المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إلى مأمنهم، فلا فائدة في أخذ أموالهم، وإن كان أهل - المهيأ في كشف أسرار الموطأ - جـ ٢

[عثمان الكماخي]

فهرس الكتاب

- ‌باب سجود القرآن

- ‌باب المَارِّ بين يدي المصلي

- ‌باب ما يستحب من التطوع في المسجد عند دخوله

- ‌باب الانتفال في الصلاة

- ‌باب صلاة المُغْمَى عليه

- ‌باب صلاة المريض

- ‌باب النخامة في المسجد وما يكره من ذلك

- ‌باب الجنب والحائض يعرقان في الثوب

- ‌باب بدء أمر القبلة وما نسخ من قبلة بيت المقدس

- ‌باب الرجل يصلي بالقوم وهو جنب أو على غير وضوء

- ‌باب الرجل يركع دون الصف أو يقرأ في ركوعه

- ‌باب الرجل يصلي وهو يحمل الشيء

- ‌باب المرأة تكون بين الرجل يصلي وبين القبلة وهي نائمة أو قائمة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب وضع اليمين على اليسار في الصلاة

- ‌باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب في بيان حكم الاستسقاء

- ‌باب الرجل يصلي ثم يجلس في موضعه الذي صلى فيه

- ‌باب صلاة التطوع بعد الفريضة

- ‌باب الرجل يمس القرآن وهو جنب أو على غير طهارة

- ‌باب الرجل يجر ثوبه أو المرأة تجر ثوبها فيعلق به قذر ما كره من ذلك

- ‌باب فضل الجهاد

- ‌باب ما يكون من الموت شهادة

- ‌أبواب الجَنَائِز

- ‌باب المرأة تُغَسِّل زوجها

- ‌باب ما يكفن به الميت

- ‌باب المشي بالجنائز والمشي معها

- ‌باب الميت لا يُتبع بنار بعد موته أو مجمرة فى جنازته

- ‌باب القيام للجنازة

- ‌باب الصلاة على الميت والدعاء له

- ‌باب الصلاة على الجنازة في المسجد

- ‌باب الرجل يحمل الميت أو يحنطه أو يغسله هل ينقض ذلك وضوءه

- ‌باب الرجل تدركه الصلاة على الجنازة وهو على غير وضوء

- ‌باب الصلاة على الميت بعد ما يدفن

- ‌باب ما رُويَّ أن الميت يُعَذَّب ببكاء الحي

- ‌باب القبر يتخذ مسجدًا أو يُصلى إليه أو يتوسد

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌باب زكاة المال

- ‌باب ما تجب فيه الزكاة

- ‌باب المال متى تجب فيه الزكاة

- ‌باب الرجل يكون له الدَّين هل عليه فيه زكاة

- ‌باب زكاة الحلي

- ‌باب العشر

- ‌باب الجزية

- ‌باب زكاة الرقيق والخيل والبراذين

- ‌باب الركاز

- ‌باب صدقة البقر

- ‌باب الكنز

- ‌باب من تحل له الصدقة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب صدقة الزيتون

- ‌أبواب الصِّيَام

- ‌باب الصوم لرؤية الهلال والإفطار لرؤيته

- ‌باب متى يحرم الطعام على الصائم

- ‌باب من أفطر متعمدًا في رمضان

- ‌باب الرجل يطلع له الفجر في رمضان وهو جنب

- ‌باب القبلة للصائم

- ‌باب الحجامة للصائم

- ‌باب الصائم يذرعه القيء أو يتقيأ

- ‌ باب الصوم في السفر

- ‌باب قضاء رمضان هل يفرَّق

- ‌باب من صام تطوعًا ثم أفطر

- ‌باب تعجيل الإفطار

- ‌باب الرجل يفطر قبل المساء ويظن أنه قد أمسى

- ‌باب الوصال في الصيام

- ‌ باب صوم يوم عرفة

- ‌ باب الأيام التي يكره فيها الصوم

- ‌باب النية في الصوم من الليل

- ‌باب المداومة على الصيام

- ‌باب صوم عاشوراء

- ‌باب ليلة القدر

- ‌باب الاعتكاف

- ‌كتاب الحَجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الرجل يحرم في دبر الصلاة وحيث ينبعث به بعيره

