الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلع مملوكة له قبل طلب المشتري، فإن اشترى السلعة بناء على رغبة المشتري فإن ذلك حيلة على الربا.
قال شيخنا رحمه الله كما في اللقاء الثلاثين من لقاءات الباب المفتوح: «إذا كانت السيارة ليست عند البائع، ولكن باع عليك سيارة على أساس أنه يشتريها لك ثم يبيعها فهذا حرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحكيم بن حزام: لا تبع ما ليس عندك.
أما إذا كان وعدًا ولم يعقد معك عقدًا إلا بعد أن اشتراها، فإن باعها عليك بما اشتراها به فلا بأس؛ لأنه ليس هناك ربا إذا باعها برأس ماله، أما إذا باعها عليك بربح فإن هذا الربح ربا، لكنه ليس ربًا صريحًا، بل هو ربا مغلف بصورة عقد ليس بمقصود، فإن البائع لم يقصد الشراء لنفسه من الأصل، إنما قصد الشراء لك، فيكون كالذي أقرضك القيمة بزيادة، وهذا هو الربا بعينه
…
وأما قول بعضهم: إني لا ألزمك بالسيارة إن شئت فاتركها فهذا كلام فارغ؛ لأن الرجل لم يأت ويقول أريد السيارة بعينها ثم بعد ذلك يتراجع أبدًا.
فالذي نرى: أن هذه الطريقة حرام، وإذا أردت بدلها فاذهب إلى صاحب معرض عنده سيارات وقل له: أنا أريد أن تبيع لي هذه السيارة مقسطة وآتي لك بكفيل يغرم لك الثمن عند حلول الأجل، وإن شئت ارهن السيارة، وهكذا تسلم من هذه الحيل. اهـ كلام شيخنا محمد بن عثيمين عليه رحمة الله.
ويناقش:
بأننا إذا اعتبرنا أن الإلزام غير موجود، وأن العقد حقيقة يكون بعد تملك البضاعة، وأن كل واحد من المتبايعين بالخيار، انتفت الحيلة. والتجار كلهم بلا استثناء لا يشترون السلع لأنفسهم، وإنما يشترون السلع من أجل بيعها للناس بزيادة ربح، فهم يقصدون بشراء السلع الدراهم ولا شيء غير الدراهم،
يشترون بأقل ليبيعوا بأكثر، ولا فرق عندي بين تاجر يشتري السلعة لشخص غير معين فيكون ذلك حلالًا بلا خلاف، وبين تاجر يشتري السلعة لشخص أو أشخاص معينين، المهم ألا تكون المبادلة بين دراهم ودراهم، ولو كان البيع حرامًا إذا اشتراها لشخص بعينه باعتبار أن السلعة ملغاة، فكأنه باع دراهم بدراهم مع التفاضل والنسأ، لقلنا: لا يجوز البيع ولو كان بمثل الثمن الذي اشتراها به إذا كان البيع نسيئة، لأننا إذا ألغينا السلعة واعتبرنا البيع دراهم بدرهم حرم النسأ ولو لم يكن هناك تفاضل، وشيخنا قد نص على جواز هذه الصورة مما يضعف حجة هذا القول، والله أعلم.
الطريقة الثانية: أن يكون الوعد ملزمًا للمتواعدين، والإلزام بالوعد تارة يكون بلزوم البيع، وتارة يكون بتحمل الخسارة التي لحقت بالبنك بسبب نكول الآمر بالشراء عندما يبيع البنك سلعته على عميل آخر ويتعرض لخسارة حقيقية.
فهذا البيع بهذه الصورة منعه الفقهاء المتقدمون كالحنفية
(1)
، والمالكية
(2)
،
(1)
الحيل لمحمد بن الحسن الشيباني (ص:79، 127) رواية السرخسي، المبسوط (30/ 237).
