الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الرجل يطلع له الفجر في رمضان وهو جنب
في بيان حكم حال الرجل يطلع عليه الفجر أي: الفجر الثاني في رمضان وهو جنب أي: الحال أنه فمن يجب عليه الغسل سواء يكون من جماع أو احتلام أو انقطاع حيض أو نفاس، وقد أجمعوا في من أصبح صائمًا وهو جنب أن صومه صحيح، وأن المستحب الاغتسال قبل طلوع الفجر.
350 -
أخبرنا مالك، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن مَعْمَر، عن أبي يونس مولى عائشة، عن عائشة، أن رجلًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب وأنا أسمع: إني أصبحتُ جُنُبًا، وأنا أريدُ أن أصوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وأنا أُصبح جُنُبًا ثم أغتسل وأصوم"، فقال الرجل: إنك لستَ مثلنا؛ فقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أَتَّقِي".
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي، يعني نسبة إلى ملك ذي أصبح من ملوك اليمن، وكان في الطبقة السابعة، من أتباع التابعين من أهل المدينة، وهي في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة، وفي نسخة: محمد بنا، رمزًا إلى أخبرنا: حدثنا وفي نسخة: قال: بنا، عبد الله بن عبد الرحمن أي: معمر بن حزم الأنصاري، يكنى أبا طوالة بضم المهملة المدني قاضي المدينة لعمر بن عبد العزيز ثقة في الطبقة الخامسة من التابعين، مات سنة أربع وثلاثين بعد المائة بعد ذلك، عن أبي يونس مولى عائشة، رضي الله عنها. ثقة في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين عن عائشة، رضي الله عنها أن رجلًا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف على الباب أي: من وراء باب رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا زاد مسلم وأنا أسمع: أي: الحال أنا أسمع قول ذلك الرجل يا رسول الله إني أصبحتُ جُنُبًا، وأنا أريدُ أن أصوم، أي: هل يصح الصيام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا أي: مثلك أُصبح جُنُبًا أي: أريد الصيام ثم أغتسل أي: بعد الصبح للصلاة (ق 374) فأصوم أي: فلك في تبعية فأجابه بالفعل؛ لأنه أبلغ مما لو قال: اغتسل وصم وفيه إيماء إلى
(350) صحيح، أخرجه: مسلم (1110)، وأبو داود (2389)، وأحمد (23864)، ومالك (641).
أنه لا دخل للغسل في صحة الصوم وفساده، ولهذا لو استمر أحد على جنابته طول نهاره أو احتلم في أثنائه لم يضر صومه بالاتفاق، فكذلك الحكم في أول جزية لكن اعتقد الرجل أن ذلك من خصائصه؛ لأن الله تعالى يحل لرسوله ما شاء فقال الرجل: أي: يا رسول الله إنك لستَ مثلنا؛ كان الرجل لم يكن غالبًا في قيام المبني ولا في قيام المعنى وإلا فحقه أن يقول: إنا لسنا مثلك فلا يقاس حالنا على حالك، وإنما عدل عنه لشأنه صلى الله عليه وسلم وبين ذلك بقوله: فقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، أي: ستر وحال بيتك وبين الذنب فلا يقع منك ذنب أصلًا؛ لأن الغفر الستر وهو إما بين العبد والذنب وإما بين الذنب وعقوبته فالأليق بالأنبياء الأول وبأممهم الثاني فهو كفاية عن العصة. هذا قول في غاية الحسن كذا قاله الزرقاني (1) فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قيل: قوله: فغضب معارض بقوله تعالى في سورة النون: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] وخلقه صلى الله عليه وسلم أن لا يغضب على أحد وأن يعفو عمن ظلمه كما قال صلى الله عليه وسلم جوابًا لمن سأله عن أفضل العمل بأن يقول: "حسن الخلق وهو أن لا تغضب".
عن علاء بن الشخير أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقال: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: "حسن الخلق" ثم أتاه عن شماله فقال: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: "حسن الخلق" ثم أتاه من خلفه فقال: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ فالتفت إليه فقال: "مالك لا تفقه حسن الخلق هو أن لا تغضب إن استطعت"، رواه محمد بن نصر المروزي، وكما قال تعالى في سورة الأعراف:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، أجيب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم، غضب لما ظهر من قوله من ترك الاقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله وتقديره في جميع الأحكام، فيجب علينا اتباعه صلى الله عليه وسلم كما أمرنا تعالى في سورة الحشر:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
قال علي القاري: نعم له خصوصيات معلومات عند العلماء الكرام، لكنه عليه السلام حيث دله على الحكم بفعله تبين أنه ليس مخصوص حكمه فغضب لأجله، ولا يبعد أن يكون وجه غضبه صلى الله عليه وسلم ما ظهر في قول الرجل بحسب فهمه القاصر أنه مغفور فلا يبالي فعل أو ما فعل؛ لأنه إنما يخشى من لم يكن مغفورًا على أن مغفرته مرتبة على الذنب
(1) انظر: شرح الزرقاني (2/ 213).
