المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الحج عن الميت أو عن الشيخ الكبير - المهيأ في كشف أسرار الموطأ - جـ ٢

[عثمان الكماخي]

فهرس الكتاب

- ‌باب سجود القرآن

- ‌باب المَارِّ بين يدي المصلي

- ‌باب ما يستحب من التطوع في المسجد عند دخوله

- ‌باب الانتفال في الصلاة

- ‌باب صلاة المُغْمَى عليه

- ‌باب صلاة المريض

- ‌باب النخامة في المسجد وما يكره من ذلك

- ‌باب الجنب والحائض يعرقان في الثوب

- ‌باب بدء أمر القبلة وما نسخ من قبلة بيت المقدس

- ‌باب الرجل يصلي بالقوم وهو جنب أو على غير وضوء

- ‌باب الرجل يركع دون الصف أو يقرأ في ركوعه

- ‌باب الرجل يصلي وهو يحمل الشيء

- ‌باب المرأة تكون بين الرجل يصلي وبين القبلة وهي نائمة أو قائمة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب وضع اليمين على اليسار في الصلاة

- ‌باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب في بيان حكم الاستسقاء

- ‌باب الرجل يصلي ثم يجلس في موضعه الذي صلى فيه

- ‌باب صلاة التطوع بعد الفريضة

- ‌باب الرجل يمس القرآن وهو جنب أو على غير طهارة

- ‌باب الرجل يجر ثوبه أو المرأة تجر ثوبها فيعلق به قذر ما كره من ذلك

- ‌باب فضل الجهاد

- ‌باب ما يكون من الموت شهادة

- ‌أبواب الجَنَائِز

- ‌باب المرأة تُغَسِّل زوجها

- ‌باب ما يكفن به الميت

- ‌باب المشي بالجنائز والمشي معها

- ‌باب الميت لا يُتبع بنار بعد موته أو مجمرة فى جنازته

- ‌باب القيام للجنازة

- ‌باب الصلاة على الميت والدعاء له

- ‌باب الصلاة على الجنازة في المسجد

- ‌باب الرجل يحمل الميت أو يحنطه أو يغسله هل ينقض ذلك وضوءه

- ‌باب الرجل تدركه الصلاة على الجنازة وهو على غير وضوء

- ‌باب الصلاة على الميت بعد ما يدفن

- ‌باب ما رُويَّ أن الميت يُعَذَّب ببكاء الحي

- ‌باب القبر يتخذ مسجدًا أو يُصلى إليه أو يتوسد

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌باب زكاة المال

- ‌باب ما تجب فيه الزكاة

- ‌باب المال متى تجب فيه الزكاة

- ‌باب الرجل يكون له الدَّين هل عليه فيه زكاة

- ‌باب زكاة الحلي

- ‌باب العشر

- ‌باب الجزية

- ‌باب زكاة الرقيق والخيل والبراذين

- ‌باب الركاز

- ‌باب صدقة البقر

- ‌باب الكنز

- ‌باب من تحل له الصدقة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب صدقة الزيتون

- ‌أبواب الصِّيَام

- ‌باب الصوم لرؤية الهلال والإفطار لرؤيته

- ‌باب متى يحرم الطعام على الصائم

- ‌باب من أفطر متعمدًا في رمضان

- ‌باب الرجل يطلع له الفجر في رمضان وهو جنب

- ‌باب القبلة للصائم

- ‌باب الحجامة للصائم

- ‌باب الصائم يذرعه القيء أو يتقيأ

- ‌ باب الصوم في السفر

- ‌باب قضاء رمضان هل يفرَّق

- ‌باب من صام تطوعًا ثم أفطر

- ‌باب تعجيل الإفطار

- ‌باب الرجل يفطر قبل المساء ويظن أنه قد أمسى

- ‌باب الوصال في الصيام

- ‌ باب صوم يوم عرفة

- ‌ باب الأيام التي يكره فيها الصوم

- ‌باب النية في الصوم من الليل

- ‌باب المداومة على الصيام

- ‌باب صوم عاشوراء

- ‌باب ليلة القدر

- ‌باب الاعتكاف

- ‌كتاب الحَجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الرجل يحرم في دبر الصلاة وحيث ينبعث به بعيره

