الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما فرغ من بيان حكم حال المتمتع، شرع في بيان حكم الرمل بالبيت الحرام، فقال: هذا
* * *
28 -
باب الرمل بالبيت
في بيان حكم الرمل بالبيت أي: الكعبة بفتح الراء والميم والمهملتين واللام أن يحرك في مشيه كتفيه كالبارز يتبختر بين الصفين.
455 -
أخبرنا مالك، حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه، عن جابر بن عبد الله الحَرَامي، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَمَلَ من الحَجَر إلى الحَجَر.
قال محمد: وبهذا نأخذ، والرَّمل ثلاثة أشواط من الحَجَر إلى الحَجَر، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامَّةِ من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى: قال: ثنا حدثنا وفي نسخة: قال: ثنا جعفر الصادق ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، يكنى أبا عبد الله المعروف بالصادق، فقيه إمام، كان في الطبقة السادسة من طبقات أتباع التابعين من أهل المدينة، مات سنة ثمان وأربعين ومائة عن أبيه، أي: محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
ومن مناقب جعفر الصادق أنه قال: الصواعق تصيب المؤمن وغير المؤمن ولا تصيب الذاكر.
وقال: الغني والعز يجولان في طلب المؤمن؛ فإذا أوصلا إلى مكان فيه التوكل لوصلاه. وقال: ما دخلت قلب أمرئ شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله قل أو كثر، وقال: سلاح اللئام قبيح الكلام، وقال: لموت العالم أحب إلى الشيطان من موت سبعين عابدًا. وقال: ما اغرورقت عين بمائها إلا حرم الله وجه صاحبها على النار، فإن سالت على الخدين لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة، وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة، فإن الله يكفر بها بحور الخطايا، ولو أن باكيًا بكى في أمة لحرم الله تلك الأمة على النار، وقال
(455) صحيح: أخرجه مسلم في صحيحه (1263) والترمذي (3/ 212).
لابنه يا بني إياك والكسل والضجر، فإنهما مفتاح كل شر، إنك إن كسلت لم ترد حقًا وإن ضجرت لم تقر على حق، عن عروة بن عبد العزيز قال: سألت محمدًا عن حلية السيوف فقال: لا بأس به قد حلى أبو بكر الصديق سيفه، قلت: وتقول الصديق، فوثب وثبة واستقبل القبلة ثم قال: نعم الصديق، نعم الصديق، نعم الصديق فمن لم يقل الصديق فلا صدق الله قولًا في الدنيا وفي الآخرة وعن جابر قال: قال لي محمد: بلغني أن قومًا بالعراق يزعمون أنهم يحبون وينالون أبا بكر وعمر ويزعمون أني أمرتهم بذلك، فأبلغهم أني إلى الله بريء منهم، والذي نفس محمد بيده لو وليت لتقربت لله تعالى بدمائهم، لا نالني شفاعة محمد أن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما، إن أعداء الله لغافلون عنهما يا جابر، إني لمحذور وإني لمشغل القلب.
قلت: وما ذاك قال: إنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغله الله عما سواه في الدنيا، وما عسى أن تكون هل هو إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاء فيها، ولم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم ولم يصمهم عن ذكر الله تعالى ما سمعوا بآذانهم من الفتنة، ولم يعمهم عن نور الله تعالى ما رأوها بأعينهم من الريبة، فقال: بثواب الأبرار، وإن ذكرت أعانوك قولين بحق قوامين بأمر الله، فأنزل الدنيا كمنزل نزلت به، وخرج حاجًا فلما دخل المسجد الحرام نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته، فقال له مولاه: أفلح بأبي وأمي إن الناس ينظرون (ق 490) إليك فلو رفعت بصوتك قليلًا قال: ويحك ولم لا أبكي لعل الله ينظر إليَّ منة برحمته فأفوز بها عنده غدًا، ثم طاف بالبيت، ثم ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من دموعه. عن عبد الله بن عطاء قال: ما رأيت العلماء عند أحدًا أصغر علمًا منهم عند محمد، لقد رأيت الحاكم عنده كان متعلمًا وفقد بلغه له، فقال: لئن ردها الله تعالى لأحمدنه بمحامد يرضاها، فما لبس أن أتى بها بسرجها ولجامها فركبها، فلما استوى عليها وضم إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء وقال: الحمد كله لله لم يزد عليها، وكان يقول في جوف الليل: أمرتني فلم آتمر وزجرتني فلم أذدجر، هذا عبدك بين يدك، ولا اعتذر، وقال: وكفى بالمرء عيبًا أن يبصر من الناس ما يعمر عليه من نفسه وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه، وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه أوصى أن يكفن في ثوبه الذي كان يصلي فيه كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في (طبقاته) عن جابر بن عبد الله
الحَرَامي، بفتح الحاء المهملة والراء المهملة ضد الحلال نسبة إلى جده حرام بن كعب الأنصاري، ثم السلمي بفتح السين المهملة واللام، صحابي ابن صحابي، غزا تسع عشرة غزوة وشهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صغير، وكان من المكثرين الحفاظ المسنين، كف بصره في آخر عمره، ومات بالمدينة بعد السبعين من الهجرة، وهو ابن أربعة وتسعين سنة كذا قاله ابن حجر في (التقريب)(1).
