الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والوقت الذي يستغرقه دفع المبلغ إلى التاجر لا يختلف بين أن يكون الرصيد مغطى أو غير مغطى، وإنما الأمر يتعلق برجوع البنك بعد الدفع، فبعد أن يسدد البنك للتاجر من ماله يقوم بعد ذلك بالاستيفاء من العميل، فإن كان للمشتري رصيد كان الرجوع إلى رصيده، وإن لم يكن له رصيد رجع البنك إلى العميل نفسه، وطالبه بالسداد، أما البائع فهو قد ا ستلم حقه من مال البنك في الحالين.
الراجح:
الذي أميل إليه أن القبض ببطاقة الائتمان قبض حكمي صحيح لا يختلف عن القبض بالشيك المصدق، ولا عن القبض بالشيك المحرر من لدن المصرف، إن لم تكن أقوى منها، ويبقى النظر في المنع من التعامل ببطاقة الائتمان لموانع أخرى غير قضية القبض، والله أعلم، وسوف أتناول إن شاء الله تعالى بشيء من البسط أنواع البطاقات، وتاريخها، وتكييفها التكييف الشرعي في باب المعاملات المصرفية، بلغنا الله ذلك بحوله وقوته.
* * *
الفرع الثاني
صرف العملات عن طريق استخدام بطاقات الائتمان
[ن-73] عرفنا في البحث السابق حكم شراء الذهب والفضة عن طريق دفع الثمن ببطاقات الائتمان، ونريد أن نبحث في هذه المسألة حكم ما إذا ترتب على هذا الشراء صرف عملة بأخرى، وفي أحيان كثيرة تكون عملية الصرف من لازم الشراء، وإن لم يقصد المتعامل ببيعه وشرائه صرف نقود بأخرى، وذلك أن البطاقة لما كان لها صفة العالمية، وكان صاحبها يستطيع أن يستخدمها في معظم دول العالم، فإذا اشترى سلعًا فإن بنك التاجر يسدد عن حاملها فورًا بعملة البلد المستخدمة فيه، ثم يعود على المنظمة الراعية للبطاقة والتي تدفع له بالدولار، ثم تعود على مصدر البطاقة لتأخذ منه ما دفعته بالدولار، ثم يعود مصدر البطاقة على حاملها ليسدد له بعملة بلده بالريال مثلًا، خلال مدة السماح المجانية، فهذه عملية صرف المقصود منها استيفاء ما وجب على المستفيد، وليس المقصود منها المعاوضة، فما حكم هذه العملية؟
أما من منع شراء الذهب والفضة ببطاقة الائتمان منع الصرف فيها، حيث لا فرق عنده بين المسألتين.
وهناك من أهل العلم من أجاز المسألتين، فلم يفرق بينهما، وفي الحالين أدلتهم في هذه المسألة هي أدلتهم في مسألة بيع وشراء الذهب ببطاقة الائتمان، وسبق بحثها في المسألة السابقة، فأغنى عن إعادتها هنا.
وهناك فريق ثالث من أهل العلم أجاز شراء الذهب والفضة ببطاقة الائتمان، كما أجاز السحب النقدي بالبطاقة ولو لم يكن هناك تغطية في رصيده إذا لم يتقاض المصدر فوائد أو عمولة على الاقتراض زائدة عن النفقات الفعلية لتقديم
هذه الخدمة، ومنع من الشراء بها سلعًا إذا ترتب على هذا الشراء صرف عملة بأخرى، وهذا القول هو الذي يعتبر فيه إضافة على المسألة السابقة، ونريد في هذا المبحث أن نطلع على وجهة نظر من يرى هذا القول، ومقدار وجاهة هذا القول، ومن هؤلاء الدكتور نزيه حماد.
وجه من منع الشراء بالبطاقة إذا ترتب على هذا الشراء مصارفة:
اعتمد القائلون بالتحريم على ثلاثة محاذير:
المحذور الأول: في التأخر في قبض بدل الصرف.
