الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعين الوديعة، وليس في ذمة المودَع؛ لأن الحق ليس فيه ثمن ومثمن، فالدراهم هنا تتعين بالتعيين، ولا يجري فيها الخلاف الذي يجري في المعاوضات، ولذلك لو تلفت الوديعة بدون تعد ولا تفريط لم يضمن المودَع، ولو كانت الوديعة متعلقة بذمة المودَع لضمن.
الدليل الثاني:
أن الإذن بالاستعمال يخرج المستودَع من حكم الخيانة في التصرف في الوديعة.
يقول الأستاذ الدكتور حمد الكبيسي: «إن تهمة خيانة الأمانة مندفعة بأن المودع رضي باستخدامها، ومن جهة أنه يعلم أن المصرف سوف يتصرف بهذه الأموال وفق العرف المصرفي»
(1)
.
ويجاب عن هذه:
أما القول بأن الإذن بالاستعمال يخرج المستودع عن تهمة الخيانة بالأمانة فهذا صحيح، ولا إشكال في أن الوديعة إذا أذن صاحبها في استعمالها فإن للمودَع أن يستعملها، ولكن إذا استعملها هل تبقى وديعة وقد استعملها، أم يزول عنها اسم الوديعة، هذا هو محل الخلاف، فأنتم تقولون: إنها لا تزال وديعة، والفقهاء يقولون: إن كانت الوديعة عرضًا، وكان استعمالها لا يؤدي إلى استهلاكها، فقد انتقلت من كونها وديعة إلى حكم العارية، وإن كانت الوديعة نقودًا تهلك بالاستعمال فقد انتقلت من كونها وديعة إلى كونها قرضًا، لوجوب مثلها في ذمة المستودَع.
(1)
الودائع المصرفية - أ. د أحمد الكبيسي، منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد التاسع (1/ 756) نقلًا من كتاب المصارف بين النظرية والتطبيق، د. عبد الرزاق الهيتي (ص: 205).
قال السرخسي في المبسوط: «كل ما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاك لعينه يكون قرضًا»
(1)
.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع: «ولو قال له عندي ألف درهم عارية، فهو قرض؛ لأن عندي تستعمل في الأمانات، وقد فسر بالعارية، وعارية الدراهم والدنانير تكون قرضًا؛ إذ لا يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاكها، وإعارة ما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه يكون قرضًا في المتعارف»
(2)
.
وقال في اللباب في شرح الكتاب: «وعارية الدراهم والدنانير والمكيل والموزون قرض»
(3)
.
وجاء في كشاف القناع: «فإن استعارها أي الدراهم والدنانير لينفقها، أو أطلق
…
فقرض تغليبًا للمعنى»
(4)
.
وقد بين الفقهاء لماذا كانت إعارة الدراهم والدنانير قرضًا.
فقد ذكروا أن إعارتها إذن بالانتفاع بها، والانتفاع بها إنما يكون باستهلاك أعيانها، والاستهلاك يتوقف على الملك، فيقتضي بالضرورة تمليك العين، وتمليك العين إما أن يكون من باب الهبة، وإما أن يكون من باب القرض، فلما كان صاحب المال يطالبه برد مثله لم يبق حمل العقد إلا على القرض.
ولو كان يمكن الانتفاع بالدراهم والدنانير مع بقاء العين لكان العقد عارية بلا
(1)
المبسوط (14/ 34).
(2)
بدائع الصنائع (7/ 208).
(3)
اللباب في شرح الكتاب (1/ 233)، وانظر تحفة الفقهاء (3/ 160)، حاشية ابن عابدين (5/ 681) و (8/ 383)، الفتاوى الهندية (4/ 363).
(4)
كشاف القناع (4/ 63)، وانظر كشف المخدرات (2/ 482).