الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل العلم، وإن ذكر ذلك ابن المنذر رحمه الله، فقد قال بجوازه الإمام إسحاق ابن راهوية أحد مجتهدي فقهائنا الأقدمين، وهو سابق لابن المنذر، وقال بجوازه من فقهائنا في العصور المتأخرة من علماء الأزهر الشيخ علي الخفيف، والشيخ عبد الرحمن عيسى، والشيخ عبد الحليم محمود، ومن علماء المملكة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، والشيخ عبد الله البسام
…
»
(1)
.
ويجاب على ذلك:
الذي حكى الإجماع ليس ابن المنذر فقط، فقد حكاه ثلاثة من العلماء كما نقلت في الاستدلال، وأما خلاف المتأخرين فهو محفوظ، ولا يخرق به الإجماع، وأما القول المنسوب للإمام إسحاق فلو صح لخرق الإجماع، وكنت أتمنى أن أجد عبارة عن الإمام إسحاق تقول: إن أخذ العوض في مقابل الضمان صحيح، أو أي عبارة تؤدي نفس المعنى بوضوح ودون احتمال، والعبارة المأثورة عن الإمام إسحاق حكاها ثلاثة من العلماء إسحاق بن منصور في مسائل إسحاق، وابن المنذر، والماوردي في الحاوي الكبير، والأول والثاني حكيا عبارة الإمام إسحاق بنصها، والثاني ساق فهمه لعبارة الإمام إسحاق، ولنتأمل هذه العبارة هل تعطينا ذلك الجزم بأن الإمام إسحاق يرى جواز أخذ العوض على الضمان:
جاء في مسائل الإمام أحمد وإسحاق رواية إسحاق بن منصور: «قال سفيان: إذا قال رجل لرجل: اكفل عني، ولك ألف درهم: الكفالة جائزة، ويرد عليه ألف درهم.
قال أحمد: ما أرى هذا يأخذ شيئًا بحق.
(1)
التأمين بين الحلال والحرام (ص: 21 - 22).
قال إسحاق: ما أعطاه من شيء فهو حسن»
(1)
.
ونقل هذه العبارة ابن المنذر. فهذا النص في الحقيقة لا يجعل الباحث يجزم بأن مذهب إسحاق جواز أخذ المعاوضة على الضمان، لأن قوله: ما أعطاه من شيء فهو حسن يدخل - كما قلنا - في باب المكافأة غير المشروطة، وليس على سبيل المعاوضة. وإذا كانت المكافأة على القرض من غير شرط ولا عرف مقبولة، فكيف بالضمان، فتأمل.
ويؤيد ذلك أن ابن المنذر رحمه الله قال في المسألة: أجمع من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الحمالة بجعل يأخذه الحميل لا تحل، ولا تجوز، ثم نقل عبارة الإمام إسحاق، فلو كان رأي الإمام إسحاق خارقًا للإجماع ما صح من ابن المنذر أن يحكي الإجماع في الوقت الذي ينقل فيه الخلاف عن إسحاق والثوري، فصح أن رأي إسحاق محمول على رأي آخر لا يخرق الإجماع، وهو المكافأة الضمان.
وأما نقل الماوردي لمذهب إسحاق فلم ينقل لنا عبارة الإمام إسحاق، وإنما نقل فهمه لعبارة إسحاق، جاء في الحاوي:«فلو أمره بالضمان عنه بجعل جعله له لم يجز، وكان الجعل باطلًا، والضمان إن كان بشرط الجعل فاسدًا، بخلاف ما قاله إسحاق بن راهوية؛ لأن الجعل إنما يستحق في مقابلة عمل، وليس الضمان عملًا فلا يستحق به جعلًا»
(2)
.
وهذه العبارة ليست صريحة، لأن كلمة بخلاف ما قاله إسحاق رجع إلى المسألة المتأخرة، فالماوردي قد ذكر مسألتين:
(1)
مسائل أحمد وإسحاق رواية إسحاق بن منصور (2299).
(2)
الحاوي الكبير للماوردي (6/ 443).