الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة
توصيف الودائع الآجلة
الودائع الآجلة على اختلاف أنواعها لدى البنوك الربوية هي من الربا الصريح الجامع بين ربا الفضل وربا النسيئة.
[ن-82] يختلف توصيف الودائع الآجلة وحسابات التوفير في البنوك الربوية من توصيفها في المصارف الإسلامية تبعًا لاختلاف طبيعة العلاقة بين المصرف والعميل.
ففي المصارف الإسلامية تكون العلاقة بين صاحب الوديعة وبين المصرف الإسلامي هو عقد مضاربة فصاحب الوديعة: هو رب المال. والمصرف الإسلامي: هو المضارب إن باشر العمل بنفسه، وإن لم يباشر العمل بنفسه بل دفع بمال المضاربة لعامل آخر، أصبحت المضاربة متعددة، وكان من حق المضارب (المصرف) أن يدفع المال إلى مضارب آخر بإذن رب بالمال.
وإن شارك البنك بجزء من مال المساهمين تحول العقد إلى عقد شركة ومضاربة.
ويختلف المصرف الإسلامي عن البنوك الربوية أن المصرف الإسلامي لا يدفع أية فوائد على هذه الودائع، وإنما يقوم بتشغيل واستثمار هذه الودائع بنفسه أو مع شركاء آخرين، ويحقق الأرباح نتيجة لذلك، ثم يقوم في نهاية مدة الإيداع بتوزيع العوائد المستحقة لأصحاب هذه الودائع طبقًا لما حققه البنك من أرباح بعد خصم المصاريف الإدارية المختلفة، وتكاليف المجهودات والدراسات التي يتحملها البنك في سبيل استثمار أموال المودعين من عملائه.
وهو لا يضمن الأرباح ففي حالة عدم تحقق أرباح فإن العميل لا يحصل على أي عائد، كما لا يضمن رد أصل الودائع ففي حالة الخسارة فإن البنك لا يضمن رد قيمة الحساب الاستثماري بالكامل، ولكن يشارك صاحب الحساب في الخسائر التي تتعرض لها عمليات الاستثمار، وذلك انطلاقًا من قاعدة (الغنم بالغرم).
وإذا كانت العلاقة بين المصرف الإسلامي والعميل عقد مضاربة فإن الأرباح التي يحصل عليها العميل هي أرباح مباحة إذا روعي في ذلك تطبيق شروط المضاربة.
وأما العلاقة بين البنك التجاري (الربوي) وبين العميل فإنها علاقة قرض بفائدة مضمونة.
وإذا كنا قد توصلنا في البحث السابق أن الودائع الجارية هي من باب القرض، وأشرنا إلى خلاف بعض الباحثين المعاصرين ممن ذهب إلى أنها وديعة حقيقية، وكانت الشبهة في ذلك أن المودع في الحسابات الجارية قد قصد الإيداع، ويملك استرداها في أي وقت يشاء، ولا يأخذ على ذلك أية فوائد، فإن الودائع لأجل على اختلاف أنواعها لدى ا لبنوك الربوية ينبغي ألا يكون فيها خلاف بأنها ليست وديعة حقيقية، فهي إما قروض بفائدة، أو بيع دارهم بدراهم مع التفاضل والنساء، وذلك أن صاحب المال حين سلمه للبنك لم يكن الهدف منه هو حفظ عينه، بل قصد النماء والربح، ولا يملك رده متى يشاء، لأن العقد مشتمل على اشتراط أجل صريح لا يحق لصاحب المال أن يسترده قبل حلول الأجل، ويأخذ على ذلك فوائد ربوية مضمونة بحسب طول الأجل وقصره بصرف النظر هل ربح البنك من الوديعة أو خسر، ويمتلك البنك إذنًا صريحًا بامتلاك هذا المال والتصرف فيه.
لذلك فالفوائد التي تعطى على هذه الودائع هي من الربا الصريح الجامع بين ربا الفضل وربا النسيئة، وبناء على ذلك يحرم أخذ الفوائد وإعطاؤها؛ لأنها زيادة مشروطة أو في حكم المشروطة للمقرض مقابل القرض.
قال ابن عبد البر: «وكل زيادة من عين أو منفعة يشترطها المسلف على المستسلف فهي ربا، لا خلاف في ذلك»
(1)
.
فقوله رحمه الله (كل زيادة) من ألفاظ العموم تشمل كل زيادة، وقوله (من عين أو منفعة) بيان لهذه الزيادة، وأن الزيادة ليست محصورة في أعيان معينة كربا البيوع، بل ولا في جنس الأعيان حتى لو اشترط زيادة منفعة كانت المنفعة محرمة.
(2)
.
(ث-153) وروى البخاري من طريق شعبة، عن سعيد بن أبي بردة،
عن أبيه، أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقًا وتمرًا ..... ثم قال: إنك بأرض الربا بها فاش، إذا كان لك على رجل حق، فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير، أو حمل قت، فلا تأخذه فإنه ربا
(3)
.
وقال العيني الحنفي: «وقد أجمع المسلمون بالنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا حرام»
(4)
.
(1)
الاستذكار (21/ 54).
(2)
التمهيد (4/ 68).
(3)
البخاري (3814).
(4)
عمدة القارئ (12/ 45)، وانظر المبسوط (14/ 35)،
وقال ابن المنذر: «أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف هدية أو زيادة، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة ربا»
(1)
.
وقال ابن تيمية: «وقد اتفق العلماء على أن المقرض متى اشترط زيادة على قرضه كان ذلك حرامًا»
(2)
.
وقال ابن قدامة: «كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف»
(3)
، ثم ساق كلام ابن المنذر، والذي نقلنا آنفًا.
وقال ابن مفلح الصغير الحنبلي: «كل قرض شرط فيه زيادة فهو حرام إجماعًا؛ لأنه عقد إرفاق وقربة، فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه، ولا فرق بين الزيادة في القدر أو الصفة، مثل أن يقرضه مكسرة فيعطيه صحاحًا، أو نقدًا ليعطيه خيرا منه .... »
(4)
.
وهناك خلاف غير معتبر أحدثه بعض الباحثين من تقسيم ا لربا إلى ربا استهلاك، وربا إنتاج، وأن الربا المحرم هو الربا الذي يؤخذ للاستهلاك دون ربا الإنتاج، وقد ناقشنا ذلك في حكم الربا، وبينا ضعف هذا القول، فأغنى عن إعادته هنا.
(1)
الإجماع لابن المنذر (ص: 120 - 121).
(2)
مجموع الفتاوى (29/ 334).
(3)
المغني (4/ 211).
(4)
المبدع (4/ 209).