المقدر بل على الأمر فلهذا عقب وقال صلى الله عليه وسلم: "والله أي: مبالغة في القضية إني لأرجو بلام التأكيد للقسم ورجاءه أي: لا طمع وهو بمنزلة الاستثناء واقتداء بقول إبراهيم عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82] أن أكون أخشاكم لله أي: أخوفك له بحسب الباطن وأعلمكم بما أَتَّقِي" أي: بما يجب أن أتقي منه من فعل أو ترك أو قول أو عدمه مما يتعلق بالظاهر، وحاصله أن غفران (ق 375) ذنبي من فضل ربي، لا يمنعني أن كونه أخشاكم له ومن خشيتي أني أعلمكم بما أجتنب وأنتم لا تعلمون أحكام ربي فلا بد لكم من الاقتداء بي في أفعالي وأقوالي إلا ما خُص لي بدليل من أحوالي؛ لعموم قوله تعالى في سورة آل عمران:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31].
* * *
351 -
أخبرنا مالك، حدثنا سُمَيّ مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يقول: كنتُ أنا وأبي عند مروان بن الحَكَم وهو أمير المدينة؛ فَذُكِرَ أن أبا هريرة قال: من أصبح جُنُبًا أفْطَرَ، فقال مروان: أقسمْتُ عليك يا أبا عبد الرحمن لتذهبنّ إلى أُمي المؤمنين: عائشة، وأُمِّ سلمة، فَسَلْهُمَا عن ذلك، قال: فذهب عبد الرحمن، وذهبتُ معه، حتى دخلنا على عائشة فسلَّمنا عليها، ثم قال عبد الرحمن: يا أمَّ المؤمنين، كنا عند مروان بن الحكم آنفًا، فذُكِرَ أن أبا هريرة يقول: من أصبح جُنُبًا أفطر ذلك اليوم، قالت: ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن، أترغب عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، قال: لا والله، قالت: فَأشهدُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يُصبح جُنُبًا من جماع غير احتلام، ثم يصوم ذلك اليوم.
قال: ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة، فسألهَا عن ذلك فقالت كما قالت عائشة.
(351) صحيح أخرجه: أحمد (25551)، ومالك (629)، والنسائي في الكبرى (2947)، والطبراني في الكبير (23/ 384)، حديث (915).
فخرجنا حتى جئنا مروان، فذكَرَ له عبد الرحمن ما قالتا، فقال: أقسمتُ عليك يا أبا محمد، لتركبن دابتي فإنها بالباب، فلْتذهبنَّ إلى أبي هريرة؛ فإنه بأرضه بالعقيق؛ قال: فركب عبد الرحمن وركبتُ معه حتى أتينا أبا هريرة، فتحدث معه عبد الرحمن ساعة ثم ذكر له ذلك، فقال أبو هريرة: لا علم لي بذلك، إنَّما أَخْبَرَنِيه مُخْبِر.
قال محمد: وبهذا نأخذ، ومن أصبح جُنُبًا من جماع من غير احْتِلام في شهر رمضان ثم اغتسل بعد ما طلع الفجر، فلا بأس بذلك، وكتاب الله يدل على ذلك، قال الله عز وجل:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} - يعني الجماع - {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} - يعني الولد - {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} - يعني حتى يطلع الفجر -[البقرة: 187].