(2)
المالكية هم أكثر المذاهب تعرضًا لهذه المسألة وفروعها، ولم يختلف المذهب المالكي في تحريم هذه المعاملة، وإنما الخلاف بينهم في صحة البيع إذا وقع، أو إذا فاتت السلعة، وإليك الإشارة إلى بعض ما جاء عنهم:
قال القرافي في الذخيرة (5/ 17) في معرض ذكر صور هذه المسألة، قال:
«الرابع: اشتر لنفسك نقدًا، وأشتريها منك باثني عشر إلى أجل، فهو حرام، فعن مالك يلزم الآمر الشراء باثني عشر إلى الأجل؛ لأن المشتري كان ضامنًا لها، ولو أراد الآمر تركها كان له ذلك، واستحب أن لا يأخذ المأمور إلا ما نقد.
وقال ابن حبيب: يفسخ البيع الثاني إن كانت السلعة قائمة، ويرد المأمور، فإن فاتت ردت إلى قيمتها معجلة يوم يقبضها الآمر، كالبيع الفاسد؛ لأن المواطأة قبل الشراء بيعُ ما ليس عندك المنهي عنه». اهـ
انظر هذا النص في التاج والإكليل (4/ 405)، مواهب الجليل (4/ 406)، الاستذكار (19/ 255)، الخرشي (5/ 107)، الكافي في فقه المدينة (ص: 325 - 326).
وقول ابن حبيب أقيس؛ لأنه مطرد في البيع الفاسد على أصول مذهب مالك، وأما القول الأول فهو وإن كان رواية ابن القاسم عن مالك، إلا أن فيه إشكالًا على أصول مالك، وهو أن البيع إذا كان حرامًا، فلا يقال بلزومه مع قيام السلعة.
وقال ابن رشد في المقدمات الممهدات (2/ 58): «وأما الخامسة: وهي أن يقول: اشتر لي - الصواب حذف كلمة لي- سلعة كذا بعشرة نقدًا، وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل، فهو أيضًا لا يجوز، إلا أنه يختلف فيه إذا وقع:
فروى سحنون عن ابن القاسم، وحكاه عن مالك: أن الآمر يلزمه الشراء باثني عشر إلى أجل؛ لأن المشتري كان ضامنًا لها لو تلفت في يديه، قبل أن يشتريها منه الآمر، ولو أراد ألا يأخذها بعد اشتراء المأمور كان ذلك له
…
» ثم ذكر بقية النص كما في الذخيرة والتاج والإكليل.
والأمر المتفق عليه بينهم، أن البيع بهذه الصورة حرام، والخلاف إنما في لزومه إذا وقع.
والشافعية
(1)
، والحنابلة
(2)
، ورجح المنع جمع من العلماء المعاصرين منهم سماحة الشيخ ابن باز، والدكتور محمد الأشقر، والدكتور الصديق الضرير، والشيخ بكر أبو زيد، والشيخ سليمان بن تركي التركي، والدكتور رفيق بن يونس المصري وغيرهم
(3)
، وأفتت بالتحريم اللجنة الدائمة للبحوث العلمية
(1)
الأم (3/ 39).
(2)
تعرض لهذه المسألة ابن القيم من الحنابلة. قال في إعلام الموقعين (4/ 23): «رجل قال لغيره: اشتر هذه الدار - أو هذه السلعة من فلان - بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا، فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها ولا يتمكن من الرد فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام، أو أكثر ثم يقول للآمر: قد اشتريتها بما ذكرت فإن أخذها منه وإلا تمكن من ردها على البائع بالخيار
…
».
(3)
انظر رأي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، في فتوى له منشورة في كتاب بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة للدكتور: محمد الأشقر (ص: 107).
وانظر رأي الدكتور: محمد الأشقر في بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية بحث ضمن كتاب بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة (ص: 72).
وانظر رأي الدكتور الصديق الضرير، ضمن مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/1000).
وانظر رأي الشيخ سليمان بن تركي التركي، في كتابه بيع التقسيط وأحكامه (ص: 473)، والشيخ بكر أبو زيد، في بحث له في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/983).