والشارح علي القاري في شرح هذا لحديث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَمَلَ أي: في طواف القدوم كما في حديث ابن عمر من الحَجَر أي: الأسود منتهى إلى الحَجَر وهو بفتحتين فيهما؛ ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما: كان صلى الله عليه وسلم إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم؛ فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت، ثم يمشي أربعة أشواط ثم يصلي سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة، وفي رواية لهما: كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثًا فمشى أربعًا، وكان السعي ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة، وكان ابن عمر يفعل ذلك، فالرمل سنة في الثلاثة الأول، فلو ترك فيها بقي كتارك السورة في الركعتين الأوليين لا يقرؤها في الأخريين؛ لأن هيئة الطواف في الأربع الأخيرة السكينة، فلا تغير ولا فرق في سنية الرمل بين ماش وراكب ومحمول لمرض أو صبي، ولا دم بتركه عند الجمهور، وظاهر هذا الحديث استيعاب الرمل في جميع الطواف.
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وقد هنتهم حمى يثرب فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركنين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا بقي عليهم، وهذا صريح في عدم الاستيعاب فيعارض حديث جابر وأجيب، بأنه متأخر لكونه في حجة الوداع في سنة عشر فهو ناسخ لحديث ابن عباس ففي القضية سنة سبع، وكان في المسلمين ضعف بالبدن فرملوا إظهار القوة واحتاجوا إلى ذلك فيما عدا بين الركنين اليمانيين؛ لأن المشركين جلوس في الحجر فلا يرونهم بينهما فلما حج صلى الله عليه وسلم سنة عشر رمل من الحجر إلى الحجر فوجب الأخذ به؛ لأنه الآخر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وحديث الباب رواه مسلم (2) عن القعنبي ويحيى عن مالك، ومن طريق ابن وهب عن مالك وابن
(1) التقريب (1/ 136).
(2)
مسلم (1263).
جريج بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل الثلاثة أطواف من الحجر إلى الحجر.
قال مالك: وذلك الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا، وقال به جميع العلماء إلا ابن عباس، وفي مسلم وغيره عن أبي الطفيل قلت لابن عباس: أرأيت هذا الرمل بالبيت ثلاثة أطواف ومشي أربعة أسنة هو، فإن قومك يزعمون أنها سنة؟ قال: صدقوا وكذبوا قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة، فقال المشركون: إن محمدًا وأصحابه لا يستطيعون أن يطوفوا بالبيت من الهزال، وكانوا يحسدونه فأمرهم أن يرملوا ثلاثًا ويمشي أربعًا أي: صدقوا في أن المصطفى فعله وكذبوا في أنه سنة، لإِظهار القوة للكفار، وقد ذال ذلك المعنى. هذا معنى كلامه، وكان عمر بن الخطاب لحظ هذا المعنى ثم رجع عنه ففي الصحيحين أنه قال: ما لنا وللرمل، إنما كنا رأينا المشركين وقد أهلكهم الله ثم قال: شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم ولم نحب أن نتركه.
زاد الإِسماعيلي: ثم رمل فهم بتركه لفقد سببه ثم رجع لاحتمال أنه له حكمة لم يطلع عليها، فراعى الاتباع أولى، وقد يكون فعله باعثًا عن تذكر سببه، فيذكر نعمة الله تعالى على أن أعز الإِسلام وأهله ثم لا يشكل قوله رأينا مع أن الرياء بالعمل مذموم؛ لأن صورته وإن كانت صورته الرياء لكنها ليست مذمومة؛ لأن المذموم يظهر العمل ليقال: إنه عامل ويعمله إذا لم يره أحد، وما وقع لهم إنما هو من المخادعة في الحرب لأنهم أوهموا المشركين أنهم أقوياء لئلا يطمعوا فيهم وقد صح:"الحرب خدعة"، كما قاله الزرقاني (1).
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: نعمل بحديث جابر بن عبد الله الحرامي الرَّمل ثلاثة أشواط وفي نسخة: وفي ثلاثة أشواط من الحَجَر إلي الحَجَر، أي: الأسود لا ركن اليماني كما قال بعضهم وهو أي: ما قاله جابر بن عبد الله الحرامي قولُ أبي حنيفة، والعامَّةِ من فقهائنا أي: من أتباع أبي حنيفة رحمه الله ونفعنا الله بعلمه وبركته، وأما الاضطباع فمن أول أطوافه إلى آخره لما روى أبو داود (2) والمنذري وقال: حديث حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى تفسير لقوله: وأما
(1) في شرحه (2/ 404).
(2)
أبو داود (1884).