الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والاحتمال الأول يدفعه ما رواه البيهقي في حديث على أنه أشار إلى قوم قاموا أن يجلسوا، ثم حدثهم بالحديث، ولذا قال بكراهة القيام جماعة، كذا قاله الزرقاني.
قال محمد: وبهذا أي: بجلوسه صلى الله عليه وسلم استمرارًا نأخذ، أي: نعمل ونُفْتي لا نرى أي: لا نستحب القيام للجنازة، والقيام لها كان هذا قبل جلوسه صلى الله عليه وسلم شيئًا أي: معمولًا به، فَتُرِكَ، أي: ثم نُسِخَ، وهو أي: عدم القيام لها، المستفاد من قوله: ثم جلس بعد، قولُ أبي حنيفة، أي: نعمان بن ثابت بن طاوس بن هرمز، كان في الطبقة السادسة من أهل الكوفة، وهي في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة.
لما فرغ من بيان (ق 325) أحكام حمل الجنازة والقيام لها، شرع في بيان أحكام الصلاة على الميت، فقال: هذا
* * *
باب الصلاة على الميت والدعاء له
في بيان أحكام الصلاة على الميت، أي: مطلقًا، وهي فرض كفاية على الأحياء بالإِجماع، والدعاء له فيها.
311 -
أخبرنا مالك، حدثنا سعيد المَقْبُرِي، عن أبيه، أنه سأل أبا هريرة: كيف يُصَلَّى على الجنازة؟ فقال: أنا لعمر الله أخبرك، اتَّبِعهَا من أهلها، فإذا وُضِعَت كَبَّرْتَ فحمدتَ الله وصليت على نبيه، ثم قلت: اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمدًا عبدك ورسولك وأنت أعلم به، إن كان مُحْسِنًا فَزِدْ في إحسانه، وإن كان مُسِيئًا فتجاوز عنه، اللهم لا تحرمنا أجْرَهُ، ولا تَفْتِنَّا بعده.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا قراءةَ على الجنازة، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي، أي نسب إلى
(311) صحيح، أخرجه: مالك (522)، وعبد الرزاق في مصنفه (6429).
ملك من ملوك اليمن يقال له: ذي أصبح، كان من أتباع التابعين، ومن الطبقة السابعة من أهل المدينة وهي في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، حدثنا سعيد المَقْبُرِي، أي: بفتح الميم وسكون القاف وضم الموحدة، وكسر الراء، كان جارًا إلى المقبرة، وفي نسخة: سعيد بن أبي سعيد، بكسر العين المهملة وسكون التحتية فيهما، كما في رواية يحيى الليثي، عن مالك، عن أبيه، أي: أبي سعيد، اسمه كيسان، وأمه كانت من بني ليث، كذا قاله الذهبي في (أسماء الرجال)، وكان تابعيًا من الطبقة الرابعة من أهل المدينة، كذا قاله ابن حجر في (التقريب)(1)، أنه أي: كيسان سأل أبا هريرة كيف يُصَلَّى فكيف يسأل بها عن الحال، ويصلى بصيغة المضارع الغائب المجهول، أي: بأي حال يصلي المصلي صلاة، على الجنازة؟ وفي نسخة: بصيغة المفرد المخاطب المعلوم كيف يصلي أبا هريرة عليها، فقال: أي: أجاب عنه بلفظ يدل على التأكيد، أنا لعمر الله بفتح اللام الابتدائية وبضم العين المهملة والميم الساكنة والراء المهملة المضمومة المضافة إلى لفظة الجلال؛ لأنه موضوع للقسم؛ ولأنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره لعمر الله قسمي، فمعناه ببقاء الله، ودوامه أحلف، كما قاله محمد الواني في (ترجمة الجوهري).
