الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
في بيع المرابحة المصرفية
الفرع الأول
تعريف بيع المرابحة
الإلزام بالوعد يصير الوعد عقدًا؛ لأن الإلزام من أبرز خصائص العقد.
قال الونشريسي: «الأصل منع المواعدة بما لا يصح وقوعه في الحال حماية»
(1)
.
المرابحة المصرفية منتج مصرفي قائم على فكرتين: الأولى: الأمر بالشراء والثانية: الإلزام بالوعد، وهي صيغة جرى تطويرها لكي تتلاءم مع أغراض البنك وطبيعة نشاطه باعتباره وسيطًا ماليًا.
[ن-92] سبق لنا تعريف المرابحة الفقهية (البسيطة) في الاصطلاح الفقهي، والذي هو أحد بيوع الأمانة، كالتولية والمواضعة، والمشاركة، وهذه البيوع جائزة لدى عامة الفقهاء، وفيها خلاف ضعيف، فقد ذهب إلى منعها إسحاق بن راهوية، وابن حزم الظاهري، وبعضهم اعتبرها خلاف الأولى، وليس هذا موضع ذكر هذه المسألة، ولا تحرير الخلاف فيها.
أما المرابحة المصرفية، أو المرابحة للآمر بالشراء، ويقال: للواعد بالشراء فيقصد بها نوع آخر من البيوع له صور كثيرة، منها المتفق على جوازها، ومنها
(1)
إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك (ص: 278)، منح الجليل (5/ 102).
المختلف فيها، فهي تتفق مع الصورة الأولى أنه يشتري السلعة ويبيعها بربح معلوم ويختلف عنها أن البائع ربما لا تكون السلعة عنده، ويبيعها نسيئة.
وتعتبر المرابحة للآمر بالشراء أحد أهم صيغ التمويل للمصارف الإسلامية باعتبار أن البنك وسيط مالي بين فئة تملك فائضًا ماليًا، وفئة أخرى لديها عجز مالي، وحتى ينهض المصرف بوظيفته يحتاج إلى صيغ بديلة عن صيغة الإقراض بالفائدة والتي تقوم عليها البنوك التقليدية، ويمكن تقسيم هذه الصيغ التي يلجأ إليها المصرف الإسلامي إلى مجموعتين رئيسيتين:
الأولى: الصيغ المعتمدة على الاشتراك في الربح والخسارة كالمضاربة، والمشاركة، وهذه لا تزال ضعيفة لدى المصارف الإسلامية؛ لأن الاستثمار فيها ينبني على مخاطر عالية.
الثانية: الصيغ المعتمدة على الديون، ويقصد بها تلك التي تتمخض في دفاتر البنك عن التزامات مطلقة بالدفع من قبل المستفيدين من التمويل. وأصول المصرف الإسلامي فيها شبيهة بأصول المصرف التقليدي مع فارق مهم:
الأول: أن هذه الديون محلها السلع، وليست النقود كما هي البنوك الربوية.
الثانية: أنه في حال أن أعسر المدين فإن قيمة السلعة لا تتضاعف بل يؤجل الثمن إلى ميسرة في إرفاق يشبه القرض. وهذا فارق مهم.
وصيغة المرابحة تعتبر من أهم هذه الصيغ المعتمدة على الديون.
وصورته: أن يطلب المشتري من المصرف (البنك) سلعة ليست عنده، سواء كانت معينة أو موصوفة، ويعده بشرائها نسيئة مع ربح معلوم، فيقوم المصرف بشرائها ثم يبيعها إياه.
وهي غالبًا ما تتم بين ثلاثة أطراف:
عميل يريد شراء البضاعة.
وبنك ليس لديه هذه البضاعة.
ومورد يملك البضاعة.
وتبدأ هذه العملية من تقدم العميل للمصرف طالبًا الحصول على سلعة لا يملك ثمنها، فيعقد مواعدة على الشراء من المصرف نسيئة بربح يتحدد كنسبة مئوية من تكاليف الحصول عليها، فإذا قام المصرف بدارسة ملاءة العميل وطلب الضمانات الكافية قام بشراء هذه السلعة وعند ورود مستندات ملكية البنك للسلعة يوقع مع العميل عقد بيع يتضمن الثمن الفعلي وكافة المصاريف الأخرى، والربح المتفق عليه، ثم يذهب العميل ليتسلم السلعة من المورد.
والأصل في البيع أن تكون السلعة المباعة حاضرة عند البيع لدى البائع، ولكن هذا غير متاح بالنسبة للمصرف؛ لأنه بحكم وظيفة الوساطة المالية التي يتميز بها عن التاجر لا يتمكن من إيجاد المستودعات المليئة بالسلع والأصول كالسيارات، والطائرات والسفن والمنازل والأثاث ونحوها، لذلك أدخلت في العقد فكرة (الأمر بالشراء) أي أن المصرف لا يشتري السلعة إلا إذا أمره العميل بذلك.
والمصرف سيتعرض لمخاطرة عالية لو أنه استجاب لأمر كل عميل يطلب سلعة معينة لاسيما وأن وقتًا وجهدًا ليس بالقليل ربما يفصل بين أمر العميل وإتمام البنك لعملية الشراء وتوفير السلعة، ولذلك أدخلت في هذه الصيغة فكرة الإلزام بالوعد، وأن العميل الذي يعد البنك يجب أن يكون جادًا ملتزمًا بتنفيذ الوعد، وإذا نكل عن الشراء فقد أجاز بعض الفقهاء المعاصرين أن يلزم
المصرف العميل بالتعويض عن الضرر الذي يلحق المصرف من جراء عدم الوفاء، وهذا الضرر يتمثل في الخسارة التي ربما لحقت بالبنك عندما يبيع السلعة إلى عميل آخر، فإذا باعها بنفس التكلفة أو بربح فليس له أن يطالب ذلك العميل بأي تعويض، وهو إن خسر لا يطالبه إلا بالخسارة الحقيقية.
هذه تقريبًا الصورة الشائعة لبيع المرابحة المصرفية، وفكرة الإلزام بالوعد عن طريق تحمل الخسائر.
* * *