الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الحقيقة أن هذا القانون صيغ ليخدم طائفة معينة (وهم طائفة الباعة المصدرون على حساب طائفة المشترين (وهم المستوردون).
وإذا كان هدفهم حماية الدائن من سوء نية المدين، فأين هذا القانون من حماية المدين من سوء نية الدائن. والبيع عقد بين طرفين يلتزم أحدهما بالثمن والآخر بالمثمن، ويفترض أن الثمن إنما يستحق في مقابلة المثمن، ورعاية استحقاق الثمن للبائع ليست بأولى من رعاية استحقاق المبيع للمشتري. لهذا يعتبر الفصل ليس عادلًا، ولا يقبل شرعًا حيث جعل البائع يستحق قيمة البضاعة بمجرد ظاهر المستندات بصرف النظر عن مطابقتها أو مخالفتها لواقع البضاعة، وهذا يجعل حق المشتري عرضة للانتقاص والضياع مما يضر به، ومعلوم أن الضرر ممنوع شرعًا
(1)
.
حكم أخذ العمولة والفوائد بناء على تخريج العقد بأنه عقد ضمان:
إذا كان الضمان مغطى غطاء كليًا فإن ما يأخذه البنك بسبب خطاب الاعتماد جائز مطلقًا دون قيود، أي سواء كانت هذه العمولة تحدد بالنسبة، كما هو واقع التعامل المصرفي، أو كانت هذه العمولة مبلغًا مقطوعًا.
وجواز أخذ العوض على الضمان إذا كان مغطى بالكلية ليس لأنه خرج عن كونه من عقود الضمان، وإنما لأن الضمان فيه ليس من قبيل ضمان الديون فيؤدي في حال عجز المضمون عن السداد أن يقوم البنك بالسداد للمستفيد، ويصبح العميل مدينًا للمصرف، وتكون أجرة الضمان في مقابل إقراض العميل،
(1)
انظر الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة - السعيدي (1/ 488 - 500) نقلًا من قانون التجارة الدولي الجديد دراسة تحليلية - هلال دسوقي (: 23 - 29)، الاعتمادات المستندية - علي جمال الدين عوض (ص: 95 - 96).
فيكون القرض قد جر نفعًا للضامن، فهذا المحذور غير موجود في حال كان الضمان مغطى.
وأما إذا كان الضمان غير مغطى كليًا أو جزئيًا فإن أخذ المصرف فوائد على ذلك سيكون محرمًا سواء قيل إن هذه الفوائد في مقابل الإقراض أو قيل إن هذه الفوائد في مقابل الضمان، فكل ذلك يعتبر من الربا الصريح؛ لأن أخذ العوض على ضمان الديون سيؤدي إلى قرض جر نفعًا، وهذا لا يجوز، وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد بحث لأخذ العوض على الضمان في مبحث مستقل لأهميته.
كما أن الضمان إذا كان غير مغطى لا يجوز أخذ الأجرة مطلقًا (سواء كانت بالنسبة أو كانت مبلغًا مقطوعًا، وسواء كانت لمرة واحدة أو تتجدد) على ما يعتبره البنك خدمات مصرفية كالخدمات الفعلية من اتصال بالمصدر، ومطالبته بتسليم مستندات الشحن، وإيصالها إلى المشتري، وإن كان يجوز للبنك أن يسترد من العميل جميع ما يصرفه على هذه الخدمات بشرط أن تكون تكاليف حقيقية، وأما أخذ الأجرة عليها والتكسب بسببها فيجوز لو أن هذه الخدمات قدمت بشكل منفرد، أما إذا جمعت مع الضمان فإنه لا يجوز أخذ العوض على هذه الخدمات (عدا استرداد المصاريف الفعلية) حتى لا يؤدي ذلك إلى أخذ العوض على القرض والضمان بالاختباء وراء ستار أجرة الخدمات المصرفية كما سبق بيانه.
فالراجح في العقود المشتركة منع الجمع بين كل عقدين يترتب على الجمع بينهما محظور شرعي، وإن كان كل واحد منهما جائزًا بمفرده، فليس كل عقد جاز منفردًا جاز مضمومًا إلى غيره، فهذا عقد القرض جائز بالإجماع، وعقد البيع جائز بالإجماع، وإذا باعه بشرط أن يقرضه حرم ذلك بالإجماع.