وذلك أن مصدر البطاقة يجري الصرف مع حاملها إلى العملة المحلية بمجرد سداده بالعملة الأخرى، ولا يطالب حاملها ببدل الصرف إلا عند إصدار الفاتورة لاحقًا مع إعطائه مهلة سماح مجانية للسداد
…
وهذا التراخي غير جائز شرعًا في قول سائر أهل العلم؛ لأنه من ربا النسيئة (ربا البيوع) الذي هو ذريعة إلى ربا النسيئة (ربا الديون) الذي هو صلب الربا وأساسه
(1)
.
(1)
يقول الشيخ نزيه حماد في كتابه قضايا فقهية معاصرة (ص: 160 - 162): «يستطيع حامل البطاقة استخدامها في معظم دول العالم لشراء السلع والخدمات المرغوبة، بحيث يسدد مُصْدر البطاقة المبلغ المستحق على حاملها فورًا بعملة البلد المستخدمة فيه، ثم يعود على حاملها بالعملة المحلية (باستخدام سعر صرف ذلك اليوم، أو حسبما هو مبين في الاتفاقية) ليسدد بها بعد صدور فاتورة البطاقة، وخلال مهلة السماح المجانية.
وهذه العملية تتضمن صرفًا، حيث إن حامل البطاقة يشتري بعملة ما، والمُصْدر يدفع الثمن بها ثم يصرف ذلك المبلغ الذي دفعه بالعملة المحلية لحامل البطاقة، ويطالبه ببدل صرف ما دفعه عنه، ليؤديه بعد فترة من عملية الشراء والصرف تتجاوز غالبًا الأسبوعين والثلاثة.
وقضية صرف ما في الذمة التي يسميها الفقهاء بـ (تطارح الدينين) جائز شرعًا، بشرط أن يقع القبض حقيقة أو حكمًا ناجزًا غير مؤخر، أي بدون أن يبقى شيء في الذمة بعده لأحدهما، وذلك لما روى ابن عمر رضي الله عنه، قال: (كنت أبيع الإبل بالدنانير، وآخذ مكانها الدراهم، =
المحذور الثاني: في وقت سعر الصرف.
يقول الشيخ عبد الستار أبو غدة: «في حالات عديدة يقوم العميل حامل البطاقة باستخدام بطاقته لسداد قيمة مشتريات أو خدمات تختلف عن عملة حساب البطاقة التي يتعامل بها مع البنك المُصْدِر، وحيث إن هذا الأخير يدفع تلك المبالغ لمستحقيها بالدولار عادة، فإن تسوية المعاملة تحتاج إلى عملية صرف أو تحويل المستحقات من الدولار إلى العملة المحلية.
= وأبيع بالدراهم، وآخذ مكانها الدنانير، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: لا بأس إذا تفرقتما، وليس بينكما شيء).
غير أنه يلاحظ في عمل بطاقة الائتمان تراخي قبض المُصْدر بدل الصرف من حامل البطاقة عن مصارفته لمدة أسبوعين أو أكثر، حيث إن مُصْدر البطاقة يجري الصرف مع حاملها إلى العملة المحلية بمجرد سداده بالعملة الأخرى، ولا يطالب حاملها ببدل الصرف إلا عند إصدار الفاتورة لاحقًا مع إعطائه مهلة سماح مجانية للسداد
…
وهذا التراخي غير جائز شرعًا في قول سائر أهل العلم؛ لأنه من ربا النسيئة (ربا البيوع) الذي هو ذريعة إلى ربا النسيئة (ربا الديون) الذي هو صلب الربا وأساسه، ويستثنى من التحريم حالة الحاجة، والمصلحة الراجحة تعويلًا على ما ذكره ابن القيم الجوزية من تقسيم الربا إلى نوعين: جلي؛ وهو ربا النسيئة، أو ربا الديون، الذي جاء تحريمه قصدًا
…
وخفي: وهو ربا البيوع الذي جاء تحريمه سدًا للذريعة إلى الأول الذي هو صلب الربا، ومعظمه، حيث قال في إعلام الموقعين «الوجه التسعون: إنه حرم التفرق في الصرف، وبيع الربوي بمثله قبل القبض لئلا يتخذ ذريعة إلى التأجيل الذي هو أصل باب الربا، فحماهم من قربانه باشتراط التقابض في الحال، ثم أوجب عليهم التماثل، وألا يزيد أحد العوضين على الآخر إذا كانا من جنس واحد حتى لا يباع مد جيد بمدين رديئين، وإن كانا يساويانه سدًا لذريعة ربا النسيئة الذي هو حقيقة الربا» ثم قال رحمه الله «فإن ما حرم سدًا للذريعة أخف مما حرم تحريم مقاصد» «وما حرم سدًا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة» ومعيار الحاجة إلى عقد من العقود شرعًا: أن يقع الممتنع عن ذلك العقد لحظره في المشقة والحرج لفوات مصلحة من المصالح المعتبرة شرعًا عليه.