فإذا كان الرجل قد رُخِّص له أن يُجَامِعَ، ويبتغي الولد ويأكل ويشرب حتى يطلع الفجر، فمتى يكون الغسل إلا بعد طلوع الفجر، فهذا لا بأس به، وهو قول أبي حنيفة، والعامة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: قال محمد: بنا، وفي نسخة أخرى: أنا، رامزًا إلى أخبرنا مالك بن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، يعني نسبة إلى ملك ذي أصبح من ملوك اليمن، وكان في الطبقة السابعة من طبقات أتباع التابعين، من أهل المدينة وهي في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة أخبرنا سُمَيّ بصيغة التصغير هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، بن الحارث بن هشام ثقة، في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة ثلاثين بعد المائة مقتولًا بقديد كذا قاله ابن حجر في (التقريب) أنه أي: سُمي سمع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث يقول: أي: أبو بكر كنتُ أنا وأبي أي: عبد الرحمن المدني له رؤية وكان من كبار التابعين وكنيته أبو محمد مات سنة ثلاثين عند
مروان بن الحَكَمَ بن أبي العاص بن أمية أبو عبد الملك الأموي المدني، ولي الخلافة من جهة معاوية في آخر سنة أربع وستين، ومات سنة خمس من رمضان، وله ثلاث أو إحدى وستون سنة، لم يثبت له صحبة كان في الطبقة الثانية من طبقات التابعين كذا قاله ابن حجر في (التقريب) وهو أمير المدينة، فَذُكِرَ له بالبناء للفاعل أي: فأخبرني عبد الرحمن لمروان بن الحكم كما في (البخاري) أن أبا هريرة رضي الله عنه يقول، وفي نسخة: قال من أصبح جُنُبًا أفْطَرَ، أي: بطل صومه لكنه أمسك وقضى بدله قال مروان: أقسمْتُ عليك أي: جعلتك مقسمًا عليك يا أبا عبد الرحمن لتذهبنّ إلى أُمي بضم الهمزة وفتح الميم ثقيلة أم المؤمنين: عائشة، وأُمِّ سلمة، رضي الله عنهما فَسَلْهُمَا عن ذلك، الحكم قال: أي: أبو بكر الراوي فذهب عبد الرحمن، يعني أباه وذهبتُ معه، ووقع عند (النسائي) من رواية عبد ربه بن سعيد عن أبي عياض عن عبد الرحمن: أرسلني مروان إلى عائشة رضي الله عنها فأتيتها فلقيت غلامها ذكوان فأرسلته إليها فسألها عن ذلك فذكر الحديث مرفوعًا قال: فلقيت مروان فحدثنيه فأرسلني إلى أم سلمة فأتيتها فلقيت غلامها نافعًا فأرسلته إليها فسألها عن ذلك فذكر مثله.
قال الحافظ: وفي إسناده نظر أن أبا عياض مجهول، فإن كان محفوظًا فيجمع بأن كلا من الغلامين كان واسطة بين عبد الرحمن وبينهما في السؤال، وسمع عبد الرحمن وابنه أبو بكر كلًا منهما من وراء الحجاب بعد الدخول كما قال حتى دخلنا على عائشة رضي الله عنها أي: من وراء الحجاب فسلَّمنا على عائشة، أي: فردته ثم قال عبد الرحمن: يا أمَّ المؤمنين، كنا عند مروان بن الحكم آنفًا، بمد الهمزة وكسر النون وبقصر أي: في هذه الساعة، وفيه تنبيه لكل أحد أن يعلم أوان مجلس العلم والعلماء ويعمل به ولا أن يبدأ الكلام قبل أن يتكلم الأعلم منه حتى يتوجه الخطاب إليه لئلا يكون مبغوضًا عن أحد فذُكِرَ على بناء المفعول له لما في رواية يحيى أي: تكلم رجل لمروان نزل عبد الرحمن نفسه منزلة الغائب رعاية للأدب (ق 376) والتفت في كلامه من التكلم إلى الغيبة تنشيطًا للسامع وتنبيهًا له إلى إصغاء كلامه، وكان مقتضى الظاهر أن يقول: فذكرنا له. هذا خلاصة ما قاله سعد الدين التفتازاني في (شرح المفتاح) فليراجع الإِسناد الخبري من باب الأولى أن أبا هريرة يقول: أي: موقوفًا ومعناه يفتي من أصبح جُنُبًا أفطر أي: أبطل صيام ذلك اليوم، قالت: أي: عائشة رضي الله عنها ليس أي: الحكم والقول كما قال
أبو هريرة يا عبد الرحمن، أترغب أي: أترجع يا عبد الرحمن عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، أي: لا تريده أنت بذلك مبالغة في الرد، فالهمزة للاستفهام الإِنكاري والرغبة إن استعملت نفي تكون بمعنى عدم الإِرادة كما قال محمد الواني قال: أي: عبد الرحمن لا أي: بل أريد ما يصنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم والله، تأكيد لا أنكره عبد الرحمن من إنكار عائشة رغبة عبد الرحمن بما يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: أي: عائشة فأشهدُ بفتح الفاء الجوابية للشرط المحذوف وبفتح الهمزة والشين المعجمة الساكنة وبفتح الهاء والدال من الباب الرابع تقديره أن أقسمت بالله يا عبد الرحمن على أن لا تترك ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحلف على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يُصبح من الإِصباح أي: دخل الصباح جُنُبًا من جماع غير احتلام، قصدت بذلك المبالغة في الرد والمنفي على أخلاقه لا مفهوم له؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحتلم إذ الاحتلام من الشيطان وهو معصوم منه، كذا ذكره السيوطي وكذلك جميع الأنبياء فإنهم معصومون عن ذلك.