فإذا كان أخذ العوض على القرض وعلى ضمان الدين محرمًا كما هو في حال كان خطاب الاعتماد غير مغطى فإن أخذ العوض على الخدمات المصرفية إذا ضمت إلى عقد فتح الاعتماد مع اشتماله على القرض والضمان يكون محرمًا حينئذ خشية أن يؤدي ذلك إلى أخذ العوض على القرض وعلى الضمان بعقد مستتر باسم الأجرة على تلك الخدمات، وفي نفس الوقت لا نمانع من أخذ التكاليف الفعلية التي أنفقها الضامن لإصدار خطاب الاعتماد دون أن يربح في ذلك، وفي هذا حماية للمعاملة من الوقوع في الربا.
يقول الشيخ محمد الزحيلي: «خطابات الضمان من المعاملات المصرفية المعاصرة التي عرضت عدة مرات على مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمؤتمرات الفقهية، وندوات الاقتصاد الإسلامي، وصدر فيها عدة قرارات توضح الجوانب الجائزة، وتحذر من الوقوع في الربا، ومنعت أجر الضمان، وأجازت للمصارف استرداد المصاريف الإدارية.
وإن أصر المصرف الإسلامي على أخذ أجرة فيتم في حالة التمويل، وتحويل القرض إلى قراض (مشاركة في الربح) ويحصل المصرف على حصته من الربح الجائز والمشروع بالنص والإجماع»
(1)
.
ويمكن للمصرف الإسلامي أن يشتري البضاعة التي يريدها العميل، ويبيعها إياه عن طريق المرابحة للآمر بالشراء وفق الضوابط الشرعية لهذه العملية
(2)
.
(1)
المصارف الإسلامية - أ. د محمد الزحيلي (ص: 92 - 93).
(2)
ومن هذه الضوابط: عدم الإلزام بالوعد، وألا يطلب المصرف من العميل أي ضمان قبل توقيع عقد البيع، وأن يفتح المصرف الاعتماد باسمه لأنه هو المشتري الحقيقي لا باسم العميل، وبناء عليه لا يحق للمصرف أن يطالب العميل بأي غطاء نقدي للاعتماد، وعلى المصرف ألا يذكر اسم المشتري في جميع وثائق الشراء، والنقل، والتأمين؛ لأن العميل لم يشتر البضاعة بعد، كما على البنك ألا يقيد على حساب العميل أو يطالبه بدفع أي من مصاريف المرابحة، أو أجور البريد، أو التلكس، وما شابهها بل يضيفها إلى قيمة البضاعة وتكلفتها، وبعد وصول البضاعة واستلام الشركة لها، وعلم العميل بها، يتم التوقيع على عقد الشراء مرابحة من البنك، ولا بأس أن يتكفل العميل باستخراج البضاعة من الميناء، ودفع الرسوم الجمركية، ورسوم النقل. راجع قرار الهيئة الشرعية لشركة الراجحي رقم (133)، وتاريخ 8/ 3/1413 هـ المعاملات الاقتصادية في شركة الراجحي المصرفية - رسالة دكتوراه إعداد راشد العليوي (1/ 309).
وإذا كان المصرف الإسلامي يتعامل مع بنوك أجنبية كما لو كان الاعتماد معززًا من قبل بنك في بلد البائع فإنه يجب على المصرف الإسلامي أن يبحث عن بنوك تقبل المقاصة والتعامل بالمثل بحيث لا يدفع البنك أية فوائد في مقابل تعزيز خطاب الاعتماد، وإذا لم يجد المصرف الإسلامي من يتعاون معه فعليه أن يودع لدى تلك البنوك ما يكفي ليتفادى دفع فوائد ربوية لتلك البنوك، وإذا استحق المصرف الإسلامي فوائد على تلك الأموال، ورأى أنه لا يتركها لهم فإنه يجب ألا تدخل هذه الأموال ضمن موارد المصرف وأرباحه، وأن يتخلص منها في المشاريع الخيرية. والله أعلم.
كما لا يجوز للمصرف أن يشترط الغطاء للاعتماد المستندي إلا إذا كان هذا المبلغ سوف يجمده المصرف، ولا يتصرف فيه باعتباره رهنًا، فإن قدم الغطاء المستندي دون شرط فلا أرى مانعًا من جواز انتفاع المصرف بهذا الغطاء؛ لأنه إذا اشترط المصرف الغطاء، وتصرف فيه:
فإن قيل: إن الغطاء رهن، فلا يجوز الانتفاع بالمرهون خاصة إذا لم يكن مركوبًا ولا محلوبًا كالنقود، فإذا انتفع أصبح القرض قد جر نفعًا وهذا لا يجوز.
وإن قيل: إن الغطاء قرض، لأن المصرف سوف يملكه، ويتصرف فيه، ويرد