الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب سجود القرآن
باب في بيان حكم سجود القرآن، فيه مضاف محذوف تقديره: حكم سجود تلاوة آية السجدة من القرآن، وحكم سماعها منه، وهو من قبيل إضافة الحكم إلى سببه، وهو إلا في الإِضافة؛ لأنها للاختصاص، وأقوى وجوهه اختصاص المسبب بالسبب؛ لأنه حادث به، والسجود في اللغة التذلل مع طأطأة الرأس، أي: نكوسه وخفضه، وفي الشريعة وضع الجبهة على الأرض على قصد العبادة، فالمسجود له في الحقيقة هو الله تعالى، كذا قاله البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة البقرة:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [البقرة: 34]، والقرآن في اللغة مصدر بمعنى الجامع؛ لأنه جامع الأحكام من الأمر والنهي، والحلال والحرام، والمواعظة والقصص، وفي الشريعة هو المنزل من اللوح المحفوظ على الرسول صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف، المنقول من الرسول صلى الله عليه وسلم نقلًا متواترًا، كذا قاله حافظ الدين أحمد بن محمود النسفي في أول (المنار)، وسجود التلاوة واجب عند الحنفية، لقوله تعالى في سورة النجم:{فَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [النجم: 62]، وسورة اقرأ:{وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]، وهما أمران مطلقان، فمطلق الأمر الوجوب، وهو أي: سجود التلاوة سجدة واحدة بين تكبيرتين، تكبيرة عند الوضع، وأخرى عند الرفع، وهما سنتان، وقيل: ركنان.
وقال الأئمة الثلاثة: هو سنة لما في الصحيحين عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أنه قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم (ق 265) النجم، فلم يسجد، وأما عدم سجوده صلى الله عليه وسلم حالة قراءة زيد بن ثابت فلا يدل على عدم الوجوب؛ لأن وجوبه ليس على الفور، ولعله تأخير صدر عن العذر، كما قاله علي القاري والزرقاني، وشرطه الطهارة عن الحدث والخبث، ولا يجوز له التيمم بلا عذر، واستقبال القبلة وستر العورة، وركنه: وضع الجبهة على الأرض، وصفته: الوجوب على الفور في الصلاة، وعلى التراخي إن كان في غيرها، وحكمه: سقوط الواجب في الدنيا، ونيل الثواب في العقبى، كما فصلته في (سلم الفلاح).
267 -
أخبرنا مالك، حدثنا عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سُفْيَان، عن
(267) إسناده صحيح.
أبي سَلَمَة؛ أن أبا هريرة قرأ بهم: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فسجد فيها، فلما انصرف حدَّثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها.
قال محمد: وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، وكان مالك بن أنس لا يرى فيها سجدة.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، الإِمام، من كبار أتباع التابعين، ومن الطبقة السابعة من أهل المدينة، وفي نسخة: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، وفي نسخة أخرى: محمد قال: ثنا، حدثنا عبد الله بن يزيد أي: المخزومي المدني الأعور، من رجال الجميع، من الطبقة السادسة من أهل المدينة، مات سنة ثمان وأربعين ومائة من الهجرة، مولى الأسود بن سُفْيَان، أي: المخزومي الصحابي، عن أبي سَلَمَةَ؛ أي: ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري، المدني، الثقة، قيل: اسم أبي سلمة عبد الله، وقيل: إسماعيل، ثقة مكثر، من الطبقة الثالثة من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين، أو أربع ومائة، وكان مولده سنة بضع وعشرين، قوله: إن أبا هريرة قرأ بهم أي: ببعض أصحابه: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} إلى آخر السورة، نصب على أنه مفعول ثان لحدثنا، قال سعيد بن الباجي - المالكي: الأظهر أنه كان يصلي لقوله قرأ بهم فسجد فيها، أي: في آخرها أو عند قوله لا يسجدون، فلما انصرف من السجود حدَّثهم، أي: أخبرهم كما في (الموطأ) لمالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها، أي: في آخر هذه السورة، رواه مسلم عن يحيى عن مالك ورواه البخاري من وجه آخر بنحوه.
