمكن دفعه إلا بالقبض، ومثل هذا لا يجوز فيه للبنك أن يبيع السلعة قبل قبضها، ويجب عليه إقباضها قبل التفرق.
وتارة يكون القبض أثرًا من آثار العقد وواحدًا من موجباته، ولا يلزم من تأخر القبض الوقوع في أي محذور شرعي، ولذلك لا مانع من اشتراط الخيار فيه، واشتراط الأجل كالعقارات والسيارات ونحوها.
فإذا كان المبيع من هذا النوع فقام البنك بامتلاك هذه السلعة من سيارة أو عقار فهل يجب عليه أن يقبضها قبل أن يبيعها، أو له أن يبيعها قبل أن يقبضها ويحوزها.
هذه المسألة ترجع إلى خلاف فقهي قديم في حكم التصرف في السلعة قبل قبضها:
فقيل: يجوز بيع العقار قبل القبض في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، ولا يجوز بيع المنقول حتى يقبض
(1)
.
(1)
المبسوط (13/ 9)، بدائع الصنائع (5/ 181).
وقيل: لا يجوز التصرف في المبيع قبل القبض مطلقًا، عقارًا كان أو منقولًا، وهو قول محمد بن الحسن، وزفر من الحنفية
(1)
، ومذهب الشافعية
(2)
، ورواية عن أحمد
(3)
، وهو قول ابن حزم
(4)
، ورجحه ابن تيمية وابن القيم
(5)
.
وقيل: لا يجوز بيع الطعام المكيل أو الموزون قبل قبضه، وهذا هو المشهور من مذهب المالكية
(6)
.
وقيل: لا يجوز بيع المكيل أو الموزون أو المعدود أو المذروع، وكذا ما اشتري بصفة أو رؤية متقدمة قبل قبضه، وهو المشهور من مذهب الحنابلة
(7)
.
وقيل: لا يجوز بيع الطعام الربوي فقط قبل قبضه، وأما غير الربوي من الطعام فيجوز بيعه قبل قبضه، وهو رواية عن مالك
(8)
.
(1)
بدائع الصنائع (5/ 181).
(2)
حواشي الشرواني (4/ 403)، منهاج الطالبين (ص: 49)، المهذب (1/ 262)، المجموع (9/ 318 - 319)، مغني المحتاج (2/ 68)، الأشباه والنظائر (ص: 456).
(3)
الاختيارات الفقهية للبعلي (ص: 126)، حاشية ابن القيم (9/ 277).
(4)
المحلى (مسألة: 1508) ..
(5)
قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (29/ 511): «والصواب الذي عليه جمهور العلماء هو ظاهر مذهب الشافعي» . وانظر حاشية ابن القيم (9/ 277).
(6)
قال في بداية المجتهد (7/ 230): «وأما بيع ما سوى الطعام قبل القبض، فلا خلاف في مذهب مالك في إجازته، وأما الطعام الربوي، فلا خلاف في مذهبه أن القبض شرط في بيعه، وأما غير الربوي من الطعام، فعنه في ذلك روايتان:
إحداهما: المنع، وهي الأشهر، وبها قال أحمد، وأبو ثور، إلا أنهما اشترطا مع الطعم الكيل والوزن، والرواية الأخرى: الجواز ...... ».
وظاهر هذا الكلام، أن الإمام مالك يمنع من بيع الطعام قبل قبضه مطلقًا في المشهور، لأنه خص اشتراط الكيل والوزن بأنه قول أحمد وأبي ثور، وليس كذلك، فابن رشد نفسه قال بعد ذلك في نفس الكتاب (7/ 239) وأما اشتراط القبض فيما بيع جزافًا فإن مالكًا رخص فيه، وأجازه .... وعمدة المالكية أن الجزاف ليس فيه حق توفيه».
وقال في أنواع البروق في أنواع الفروق (3/ 285): «يؤخذ تقييد أشهر الروايتين عن مالك، بما إذا كان في الطعام حق توفية، من كيل، أو وزن، أو عد من قوله - يعني ابن رشد- وخص مالك فيما بيع من الطعام جزافًا، أن يباع قبل القبض، وأجازه .... فتكون هذه الرواية عين القول الثالث لابن حنبل، وتكون الأقوال ستة لا سبعة، وبالتقييد، وموافقة قول ابن حنبل صرح الأصل، حيث قال صاحب الجوهر: يمتنع في مشهور مالك بيع الطعام قبل قبضه، إذا كان فيه حق توفية من كيل، أو وزن، أو عد
…
وأما ما بيع جزافًا فيجوز أي لمبتاعه بيعه قبل نقله، إذا خلى البائع بينه لحصول الاستيفاء، ووافق مشهور مالك هذا ابن حنبل رضي الله عنه». وانظر: حاشية الدسوقي (3/ 151).
(7)
المحرر (1/ 322)، الروض المربع (2/ 100 - 103)، شرح منتهى الإرادات (2/ 58 - 59)، كشاف القناع (3/ 241)، مطالب أولي النهى (3/ 146 - 147).
(8)
أنوار البروق في أنواع الفروق (3/ 285).
وقد ذكرنا أدلة هذه الأقوال في مسألة: (جواز التصرف في المبيع قبل قبضه) فأغنى عن إعادته هنا.
وبناء على هذا الخلاف وقع خلاف بين المعاصرين في تصرف البنك في بيع السلع بعد تملكها، وقبل قبضها.
جاء في فتوى المستشار الشرعي للبنك الإسلامي الأردني: «يجوز إتمام البيع مرابحة على أساس بوليصة الشحن عن طريق تظهيرها تظهيرًا ناقلًا للملكية وذلك دون معاينة البضاعة الموضوعة في البوليصة»
(1)
.
وجاء في جواب المستشار الشرعي لبيت التمويل الكويتي عن سؤال بهذا الخصوص «الاستلام إما أن يكون فوريًا بمعاينة المبيع وعزله عن غيره وتحديده بحيث تكون البضاعة تحت حيازتك، وأنت المسئول عما يحدث لها من وقت استلامك، وإما أن يكون استلامًا مؤجلًا بأن تشترى البضاعة، وتمتلكها ولكن يؤجل الاستلام إلى حين بيعها للغير عندئذ تذهب إلى مخازن البائع، وتستلمها منه كليًا أو جزئيًا لتسلمها إلى المشتري، ويمكن تسلمها عند البيع، وعزلها في مخازن البائع بصورة مميزة، وتكون حينئذ مضمونة على المشتري، وهو بيت التمويل، وأمانة لدى البائع في مخازنه، وعلى العموم فإن الإمام مالك قال بجواز بيع ما عدا الأطعمة، فيجوز عنده للمالك أن يبيع البضاعة التي يمتلكها، ولو لم يحزها إذا لم تكن طعامًا»
(2)
.
والذي رجحناه في التصرف في المبيع قبل قبضه نرجحه هنا، وأن المبيع إذا كان عقارًا أو سيارة فإن المشتري يملكه بالعقد، ويدخل في ضمانه، وإذا هلك
(1)
نقلًا من كتاب التطبيقات المصرفية لبيع المرابحة - د عطية فياض (ص: 139).
(2)
الفتاوى الاقتصادية، رقم (583).
هلك من ماله إلا أن يمنعه البائع من قبضه، وبالتالي يجوز التصرف فيه قبل قبضه، أما المبيع إذا كان القبض شرطًا في صحته، أو شرطًا في لزومه كما لو كان فيه حق توفية من كيل أو وزن أو عد أو ذرع فلا بد من قبضه قبل التصرف فيه، والله أعلم.
* * *