- ‌باب التلبية

- ‌ باب متى تقطع التلبية

- ‌باب رفع الصوت بالتلبية

- ‌باب القران بين الحج والعمرة

- ‌باب من أهدى هديًا وهو مقيم

- ‌باب تقليد البدن وإشعارها

- ‌باب من تطيب قبل أن يحرم

- ‌باب من ساق هديًا فعطب في الطريق أو نذر بدنة

- ‌باب الرجل يسوق بدنة فيضطر إلى ركوبها

- ‌باب المحرم يقتل قملة أو نحوها أو ينتف شعرًا

- ‌باب الحجامة للمحرم

- ‌باب المحرم يغطي وجهه

- ‌ باب المحرم يغسل رأسه ويغتسل

- ‌باب ما يكره للمحرم أن يلبس من الثياب

- ‌باب ما رخص للمحرم أن يقتل من الدواب

- ‌باب الرجل الْمُحْرِم يفوته الحج

- ‌باب الحلمة والقراد ينزعه المحرم

- ‌ باب لبس المنطقة والهميان للمحرم

- ‌باب المحرم يحك جلده

- ‌باب الْمُحْرِم يتزوج

- ‌باب الطواف بعد العصر وبعد الفجر

- ‌باب الحلال يذبح الصيد أو يصيده هل يأكل المحرم منه أم لا

- ‌باب الرجل يعتمر فى أشهر الحج ثم يرجع إلى أهله من غير أن يحج

- ‌باب فضل العمرة في شهر رمضان

- ‌باب المتمتع ما يجب عليه من الهدي

- ‌ باب الرمل بالبيت

- ‌ باب المكي وغيره يحج أو يعتمر .. هل يجب عليه الرمل

- ‌باب المعتمر أو المعتمرة ما يجب عليهما من التقصير والهدي

- ‌باب دخول مكة بغير إحرام

- ‌باب فضل الحلق وما يجزئ من التقصير

- ‌باب المرأة تقدم مكة بحج أو عمرة فتحيض قبل قدومها أو بعد ذلك

- ‌باب المرأة تحيض في حجتها قبل أن تطوف طواف الزيارة

- ‌باب المرأة تريد الحج أو العمرة فتلد أو تحيض قبل أن تُحْرِم

- ‌باب المستحاضة في الحج

- ‌باب دخول مكة وما يُستحب من الغُسل قبل الدخول

- ‌باب السعي بين الصفا والمروة

- ‌ باب الطواف بالبيت راكبًا أو ماشيًا

- ‌ باب استلام الركن

- ‌ باب الصلاة في الكعبة ودخولها

- ‌باب الحج عن الميت أو عن الشيخ الكبير

- ‌باب الصلاة بمنى يوم التروية

- ‌باب الغُسل بعرفة يوم عرفة

- ‌باب الدفع من عرفة

- ‌باب بطن محسر

- ‌باب الصلاة بالمزدلفة

- ‌باب ما يحرم على الحاج بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر

- ‌ باب من أي موضع يرمي الحجارة

- ‌ باب تأخير رمي الجمار من علة أو من غير علة وما يُكره من ذلك

- ‌باب رمي الجمار راكبًا

- ‌باب ما يقول عند الجمار والوقوف عند الجمرتين

- ‌باب رمي الجمار قبل الزوال أو بعده

- ‌باب البيتوتة وراء عقبة منى وما يكره من ذلك

- ‌باب من قدم نسكًا قبل نسك

- ‌ باب جزاء الصيد

- ‌ باب كفارة الأذى

- ‌ باب من قدم الضعفة من المزدلفة

- ‌باب جلال البدن

- ‌باب المحصر

- ‌باب تكفين المحرم

- ‌باب من أدرك عرفة ليلة المزدلفة

- ‌ باب من غربت له الشمس وهو في النفر الأول وهو بمنى

- ‌باب من نفر ولم يحلق

- ‌باب الرجل يجامع بعرفة قبل أن يفيض

- ‌باب تعجيل الإهلال

- ‌باب القفول من الحج أو العمرة

- ‌باب الصَّدَرِ

- ‌باب المرأة يكره لها إذا حلت من إحرامها أن تمتشط حتى تأخذ من شعرها

- ‌باب النزول بالمحصب

- ‌باب الرجل يُحرم من مكة هل يطوف بالبيت

- ‌باب المحرم يحتجم