- ‌باب التلبية

- ‌ باب متى تقطع التلبية

- ‌باب رفع الصوت بالتلبية

- ‌باب القران بين الحج والعمرة

- ‌باب من أهدى هديًا وهو مقيم

- ‌باب تقليد البدن وإشعارها

- ‌باب من تطيب قبل أن يحرم

- ‌باب من ساق هديًا فعطب في الطريق أو نذر بدنة

- ‌باب الرجل يسوق بدنة فيضطر إلى ركوبها

- ‌باب المحرم يقتل قملة أو نحوها أو ينتف شعرًا

- ‌باب الحجامة للمحرم

- ‌باب المحرم يغطي وجهه

- ‌ باب المحرم يغسل رأسه ويغتسل

- ‌باب ما يكره للمحرم أن يلبس من الثياب

- ‌باب ما رخص للمحرم أن يقتل من الدواب

- ‌باب الرجل الْمُحْرِم يفوته الحج

- ‌باب الحلمة والقراد ينزعه المحرم

- ‌ باب لبس المنطقة والهميان للمحرم

- ‌باب المحرم يحك جلده

- ‌باب الْمُحْرِم يتزوج

- ‌باب الطواف بعد العصر وبعد الفجر

- ‌باب الحلال يذبح الصيد أو يصيده هل يأكل المحرم منه أم لا

- ‌باب الرجل يعتمر فى أشهر الحج ثم يرجع إلى أهله من غير أن يحج

- ‌باب فضل العمرة في شهر رمضان

- ‌باب المتمتع ما يجب عليه من الهدي

- ‌ باب الرمل بالبيت

- ‌ باب المكي وغيره يحج أو يعتمر .. هل يجب عليه الرمل

- ‌باب المعتمر أو المعتمرة ما يجب عليهما من التقصير والهدي

- ‌باب دخول مكة بغير إحرام

- ‌باب فضل الحلق وما يجزئ من التقصير

- ‌باب المرأة تقدم مكة بحج أو عمرة فتحيض قبل قدومها أو بعد ذلك

- ‌باب المرأة تحيض في حجتها قبل أن تطوف طواف الزيارة

- ‌باب المرأة تريد الحج أو العمرة فتلد أو تحيض قبل أن تُحْرِم

- ‌باب المستحاضة في الحج

- ‌باب دخول مكة وما يُستحب من الغُسل قبل الدخول

- ‌باب السعي بين الصفا والمروة

- ‌ باب الطواف بالبيت راكبًا أو ماشيًا

- ‌ باب استلام الركن

- ‌ باب الصلاة في الكعبة ودخولها

- ‌باب الحج عن الميت أو عن الشيخ الكبير

- ‌باب الصلاة بمنى يوم التروية

- ‌باب الغُسل بعرفة يوم عرفة

- ‌باب الدفع من عرفة

- ‌باب بطن محسر

- ‌باب الصلاة بالمزدلفة

- ‌باب ما يحرم على الحاج بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر

- ‌ باب من أي موضع يرمي الحجارة

- ‌ باب تأخير رمي الجمار من علة أو من غير علة وما يُكره من ذلك

- ‌باب رمي الجمار راكبًا

- ‌باب ما يقول عند الجمار والوقوف عند الجمرتين

- ‌باب رمي الجمار قبل الزوال أو بعده

- ‌باب البيتوتة وراء عقبة منى وما يكره من ذلك

- ‌باب من قدم نسكًا قبل نسك

- ‌ باب جزاء الصيد

- ‌ باب كفارة الأذى

- ‌ باب من قدم الضعفة من المزدلفة

- ‌باب جلال البدن

- ‌باب المحصر

- ‌باب تكفين المحرم

- ‌باب من أدرك عرفة ليلة المزدلفة

- ‌ باب من غربت له الشمس وهو في النفر الأول وهو بمنى

- ‌باب من نفر ولم يحلق

- ‌باب الرجل يجامع بعرفة قبل أن يفيض

- ‌باب تعجيل الإهلال

- ‌باب القفول من الحج أو العمرة

- ‌باب الصَّدَرِ

- ‌باب المرأة يكره لها إذا حلت من إحرامها أن تمتشط حتى تأخذ من شعرها