فبعض البنوك المصدرة تقوم بعملية الصرف على أساس السعر المعلن لديها في يوم قيد قيمة تلك المشتريات أو الخدمات على حساب العميل حامل البطاقة، أو بزيادة نسبة معلومة.
وبعض البنوك يعتمد سعر الصرف السائد في التاريخ الذي تم فيه سداد القيمة من جانب البنك نيابة عن العميل حامل البطاقة.
وبعضها يعتمد سعر الصرف السائد في تاريخ استلام بيان المبالغ المستحقة من المنظمة العالمية»
(1)
.
مع أن الواجب أن يعتمد سعر الصرف في يوم سداد المستفيد للقرض الذي عليه.
(ح-840) كما في حديث ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا، وبينكما شيء
(2)
.
المحذور الثالث: اجتماع الصرف والقرض.
يقول الشيخ عبد الله بن محمد العمراني: «عقد الصرف نوع من البيوع، فلا يجوز اجتماعه مع القرض، لحديث:(لا يحل سلف وبيع) لئلا يؤدي إلى المحاباة في سعر الصرف من أجل القرض.
والواقع يدل على أن سعر الصرف في العمليات ا لتي تجري ببطاقة الائتمان أعلى من سعر الصرف السائد في ذلك الوقت في العمليات التي تجري بدونها،
(1)
بطاقات الائتمان - عبد الستار أبو غدة ضمن بحوث مجلة مجمع الفقه الإسلامي (12/ 3/ص: 490).
(2)
مسند أبي داود الطيالسي (1868)، ومن طريقه البيهقي (5/ 315)، وقد سبق تخريجه، انظر (ح 115).
وعلى هذا التركيب في هذه الحالة - فيما يظهر - يؤدي إلى المنع خروجًا من شبهة الربا»
(1)
.
وأرى أن هذا لا يدخل في النهي عن سلف وبيع؛ لأن الأصل في بطاقة الائتمان القرض وحده، وأما الصرف فيأتي تبعًا، وهو من باب الاستيفاء، وليس من باب المعاوضة وطلب الربح، ولذلك نشترط أن يكون ذلك بسعر يوم الصرف حتى لا يكون هناك محاباة في الصرف، ولو كان ذلك من باب سلف وبيع لما صح فعل ابن عمر حيث كان يبيع ويصارف، فهو يبيع الإبل بالدراهم، ثم عند الاستيفاء يأخذ الدنانير، فهو جمع بين دين، وصرف، وبيع.
فالبيع جاء من قول ابن عمر (كنا نبيع الإبل .. ).
وأما الدين: فلأن الثمن يبقى دينًا في ذمة المشتري؛ لأنه لو كان حالًا لما احتاج أن يبيع ابن عمر بالدراهم ويأخذ الدنانير، لأنه كان بالإمكان أن يبيع مباشرة بالدنانير، ولا يحتاج إلى عملية المصارفة ما دام أنه لن يربح فيها، ولكن ابن عمر كان يترك الثمن دينًا في ذمة المشتري.
ولا فرق بين أن يكون الدين جاء من قرض أو من بيع
(2)
.
وأما الصرف: فلأنه إذا جاء وقت الاستيفاء، ولم يكن مع المشتري جنس الثمن المطلوب منه صارفه ليستوفي حقه، فكانت المصارفة هنا من باب الاستيفاء، وليست من باب المعاوضة، ولهذا كان هذا مشروطًا بحيث لا يربح عليه، وأن يكون مقبوضًا في مجلس العقد.
(1)
العقود المالية المركبة (ص: 373).
(2)
انظر مجموع الفتاوى (29/ 510).