- ‌ باب دخول مكة بسلاح

الفصل: ‌باب الحج عن الميت أو عن الشيخ الكبير

الساريتين اللتين عن يسار الداخل، وهو صريح في أنه هذا لا عمودان على اليسار وأنه صلى الله عليه وسلم بينهما فإنه يحتمل أنه كان ثم عمودًا أخر على اليمين، لكنه بعيد وعلى غير سمت العمودين، فيصح رواية جعل على يمينه عمودين، ورواية جعل عمودًا عن يمينه.

قال الكرماني تبعًا لغيره: ويجوز هناك ثلاثة أعمدة، فصلى إلى جنب الأوسط فمن قال جعل عمودًا عن يمينه وعمودًا عن يساره لم يعتبر الذي صلى إلى جانبه كذا قاله الزرقاني.

قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: نعمل بما رواه نافع عن ابن عمر الصلاة فرضًا أو نفلًا في الكعبة هي اسم المعرضة التي هي قبلة للناس، واسم لهوائها إلى عنان السماء لا يرى أنه لو صلى أبي قبيس لجاز، ولا بناء بين يديه ولا سترة، وليست رسمًا للبناء بأن الحيطان لو وضعت في موضع آخر فصلى إليها لا تجوز كذا في العناية حسنة جميلة، أي: غاية الجمالة وهو قولُ أبي حنيفة، والعامَّةِ من فقهائنا وقال مالك: لا نجوز الفرض فيها ولعل وجه منعه أنه مستقبل من وجه ومستدبر من وجه آخر فتدبر، كذا قال علي القاري.

لما فرغ من بيان حكم الصلاة في الكعبة والدخول بها، شرع في بيان الحج عن الغير نيابة، فقال: هذا

* * *

‌باب الحج عن الميت أو عن الشيخ الكبير

في بيان جواز الحج عن الميت، وعن الشيخ الكبير بطريقة النيابة كلمة "أو" للتنويع بأن النيابة بالحج عن الميت أو عن المريض الذي لا يرجى زوال مرضه جائرة، أشار المصنف رحمه الله بهذه الترجمة إلى مذهب أهل السنة والجماعة، فعندهم أن الإِنسان يجوز له أن يجعل ثواب عمله لغيره سواء كان صلاة أو صومًا أو صدقة أو قراءة قرآنًا أو ذكرًا أو طوافًا أو حجًا أو عمرة أو غير ذلك.

بدليل قوله تعالى في سورة بني إسرائيل: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] يخبر تعالى عن ملائكة في سورة غافر: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7] بدليل أحاديث كثيرة،

ص: 451

منها في الصحيحين (1) حين ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين فجعل أحدهما عن أمته وهو مشهور، وسيجيء تفصيله في كتاب الضحايا وما يجزئ منها إن شاء الله تعالى، ومنها ما رواه أبو دواد (2) أنه صلى الله عليه وسلم قال:"اقرؤوا على موتاكم سورة يس حينئذ"، فليس قوله تعالى في سورة النجم:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39] على ظاهره، وفيه تأويلات أقر بها ما اختاره المحقق الكمال بن الهمام أنها مقيدة بهبة العامل يعني ليس للإِنسان (ق 524) من سعي غيره نصيب إلا إذا وهب له وحينئذ يكون، فإن قلت: ما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد" قلنا: أجيب عنه بأنه في الخروج عن العهدة لا في حق الثواب إليهم عند أهل السنة والجماعة قال التمرتاشي في (منح الغفار) عن شيخه صاحب (بحر الرائق): والظاهر أنه لا فرق بين أن ينوي عند الفعل للغير أو يفعله لنفسه ثم بعد ذلك يجعل ثوابه لغيره لإِطلاق كلامهم. انتهى.