أما الاحتلام بمعنى نزول المني في النوم من غير رؤية وقاع فهو غير مستحيل عليهم؛ لأنه ينشأ عن نحو إمتلاء البدن فهو من الأمور الخلقية والعادية التى يستوي فيها الأنبياء عليهم السلام وغيرهم كذا قاله علي القاري في (شرح المصابيح).
وفيه جواز الجماع في ليالي رمضان وجواز تأخير الغسل إلى بعد طلوع الفجر كذا قاله القسطلاني في (المواهب اللدنية) ثم يصوم ذلك اليوم ولا يفطر، وهذا بإطلاقه يشمل صوم الفرض والواجب والنفل.
قال: أي: الراوي ثم أي: بعد ما أخبرت لنا عائشة رضي الله عنها عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصباح جنبًا من جماع خرجنا أي: من عند عائشة رضي الله عنها حتى دخلنا على أم سلمة، رضي الله عنها فسألهَا أي: عبد الرحمن عن ذلك فقالت أي: أم سلمة كما أي: مثل ما قالت عائشة ظاهر المسألة أنها قالت: يا عبد الرحمن. . . إلى آخره لكن في رواية للنسائي فقالت أم سلمة رضي الله عنها: كان صلى الله عليه وسلم يصبح جنبًا مني فيصوم ويأمرني بالصيام.
قال الراوي: فخرجنا أي: من عند أم سلمة حتى جئنا مروان، أي: ابن الحكم كما في (الموطأ) لمالك فذكَرَ له أي: لمروان عبد الرحمن ما قالتا، فقال: أي: مروان أقسمتُ أي: جعلتك محلوفًا عليك يا أبا محمد، لتركبن دابتي أي: الخاصة فإنها بالباب، أي: واقفة مهيأة فلْتذهبنَّ إلى أبي هريرة رضي الله عنه؛ فإنه بأرضه بالعقيق؛ وهو موضع
بالمدينة، وفي (ق 377) رواية للبخاري: ثم قدر لنا أن نجتمع بذي الحليفة وكان لأبي هريرة هناك أرض، فظاهره أنهم اجتمعوا من غير قصد، لا تخالف بين قوله بذي الحليفة وبين قوله بالعقيق لاحتمال أنهما قصداه إلى العقيق فلم يجداه ثم وجداه بذي الحليفة، كان له بها أرض أيضًا فلتخبرنه ذلك أي: نقلهما المخالف لقوله: قال: أي: أبو بكر بن عبد الرحمن فركب عبد الرحمن وركبتُ معه أي: خلفه أو على دابة أخرى وذهبنا حتى أتينا أبا هريرة، فتحدث معه عبد الرحمن ساعة على طريق المصاحبة وعن البخاري: فقال له عبد الرحمن: إني ذاكرك أمرًا لولا أن مروان أقسم علي فيه لم أذكره لك ثم ذكر له ذلك، أي: بطريق الملاطفة فقال أبو هريرة: لا علم لي بذلك، أي: استقلالًا إنَّما أَخْبَرَنِيه مُخْبِر عنه ففي مسلم فقال أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل بن عباس ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وفي (البخاري) فقال له كذلك: أخبرني الفضل بن عباس وهو أعلم بما روى، والعهدة في ذلك عليه لا علي. وفي رواية النسفي عن البخاري: وهن أعلم لعلم أي: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مسلم قال أبو هريرة: أهي قالتا ذلك؟ قال: نعم، قال: هما أعلم. ورجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك وهذا يرجح رواية النسفي.
