الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(د) أن ربا الفضل أبيح ما تدعو الحاجة إليه كمسألة العرايا.
(هـ) أن بعض العلماء أجاز بيع الحلي من الذهب بالدنانير، وبيع الحلي من الفضة بالدراهم متفاضلًا يدًا بيد، فجعلوا للصنعة أثرًا
(1)
.
(و) أن الريال المعدني السعودي يختلف عن الريال الورقي السعودي، وإن كانت جهة الإصدار واحدة؛ لأن حقيقة الأمر أن هذا جنس مقصود بنفسه، وذلك جنس مقصود بنفسه أيضًا، وكوننا نقول: إن هذا الريال الورقي يقابل هذا الريال المعدني في قيمته النظامية لا يلزم أن يكون مساويًا له في قيمته الحقيقية.
ويناقش هذا القول:
بأن قياس الورق النقدي على الفلوس من القياس الفاسد لسببين:
الأول: يشترط في المقيس عليه - الأصل - أن يكون له حكم ثابت بنفسه، فإن لم يوجد له حكم ثابت من الكتاب أو السنة، أو الإجماع فلا يصح جعله أصلًا يقاس عليه، لعدم وجود حكم الأصل.
الثاني: من شروط حكم الأصل أن يثبت بغير القياس في أشهر أقوال الأصوليين، أما الحكم الثابت بالقياس فلا يقاس عليه؛ لاستلزامه وجود قياسين، أحدهما: لإثبات حكم الأصل. والثاني لإثبات حكم الفرع، فإذا اتحد القياسان في العلة، فلا حاجة للقياس الثاني، فالفلوس مقيسة على النقدين، والورق النقدي يجب أن يقاس عليهما، لا على الفلوس بجامع الثمنية.
(1)
انظر حكم الأوراق النقدية للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، منشور في مجلة البحوث الإسلامية، العدد الأول (ص: 197 - 222).
وحكم الفلوس ثابت عند المالكية بقياسها على الذهب والفضة، فيمكن قياس الورق النقدي على الأصل المقيس عليه، وهو الذهب والفضة
(1)
.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هناك فرقًا كبيرًا بين الأوراق النقدية والفلوس يجعل من القياس قياسًا مع الفارق، من ذلك:
أن الأوراق النقدية تتمتع بقوة إبراء غير محدودة، فهي موغلة في الثمنية إيغالًا شديدًا، حتى تغلب الورق النقدي على الذهب والفضة حيث لم يعد الناس يتعاملون بالذهب والفضة كأثمان، واستبدلوهما بهذه الأوراق بخلاف الفلوس، فإنها لا تتمتع إلا بقوة إبراء محدودة، ولذلك من صار أكثر ماله من الفلوس عد مفلسًا، ولا يتعامل بالفلوس إلا في المحقرات دون الأشياء الثمينة.
يقول المقريزي: إن الفلوس لم يجعلها الله سبحانه نقدًا في قديم الدهر وحديثه حتى راجت في أيام الناصر فرج بن برقوق 808 هـ وكان قبيح السيرة وقد حدث من رواج الفلوس خراب الإقليم وذهاب نعمة أهل مصر، فإن الفضة هي النقد الشرعي، أما الفلوس فهي أشبه شيء بلا شيء فيصير المضاف مضافًا إليه. إلى أن يقول: ولا يعلم في خبر صحيح ولا سقيم عن أمة من الأمم اتخذوا نقدًا غير الذهب والفضة، أما السفاسف والمحقرات والتوافه فقد احتاج الناس لشرائها بأقل من الدرهم وأجزائه، فكانت الفلوس وسيلة هذه المبادلات ولكنها لم تكن نقدًا البتة ولم يوجد منها إلا اليسير، ولم تقم في إقليم ما بمنزلة النقدين
(2)
.
(1)
أوراق النقود ونصاب الورق النقدي، للشيخ محمد بن علي الحريري، بحث منشور في مجلة البحوث الإسلامية، العدد 39 (ص: 320).
(2)
النقود العربية للكرمللي (ص: 67) نقلًا من بحث منشور في مجلة البحوث الإسلامية، العدد 39، باسم (أوراق النقود ونصاب الورق النقدي)، للشيخ محمد بن علي بن حسين الحريري (ص: 239 - 343).
فهذه الفروق لها أثرها الواضح في تمييز الأوراق النقدية عن الفلوس، فلا يصح أن تكون هذه الأوراق مقيسة على الفلوس.
وعلى التسليم بأن هناك شبهًا بين الفلوس وبين النقود، فإن القول بجواز التفاضل دون ربا النسيئة تفريق لا يقوم على دليل؛ لأننا إذا حرمنا فيها النسيئة في الأوراق النقدية فيلزم أن نحرم التفاضل فيها؛ لأنه وسيلة إلى ربا النسيئة بناء على قاعدة سد الذرائع والمعروف في الشرع أن الجنس الواحد من الربويات يحرم فيه ربا الفضل وربا النسيئة كالذهب بالذهب، والفضة بالفضة فهكذا الورق النقدي إذا كان صادرًا من بلد واحد؛ لأنه جنس واحد، والعلة فيه واحدة والمبررات التي ذكرها - خصوصا دعوى الحاجة إلى جريان التفاضل في الأوراق - لا تكفي؛ لأن مجرد دفع الحاجة لا يكفي مبررًا لإباحة الشيء دون نظر إلى الضرر المترتب عليه إذ من المعلوم أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة وقوله: إن ربا الفضل أبيح منه ما تدعو الحاجة إليه كمسألة العرايا وأجاز كثير من أهل العلم بيع الحلي من الذهب أو الفضة بمثله متفاضلًا، فيجاب عنه بأن العرايا قد استثناها النبي صلى الله عليه وسلم مما نهى عنه من المزابنة وهي أن يشتري الرطب في الشجر بخرصه من التمر؛ لأنه إذا لم يعلم التماثل في ذلك لم يجز البيع ولهذا يقول الفقهاء: الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، والتماثل يعلم بالوزن والكيل وأما الخرص فيعمل به عند الحاجة فالعرايا رخصة رخص فيها الشارع تقدر بما ورد به النص فقط ولا يقاس على الرخص؛ لأنها استثناء من النهي، وليس فيها تفاضل محقق بل يجتهد في خرصها وتماثلها فإن حصل بعد ذلك فيها تفاضل فهو غير متعمد ثم هل بلغت الحاجة إلى التفاضل في الأوراق النقدية مبلغ الحاجة إلى العرايا التي رخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما مسألة إجازة بعض العلماء بيع الحلي المصوغ من الذهب أو الفضة بمثله