الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجه من رأى جواز الشراء بالبطاقة ولو ترتب على الشراء مصارفة
عمدة من يرى جواز ذلك حديث ابن عمر:
(ح-841) فقد روى أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير،
عن ابن عمر، قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير، وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم، وآخذ الدنانير، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو يريد أن يدخل بيت حفصة، فقلت: يا رسول الله إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير، وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم، وآخذ الدنانير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا، وبينكما شيء
(1)
.
[اختلف في رفعه ووقفه، ورجح شعبة والدارقطني وقفه]
(2)
.
فالمطلوب في صرف ما وجب في الذمة أمران:
الأول: أن يتم التقابض في المجلس، بحيث لا يتفرقا وبينهما شيء.
الثاني: ألا يربح في عملية الصرف؛ لأن المراد من الصرف هو الاستيفاء، وليس المعاوضة حتى لا يربح فيما لم يضمن.
(ح-842) فقد روى أبو داود الطيالسي من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن عبد الله بن عمرو، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سلف وبيع، وعن شرطين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن
(3)
.
(1)
مسند أبي داود الطيالسي (1868)، ومن طريقه البيهقي (5/ 315).
(2)
سبق تخريجه، انظر (ح 112).
(3)
مسند أبي داود الطيالسي (2257).
[إسناده حسن]
(1)
.
فإذا علم هذا، فإن تنزيل مسألة الصرف في بطاقة الائتمان على حديث ابن عمر لا يخلو من حالين:
يقول الدكتور عبد الله السعيدي: «الأول: أن يكون للعميل رصيد في البنك يقابل مصروفاته.
والثاني: أن لا يكون له رصيد في البنك يقابل مصروفاته.
فإن كان الأول فإن سعر الصرف الذي ينبغي الاعتبار به: هو سعره يوم أداء البنك للطرف الثالث (المستفيد) إذ هو اليوم الذي قامت فيه الحاجة إلى المصارفة، فكان الاعتبار بسعره لحديث ابن عمر السابق.
وإن كان الثاني: وهو أن العميل ليس له رصيد يقابل مصروفاته، والفرض أن المصرف قام بالأداء عنه فإن المصرف حينئذ يكون مقرضًا له، فإذا استدعى الأمر المصارفة فإن سعر الصرف الذي ينبغي الاعتبار به: هو سعر يوم أداء العميل للبنك، إذ هو اليوم الذي قامت فيه الحاجة إلى المصارفة، فكان الاعتبار بسعره عملًا بحديث ابن عمر المتقدم»
(2)
.
وفي الحالين لا يعتبر هناك عملية تأخر في قبض بدل الصرف، لأنه في الحال الأولى يكون البنك لديه رصيد للعميل، فهو في ذمته مال للمستفيد، وما في الذمة في حكم المقبوض.
وفي الحال الثانية لم تجر عملية الصرف إلا عند حضور المستفيد ليؤدي ما وجب عليه في ذمته من قرض للبنك أو لمصدر البطاقة، وبالتالي تكون عملية
(1)
سبق تخريجه، انظر (ح 232).
(2)
الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة (1/ 343).
الصرف قد تمت في حضوره مع حصول القبض الحقيقي الواجب شرعًا، فليس في المسألة عملية تأخير.
فإن كان واقع الحال كما ذكره الدكتور عبد الله السعيدي فالقول بالجواز متجه، لأنه لا محذور شرعًا في عملية الصرف، والله أعلم.
وإن كان واقع الحال غير ما ذكره الدكتور فلا مانع من اشتراط ذلك بين مصدر البطاقة والمستفيد، والأمر ليس صعبًا خاصة أن الشيخ عبد الستار أبو غدة نقل اختلاف التعامل بين بطاقة وأخرى كما نقلناه عنه، فلا مانع من اشتراط ذلك، وأن يتولى بنك المستفيد وضع هذا الشرط ضمن العقد، ولن يتضرر أحد منهما.
وقد أثبت الشيخ الشبيلي أن كثيرًا من المصارف الإسلامية لا تراعي الضوابط الشرعية في عملية المصارفة، وإذا كان هذا شأن المصارف الإسلامية فكيف بغيرها.
يقول الشيخ يوسف الشبيلي: «لو كان العميل من حاملي بطاقة الفيزا، واستخدمها في معاملة تجارية بالمارك، فإذا أراد البنك تحويل فاتورة الشراء التي بالمارك إلى العملة المحلية، أو إلى الدولار، فيجب أن يكون الصرف على أساس السعر الأدنى بالنسبة للمارك ..... وذلك لئلا يربح فيما لم يضمن، ولقوله عليه الصلاة والسلام لابن عمر لما سأله عن المصارفة بين الدينين:(لا بأس أن تأخذها بسعر يومها) فيكون الصرف بالسعر الأدنى، أو أقل، ولا يربح فيه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا اعتاض عن ثمن المبيع، أو القرض، فإنما يعتاض عنه بسعر يومه، كما في السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما وذكر الحديث السابق - فيجوز الاعتياض بالسعر لئلا يربح فيما لم يضمن أهـ كلام شيخ الإسلام.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (بسعر يومها) المقصود به سعر يوم الأداء، لا يوم الاقتراض، أو البيع.
