الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثلًا، وهي عمولة متكررة مع الزمن من ناحية ثانية، وذلك بمعنى أنها تستوفى تكرارًا في كل سنة دون أن يكون هناك مقابل من جهد أو منفعة معتبرة بالنسبة للمقترض»
(1)
.
فإذا كانت العمولة لا يقابلها تكاليف حقيقية، وضمت مع عقد القرض وصار تقديرها خاضعًا لمقدار المبلغ المدفوع وطول الأجل صارت فائدة على القرض مستترة باسم العمولة ليس في النظر الشرعي فحسب وإن كان ذلك كافيًا وإنما حتى في التكييف القانوني.
ففي الحكم الشرعي:
(ح-854) روى أبو داود الطيالسي من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه.
عن عبد الله بن عمرو، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سلف وبيع، وعن شرطين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن
(2)
.
[إسناده حسن]
(3)
.
وفي عملية فتح الاعتماد الجمع بين (عقد القرض) وهو عقد تبرع وبين عقد معاوضة، وهي أخذ العمولة في مقابل فتح الاعتماد، فنكون بذلك قد جمعنا بين السلف (القرض) وبين البيع، وهذا ما نهى عنه الشارع.
وقد نص القانون المدني السوري على أن «كل عمولة أو منفعة - أيا كان
(1)
تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية (ص: 289) نقلًا من كتاب الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة للدكتور عبد الله السعيدي (1/ 375 - 376).
(2)
مسند أبي داود الطيالسي (2257).
(3)
سبق تخريجه، انظر (ح 232).
نوعها - اشترطها الدائن إذا زادت هي والفائدة المتفق عليها على الحد الأقصى المتقدم ذكره تعتبر فائدة مستترة، وتكون قابلة للتخفيض إذا ما ثبت أن هذه العمولة أو المنفعة لا تقابلها خدمة حقيقية يكون الدائن قد أداها، ولا منفعة مشروعة»
(1)
.
والنص نفسه جاء في القانون المدني المصري
(2)
.
وكذلك اعتبرها القانون الفرنسي فائدة ما لم تكن مقابلة بخدمة للعميل المقترض
(3)
.
وكان من الخطأ أن يقوم البنك وهو جهة متهمة أن يقوم بتقدير النفقات الفعلية بل يجب أن يخضع تقدير النفقات الفعلية لجهات اقتصادية محايدة، ومعايير تكون دقيقة للخروج من شبهة الربا، أو أن يقوم المستفيد من الاعتماد بتغطية المبلغ بحيث لا يكون في العملية عقد قرض.
وقد بين رئيس قسم القانون التجاري في كلية الحقوق بجامعة دمشق الأستاذ رزق الله أنطاكي الفكرة التي يقوم على أساسها احتساب ما تأخذه المصارف من عملائها بمقابلة الاعتمادات، فقد كشف لنا أن ذلك المقابل قد احتسب فيه تجميد مال المصرف لدى العميل في فترة الاعتماد مما قد يجعل المصرف عاجزًا عن تلبية طلبات المودعين في استرداد أموالهم بعضها أو كلها، وقد يجعله كذلك عاجزًا عن فتح اعتمادات لأشخاص آخرين مما قد يفقده عددًا من العملاء.
(1)
المادة (228) فقرة (2)، نقلًا من كتاب الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة (1/ 364).
(2)
المادة 227 (2).
(3)
تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية (ص: 288).
كما احتسب به خطر ضياع مال المصرف إما بإعسار المدين، أو بظروف طارئة من كساد تجاري، وانهيار اقتصادي ونحو ذلك.
ولأن الأموال التي يقدمها المصرف لصاحب الاعتماد هي في أصلها أموال ودائع عملاء آخرين يدفع لهم البنك فوائد أقل مقابل الإيداع.
ومنها نفقات عامة ينفقها المصرف لتسيير أعماله، والتي يجب أن يتحمل المستفيد من الاعتماد نصيبه منها.
فهذا يوضح أن ما تأخذه البنوك من عمولة على فتح الاعتماد غير الفائدة لا يقابله في الحقيقة جهد أو خدمة يقدمها البنك للعميل، وإنما هو خاضع لاعتبارات تجارية واقتصادية يقدرها البنك، وهو رافد للفائدة، وإذا كانت كذلك فإن حكم العمولة من الناحية الشرعية لا يخرج عن حالين:
الأولى: ألا يستفيد العميل من الاعتماد، وفي هذه الحال تكون العمولة لا مقابل لها، فتكون من أكل أموال الناس بالباطل.
الثانية: أن ينفذ الاعتماد، وفي هذه الحال تكون العمولة جزءًا من الفائدة على القرض، فتكون من الربا. هذا فيما يتعلق بحكم العمولة.
* * *
المسألة الثانية
في أخذ الفائدة على مبلغ فتح الاعتماد
[ن-103] إن قلنا: إن البنك يقرض العميل، فحينئذ يكون أخذ الفائدة على القرض لا يجوز، لأنه من القرض الذي جر نفعًا للمقرض، وهو مجمع على تحريمه، وقد نقل الإجماع طائفة من العلماء المتقدمين نقلناه عنهم عند الكلام على أخذ الفوائد على ودائع الاستثمار، فارجع إليه إن شئت. وهو بين واضح لا يحتاج إلى بسط.
وإن قلنا: أن أخذ الفائدة على القرض يجعل العقد بيعًا؛ لأن القرض عقد إرفاق وإحسان، فإذا طلب القرض للتكسب والمعاوضة تحول إلى عقد بيع، لأنه مبادلة مال بمال على وجه التأبيد فكذلك العقد محرم، لكونه جمع بين ربا الفضل وربا النسيئة، فمبادلة الربوي بمثله يشترط فيه شرطان: التقابض والتماثل، وهذا العقد فيه التأجيل والتفاضل. والله أعلم.
* * *