الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثالث
خلو العقد من شرط الخيار
[م-1226] ذهب عامة الفقهاء إلى أنه يشترط في عقد الصرف أن يكون باتًا لا خيار فيه
(1)
.
وجاء في المدونة: «قلت: أرأيت، هل يجيز مالك الخيار في الصرف؟ قال: لا»
(2)
.
وقال النووي: البيوع التي يشترط فيها التقابض في المجلس كالصرف وبيع الطعام بالطعام، أو القبض في أحد العوضين كالسلم، لا يجوز شرط الخيار فيها بلا خلاف
…
»
(3)
.
وجه ذلك:
أن كل عقد يكون القبض شرطًا في بقاء العقد على الصحة لا يصح اشتراط الخيار فيه، وذلك مثل عقدي الصرف والسلم، وذلك لأن الخيار يمنع انعقاد العقد، فيمنع صحة القبض.
(4)
.
(1)
حاشية ابن عابدين (4/ 569 - 570).
(2)
المدونة (4/ 189).
(3)
المجموع (9/ 228 - 229).
(4)
المهذب (1/ 258).
(1)
.
القول الثاني:
اختار ابن تيمية من الحنابلة: جواز خيار الشرط في كل العقود.
قال رحمه الله: «ويثبت خيار الشرط في كل العقود، ولو طالت المدة»
(2)
، واختاره الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي
(3)
، وشيخنا ابن عثيمين رحمه الله
(4)
.
وجه القول بالجواز:
خيار الشرط لا يمنع انعقاد العقد، والملك في المبيع للمشتري، والملك في الثمن للبائع مدة الخيار، وإنما الخيار يجعل العقد جائزًا، وليس بلازم، والأحاديث في الصرف إنما توجب القبض، والقبض لا يعني لزوم العقد حتى يقال: إن الخيار يمنع القبض الواجب، بل يبقى المعقود عليه مقبوضًا، وإن كان العقد غير لازم بحسب ما اشترطاه، فإن أمضيا البيع لزم، وإلا فسخ. وإذا كانت الإقالة في الصرف تجوز، وهي تعطي حق الفسخ، فالخيار كذلك، والله أعلم. وهذا القول هو الراجح.
(1)
المغني (4/ 24).
(2)
الفتاوى الكبرى (5/ 390)، ونقل هذا أيضًا عن ابن تيمية: ابن مفلح في الفروع (4/ 84)، الإنصاف (4/ 375).
(3)
المختارات الجليلة (ص: 73).
(4)
الشرح الممتع (8/ 281).
فإن شرطه المتعاقدان أو أحدهما على القول بمنع الخيار:
فقيل: يفسد العقد، وهذا هو مذهب الحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
، والشافعية
(3)
.
وقيل: يصح العقد، ويبطل الشرط، كسائر الشروط الفاسدة في البيع، وهذا مذهب الحنابلة
(4)
.
وجه قول الحنابلة:
أن هذا الشرط ينافي مقتضى العقد، وكل شرط ينافي مقتضى العقد فإنه يبطل الشرط وحده، ويصح العقد، واستند الحنابلة في هذا إلى قصة بريرة، حيث صحح النبي صلى الله عليه وسلم العتق، وأبطل شرط الولاء، حين كان منافيًا لمقتضى العقد، وهو كون الولاء لمن أعتق.
(1)
تبيين الحقائق (4/ 136)، حاشية ابن عابدين (5/ 259)، وقال في بدائع الصنائع (5/ 217):«إذا انعقد - يعني الصرف - على الفساد من الابتداء بأن شرطا الخيار فيه، أو أدخلا الأجل فيه لم يصح الصرف بالإجماع» .
(2)
جاء في المدونة (4/ 189): «قلت: أرأيت هل يجيز مالك الخيار في الصرف؟ قال: لا» . وجاء في الذخيرة للقرافي (5/ 31): «يمتنع الخيار في الصرف لضيقه باشتراط المناجزة» . وجاء في التاج والإكليل (4/ 309): «أما الخيار فلا خلاف أن الصرف به فاسد لعدم المناجزة بينهما» . وانظر مواهب الجليل (4/ 308).
