الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثالث
في أخذ العمولة في مقابل الضمان
[م-1248] قبل أن أتكلم في حكم المسألة أحرر محل النزاع:
لا مانع شرعًا من أخذ الضامن للتكاليف والنفقات الفعلية التي تكبدها في سبيل تقديم الضمان؛ لأنه إذا جاز أخذ نفقات القرض من المقترض فلأن يجوز أخذ ذلك في الضمان من باب أولى؛ ولأن أخذ الضامن لهذه التكاليف لا يعتبر من باب المعاوضة، وإنما استحقاق وجب في ذمة المضمون عنه للضامن وأخذ الضامن لها إنما هو من باب دفع الضرر عنه، فهو محسن، وما على المحسنين من سبيل، ويمكن أن نطلق على ذلك: استرداد المصاريف الإدارية حتى لا يفهم منه أن ذلك أجر على الضمان.
(ح-856) ويدل على هذا ما رواه البخاري من طريق زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرهن يركب بنفقته) والرهن قد يكون موجبه القرض، ويكون المرتهن: هو المقرض، والانتفاع بالرهن ركوبًا وشربًا للبنه يعتبر منفعة للمقرض، ولكن حين كانت هذه المنافع في مقابل النفقة، وليس بسبب القرض جاز ذلك، وإذا جاز ذلك في باب القرض جاز ذلك في باب الضمان
(2)
.
(1)
صحيح البخاري (2512).
(2)
جاء في فتح الباري (5/ 144): «ظاهر الحديث فيه حجة لمن قال: يجوز للمرتهن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الانتفاع بالرهن إذا قام بمصلحته ولو لم يأذن له المالك، وهو قول أحمد وإسحاق.
وطائفة قالوا: ينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والحلب بقدر النفقة ولا ينتفع بغيرهما لمفهوم الحديث .... وذهب الجمهور إلى أن المرتهن لا ينتفع من المرهون بشيء، وتأولوا الحديث لكونه ورد على خلاف القياس من وجهين:
أحدهما: التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه.
والثاني: تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة. قال ابن عبد البر: هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يرده أصول مجمع عليها، وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها، ويدل على نسخه حديث ابن عمر الماضي في أبواب المظالم (لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه) انتهى. وقال الشافعي: يشبه أن يكون المراد من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن من درها وظهرها فهي محلوبة ومركوبة له كما كانت قبل الرهن، واعترضه الطحاوي بما رواه هشيم، عن زكريا في هذا الحديث ولفظه (إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها) الحديث. قال فتعين أن المراد المرتهن لا الراهن، ثم أجاب عن الحديث بأنه محمول على أنه كان قبل تحريم الربا فلما حرم الربا حرم أشكاله من بيع اللبن في الضرع، وقرض كل منفعة تجر ربا، قال: فارتفع بتحريم الربا ما أبيح في هذا للمرتهن، وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، والتاريخ في هذا متعذر؛ والجمع بين الأحاديث ممكن، وطريق هشيم المذكور زعم ابن حزم أن إسماعيل بن سالم الصائغ تفرد عن هشيم بالزيادة وأنها من تخليطه، وتعقب بأن أحمد رواها في مسنده عن هشيم، وكذلك أخرجه الدارقطني من طريق زياد بن أيوب، عن هشيم. وقد ذهب الأوزاعي والليث وأبو ثور إلى حمله على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون فيباح حينئذ للمرتهن الإنفاق على الحيوان حفظا لحياته ولإبقاء المالية فيه، وجعل له في مقابلة نفقته الانتفاع بالركوب، أو بشرب اللبن بشرط أن لا يزيد قدر ذلك أو قيمته على قدر علفه، وهي من جملة مسائل الظفر. وقيل: إن الحكمة في العدول عن اللبن إلى الدر الإشارة إلى أن المرتهن إذا حلب جاز له، لأن الدر ينتج من العين بخلاف ما إذا كان اللبن في إناء مثلا ورهنه فإنه لا يجوز للمرتهن أن يأخذ منه شيئا أصلًا، كذا قال، واحتج الموفق في المغني بأن نفقة الحيوان واجبة =
ومثل ذلك ما نص عليه الفقهاء من تحمل المقترض كيل مال القرض، أو وزنه.
فا المقصود في هذه المسألة حكم أخذ العمولة (عوض مالي) في مقابل الالتزام بالدين، وتقديم الضمان.