- ‌باب النزول بالمحصب

- ‌باب الرجل يُحرم من مكة هل يطوف بالبيت

- ‌باب المحرم يحتجم

- ‌ باب دخول مكة بسلاح

الفصل: إلى مأمنهم، فلا فائدة في أخذ أموالهم، وإن كان أهل

إلى مأمنهم، فلا فائدة في أخذ أموالهم، وإن كان أهل الحرب لا يأخذون من تجارنا شيئًا؛ لا يأخذ عاشرنا منهم شيئًا؛ لأنه أقرب إلى مقصود الأمان، كما بيناه في (سلم الفلاح شرح نور الإِيضاح)، من ذلك أي: يأخذ العاشر عشر القطنية، وغيرها من أموالهم، كله أي: جميع العشر من غير تفرقة بينهما. وكذلك أي: مثل ما أخذه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه من حنطة قوم النبط، وزيتهم نصف العشر، ومن القطنية العشر، أمر عمر بن الخطاب زِيَاد بن حُدَيْر بضم الحاء المهملة وفتح الدال المهملة وسكون التحتية وبالراء، وهو أبو المغيرة الأسدي الكوفي التابعي سمع عمر وعلي، وروى عنه خلق كثير منهم الشعبي، وأنس بن مالك بالنصب عطف على زياد، حين بعثهما أي: عمر على عُشُورِ الكوفة والبصرة، الظاهر أنه لف ونشر مرتب، وهو أي: أخذ نصف العشر من مال الذمي التاجر والعُشر بتمامه. من مال الحربي التاجر قولُ أبي حنيفة، رحمه الله، لما روى محمد بن الحسن في (الآثار) عن أبي حنيفة رحمه الله، عن الهيثم، عن أنس بن سيرين، قال: بعثني أنس بن مالك على الأيلة، فأخرج لي كتابًا من عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: خُذ من أموال المسلمين من كل أربعين درهمًا بدرهم، ومن أهل الذمة من كل عشرين درهمًا بدرهم، وممن لا ذمة له من كل عشرة دراهم بدرهم، ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن هشام بن حبان عن أنس بن سيرين، كذا قاله علي القاري.

لما فرغ من بيان أحكام العشر، شرع في بيان أحكام الجزية على أهل الكتاب والمجوس، فقال: هذا

* * *

‌باب الجزية

في بيان أحكام الجزية، وهي بالكسر: ما يُؤخذ من أهل الذمة، وجمعها جزى، اتفق العلماء والأئمة على أن الجزية تضرب على أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى والمجوس، واختلفوا فيمن لا كتاب له، ولا شبهة كتاب عبدة الأوثان من العرب والعجم، فقال أبو حنيفة رحمه الله: يؤخذ من العجم منهم دون العرب، وقال مالك: تؤخذ من كل كافر عربيًا كان أو أعجميًا إلا مشركي قريش خاصة، وقال الشافعي وأحمد في أظهر روايته: لا تؤخذ الجزية من عبدة الأوثان مطلقًا، واستنبط المصنف هذه الترجمة

ص: 141

عن قوله تعالى في سورة التوبة: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، والمناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق إعداد آلة الجهاد بأخذ العُشر والجزية.

332 -

أخبرنا مالك، حدثنا الزُّهري، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من مجوس البَحْرَيْن الجِزْيَة، وأن عمر أخذها من مجوس فارس، وأخذها عثمان بن عفان من البَرْبَر.