اعلم أن العبادة المالية كالزكاة وصدقة الفطر والأضحية تقبل النيابة مطلقًا أي: سواء كانت في حالة القدرة أو العجز؛ لأن المقصود يحصل بفعل النائب، فالمعتبر نية الموكل لا نية الوكيل، وأما العبادة البدنية كالصلاة والصوم والاعتكاف فلا تقبل النيابة فيها مطلقًا أي: سواء كانت في حالة العجز أو في حالة القدرة، وأما العبادة المركبة من البدن والمال كالحج فتقبل النيابة عند العجز فقط بشرط دوام العجز للأمر عن الحج بنفسه إلى موته فتجوز نيابة المأمور الحج عن العاجز ويقول المأمور عند الإِحرام بعد الركعتين: لبيك بحجة عن فلان والأعمال بالنيات كما أشبعناه في (سلم الفلاح شرح نور الإِيضاح).

481 -

أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، أن سليمان بن يسار، أخبره أن عبد الله بن عباس أخبره، قال: كان الفضل بن عباس رَدِيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتت امرأة من خَثْعَم تستفتيه، قال: فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، قال: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل بيده إلى الشق الآخر،

(1) البخاري (5/ 2113) ومسلم (3/ 1556).

(2)

أبو داود (3/ 191).

(481)

حديث صحيح: أخرجه البخاري (1756) ومسلم (2/ 891).

ص: 452

قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله جلَّ وعزَّ على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحجُ عنه؟ قال:"نعم"، وذلك في حَجَةِ الوداع.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: أنبا أخبرنا وفي نسخة: قال: بنا، وفي نسخة: أخرى: أنا رمزًا، إلى أخبرنا ابن شهاب، أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، التابعي كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين، من أهل المدينة قال أي: ابن شهاب كما في نسخة أن سليمان بن يسار، الهلالي المدني مولى ميمونة، وقيل: مولى أم سلمة ثقة فاضل أحد الفقهاء السبعة، وكان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، ومات بعد المائة وقيل قبلها، قاله ابن حجر أخبره أي: ابن شهاب أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أخبره، أي: سليمان بن يسار قال: كان الفضل بن عباس وهو أكبر ولده، وبه يكنى أبوه استشهد في خلافة عمر قال الترمذي: سألت محمدًا يعني البخاري عن هذا فقال: أصح شيء هنا ما روى عن ابن عباس عن الفضل.

قال محمد: ويحتمل أن يكون ابن عباس سمعه من الفضل وغيره ثم رواه بلا واسطة. انتهى. وكأنه رجح هذا؛ لأن الفضل كان رديف المصطفى حينئذ، وكان عبد الله قد تقدم من مزدلفة إلى منى مع الضعفة، فكان الفضل حدث أخاه بما شاهده في تلك الحالة، لكن عند أحمد والترمذي أن العباس كان حاضرًا فلا مانع أن عبد الله كان معه محملة تارة عن أخيه وتارة حدث به عن مشاهدة فقال: كان الفضل رَدِيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: راكبًا خلفه، زاد البخاري من رواية شعيب عن الزهري: على عجز راحلته، وفيه جواز الإِرداف، وهو من التواضع، ولا خلاف فيه إذا أطاقته الدابة والرجل الجليل جميل به والارتداف والأنفة من متجبر وتكبر كذا قاله ابن عمر قال: أي: عبد الله بن عباس فأتت أي: فجاءت امرأة وهي أسماء بنت عميس من المهاجرات (ق 525) من خَثْعَم بفتح الخاء المعجمة وسكون المثلثة وفتح العين المهملة غير مصروف للعلمية والتأنيث، باعتبار القبيلة للعلمية ووزن الفعل قبيلة مشهورة وسميت باسم جدها، واسمه أفتل بن أنمار قال ابن العباس عن أبيه: إنما سمي خثعم. يحمل يقال له: خثعم، ويقال: إنه لما تحالف ولد أفتل على أخوته نحروا بعيرًا ثم تخثعموا بدمه أي: تلطخوا به بلغتهم تستفتيه، أي: تسأله عن مسألة قال: أي: عبد الله وجعل أي: شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 453

يصرف أي: يدير وجه الفضل أي: عنها بيده إلى الشق الآخر، بكسر الشين المعجمة وتشديد القاف بمعنى الجانب، وإنما يصرف النبي صلى الله عليه وسلم بيده وجه الفضل إنكارًا باليد فإنه أقوى من اللسان؛ ولأنه أبلغ في هذا الشأن لاشتماله على امتناع كل منهما عن العصيان.