أخبرك يا كيسان، وهو أبو سعيد السائل، اتَّبِعهَا بفتح الهمزة وبفتح التاء الفوقية المشددة، وكسر الموحدة المخففة وضم العين المهملة، أي: أشيع الجنازة من أهلها، أي: من عند أهلها، أو من محلها الغاية محذوفة، تقديره إلى المصلى يقربه قوله الآتي، فإذا وُضِعَت كَبَّرْتَ، ويجوز أن يكون كلمة "من" بمعنى مع، كما يؤيده ما روى يحيى الليثي عن مالك، حيث قال: فقال أبو هريرة: لعمر الله أنا أخبرك اتبعها مع أهلها، وقال: لأني رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "حقُ المسلم على المسلم خمس: ردُ السلام، وزيارة المريض، واتباع الجنازة، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس"(2)، رواه البخاري ومسلم؛ لأني سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها ثم يتبعها حتى تُدفن كان له قيراطان من الأجر، كل قيراط مثل أحد"، رواه الشيخان واللفظ لمسلم، كذا قاله الزرقاني.
(1) تقدم.
(2)
أخرجه: البخاري (1240)، ومسلم (2162).
فإذا وضعت أي: الجنازة للصلاة كبرت، أي: التكبيرة الأولى، فحمدتَ الله أي: أثنيت عليه جل جلاله، أو قلت:"سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك"، وصليت على نبيه، أي: تعالى بعد التكبيرة الثانية، ثم أي: بعد التكبيرة الثالثة قلت: اللهم أي: يا الله؛ لأن أصله يا الله، فحذف ياء النداء من أوله؛ لئلا يجتمع الحرفان اللتان تقتضيان الصدارة الياء والألف، فأُلحق (ق 326) في آخره الميم المشددة عوضًا عنها، فصار: اللهم هذا عبدك كذا في نسخة، وابن عبدك وابن أمتك، أي: جاريتك ولم يوجد في أكثر النسخ لفظ "هذا"، وفيه طلب زيادة الرحمة والعفو عن ذنوب عبده، فإن شأن الكرام الإِعراض عن ذنوب عبيدهم والإِكرام منه عز وجل، كان أي: هذا العبد في دار الدنيا، يشهد أي: يعلم ويتيقن أن لا إله أي: لا معبود بالحق من غيرك، إلا أنت، معبود بالحق، وفي نسخة: وحدك لا شريك لك، أي: أنت واحد في ذاتك؛ لا من طريق العدد، ولكن عن طريق أنك لا شريك لك في صفتك السرمدية، وأن محمدًا عبدك ورسولك، وقد وعدت من يشهد ذلك الجنة، وعدك الحق فمن كان عفوك لا تعذبه، وأنت أعلم به، أي: منا أنه كان مخلصًا، أم لا، إن كان، وفي رواية ليحيى الليثي: اللهم إن كان مُحْسِنًا أي: مؤمنًا صالحًا، وفي نسخة: فإن كان بالفاء فَزِدْ في إحسانه، أي: ضاعف حسناته وثوابه، وإن كان مُسِيئًا أي: خاطئا في أعماله الظاهرة ومؤمنًا بقلبه، فتجاوز عنه، أي: فيما صدر عنه من سيئاته فلا تؤاخذه، اللهم أي: يا الله، لا تحرمنا بفتح التاء الفوقية وسكون الحاء المهملة وكسر الراء أجْرَهُ، أي: لا تجعلنا محرومين من أجر الصلوات عليه، وشهود جنازته، أو أجر المصيبة بموته، فإن المؤمن مصاب بأخيه المؤمن، ولا تَفْتِنَّا بكسر التاء الثانية، وتشديد النون، أي: ولا توقعنا في الفتنة، بعده، أي: بعد فراقه عنا، أي: لا تجعلنا مفتونين بما يشغلنا عنك، فإن كل شاغل عن الله تعالى فتنة، وفيه أن المصلي له أن يشرك نفسه في الدعاء بما شاء، فهاتان الدعوتان للمصلي لا للميت.
قال محمد: وبهذا أي: بخبر أبا هريرة رضي الله عنه نأخذ، أي: نعمل ونفتي بأن صلاة الجنازة فرض كفاية على الأحياء لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا على صاحبكم"(1)، يعني:
(1) أخرجه: البخاري (2291).
