الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: تعتبر كفالة، وهذا مذهب المالكية
(1)
؛ لأن المحال عليه احتمل سداد الدين عن المحيل، وهذا حقيقة الكفالة.
وقيل: تعتبر وكالة في الاقتراض، وهذا مذهب الحنابلة
(2)
.
والراجح:
أنه لا بد من وجود دين مستقر لدى المحال عليه؛ لأن مقتضى عقد الحوالة براءة المحيل، وهنا المحيل وإن كان قد برئ بالنسبة للتاجر إلا أن ذمته مشغولة بالنسبة لمصدر البطاقة، إذ أنه يطالبه بتسديد الدين الذي أداه نيابة عنه، ومصدر البطاقة ملزم بسداد دين حامل البطاقة، وليس متبرعًا، وهذا يدل على أنه ضامن.
وسوف يأتينا إن شاء الله مزيد بحث لهذه المسألة في باب الحوالة، بلغنا الله ذلك بمنه وكرمه.
القول الرابع:
أنها من قبيل ضمان ما لم يجب
(3)
، وعلى هذا أكثر المشايخ والباحثين منهم
(1)
جاء في المدونة (5/ 288): «إذا أحاله وليس له على من أحال عليه دين، فإنما هي حمالة» . وانظر التمهيد (18/ 291)، المنتقى للباجي (5/ 70)، مواهب الجليل (5/ 91)، الخرشي (6/ 17).
(2)
جاء في كشاف القناع (3/ 385): «وإن أحال من عليه دين، على من لا دين عليه، فهو وكالة في اقتراض، فلا يصارفه؛ لأنه لم يأذن له في المصارفة» ، وانظر الإنصاف (5/ 225).
(3)
يطلق فقهاء الحنفية لفظ الكفالة على كفالة المال وكفالة النفس.
والمالكية لا يفرقون بين لفظ الكفالة وبين لفظ الضمان، فهما بمعنى واحد.
ويفرق الشافعية والحنابلة بين مصطلح الضمان والكفالة، فيطلقون لفظ الضمان على كفالة المال، ولفظ الكفالة على كفالة النفس.
الشيخ عبد الستار أبو غدة
(1)
، والشيخ نزيه حماد
(2)
، والشيخ محمد بن علي القري
(3)
، والشيخ عبد الوهاب أبو سليمان
(4)
.
وجه كون العقد بينهما عقد ضمان:
أن مصدر البطاقة قد التزم بأداء أثمان المشتريات بالبطاقة، وسداد النقود المسحوبة بالبطاقة، وذلك بموجب الاتفاق المبرم بينه وبين حامل البطاقة.
وهذا الضمان من قبيل ضمان الحق قبل وجوبه، وهو ضمان صحيح، ولم يخالف فيه إلا الشافعية
(5)
.
وهو من قبيل ضمان المعلوم؛ لأن الضمان مقتصر على مبلغ السقف الائتماني الممنوح لحامل البطاقة، وهو معلوم القدر.
(6)
.
وجاء في السراج الوهاج: «ولو قال: ضمنت ما لك على زيد من درهم إلى عشرة فالأصح صحته»
(7)
.
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثاني عشر (3/ 485).
(2)
المرجع السابق (3/ 502).
(3)
المرجع السابق (3/ 534).
(4)
انظر البطاقات البنكية - عبد الوهاب أبو سليمان (ص: 187) الطبعة الأولى.
(5)
جاء في الإقناع للشربيني (2/ 313): «ويشترط في المضمون كونه حقًا ثابتًا حال العقد، فلا يصح ضمان ما لم يجب كنفقة ما بعد اليوم للزوجة» .
(6)
المبسوط (20/ 51).
(7)
السراج الوهاج (ص: 241)، وانظر مغني المحتاج (2/ 203).
وحتى لو قيل: إن ضمان البطاقات الائتمانية من قبيل ضمان المجهول وهذا يقال على التنزل فإن مثل هذا جائز أيضًا لدى جمهور الفقهاء من الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، والحنابلة
(3)
، والقديم من قول الشافعي رحمه الله
(4)
.
وحجتهم:
أن الضمان من قبيل التبرع، والتبرع يصح مع الجهالة.