قال ابن عبد البر: وتبعه القاضي عياض فيه ما يلزم الأئمة من تغيير ما يخشى الفتنة ومنعه ما ينكر في الدين.

وقال النووي: فيه حرمة النظر إلى الأجنبية وتغير المنكر باليد قدر عليه.

قال الأبي: إن صرف وجه الفضل ليس الوقوع في المحرم كما يعطيه كلام القاضي عياض والنووي، وإنما هو لخوف الوقوع كما يعطيه كلام القرطبي انتهى.

وقال الوالي العراقي: إن أراد النووي تحريم النظر عند خوف الفتنة فهو محل وفاق من العلماء، وإن أراد الأعم من خوفها وأمنه ففي حالة أمنها خلاف مشهور للعلماء، وهما وجهان ولا يصح الاستدلال بالحديث على التحريم في هذه الحالة لأن الأمر محتمل لكل منهما، بل الظاهر أن المصطفى خشى عليهما الفتنة، وبه صرح جابر في حديثه الطويل عن الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم لوى عنق الفضل فقال له العباس: لويت عنق ابن عمك فقال: "رأيت شابًا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما".

قال النووي نفسه: فهذا يدل على أن وضع يده على الفضل كان لدفع الفتنة عنه وعنها، وفي مسلم عن جابر: وضع يده على وجه الفضل فكأنه صرف وجهه بل عنقه ووضع يده عليه مبالغة في منعه، وهذا أولى من قول الوالي العراقي فعل كلًا منهما في وقت فلوى عنقه تارة ووضع يده على جبهته تارة، وبين استفتائها بقوله: فقالت: أي: أسماء بنت عميس يا رسول الله، إن فريضة الله جلَّ وعزَّ على عباده في الحج أي: فمن استطاع إليه سبيلًا أدركت أي: الفريضة أبي مفعول أي: عميس شيخًا حال كبيرًا، نعت له أي: في مشيخته وضعف بنيته أشد الحالة بحيث إنه لا يستطيع أي: لا يقدر أن يثبت أي: قعودًا ورقودًا على الراحلة، صفة بعد الصفة أو من الأصول المتداخلة أو شيخًا بدل لكونه موصوفًا أي: وجب عليه الحج بأن أسلم وهو شيخ كبير وحمل له المال في هذه الحالة والأول أوجه، كذا قاله الطيبي أفأحجُ عنه؟ أي: يصح أن أنوي عنه فأحج قال: "نعم"، أي: حجي عنه وقال: "أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته أكان (ق 526) يقبل منك" فقالت: نعم، فقال:"والله أحق أن يقبل"، فدل ذلك على جواز الحج عن

ص: 454

الغير عند العجز وأنه يقع عن المحجوج عنه، كذا قاله صاحب (الاختيار) و (المنح)، وبه استدل من قال كالشافعي تجب الاستنابة عن العاجز عن الحج الفرض.

قال القاضي عياض: ولا حجة فيه؛ لأن قولها إلى فريضة الله إلى آخره لا يوجب دخول أبيها في هذا الفرض وإنما الظاهر من الحديث أنها أخبرت أن فرض الحج بالاستطاعة نزل وأبوها غير مستطيع، فسألت هل يباح أن تحج عنه ويكون له في ذلك أجر ولا يخالفه قوله، وفي رواية:"فحجي عنه"؛ لأنه أمر ندب وإرشاد ورخصة لها أن تفعل لما رأى من حرصها على تحصيل الخير لأبيها.

وقال أبو عمر: حديث الخثعمية خاص لها لا يجوز أن يتعدى إلى غيرها لقوله تعالى في سورة آل عمران: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] وكان أبوها ممن لا يستطيع فلم يكن عليه الحج فكانت ابنته مخصوصة بذلك الجواب، وممن قال بذلك مالك وأصحابه.

قال المازري: فإن الظاهر في الاستطاعة أنها البدنية، إذ لو كانت المالية لقال حجاج البيت فرع بين الأصلين أحدهما على بدن صرف كالصلاة والصوم، فلا استنابة فيه والثاني مال صرف كالصدقة.

