الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمر الثاني: أن التصرف فيها بإقراضها كان ذلك قبل انبرام العقد بينهما، وهذا باطل، لأن الصرف لا ينعقد قبل التقابض
(1)
.
وجه من قال بالجواز إن كان ذلك بدون حيلة:
إن اتخذ القرض حيلة لمبادلة الربوي بالربوي مع التفاضل فإن هذا لا يجوز فإن الحيل لا تبيح المحرمات، ولا تسقط الواجبات، ويكون حكمه حكم ما لو اشترط القرض في البيع، واشتراط القرض في البيع مبطل للعقد بالإجماع، وقد سبق بحثه، وإن كان ذلك بدون حيلة، فالأصل فيه الحل والصحة، حيث لم يتفرقا إلا وقد تقابضا، والله أعلم.
الراجح:
أرى - والعلم عند الله - أن مذهب الحنابلة القائل بجواز ذلك بشرط ألا يكون ذلك من باب التحايل لمبادلة الربوي بالربوي مع التفاضل هو الراجح، والله أعلم.
* * *
(1)
انظر: المنثور في القواعد الفقهية (2/ 104).
الفصل التاسع
اجتماع الصرف والحوالة
تمهيد
التعريف باجتماع الصرف والحوالة
إذا تقدم رجل بنقوده أو شيكه الذي يمثل ريالات سعودية مثلًا إلى أحد المصارف في البلاد السعودية، وهو يريد أن يحول هذه النقود إلى البلاد المصرية، أو يريد أن يستلمها هناك جنيهات مصرية هو أو وكيله، فيقوم المصرف بإجراء صرف الريالات إلى جنيهات مصرية، ويسلم العميل شيكًا يتضمن المبلغ من الجنيهات المصرية قيمة لريالاته، ثم يحوله إلى فرع له في القاهرة، أو يحوله إلى مصرف آخر يعتبر وكيلًا له، ويمكن أن يرسل برقية، أو فاكسًا، أو تلكسًا، أو مكالمة تلفونية إلى المصرف المذكور، تتضمن تسليم المبلغ المذكور، ويحصل المصرف في هذه الحالة على أجرة، وعلى مصاريف البرقية، أو التلكس، أو نحوهما.
ويجب أن تجري عملية الصرف قبل التحويل؛ لأن الصرف يجب فيه التقابض قبل التفرق، وذلك بأن يقوم العميل بتسليم المبلغ للبنك، ويقوم البنك بتقييد ذلك له في دفاتره بعد الاتفاق على سعر الصرف المثبت في المستند المسلم للعميل قبل التفرق.
كما يجب أن يكون لدى البنك فعلًا العملة التي صارفه بها العميل، ولا يكفي ملاءته، وقد سبق لنا أن القيد المصرفي يقوم مقام القبض الشرعي. وبعد إنهاء عملية الصرف تجري الحوالة.
وتتم التحويلات المصرفية المعاصرة بواحدة من الطريقتين:
الأولى: حوالة عاجلة، يأمر بها المصرف المحلي فرعه، أو المصرف الأجنبي الذي يراسله عن طريق الإبراق، أو الهاتف، أو غيرها من وسائل الاتصال الفوري الحديثة، فيضع المبلغ المتفق عليه تحت تصرف المستفيد (المحول إليه) في الحال.
الطريقة الثانية: حوالة كتابية لدى الاطلاع، بأن يسلم المصرف المحلي أمرًا كتابيًا يسلمه المصرف للعميل ليتولى إرساله للمستفيد، أو يرسله المصرف بالبريد إلى فرعه أو مراسله ويطلب فيه دفع المبلغ المطلوب إلى المستفيد.
والحوالة إما أن تكون بنفس العملة المحلية، وهذه لا علاقة لها في بحثنا، لأن هذه المعاملة لا علاقة لها بعقد الصرف.
وإما أن تكون بعملة مغايرة، وهذه هي محل البحث.
وقبل الجواب على هذا نقوم بتعريف مفردات ا لباب (الصرف والحوالة).
ولما كان الصرف قد سبق تعريفه، فما هو تعريف الحوالة اصطلاحًا:
ذكر الفقهاء بأن الحوالة: هي نقل الدين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه
(1)
.
وقيل: هي نقل دين من ذمة إلى ذمة
(2)
.
(1)
انظر الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل (2/ 218)، شرح منتهى الإرادات (2/ 135). وأما الحوالة في اللغة: فهي من حال الشّيء حولًا وحؤولًا: تحوّل. وتحوّل من مكانه: انتقل عنه. وحوّلته تحويلًا: نقلته من موضع إلى موضع.
(2)
فتح الباري (4/ 464).
واختلفوا: هل هي بيع دين بدين، أو عقد إرفاق:
فقيل: هي بيع دين بدين رخص فيه على خلاف القياس، فاستثني من النهي عن بيع دين بدين. وهذا مذهب المالكية
(1)
، والشافعية
(2)
، وقول في مذهب الحنابلة
(3)
.
وقيل: هي عقد إرفاق وإبراء ذمة، لا بيع، وهذا أحد الوجهين في مذهب الشافعية
(4)
، وهو الأصح في مذهب الحنابلة
(5)
، وهو المعتمد في مذهب الحنفية
(6)
، أنها عقد إرفاق منفرد بنفسه، ليست بيعًا، بدليل جوازها في الدين بالدين، وجواز التفرق قبل القبض، واختصاصها بالجنس الواحد، واختصاصها باسم خاص، ولا يدخلها خيار؛ لأنها ليست بيعًا ولا في معناه؛ لعدم العين فيها، ولكونها لم تبن على المغابنة.
ويشترط في صحتها رضا المحيل بلا خلاف، والمحتال عند الأكثر والمحال عليه عند بعض من شذ
(7)
.
(1)
منح الجليل (6/ 185، 186)، مواهب الجليل (5/ 92).
(2)
المهذب (1/ 337)، الحاوي الكبير (6/ 420)، حاشية الجمل (3/ 372).
(3)
الإنصاف (5/ 222).
(4)
الحاوي الكبير للماوردي (6/ 420).
(5)
الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 218)، المغني (4/ 336)، كشاف القناع (3/ 383)، شرح منتهى الإرادات (2/ 134)، المبدع (4/ 270).
(6)
لأن الحنفية يصرحون بأن الحوالة لم توضع للتمليك، وإنما وضعت للنقل، قال في مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (2/ 149):«العين الذي بيد المحتال عليه للمحيل، والدين الذي له عليه لم يصر مملوكا للمحتال بعقد الحوالة لا يدًا، وهو ظاهر ولا رقبة؛ لأن الحوالة ما وضعت للتمليك بل للنقل» . وانظر العناية شرح الهداية (7/ 249)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 309).
(7)
فتح الباري (4/ 464).
وسوف يأتي تفصيل كل ذلك إن شاء الله في باب مستقل للحوالة، نذكر فيه شروطها، المتفق عليه، والمختلف فيه، وحجة كل قول، وبيان الراجح بلغنا الله ذلك بعونه وتوفيقه.
* * *