وذهب الشافعي في الجديد إلى عدم صحة الكفالة بالدين المجهول، وهو ما ذهب إليه الثوري، والليث، وابن أبي ليلى، وابن المنذر وغيرهم
(5)
.
وجهه:
أن الكفالة التزام دين في الذمة، والتزام المجهول غرر ينهى عنه الشارع، فوجب أن يكون الدين معلومًا حتى يكون الكفيل على بينة من أمره، ومن قدرته على الوفاء بما التزم به.
(1)
جاء في المبسوط (20/ 50): «إذا قال الرجل لرجل: بايع فلانًا فما بايعته من شيء فهو علي فهو جائز على ما قال؛ لأنه أضاف الكفالة إلى سبب وجوب المال على الأصيل، وأن ذلك صحيح، والجهالة في المكفول به لا تمنع صحة الكفالة؛ لكونها مبنية على التوسع، ولأن جهالة عينها لا تبطل شيئا من العقود وإنما الجهالة المفضية إلى المنازعة هي التي تؤثر في العقود، وهذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة لأن توجه المطالبة على الكفيل بعد المبايعة وعند ذلك ما بايعه به معلوم» . وانظر الفتاوى الهندية (3/ 271)، حاشية ابن عابدين (5/ 438).
(2)
جاء في المدونة (5/ 260): «قلت: أرأيت إن قلت لرجل: بايع فلانًا فما بايعته من شيء فأنا ضامن للثمن، أيلزمني هذا الضمان أم لا؟ قال: نعم يلزمك ذلك إذا ثبت ما بايعته به من شيء. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: نعم» . وانظر مواهب الجليل (5/ 99)، المنتقى للباجي (6/ 83).
(3)
المغني (4/ 345)، الفروع (4/ 241)، الإنصاف (5/ 196).
(4)
الوسيط (3/ 238).
(5)
المهذب (1/ 340)، الوسيط (3/ 238).
حكم أخذ العمولة على الضمان:
لا يجوز أخذ عمولة في مقابل الضمان للديون عدا النفقات والتكاليف الفعلية التي تكبدها الضامن، وقد بحثت مسألة أخذ العوض على الضمان في مبحث مستقل لأهميته، فانظره مشكورًا من هذا الكتاب.
ونوقش هذا:
أن هذا التكييف يرد عليه إشكالان:
الإشكال الأول:
وجود عملية خالية من الضمان في صلب العقد، وهي عملية السحب النقدي من مصدر البطاقة، فإن هذه العملية خالية من الضمان تمامًا، والتكييف يجب أن يشمل جميع مفردات العقد دون استثناء.
ويجاب عنه:
بأن أصحاب البطاقات الائتمانية أكثر ما يستعملونها في الشراء بالآجل وإذا كان هذا هو الغالب على معاملاتها فلا مانع من تكييفها بحسب الغالب.
وأما القدرة على الاقتراض فإن كان من غير مصدر البطاقة فهي لا تخرج عن الضمان أيضًا؛ لأنه قد ضمن أن يسدد الدين الذي عليه للغير.
وإن كان القرض من مصدر البطاقة كان العقد وعدًا بالقرض، وهذه الصورة لا تدخل في الضمان، ولكن فيه شبه بالضمان من حيث كون الضمان في حقيقته قد يؤول إلى القرض، والله أعلم.
الإشكال الثاني:
أن الأصل في عقد الضمان أن المضمون له (التاجر) له أن يطالب الأصيل
(حامل البطاقة)، وله أن يطالب الضامن (البنك)، وفي هذا العقد ليس للتاجر أن يطالب المضمون عنه، وإنما الحق انتقل إلى ذمة البنك (مصدر البطاقة).
ويجاب عن ذلك من وجوه:
الوجه الأول:
أن هذه المسألة خلافية، فقد اختلف الفقهاء في عقد الضمان هل يبرأ المضمون عنه بالضمان، أو لصاحب الحق مطالبة من شاء منهما، على أربعة أقوال:
فقيل: لا يبرأ المضمون عنه بالضمان، وله مطالبة من شاء منهما، وهو قول الجمهور، وأحد الأقوال عن مالك
(1)
.
