الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثاني:
أي فرق بين أن يطلب البنك التعويض عن الخسارة، أو أن يشترط التاجر إذا اشترى البضاعة عدم الخسارة، فإذا كان التاجر لا يحل له أن يشترط ذلك، فكذلك البنك لا يحل له أن يطلب التعويض عن الخسارة جراء شراء بضاعة ما، فإن اشتَرَطَ ذلك فهو شرط باطل؛ لأن ذلك يخالف مقتضى العقد، فإن طبيعة التجارة أن يتحمل المشتري للبضاعة الغرم، مقابل أن يكون الغنم حلالًا إذا حصل عليه.
قال الشافعي: «إذا اشترى جارية على أن لا يبيعها، أو على أن لا خسارة عليه من ثمنها، فالبيع فاسد .. »
(1)
.
وقال في كشاف القناع: «(الثاني) من الشروط الفاسدة (شَرَطَ في العقد ما ينافي مقتضاه، نحو أن يشترط أن لا خسارة عليه)»
(2)
.
وعلى البنك إذا أراد أن يدفع الضرر عن نفسه، فليتخذ لذلك الطرق الشرعية، كما أرشد إلى ذلك محمد بن الحسن وابن القيم عليهما رحمة الله، فلا يتعين الإلزام بالمواعدة طريقًا وحيدًا لرفع الضرر، بل يمكن رفع الضرر المتوقع بطرق أخرى مشروعة، كأن يشتري المصرف السلعة بشرط الخيار له وحده دون البائع، وتحدد مدة كافية، وأثناء المدة يبيع المصرف ما اشتراه، فإن لم يتمكن المصرف من البيع أبلغ البائع الأول بفسخ العقد، ورد المبيع، وهذا جيد في البيوع المحلية (الداخلية) ويراعي في هذا بأن لا يصدر من المصرف إيجاب يسقط خياره، وإنما يخبر الآمر بالشراء بوجود البضاعة، فإن أصدر المشتري إيجابًا كان القبول من المصرف بيعًا للآمر بالشراء بعد تملك البضاعة، وسلم من
(1)
مختصر المزني (ص: 87).
(2)
كشاف القناع (3/ 193)، وانظر الفروع (4/ 63)، الإنصاف (4/ 350).
خطر نكول المشتري وإلا رد البضاعة، وأما في البضائع التي تحتاج إلى استيراد، فإن المصرف يمكنه أن يكلف الآمر بالشراء باستلام البضاعة قبل تصديرها، إما بنفسه، أو عن طريق وكيله، فإذا رأى البضاعة قبل تصديرها، ووافق عليها، كان ذلك بيعًا لازمًا، وتكون في يد البنك بمنزلة الأمانة.
قال في إعلام الموقعين: «رجل قال لغيره: اشتر هذه الدار - أو هذه السلعة من فلان - بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا، فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها ولا يتمكن من الرد فالحيلة أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام، أو أكثر ثم يقول للآمر: قد اشتريتها بما ذكرت فإن أخذها منه وإلا تمكن من ردها على البائع بالخيار
…
»
(1)
.
قال محمد بن الحسن: «قلت: أرأيت رجلًا أمر رجلًا أن يشتري دارًا بألف درهم، وأخبره أنه إن فعل، اشتراها الآمر بألف درهم، ومائة درهم، فأراد المأمور شراء الدار، ثم خاف إن اشتراها، أن يبدو للآمر فلا يأخذها، فتبقى في يد المأمور، كيف الحيلة في ذلك؟
قال: يشتري المأمور الدار على أنه بالخيار فيها ثلاثة أيام، ويقضيها، ويجيئ الآمر، ويبدأ فيقول: قد أخذت منك هذه الدار بألف ومائة درهم، فيقول المأمور: هي لك بذلك، فيكون ذلك للآمر لازمًا، ويكون استيجابًا من المأمور للمشتري، أي ولا يقل المأمور مبتدئًا: بعتك إياها بألف ومائة؛ لأن خياره يسقط بذلك، فيفقد حقه في إعادة البيت إلى بائعه، وإن لم يرغب الآمر في شرائها تمكن المأمور من ردها بشرط الخيار، فيدفع عنه الضرر بذلك»
(2)
. اهـ
(1)
إعلام الموقعين (4/ 23).
(2)
كتاب الحيل لمحمد بن الحسن الشيباني (ص:79، 127)، رواية السرخسي، وانظر المبسوط للسرخسي (30/ 237).