والواقع أن هذه القضية ليست بتلك الدرجة من الوضوح عند كثير من المصارف الإسلامية، فنجد أنها في عملية صرف العملات للديون الثابتة في ذمم عملائها - سواء أكانوا مصدرين أو مستوردين، أو حاملي البطاقات الائتمانية ترتكب خطأين:
الأول: أنها تصرف العملات بالسعر الأعلى لها، وفي بعض الأحيان تضيف إلى المبلغ الذي يتم تحويله نسبة معينة 1% مثلًا.
الثاني: أن سعر الصرف لا يحدد في يوم الأداء، بل يحدد في يوم الاقتراض، أو بعده بيسير، وفي بعض الأحيان تتحين اليوم الذي يكون فيه الصرف مناسبًا لها، مع أن مفهوم حديث ابن عمر السابق يجب أن يكون الصرف ملازمًا للقبض، والقبض لا يكون إلا في يوم الأداء، فإذا تصارفا من غير قبض فقد وقعا في ربا النسيئة». اهـ كلام الشيخ
(1)
.
وقد صدرت فتوى في شأن هذه المسألة في ندوة البركة الثانية عشرة، ونصها:
«يجوز اتفاق البنك المصدر مع حامل البطاقة على تحويل قيمة المبالغ المستحقة، باستخدام السعر المعلن لدى البنك يوم إجراء قيد العملية لصالح التاجر (يوم السداد) وذلك بالحسم من حساب حامل البطاقة إن كان فيه رصيد، أو بإقراض البنك له بدون فوائد بإضافة المبلغ إلى حسابه المكشوف، ثم الحسم منه إن كان البنك قد وافق على إقراضه في هذه الحالة. ويعتبر شرط التقابض
(1)
الخدمات الاستثمارية في المصارف (2/ 368 - 369).
متوفرًا، وهو من قبيل القبض الحكمي؛ لأن هذا صرف ما في الذمة، وهو جائز عند جمهور العلماء»
(1)
.
وفي خلاصة البحث أهيب بالمصارف عمومًا، وخاصة الإسلامية منها أن تضع الشروط بينها وبين مصدري البطاقة الائتمانية ضمن العقد الموقع بينهما، بحيث يراعى في الصرف أمران مهمان لسلامتها من الربا:
الأول: مراعاة أن يكون سعر الصرف ملازمًا للقبض، والقبض لا يكون إلا في يوم الأداء، حتى لا نقع في ربا النسيئة.
الثاني: أن يكون سعر الصرف على أساس السعر الأدنى، أو أقل منه، لئلا يربح فيما لم يضمن، والله أعلم.
* * *
(1)
فتاوى ندوات البركة (2/ 108).
الفصل السادس
في اجتماع البيع والصرف
قال ابن العربي: «كل عقدين يتضادان وصفًا ويتناقضان حكمًا، فإنه لا يجوز اجتماعهما، أصله البيع والسلف»
(1)
.
قلت: اختلاف حكم العقدين لا يمنع اجتماعهما ما لم يترتب على ذلك محذور شرعي.
[م-1235] اختلف العلماء في الجمع بين البيع والصرف:
فقيل: لا يجوز الجمع بين البيع والصرف مطلقًا، وهذا مذهب المالكية
(2)
،
وأحد القولين في مذهب الشافعية
(3)
،
(1)
القبس (2/ 843).
(2)
استثنى المالكية صورتين من منع اجتماع البيع والصرف ليسارتهما.
الأولى: أن يكون البيع والصرف دينارا واحدًا، كشاة وخمسة دراهم بدينار، وسواء تبع البيع الصرف أو العكس، فيجوز على مذهب المدونة لداعية الضرورة.
الصورة الثانية: أن يجتمع البيع والصرف في دينار، كشراء عشرة أثواب وعشرة دراهم، بأحد عشر دينارًا، وصرف الدينار عشرون درهمًا، فتكون قيمة الثياب عشرة دنانير ونصف، والعشرة الدراهم مقابل نصف الدينار الباقي. فالعشرة دنانير وقعت في بيع ليس إلا، والحادي عشر بعضه في مقابلة بعض السلعة، والبعض الآخر في مقابلة الصرف، فقد اجتمع البيع والصرف في الدينار الحادي عشر. فلو كان صرف الدينار في هذا المثال عشرة دراهم لحرم العقد عندهم؛ لأن البيع والصرف لم يجتمعا في دينار واحد. انظر الخرشي (5/ 41)، التاج والإكليل (4/ 313)، الشرح الكبير (3/ 32 - 33)، منح الجليل (4/ 500)، جامع الأمهات (ص: 342).
(3)
المهذب (1/ 270)، وقال الماوردي في الحاوي (5/ 320):«وقد اختلف قول الشافعي في العقد الواحد إذا جمع شيئين مختلفين في الحكم، كبيع وإجارة، أو بيع وصرف، فأحد القولين أنه جائز فيهما جميعًا؛ لجواز كل واحد منهما على الانفراد فجاز مع الاجتماع. والثاني: أن العقد باطل فيهما جميعًا: لأن لكل واحد منهما حكمًا مخالفًا لحكم الآخر، فلم يصحا مع الاجتماع لتنافي حكمهما» .