وقيل: يبرأ المضمون عنه بالضمان، وهو قول ابن أبي ليلى
(2)
، وابن شبرمة
(3)
، وأبي ثور
(4)
، وداود وأصحابه
(5)
.
وقيل: لا يُطالَب الضامنُ إن حضر المضمون عنه، وكان موسرًا، أو غاب وكان له مال حاضر.
(1)
مختصر اختلاف العلماء (4/ 255)، فتح القدير (7/ 164)، حاشية ابن عابدين (5/ 281 - 282)، الكافي لابن عبد البر (ص: 399)، حاشية الدسوقي (3/ 337)، منح الجليل (6/ 217). وأشار في شرح ميارة (1/ 123) أن هذا القول هو القول الأول عن مالك، وقد رجع عنه. وانظر التنبيه (ص:93)، حلية العلماء (2/ 647)، روضة الطالبين (4/ 264)، المغني (4/ 344)، الإنصاف (5/ 190)، كشاف القناع (3/ 364).
(2)
مختصر اختلاف العلماء (4/ 255)، فتح القدير (7/ 164)، المغني (4/ 351).
(3)
المغني (4/ 351)، مختصر اختلاف العلماء (4/ 256)، فتح القدير (7/ 164).
(4)
المراجع السابقة.
(5)
فتح القدير (7/ 164)، المغني (4/ 351).
وهذا مذهب المالكية
(1)
.
وقيل: يبرأ المضمون عنه بالضمان إن كان ميتًا، أما إذا كان حيًا فلا يبرأ، وهذا القول رواية عن أحمد
(2)
.
الوجه الثاني:
أن هذا الخلاف فيما إذا لم يشترط في العقد براءة المضمون عنه بالضمان، أما إذا اشترط براءة المضمون عنه بالضمان والتزم الضامن وفاء الدين مطلقًا، وإن لم تتعذر مطالبة المضمون عنه فإن هذا الالتزام من الشروط الصحيحة؛ لأن الأصل في الشروط الصحة والجواز، ولا يوجد محذور شرعي من هذا الالتزام، وهذا ما نص عليه الحنفية والمالكية.
جاء في المبسوط: «إذا كان لرجل على رجل مال، فضمنه له على إبراء الذي عليه الأصل، فهو جائز، والكفيل ضامن للمال، ولا يأخذ الطالب المكفول عنه بشيء .... »
(3)
.
وجاء في الفواكه الدواني: «لا يغرم ضامن المال إلا إذا غاب الغريم
…
أو شرط عليه صاحب الدين الغرم ولو مع حضور الغريم مليًا»
(4)
.
الوجه الثالث:
قال الشيخ عبد الرحمن الأطرم: «بأنه ليس في العقود المنظمة للبطاقات ما
(1)
منح الجليل (6/ 217)، حاشية الدسوقي (3/ 337)، الخرشي (6/ 28)، التاج والإكليل (5/ 104)، الفواكه الدواني (2/ 240).
(2)
المغني (4/ 351).
(3)
المبسوط (20/ 46).
(4)
الفواكه الدواني (2/ 240).
ينص على أنه ليس للقابل أن يطالب حاملها، وقد تتبعت ذلك ولم أعثر على شرط يدل على ذلك الأمر، ومن هنا جاء اختلاف القانونيين في هذه المسألة فيما لو لم يسدد المصدر المبلغ لقابل البطاقة، هل له أن يرجع على حاملها أو لا؟»
(1)
.
وسوف نتكلم عن أدلة هذه المسألة إن شاء الله تعالى في باب الضمان، بلغنا الله ذلك بمنه وكرمه.
الراجح من الخلاف:
بعد استعراض الأقوال أجد أن أقواها من يكيف العلاقة بين مصدر البطاقة وحامل البطاقة على أنها من قبيل الضمان لحاملها، وهو من ضمان المعلوم؛ لأن الضمان مقتصر على مبلغ السقف الائتماني الممنوح لحامل البطاقة، وهو معلوم القدر.
ومن ضمان الحق قبل وجوبه، وهو سائغ لدى جمهور الفقهاء. والله أعلم.
* * *
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الخامس عشر (3/ 77).