وقد اختلف العلماء في هذا:
فقيل: لا يجوز أخذ العوض على الضمان وهو مذهب الأئمة الأربعة على خلاف بينهم هل يبطل العوض وحده، ويصح الضمان، أو يبطلا معًا
(1)
، وبه
= وللمرتهن فيه حق، وقد أمكن استيفاء حقه من نماء الرهن، والنيابة عن المالك فيما وجب عليه، واستيفاء ذلك من منافعه فجاز ذلك، كما يجوز للمرأة أخذ مؤونتها من مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه، والنيابة عنه في الإنفاق عليها. والله أعلم» اهـ.
(1)
انظر في مذهب الحنفية: المبسوط (20/ 32)، البحر الرائق (6/ 242)، فتح القدير (7/ 186)، مجمع الضمانات (2/ 610).
وانظر في مذهب المالكية: الخرشي (6/ 30 - 31)، حاشية الدسوقي (3/ 340 - 341)، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (3/ 442 - 443)، منح الجليل (6/ 229)، المنتقى للباجي (6/ 84)، الشرح الكبير للدردير (3/ 77).
وجاء في مذهب الشافعية كما في الحاوي الكبير للماوردي (6/ 443): «فلو أمره بالضمان عنه بجعل لم يجز، وكان الجعل باطلًا، والضمان إن كان بشرط الجعل فاسدًا» .
وفي مذهب الحنابلة: جاء في مسائل الإمام أحمد وإسحاق رواية إسحاق بن منصور (2299): «قال سفيان: إذا قال رجل لرجل: اكفل عني ولك ألف درهم، الكفالة جائزة ويرد عليه ألف درهم. قال أحمد: ما أرى هذا يأخذ شيئًا بحق. قال إسحاق: ما أعطاه من شيء فهو حسن» . وجاء في المغني لابن قدامة (4/ 214): «ولو قال: اقترض لي من فلان مائة ولك عشرة. فلا بأس ولو قال: اكفل عني، ولك ألف لم يجز ; وذلك لأن قوله: اقترض لي ولك عشرة جعالة على فعل مباح فجازت كما لو قال: ابن لي هذا الحائط ولك عشرة. وأما الكفالة فإن الكفيل يلزمه الدين فإذا أداه وجب له على المكفول عنه فصار كالقرض فإذا أخذ عوضًا صار القرض جارًا للمنفعة فلم يجز» .
قال مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي
(1)
، وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
(2)
، وقال به جمع من العلماء المعاصرين
(3)
.
وقيل: يجوز أخذ العوض على الضمان، وهو قول منسوب لإسحاق ابن راهوية
(4)
، وقال به من العلماء المتأخرين شيخ شيخنا عبد الرحمن بن ناصر السعدي
(5)
، والشيخ علي الخفيف
(6)
، والشيخ عبد الرحمن عيسى
(7)
، والشيخ
(1)
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي، قرار رقم (5) بشأن خطاب الضمان ما نصه:«إن الكفالة هي عقد تبرع يقصد للإرفاق والإحسان، وقد قرر الفقهاء عدم جواز أخذ العوض على الكفالة؛ لأنه في حالة أداء الكفيل مبلغ الضمان يشبه القرض الذي جر نفعًا على المقرض، وذلك ممنوع شرعًا» .
(2)
انظر فتاوى اللجنة الدائمة (13/ 303)، (15/ 245)، مجلة البحوث الإسلامية، العدد الرابع والثمانون (ص: 114).
(3)
منهم فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن صالح الأطرم، انظر عقد الضمان المالي (ص:106).
ومنهم فضيلة الشيخ عبد الستار أبو غدة، انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية (2/ 1105 - 1109).
(4)
تقدم قول إسحاق كما جاء في مسائل أحمد وإسحاق من رواية إسحاق بن منصور، وقوله رحمه الله:«ما أعطاه من شيء فهو حسن» . إلا أن هذا النص في الحقيقة لا يجعل الباحث يجزم بأن مذهب الإمام إسحاق جواز أخذ المعاوضة على الضمان، لأن قوله: ما أعطاه من شيء يدخل في باب المكافأة غير المشروطة، وليس على سبيل المعاوضة، فتأمل.
(5)
جاء في الفتاوى السعدية (ص: 352 - 353): «قول الأصحاب رحمهم الله وله أخذ جعل على اقتراضه له بجاهه فيه نظر، فإنه لو قيل: أخذ الجعل على الكفالة لا على الاقتراض لكان أولى، فإن الاقتراض من جنس الشفاعة، وقد نهى الشارع عن أخذ الجعل فيها، وأما الكفالة فلا محذور في ذلك، لكن الأولى عدم ذلك، والله أعلم» .
(6)
الضمان في الفقه الإسلامي - علي الخفيف (ص: 22).
(7)
انظر المعاملات الحديثة وأحكامها للشيخ عبد الرحمن عيسى (ص: 38) نقلًا من كتاب الربا والمعاملات المصرفية - المترك (ص: 390).