قال محمد: وبهذا أي: بما روي عن عائشة وأم سلمة نأخذ، أي: نعمل ومن أصبح جُنُبًا من جماع من غير احْتِلام أي: ولو كان من احتلام؛ فإن الاحتلام بالأولى في هذا المقام في شهر رمضان أي: ولو كان في صوم فرض أداء فضلًا عن أن يكون نفلًا أو قضاء ثم اغتسل بعد ما طلع الفجر، فلا بأس بذلك، أي: والمستحب خلاف ذلك إذ لم يكن عذر هنالك وكتاب الله يدل على ذلك، أي: على ما ذكر في الحكم المستفاد من حديثهما قال الله عز: أي: شأنه أو غلب حكمه على الأمور وجل أي: عظم بركاته في سورة البقرة: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ} أي: من أولها إلى أخرها {الرَّفَثُ} أي: الجماع عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الغشيان واللمس والإِفضاح أي: الحجالة والمباشرة الرفث، هو الجماع ولكن الله حيي كريم يكني ما شاء الله بيانًا للأدب إلى عباده لئلا يتكلموا بما يستكره ذكره {إِلَى نِسَائِكُمْ} أي: زوجاتكم وسراريكم، روي أن المسلمين كانوا إذا أمسوا حل لهم الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلوا العشاء الأخيرة، أو يرقدوا ثم إن عمر رضي الله عنه، باشر أهله بعد العشاء، فندم وأتي النبي صلى الله عليه وسلم واعتذر إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما كنت جديرًا بذلك" فرجع مغتمًا فنزلت الآية، وعدي
بإلى لتضمنه معنى الإفضاء والإِنهاء، وإيثاره ههنا لاستقباح ما ارتكبوه، ولذلك سمي خيانة وقرئ: الرفوث، وتقديم الظرف على القائم مقام الفاعل لما مر مرارًا من التشريف، فإن ما حقه التقديم إذا أخر تبقى النفس فترقبة إليه فيتمكن عندها وقت وروده فضل تمكن {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} أي: ستر كالفراش استئناف مبين لسبب الإِحلال وهو صعوبة الصبر عنهن مع شدة المخالطة وكثرة الملابسة بهن، وجعل كل من الرجل والمرأة لباسًا للآخر لأعتناقهما واشتمالهما بالليل. واللباس اسم لكل ما يستر الشيء فكان كل واحد (ق 378) منهما ستر صاحبه عما لا يحل ومنه عن الضجر {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} استئناف آخر مبين لما ذكره من السبب والاختيان أبلغ من الخيانة كالاكتساب من الكسب، ومعنى تختانون تظلمونها بتعريضها للعقاب وتنقيص حظها من الثواب وبجماعهن بعد صلاة العشاء فإنه كان محرمًا أولًا ثم نسخ بقوله تعالى:{فَتَابَ عَلَيْكُمْ} أي: رجع عليكم بالتخفيف.
وفيه دليل على جواز نسخ السنة بالقرآن كذا قاله أبو السعود، والشيخ زاده:{وَعَفَا عَنْكُمْ} أي: محا ذنوبكم كذا في (الكواشي){فَالْآنَ} أي: جامعهن وفي وقوع ذلك إنه للزمن الحاضر والأمر مستقبل أبدأ، وتأويله ما قاله أبو البقاء قال: والآن حقيقة الوقت الذي أنت فيه، وقد يقع على الماضي القريب منا وعلى المستقبل القريب تنزيل للقريب منزلة الحاضر وهو المراد هنا، لأن قوله تعالى:{فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} أي: فالوقت الذي كان يحرم عليكم فيه الجماع من الليل، فالآن قد بحنا لكم مباشرتهن أي: مجامعتهن. كذا قاله ابن عاد في تفسير (اللباب) يعني أي: يريد الله تعالى مباشرة الجماع تفسير في المصنف {وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} أي: اطلبوا ما قدره الله لكم وقدره في اللوح يعني الولد هذا أيضًا تفسير منه، وفيه أن المباشر ينبغي أن يكون غرضه الولد؛ فإن الحكمة في خلق الشهوة وشرع الحكم لإِفضاء الشهوة وقيل: فيه نهي عن العزل فإن العزل لا يجوز في وطئ الحرائر إلا بإذنهن وقيل: نهى عن غير المأتي به؛ فإنه موضع الغرس؛ لأنه الحرث، والتقدير: وابتغوا المحل الذي كتب لكم {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} عطفًا على باشروهن، وهي نزلت في شأن حرقة بن قيس رضي الله عنه إنه عمل في النخيل في النهار، فلما رجع إلى منزله غلب عليه النوم قبل أن يأكل شيئًا فأصبح صائمًا فامتعقه الصوم فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر النهار، وقال له مالك بن قيس: أمسيت معيبًا فقال: ظللت أمس في النخيل نهاري كله حتى أمسيت فأتيت أهلي فأرادت أن تطعمني سنحًا فأبطأت على فنمت