الذي عليه الدين، كذا رواه البخاري في صحيحه، والأمر للوجوب، ولو كانت فرض عين لصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وأركان صلاة الجنازة أربع تكبيرات. قال الإِمام الزاهدي في (شرح القدوري): والتكبيرات الأربع قائمة مقام أربع ركعات. . انتهى.
ولكن التكبيرة الأولى فريضة باعتبار الشروع بها، وركن باعتبار قيامها مقام ركعة كباقي التكبيرات، كذا في (المحيط)، فإن قيل: ما الحكمة إذ لم يفرض الركوع والسجود في صلاة الجنازة؟ الجواب: قيل لأن صلاة الجنازة دعاء وثناء واستشفاء للميت، والركوع والسجود مخصوصان للتعبد لله تعالى من غير واسطة اختص به الملة المحمدية؛ لأن السجدة كانت جائزة لتعظيم المخلوق في الملة السالفة، ونحن نهينا عن الركوع والسجود لغير الله تعالى، كذا في (خواتم الحكم).
لا قراءةَ أي: من القرآن على الجنازة، وهو أي: عدم القراءة عليها قولُ أبي حنيفة، رحمه الله تعالى، وبه قال مالك، وقال الشافعي وأحمد: قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى واجبة، كذا قاله علي القاري.
* * *
312 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، أن ابن عمر كان إذا صلى على جنازة سَلَّم، حتى يُسْمِعَ مَنْ يَلِيه.
قال محمد: وبهذا نأخذ، يسلم عن يمينه ويساره، ويُسْمِع مَنْ يَلِيه، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وهو ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي، وهو منسوب إلى ملك من ملوك اليمن، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، حدثنا نافع، أي: المدني، مولى عبد الله بن عمر أن ابن عمر كان إذا صلى على جنازة سَلَّم، حتى يُسْمِعَ من الإِسماع منْ يَلِيه، وكذا كان أبو هريرة وابن سيرين، وبه قال أبو حنيفة والأوزاعي ومالك، وفي رواية ابن القاسم: وكذا كان علي وابن عباس، وأبو أمامة بن سهيل وابن جبير والنخعي يرونه،
(312) صحيح، أخرجه: مالك (541).
وقال به الشافعي ومالك في رواية، ويعلم المأموم تحلله بانصرافه.
قال محمد: وبهذا أي: بعمل ابن عمر، نأخذ، أي: نعمل ونُفتي، وكان ابن عمر يسلم عن يمينه ويساره، أي: حال كونه يجهر بالسلام، ويُسْمِع وفي نسخة: حتى مَنْ يَلِيه، أي: كان قريبًا منه يمينًا وشمالًا وخلفًا، وهو أي: إن جهر الإِمام سلام صلاة الجنازة، قولُ أبي حنيفة، رحمه الله.
قال علي القاري: فقول الشمني: غير رافع بهما صوته، ليس في محله أو محمول على غير الإِمام، أو على المبالغة هنا، وقال الإِمام أحمد: يسلم واحدة عن يمينه، كما في الصلوات الخمس.
* * *
313 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، أن ابن عمر كان يصلي على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح، إذا صُليتا لوقتهما.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا بأس بالصلاة على الجنازة في تَيْنِكَ الساعتين، ما لم تطلع الشمس، أو تتغير الشمس بصفرة للمغيب، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، أي: من ولد ملك ذو الأصبح من ملوك اليمن، من أتباع التابعين، في الطبقة السابعة من أهل المدينة، وهي في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، وفي نسخة: محمد قال: حدثنا، حدثنا وفي نسخة: أنا، رمزًا إلى أخبرنا، وفي نسخة أخرى: عن نافع، أي: المدني مولى عبد الله بن عمر، أن ابن عمر كان يصلي على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح، أي بعد صلاتهما، إذا صُليتا لوقتهما، قال سعيد بن زيد الباجي المالكي: أي: لوقت الصلاتين المختار، وهو في العصر إلى الاصفرار، وفي الصبح إلى الإِسفار، وقال الحافظ العسقلاني: مقتضاه أنهما إذا أخرتا إلى وقت الكراهة عنده لا نصلي عليها حينئذٍ.
(313) صحيح، أخرجه: مالك (526)، والبيهقي في الكبرى (4510).