وقال القاضي عياض: الاستطاعة عند مالك هي القدرة ولو على رجليه دون مشقة قادعة، وقال الأكثر: هي الزاد والراحلة وجاء فيه حديث لكن ضعفه أهل الحديث، وتأويله عندنا أنه أحد أنواع الاستطاعة هي السبب فقد تضمن الزاد والراحلة أمر الطريق وصحة الجسم. كذا قاله الزرقاني وذلك أي: المقال والسماع في حَجَةِ الوداع بفتح الواو وبكسر، وفيه تنبيه على هذا الحكم لم يقع منسوخًا، كذا قاله علي القاري، وفي رواية شعيب عن الزهري: يوم النحر وفي الترمذي وأحمد ما يدل على أن السؤال وقع عند المنحر بعد الفراغ من الرمي، وهذا الحديث رواه البخاري وأبو داود عن القعنبي والبخاري أيضًا عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى، والنسائي من طريق ابن القاسم، والأربعة عن مالك به كذا قاله الزرقاني (1).

* * *

(1) في شرحه (2/ 390).

ص: 455

482 -

أخبرنا مالك، أخبرنا أيوب السَّخْتِياني، عن ابن سيرين، عن رجل أخبره عن عبد الله بن عباس، أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ أمي امرأة كبيرة لا تستطيع أن نحملها على بعير، وإن رَبَطْناها خِفْنا أن تموت، أفأحجُ عنها؟ قال:"نعم".

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة: أنا أخبرنا وفي نسخة: قال: بنا أيوب السَّخْتِياني، بفتح السين المهملة وكسرها وسكون الخاء المعجمة وكسر الفوقية وفتح التحتية، نسبة إلى نوع جلد مدبوغ، يكنى أبا بكر تميمة، اسمه كسيان البصري، ثقة ثبت حجة، كان في الطبقة الخامسة من طبقات كبار الفقهاء والعباد من أهل البصرة، كانت في الإِقليم الثالث، من الأقاليم السبعة على وجه الأرض، مات سنة إحدى وعشرين ومائة، وهو ابن خمسة وستين سنة، كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي وابن حجر العسقلاني الشافعي وغيرهما في طبقاتهم عن محمد بن سيرين، الأنصاري مولى أنس بن مالك، يكنى أبا بكر بن أبي عمرة البصري، ثقة عابد كان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار العباد، من أهل البصرة، مات سنة عشرة ومائة كذا قاله ابن حجر في (التقريب)، وسيرين منع صرفه للعلمية ومطلق المزيد على مذهب أبي علي الفارسي النحوي، كذا قاله علي القاري.

ومن مناقب محمد بن سيرين: إذا ذكر الناس عنده رجلًا بسيئة ذكره محمد بن سيرين (ق 527) بأحسن ما يعلم، وكان يحدث رجلًا فقال: ما رأيت الرجل الأسود ثم قال: استغفر الله، ما أراني إلا قد اغتبته، ودخل عليه طوق بن وهب فقال: كأني أراك شاكيًا، قال: أجل، قال: اذهب إلى فلان الطبيب فاسق صفته، ثم قال: اذهب إلى فلان فإنه أطيب منه ثم قال: أستغفر الله أراني قد اغتبته، وكان قد أعطي هديًا وسمتًا وخشوعًا، وكان الناس إذا رأوه ذكروا الله تعالى، وكان يمر في السوق فيكثر الناس، وكان إذا مشى معه رجل قام وقال: ألك حاجة، فإن كان له حاجة قضاها، فإن عاد مشى معه، قام وقال: ألك حاجة قال مورق العجلي: ما رأيت رجلًا أفقه في ورعه ولا أروع في فقهه من محمد بن سيرين قال: إذا أراد الله بعبد خيرًا جعله واعظًا من قبله يأمره وينهاه

(482) حديث صحيح: أخرجه البخاري (1754) وغيره.