• أخبرنا مالك، حدثنا الزُّهري، أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري التابعي، وكان في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، وهي في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من مجوس البَحْرَيْن أي: من كفرة البحرين، وهو اسم جامع لبلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعمان، وقال قوم: هي في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، والبحرين هكذا يتلفظ به في حال الرفع والنصب والجر ولم يسمع على لفظ المرفوع من أحد منهم على أنه قد حكي أنه يتلفظ بلفظ التثنية فيقولون: هذه البحيران، أو انتهينا إلى البحرين، كذا قاله ياقوت الحموي في (معجم البلدان)(1)، الجِزْيَة منصوب على أنها مفعول أخذ، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذها أي: الجزية من مجوس فارس، أي: من كفرة بلاد فارس، وهي ولاية واسعة، وإقليم رابع من الأقاليم السبعة، وأول حدوده من جملة العراق وأرجان، ومن جهة كرمان السيرجان، ومن جهة ساحل بحر الهند سيراف، ومن جهة السند مكران، وأخذها أي: الجزية عثمان بن عفان من البَرْبَر، وهو كجعفر، اسم يشمل قبائل كثيرة من أهل المغرب، أوله ناحية من نواحي اليمامة، وآخره البحر المحيط، وفي الجنوب بلاد السودان، وهم أمم وقبائل لا تُحصى، يُنسب كل موضع إلى القبيلة التي تنزله، ويقال: المجموع بلادهم بلاد البربر، وهي الإِقليم الأول من الأقاليم السبعة.

قال أبو النذر: البربر من ولد خارات بن عليق بن لود بن سام بن نوح عليه السلام،

(332) إسناده ضعيف، أخرجه: مالك (603)، وابن أبي شيبة (7/ 583)، والبيهقي في الكبرى (19168).

(1)

انظر: معجم البلدان (1/ 346).

ص: 142

قال أكثر المؤرخين: الأشهر (ق 349) في نسبهم أنهم بقية قوم جالوت لما قبله طالوت، وهربوا من المغرب فحصلوا في جبالهم وقاتلوا أهل بلادها ثم صالحوا على شيء يأخذونه منهم، وأقاموا بالجبال، وذكر محمد بن أحمد الحمداني في كتابه مرفوعًا إلى أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعي وصيف، أي: غلام، فقال صلى الله عليه وسلم:"يا أنس ما جنس هذا الغلام؟ "، قلتُ: بربري يا رسول الله، قال:"بعه يا أنس ولو بدينار"، فقلتُ: ولم يا رسول الله؟ قال: "إنهم أمة بعث الله إليهم نبيًا فذبحوه وطبخوه وأكلوا لحمه"، كذا قاله ياقوت الحموي في (معجم البلدان)، وهذا حديث مرسل ومدرج حقيقة ومتصل حكمًا؛ لكن وصله الدارقطني وابن عبد البر من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن الزهري عن السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي، صحابي صغير له أحاديث قليلة، وحج به صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو ابن سبع سنين، وولاه عمر سوق المدينة، مات سنة إحدى وتسعين، وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة، كذا قاله ابن حجر في (التقريب من أسماء الرجال)(1).

* * *

333 -

أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن أسلم مولى عمر، أن عمر ضرب الجزية على أهل الورِق أربعين درهمًا، وعلى أهل الذهب أربعة دنانير، ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، وفي نسخة أخرى: أنا، رمزًا إلى أخبرنا، حدثنا وفي نسخة: أبنا، رمزًا إلى أخبرنا نافع، أي: المدني ابن عمر، عن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن عمر ضرب الجزية أي: عينها وبينها، على أهل الورِق بكسر الراء، ويسكن، أي: الفضة، أربعين درهمًا، في كل سنة، وعلى أهل الذهب أربعة وفي نسخة: أربع دنانير، أي: في كل سنة، وإليه ذهب مالك، فلا يزاد ولا

(1) تقدم.