قال محمد: وبهذا أي: بما رواه أبو هريرة نأخذ، أي: نعمل ونفتي وهو أي: ما قاله أبو هريرة قولُ أبي حنيفة، رحمه الله، ووافقه الشافعي وأحمد، وكان مالك بن أنس لا يرى أي: لا يختار فيها أي: في سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} سجدة، وكذا الخلاف في سورة اقرأ والنجم، له ما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد في شيء من المفصل، منذ تحول من المدينة، ولنا ما روى الجماعة إلا الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1]، في إسلام أبي هريرة في السنة السابعة من الهجرة، وأجيب عن ذلك الحديث بأن ابن عبد البر قال: ما رواه أبو داود عن ابن
عباس، رضي الله عنهما، وهو منكر.
وقال عبد الحق: إنه ليس بقوي، أقول على تقدير صحته لا يقاوم معارضه لكمال قوته، مع أن المثبت مقدم على النافي، كذا قاله علي القاري (ق 266).
* * *
268 -
أخبرنا مالك، حدثنا الزُّهري، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، أن عمر بن الخطاب قرأ بهم {النَّجْمِ} فسجد فيها، ثم قام فقرأ سورة أخرى.
قال محمد: وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، وكان مالك بن أنس لا يرى فيها سجدة.
• أخبرنا مالك وفي نسخة: ثنا، وفي نسخة أخرى: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا حدثنا الزُّهري، أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، يكنى أبا بكر، تابعي في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، عن عبد الرحمن الأعرج، أي: ابن هرمز، يكنى أبا داود، المدني، مولى ربعية بن الحارث، ثقة ثبت، عالم، مات سنة سبع عشرة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ أي: في الصلاة، بهم أي: بأصحابه: {النَّجْمِ} أي: سورة النجم إلى آخرها، فسجد فيها، أي: عند تمام السورة، ثم قام فقرأ سورة أخرى، وفيه تنبيه على أنه كان في الصلاة، وأنه جمع بين السورتين في ركعة واحدة، ولم يكتف بنياته الركوع عن السجدة.
قال محمد: وبهذا أي: بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، نأخذ أي: نعمل ونفتي، وهو أي: ما قاله أبو هريرة، قولُ أبي حنيفة، رحمه الله، وكان مالك بن أنس لا يرى أي: لا يختار فيها أي: في سورة النجم سجدة، أي لما سبق من أنه صلى الله عليه وسلم لم يسجد من المفصل.
* * *
(268) إسناده صحيح.
269 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن رجل من أهل مِصْرَ، أن عمر بن الخطاب قرأ: سورة الحج، فسجد فيها سجدتين، وقال: إن هذه السورة فُضِّلَتْ بسجدتين.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، حدثنا نافع، أي: المدني، مولى ابن عمر، وفي نسخة: عن نافع، عن رجل من أهل مِصْرَ، بكسر الميم، وسكون الصاد المهملة، وفتح الراء؛ لأنه لا ينصرف للعلمية والعدل، فإنه عدول عن مصر، كما عدل عمر عن عامر، وهو علم لمصر القاهرة، في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، كما في (الخلاصة من علم الهيئة)، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قرأ: سورة الحج، فسجد فيها أي: لأجل قراءته في سورة الحج، وكلمة "في" هنا للتعليل، كما قال تعالى في سورة يوسف:{فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32]، أي: لحبه، وكما رُوي "أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها"، أي: لأجل هرة حبستها ولم تطعمها حتى ماتت من الجوع، سجدتين، وقال: إن هذه السورة فُضِّلَتْ أي: على غيرها من السور بسجدتين، إحداهما في أوائلها، والأخرى في أواخرها.
* * *
270 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، أن عبد الله بن عمر كان يسجد في الحج سجدتين.
271 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دِينَار، عن ابن عُمَر، أنه رآه يسجد في سورة الحج سجدتين.
قال محمد: قد روي هذا عن عمر وعن ابن عمر، وكان ابن عباس لا يرى في سورة الحج إلا سجدة واحدة: الأولى؛ وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة.
(269) إسناده صحيح.
(270)
إسناده صحيح.
(271)
إسناده صحيح.