(3)
قال النووي في المجموع (9/ 228 - 229): «البيوع التي يشترط فيها التقابض في المجلس كالصرف، وبيع الطعام بالطعام، أو القبض في أحد العوضين كالسلم، لا يجوز شرط الخيار بلا خلاف
…
»، وانظر المهذب للشيرازي (1/ 258)، مغني المحتاج (2/ 47)، نهاية المحتاج (4/ 15)، السراج الوهاج (ص: 185).
(4)
شرح منتهى الإرادات (2/ 38)، مطالب أولي النهى (3/ 90)، المحرر (1/ 272)، كشاف القناع (3/ 204)، المغني (4/ 24)، المبدع (4/ 68).
(ح-833) وحديث بريرة رواه البخاري من طريق هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: جاءت بريرة، فقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية، فأعينيني، فقالت عائشة: إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة، وأعتقك فعلت، ويكون ولاؤك لي، فذهبت إلى أهلها فأبوا ذلك عليها .... فسمع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألني، فأخبرته، فقال: خذيها، فأعتقيها، واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق، قالت: عائشة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، ما بال رجال منكم يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، فأيما شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، فقضاء الله أحق، وشرط الله أوثق
…
»
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أبطل الشرط وحده، وأبقى على العقد صحيحًا، فدل على أن الشرط إذا كان مخالفًا للشرع صح البيع، وبطل الشرط، وقاس الحنابلة على اشتراط الولاء جميع الشروط التي تخالف مقتضى العقد، وذلك لأن العقود توجب مقتضياتها بالشرع، فاشتراط ما يخالف مقتضاها تغيير للمشروع.
وقد ذكرت الجواب عن حديث عائشة في كتاب الشروط في البيع، تحت مسألة: إذا باعه بشرط ألا يبيعه ولا يهبه، وناقشت موقف أهل العلم من حديث بريرة.
والذي أراه أن الأخذ بلفظ هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة بلفظ (خذيها واشترطي لهم الولاء) على القول بأن هذه الزيادة محفوظة يقتصر على ما ورد في
(1)
البخاري (2563)، وينظر مسلم.
القضية التي سيق فيها الحديث: كما لو باع رجل عبده بشرط أن يكون له ولاؤه، أما قياس جميع الشروط التي تخالف مقتضى العقد على اشتراط الولاء فإنه قياس غير صحيح، وذلك أن الولاء ليس من الحقوق المالية، لما رواه الشيخان من حديث ابن عمر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء، وعن هبته)
(1)
.
وروى ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر مرفوعًا: (الولاء لحمة كلحمة النسب)
(2)
، فلا يقاس على الولاء غيره من الشروط المالية ولو كانت تخالف مقتضى العقد، وذلك أن كل شرط مالي، ولو كان مخالفًا للعقد قد قابله جزء من الثمن، فإذا بطل الشرط فهل يحق للمشتري أن يأخذ ما يقابله من الثمن بلا عوض، فمثلًا: إذا اشترط المشتري أن لا خسارة عليه، فشرطه هذا شرط يخالف مقتضى العقد، وإذا قبل البائع هذا الشرط فإن المشتري سوف يشتري المبيع بقيمة أكثر مما لو اشترها بدون هذا الشرط، وهذا معلوم، فيكون البائع قد قبض قيمة هذا الشرط الباطل، فإذا بطل الشرط، ولزم البيع بنفس الثمن، فقد أخذ البائع قيمة هذا الشرط الباطل بلا مقابل، فهل يحق له أن يأخذ قيمة هذا الشرط إذا صححنا العقد، أو نقول: يلزم البيع، وما زاد من الثمن مقابل هذا الشرط يرد إلى المشتري، وهذا هو مقتضى القواعد، لأن عوض الحرام حرام.
وإذا قلنا: بخصم قيمة الشرط، فإن البائع له أن يقول: لم أرض بإخراج المبيع من ملكي بهذا الثمن بعد الخصم، ومن شروط صحة البيع: رضا البائع بالثمن، ورضا المشتري بالمبيع، وهو ما لم يتحقق هنا، فإذا تراضيا على الثمن الجديد فليتعاقدا عليه بعد إبطال العقد بالصورة الأولى، وبهذا نكون قد توجهنا إلى الأخذ بقول الجمهور، وهو إبطال البيع وإبطال الشرط.
* * *
(1)
صحيح البخاري (2535)، ومسلم (1506).
(2)
صحيح ابن حبان (4950).