(333)

صحيح، أخرجه: مالك (605)، وابن أبي شيبة (7/ 582)، والبيهقي في الكبرى (19198).

ص: 143

ينقص إلا ممن يضعف عن ذلك فيخفف عنه بقدر ما يرى الإِمام، وقال الشافعي: أولها دينار، ولا حد لأكثرها، وقال أبو حنيفة وأحمد: أقلها على الفقراء القادرين على الكسب اثنى عشر درهمًا أو دينارًا في كل سنة، وعلى أوسطهم أربعة وعشرون درهمًا أو دينارًا في كل سنة، وعلى الأغنياء من أهل الذمة مع تسليم جزيتهم، أرزاق المسلمين أي: الحافظين ثغورهم التي تليهم.

وقال سعيد بن زيد الباجي المالكي: يلزم على أهل الذمة أقوات من عندهم من أجناد المسلمين على قدر ما جرت عادة أهل تلك الجهة من الاقتيات، وقد جاء ذلك مفسرًا أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد أن عليهم من أرزاق المسلمين من الحنطة مدان، ومن الزيت ثلاثة أقساط كل شهر لكل إنسان من أهل الشام والجزيرة وودك وعسل، وضيافة ثلاثة أيام، قال سعيد بن زيد الباجي المالكي: يلزمهم في مدة الضيافة ما سهل عليهم، وجرت عادتهم باقتياته دون تكلف، وخروج عن عادة قوتهم، وقد شكى أهل الشام إلى عمر لما قدمها أنه إذا ترك بهم أحد من المسلمين كلفهم ذبح الدجاج والغنم، فقال عمر: أطعموهم مما تأكلون ولا تزيدوهم عنه، كذا قاله الزرقاني (1).

فإن قلت: الكفر معصية فكيف يجوز أخذ العوض على التمكن منه ولأن جاز ذلك، فلم لا يجوز أخذ العوض على التخلية بين الزاني والزانية، وكذلك سائر المعاصي؟ قلت: هذا غلط محض نشأ عن الجهل بالأحكام الشرعية، والقواعد العلمية؛ لأن الجزية ليست للتمكين من الكفر، كما زعم هذا المعترض، وإنما هي لإِسقاط القتل الواجب، فيجوز إسقاطه بعوض كالقصاص، وِيدل على جواز أخذ الجزية قوله تعالى في سورة التوبة:(ق 350){حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29].

ومعنى قوله تعالى: {عَنْ يَدٍ} قال ابن عباس رضي الله عنهما: هو أن يعطوها بأيديهم يمشون كارهون، ولا يركبون بها ركبانًا، ولا يرسلون بها، وهم صاغرون، أي: يقهرون ذليلون، وقيل غير ذلك، كذا قاله محمد التمرتاشي في (منح الغفار).

* * *

(1) انظر: شرح الزرقاني (2/ 187).

ص: 144

334 -

أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب كان يُؤتى بنَعَم كثيرة من نَعَم الجزية.

قال مالك: أراه يؤخذ من أهل الجزية في جزيتهم.