وانظر رأي الدكتور: رفيق يونس المصري، في كتابه: بحوث في المصارف الإسلامية (ص: 258).
والإفتاء في السعودية
(1)
. وحرم مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي المواعدة الملزمة للطرفين.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (2، 3): «المواعدة (وهي التي تصدر من الطرفين) تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز؛ لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكًا للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده»
(2)
.
وأحسب أن المسألة مجمع على منعها، لولا خلاف لبعض العلماء المعاصرين.
وقد سبقني إلى هذه النتيجة الدكتور محمد الأشقر حيث يقول وفقه الله:
«ولم نجد أحدًا من العلماء السابقين قال بهذا القول بعد التمحيص، وبعد التعب في
(1)
مجلة البحوث الإسلامية، العدد السابع (ص: 114).
(2)
وقد أجاز مجمع الفقه الإسلامي المواعدة في حال كان الإلزام لأحد المتواعدين، ومنعه في حال كان الإلزام لهما، وهذا منتقد؛ لأن الإلزام بالمواعدة لأحدهما كالإلزام لهما، وإذا كانت المواعدة بيعًا في حال كان الإلزام للطرفين، كانت بيعًا في حال كان الإلزام لأحدهما، والبيع بشرط الخيار لأحدهما هو بيع منعقد إلا أنه جائز، فكذا المواعدة في حال كان الخيار لأحدهما، فلم يكن قرار المجمع متسقًا، فإما أن تكون المواعدة الملزمة عقدًا فتمنع سواء كانت لأحدهما أو لكليهما، أو لا تكون عقدًا، فتجوز مطلقًا، والله أعلم.
البحث، ونسب إلى المالكية وإلى ابن شبرمة القاضي، ولا تصح هذه النسبة»
(1)
.
يقول الشيخ نزيه حماد: «لم ينقل عن أحد منهم - يعني من الفقهاء- قول بأن في المواعدة قوة ملزمة لأحد المتواعدين، أو لكليهما؛ لأن التواعد على إنشاء عقد في المستقبل ليس عقدًا»
(2)
. اهـ
وذهب بعض العلماء المعاصرين إلى القول بجواز الإلزام بالوعد في بيع المرابحة، من ذلك: الدكتور يوسف القرضاوي
(3)
، والدكتور سامي حسن حمود
(4)
، وفضيلة الشيخ عبد الله بن منيع
(5)
، وفضيلة الدكتور علي القره
(1)
بيع المرابحة (ص: 11). ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حامد بن علي الحامد في كتابه (تجربة البنوك السعودية في بيع المرابحة للآمر بالشراء)(ص: 79): «ولم يقل أحد من العلماء القدامى بجواز بيع المرابحة المركبة من وعد أو مواعدة ملزمة، أما العلماء المحدثون فمنهم من أخذ برأي العلماء القدامى بمنع بيع المرابحة للآمر بالشراء ذات الوعد أو المواعدة الملزمة، وجوازها مع عدم الإلزام، ومنهم من أجاز بيع المرابحة للآمر بالشراء مع الإلزام بالوعد .. » .
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/935).
(3)
انظر كتاب الشيخ (بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية) وانظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/841).
(4)
بيع المرابحة للآمر بالشراء، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/1091)، وسامي حسن محمود له الفضل في إطلاق مصطلح (بيع المرابحة للآمر بالشراء) على هذه المعاملة. يقول الدكتور رفيق يونس المصري في كتابه (بحوث في المصارف الإسلامية) (ص: 258): «أول من ابتدع هذا الاصطلاح المركب فيما نعلم: هو الدكتور سامي حسن محمود، في أطروحته للدكتوراة، (تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية) عام 1976 م، ثم ظهر في دليل بيت التمويل الكويتي، (أنشئ عام 1977 م) للأعمال المصرفية والاستثمارية الشرعية (ص: 11)» .
(5)
انظر الوفاء بالوعد وحكم الإلزام به، بحث في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/863).