ص: 456

وأوصى أنس بن مالك رضي الله عنه أن يغسله، فقيل له في ذلك، وكان محبوسًا، فقال: لا أستطيع فقالوا: قد استأذنا الأمير فقال: إن الأمير لم يحسبني إنما حسبني صاحب الحق فأذن له صاحب الحق فخرج فغسله، قال: يونس بن عبيد أما ابن سيرين، فإنه لم يعرض له أمران في دينه إلا أخذ بأوثقهما، واشترى شيئًا فأشرف فيه على ثمانين ألف فعرض في قلبه عنه شيء فتركه، قال سليمان التيمي: لقد تركته في شيء ما يختلف فيه أحد من العلماء، وقال هشام بن حسان: تركها في شيء ما ترون به اليوم بأسًا، وكان إذا دعا إلى وليمة دخل من له فيقول: اسقوني شربة من سويق فيقال: أنت تذهب إلى الوليمة وتشرب سويقًا فيقول: إني أكره أن أحمل جر جوعي على طعام الناس، وكان إذا دخل على أمه لا يكلمها بلسانه كله تخشعًا لها، ودخل رجل وهو عند أمه فقال: ما حاله يشتكي شيئًا قالوا: لا، ولكن هكذا يكون إذا كان عندها، وبعث ابن هبيرة إليه وأتى الحسن والشعبي فدخلوا عليه فقال لابن سيرين: ماذا رأيت حين قربت من بابنا قال ظلمًا فاشيًا فغمزه ابن أخيه بمنكبه فالتفت إليه فقال: إنك لست تسأل، إنما نسئل، فأرسل إلى الحسن بأربعة آلاف درهم، وإلى محمد بن سيرين بثلاثة آلاف درهم، وإلى الشعبي بألفين، فأما ابن سيرين فلم يأخذ فقيل: ما منعك أن لا تقبل؟ قال: إنما أعطاني كان يظنه بي، ولئن كنت كما ظن فما ينبغي لي أن أقبل، وإن لم أكن كما ظن فبالأحرى أن لا يجوز لي أن أقبل، وكان له حوانيت لا يكريها إلا من أهل الذمة، وكان إذا سئل عن الرؤيا قال: اتق الله في اليقظة ولا يضرك ما رأيت في المنام، وكان ربما سمع بكاؤه وهو يصلي في جوف الليل، وكان إذا ذكرت الموت مات كل عضو منه على حدته. كذا قاله ابن الجوزي في (طبقاته)، أي عن رجل من التابعين أخبره عن عبد الله بن عباس، أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ أمي امرأة كبيرة لا تستطيع أن نحملها أي: نركبها على بعير، أي: خوفًا لسقوطها لعدم قدرتها على استمساكها بنفسها وإن رَبَطْناها أي: فوق بعيرها خِفْنا أن تموت، أي: لشدة ربطها وقلة ضبطها أفأحجُ أي: أنا عنها؟ أي: نيابة قال: "نعم" بفتح النون وفتح العين المهملة وسكون الميم حرف تصديق، لما بعد الاستفهام أي: حج عن أمك.

* * *

ص: 457

483 -

أخبرنا مالك، أخبرنا أيوب السَّخْتِيانيّ، عن ابن سِيرين، أنّ رجلًا كان جَعَلَ عليه ألا يبلغ أحدٌ من وَلَدِه الْحَلَبَ فيحلب ويشرب ويَسْقيه إلا حَجّ وحَجّ به، قال: فبلغ رجلٌ من وَلَدِه الذي قال، وقد كبر الشيخ، فجاءَ ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره الْخَبَرَ، فقال: إنَّ أبي قد كبر، وهو لا يستطيع الحجّ، أفأحُجّ عنه؟ قال:"نعم".

قال محمد: وبهذا نأخذ، لا بأسَ بالحجّ عن الميّت، وعن المرأة والرجل إذا بَلَغَا من الكِبَرِ ما لا يستطيعان أن يَحُجّا، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامّةِ من فقهائنا.