قال محمد: السُنَّة أن تُؤخذ الجزية من المجوس من غير أن تُنكح نساؤهم ولا تُؤْكَل ذبائحهم، وكذلك بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وضرب عمر الجزية على أهل سواد الكوفة؛ على المُعْسِر اثني عشر درهمًا، وعلى الوسط أربعة وعشرين درهمًا، وعلى الغني ثمانية وأربعين درهمًا، وأما ما ذكره مالك بن أنس من الإِبل، فإن عمر بن الخطاب لم يأخذ الإِبل في جزية علمناها إلا من بني تَغْلِب، فإنه أضعف عليهم الصدقة، فجعل ذلك جِزْيتهم، فأخذ من إبلهم، وبقرهم وغنمهم.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، رمزًا إلى أخبرنا مالك بن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، أي: نسبة إلى ملك ذي أصبح من ملوك اليمن، وكان من أتباع التابعين في الطبقة السابعة من أهل المدينة، كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، أخبرنا وفي نسخة: محمد قال: بنا زيد بن أسلم، أي: أبو عبد الله وأبو أسامة العدوي المدني، مولى عمر، ثقة عالم، وكان يرسل، وكان في الطبقة الثالثة من أهل المدينة، مات سنة ست وثلاثين، وهو ابن أربع عشرة، عن أبيه، أي: أسلم المخضرمي، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يُؤتى أي: إليه بنَعَم كثيرة من نَعَم الجزية، وهو بفتح العين والنون المهملة، أي: الحال الداعي، وهي جمع لا واحد له من لفظه وأكثر ما يقع على الإِبل، وقال أبو عبيد: النعم الجمال فقط والأنعام أيضًا، وقيل: النعم الإِبل خاصة، والأنعام أعم، فإن قلت: لم قال: من نعم الجزية ولم يقل: من نعم الصدقة؟ قلت: قال ذلك إشعارًا إلى أن الأغنياء والفقراء يجوز لهم الأكل من نعم الجزية، ونعم الصدقة للمسكين فقط، قال تعالى في سورة التوبة:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60].

(334) صحيح الإسناد.

ص: 145

قال مالك: أراه بضم الهمزة والألف بينهما راء مهملة، أي: أظن عمر رضي الله عنه أنه قال: تؤخذ أي: الإِبل من أهل الجزية أي: من رجال أهل الكتاب الذين بلغوا الحلم لا تُؤخذ من صبيانهم ولا من نسائهم، لقوله تعالى في سورة التوبة:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، والصبيان والنساء لا يقاتلون، فلا يلزم عليهم الجزية، في جزيتهم، أي: لأجل جزيتهم، فكلمة "في" هنا للتعليل، قال تعالى في سورة يوسف من قصة زليخا (1):{فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32]، وفي الحديث: أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها.

قال محمد رحمه الله: السُنَّة أي: الطريقة المسلوكة في الدين أن تُؤخذ الجزية من المجوس، أي: من عبدة النار، من غير أن تُنكح نساؤهم ولا تُؤْكَل ذبائحهم؛ لأن لهم شبهة كتاب، وكذلك أي: مثل ما بلغ إلينا عن عمر بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أي: أنه صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من بعض المجوس. وضرب أي: عين عمر الجزية على أهل سواد الكوفة؛ أي: أهل بستان العراق سمي به لسواده بالزرع والنخيل والأشجار؛ لأن جزية العرب التي لا زرع فيها ولا شجر كانوا أن أخرجوا من أرضهم ظهرت لهم خضرة الزرع والأشجار فسموه سوادا، كما إذا رأيت شيئًا من بعيد فقلت: ما ذاك السواد، وهم يسمون الأسود أخضر، والأخضر سوادًا، كذا قاله ياقوت الحموي في (معجم البلدان)، فإن المسلمين فتحوا الكوفة على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فضرب الجزية على الإبل، (ق 351) على المُعْسِر أي: الذي يملك مائتي درهم أو أقل، أو المعتمل الذي يقدر على تحصيل الدراهم وبأي وجه كان، اثنى عشر درهمًا، أي: في كل سنة، وعلى الوسط أي: ضرب عمر الجزية على وسط الحال، وهو الذي له مال لكنه لا يستغني به عن العمل، والذي يملك فرق المائتين إلى عشرة آلاف، أربعة وعشرين درهمًا، أي: في كل سنة، وعلى الغني أي: فرض عمر الجزية على المكثر، وهو الذي يملك فوق عشرة آلاف ثمانية وأربعين درهمًا، في كل سنة، هذا قول الكرجي، وفي (الهداية): يؤخذ من الغني في كل شهر أربعة دراهم، ومن المتوسط درهمان، ومن الفقير درهم، كذا قاله التمرتاشي

(1) امرأة العزيز (المحقق).

ص: 146