وقال مالك بن أنس: لا أرَى أن يَحُجّ أحدٌ عن أحد.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: أنا أخبرنا وفي نسخة: بنا، في أخرى: قال: ابنا أيوب السَّخْتِيانيّ، (ق 528) عن محمد بن سِيرين، وهو من أجلاء التابعين وفضلاء المعبرين أنّ رجلًا كان جَعَلَ عليه أو نذر على نفسه أن ألا يبلغ أحدٌ أي: لا يصل عمر أحد كائن من وَلَدِه بفتحتين يطلق على المصدر أي: وقت حَلَبَ الناقة فيحلب بضم اللام نصب بإضمار أن عطفًا على أن يبلغ ليدل على نفي البلوغ والحلب عقبه مطلقًا، كما قال عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي في تفسير قوله تعالى في سورة الملائكة:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} [فاطر: 36] أي: فلا يموتون فيها يعني: فلا يحلب ولده فحلبه دخل في حكم النفي، وكذا دخل في حكم الشرب المفهوم من قوله: فيشرب بفتح الراء من الباب الثاني، أي: فلا يشرب ولده ويَسْقيه: أي: ولا يسقي اللبن وغيره إلا حَجّ أي: الرجل الناذر منفردًا أو حجَّ به، أي: مع والده فالباء فيه للمصاحبة، كما في قوله تعالى في سورة هود:{قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ} [هود: 48] أي: معه وصورته أن رجلًا من الأصحاب الكرام نذر بأن يقول: إن بلغ عمر ولد من أولادي إلى وقت حلب الناقة، فحلب وشرب وأسقاه فعلي مستقلا أو حج مع ولدي فإذا

ص: 458

كان الأمر كذلك لزمه الحج، كما قال: أي: محمد بن سيرين فبلغ أي: وصل عمر رجلٌ من وَلَدِه أي: من ولد الناذر الذي قال، أي: شرط ونذر أبوه بالحج وقد كبر بكسر الموحدة أي: والحال أسر الشيخ، وضعف قواه ولم يقدر الركوب على الدابة وعجز عن الحج بنفسه فجاءَ ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره الْخَبَرَ، أي: المذكور وبيانه فقال: وفي نسخة بالواو إنَّ أبي قد كبر، وهو لا يستطيع الحجّ، بنفسه لضعفه أفأحُجّ عنه؟ والاستفهام للاستعلام أي: أخبرني يا رسول الله، هل يصح أن أحج عنه قبل أن أحج عن نفسي؟ وبعده قال:"نعم". أي: حجي عنه هذا الحديث مرسل، وهو الذي يرويه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم مع عدم ذكر الصحابي وذلك عند أبي حنيفة وأحمد وأكثر العلماء، وعند الشافعي هو الذي يستوي صدقه وكذبه بأن لا يكون في متنه ولا في روايته خلل بين لكن جهل بعض رواته بعينه، فإن كان صحابي يسمى مرسلًا، وإن كان غيره يسمى منقطعًا

قال محمد: أي: ابن حسن الشيباني وبهذا نأخذ، أي: إنما نعمل ونفتي بما رواه محمد بن سيرين لا بأس بالحجّ عن الميّت، أي: نفلًا أو فرضًا بوصية أو بغيرها، ولا دليل عليه إلا بقياس الميت على الحي أو بدليل آخر. كذا قاله علي القاري وعن المرأة والرجل أي: الحيين إذا بَلَغَا من الكِبَرِ ما أي: حالة لا يستطيعان أن يَحُجّا، أي: بأنفسهما وهو أي: جواز الحج عن الميت وعن المرأة والرجل إذ لم يستطيعا أن يحجا بأنفسهما وهو قولُ أبي حنيفة، والعامّةِ من فقهائنا وعليه الجمهور وفي نسخة: وهذا ويقع الحج عن الأمر على المذهب الظاهر لحديث محمد بن سيرين وأسماء بنت عمير من المهاجرات لكنه يشترط أهلية الماء بصحة أفعال الحج فجاز (ق 529) نيابة المرأة والعبد، والصرورة وهو بفتح الصاد المهملة وضم الراء الأولى وفتح الثانية وبينهما واو ساكنة وهاء في آخرها هو الذي لم يحج عن نفسه نفلًا أو غيره، لكن يجب عن رؤية الكعبة الحج لنفسه وعليه أن يتوقف إلى عام قبل ويحج لنفسه أو يحج بعد عودته إلى أهله بماله كما في (المنح) وغيره.

وقال مالك أي: أنس: بن مالك بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي لا أرَى أي: لا أختار أن يَحُجّ أحدٌ عن أحد أي: إذا كان حيًا لما تقدم من الأحاديث، ولما ذكر في كتاب (الرحمة) أن النيابة في حج الفرض عن الميت يجوز بالاتفاق، وكذا في التطوع عند أبي حنيفة وأحمد والشافعي قولان أصحهما المنع، والله أعلم. كذا قاله علي القاري.

ص: 459