الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب من تحل له الصدقة
في بيان حال من يحل له أخذ الصدقة، استنبط المصنف رحمه الله هذه الترجمة من قوله تعالى في سورة التوبة:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60].
والمناسبة بين هذا الباب والأبواب السابقة، الأخذ ممن تجب عليه الإِعطاء لمن يستحق بها، وجاء بالشاهد على استنباطها فقال:
343 -
أخبرنا مالك، حدثنا زيد بن أسْلَم، عن عَطاء بن يَسَار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تحلُ الصدقة لغني إلا لخمسة: لغازٍ في سبيل الله، أو لعاملٍ عليها، أو لغارمٍ، أو لرجُلٍ اشتراها بماله، أو لرجلٍ له جارٌ مسكين، تُصُدِّقَ على المسكين فأهْدَى إلى الغنيّ".
قال محمد: وبهذا نأخذ، والغازي في سبيل، الله إذا كان له عنها غِنىً، يَقدر بغِناه على الغَزْوِ في سبيل الله لم يُسْتَحَبّ له أن يأخذ منها شيئًا، وكذلك الغارم إذا كان عنده وَفاءٌ بِدَيْنِهِ وَفَضْلٌ تجب فيه الزكاة لم يُسْتَحَبّ أن يأخذ منها شيئًا، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، أي: أنس بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي، كان منسوبًا إلى ملك ذي أصبح، من ملوك اليمن، وكان من أتباع التابعين، ومن الطبقة السابعة من أهل المدينة، كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي
(343) مرسل، أخرجه: أبو داود (1635)، ومالك (590)، وابن أبي شيبة (3/ 100)، والحاكم (1481)، والبيهقي في الكبرى (13439) مرسلًا.
وأخرجه: ابن ماجه (1841)، وأحمد (11144)، وعبد الرزاق في مصنفه (7151)، وابن خزيمة (2374)، والدارقطني (2/ 121)، والحاكم (1480)، والبيهقي في الكبرى (13440)، مسندًا من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد مرفوعًا.
نسخة أخرى: أنا، رمزًا إلى أخبرنا، حدثنا وفي نسخة: قال: بنا، رمزًا إلى أخبرنا زيد بن أسْلَم، العدوي، مولى عمر بن الخطاب، ويُكنى أبا عبد الله، وأبا أسامة المدني، ثقة عالم، وكان يرسل، وكان من الطبقة الثالثة، مات سنة ست وثلاثين، كذا في (التقريب)(1) لابن حجر، عن عَطاء بالقصر ابن يَسَار، من التابعين، ومن الطبقة الثانية من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين، هذا الحديث كان مرسلًا وقد وصله أبو داود وابن ماجه والحاكم من طريق معمر، عن زيد بن أسلم، عن عطاء، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحلُ الصدقة لغني أي: صاحب نصاب لقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ
…
} [التوبة: 60]، وكلمة إنما للحصر في الحكم؛ لأن كلمة أن للنفي، وما كذلك، وإذا دخلت النفي على نفي يفيد الإثبات والحصر، فيقتضي قصر جنس الصدقات على الأصناف المصروفة، وأنها مختصة بها لا تتجاوز عنها إلى غيرها، كأنه قيل: إنما هي لهم لا لغيرهم، إلا لخمسة، فتحل لهم لصفة أخرى، وهو: الفقراء، والعمل على الصدقات وغيرهما، لغازٍ في سبيل الله، لقوله تعالى:{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} وفي معناه منقطع الحاج، وابن السبيل، وهو المسافر الفقير الذي له مال في بلده لا معه، ولا يقدر عليه في الحال فجاز له الأخذ من الزكاة قدر حاجته، ولا يحل له أن تأخذها أكثر (ق 362) من قدر حاجته فالحق به كل من غاب عن ماله وإن كان بلده. كذا في (الدرر)، أو لعاملٍ عليها، أي: لعامل الصدقة، لقوله تعالى:{وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} والمراد بعامل الصدقة: من يبعثه الإِمام لجمعها، فتعطى الصدقة، بقدر كفايته ولو غنيًا، وبقدر كفاية أعوانه في الوسط مدة ذهابهم وإيابهم ما دام الحال باقيًا ولو هلك ما جمعه لا يستحق، أما استحقاقه فلأنه فرغ نفسه لعمل من أمور المسلمين فيستحق على ذلك رزقًا كالقضاة، أما لو استغرق كفاية العامل الزكاة فلا تزاد الكفاية على نصف الزكاة المجموعة لا التنصيف عين للإِنصاف، ولهذا يجب على الإِمام من يكتفي بالوسط في المركب والمأكل والمشرب والملبس والخدم من غير تقليل وتكثير بل يكون بين ذلك قوامًا، أو لغارمٍ، أي: المديون استغرق دينه ماله، بحيث لا يفضل نصاب له، قال صاحب (الدرر): والمراد بالغارم في الآية من كان له مال على الناس لا يمكنه أخذه، انتهى.
(1) تقدم.
وفي (الفتاوى الظهرية) للمرغيناني: دفع الصدقة إلى من عليه دين أولى من الدفع إلى فقير لا دين عليه، انتهى، وقال الشافعي: الغارم أيضًا من يحمل غرامة لإِصلاح ذات البين، وإطفاء العداوة بين الحيين، أو لرجُلٍ أي: غني اشتراها أي: الصدقة بماله، من الفقير الذي أخذها، أو لرجلٍ أي: غني له جارٌ مسكين، أي: فقير، تُصُدِّقَ على المسكين بصيغة المجهول، فأهْدَى أي: الفقير تلك الصدقة إلى الغنيّ، وهو جاره، أو غيره، فتحل له؛ لأن الصدقة قد بلغت محلها فيه، وفيها قبله، وله جار خرج على جهة التمثيل فلا مفهوم له، فالمراد على أهدى الصدقة التي ملكها المسكين لجار أو لغيره، ويأتي في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يوم إلى بيت عائشة رضي الله عنها ورأى برمة يطبخ فيها لحم، فقال:"يا عائشة، ما هذه البرمة؟ " فقالت: هذه صدقة لبريرة، وهي جارية لعائشة، فقال صلى الله عليه وسلم:"هي صدقة لها، وهدية لنا نأكل منها".
اعلم أن ما يجتمع فى بيت المال من الأموال أربعة أنواع:
الأول: زكاة السوائم والعشور ومال أخذه العاشر من التجار، ومصرفه ما بيَّن الله تعالى في سورة التوبة:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ..} [التوبة: 60].
والثاني: ما أُخِذَ من خُمس الغنائم والمعادن والركاز، ومصرفه الأصناف التي ذكرها الله تعالى في سورة الأنفال:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]، فسهم الله، وسهم الرسول واحد، وإنما ذكر تبركًا واستفتاحًا للكلام وإظهارًا لفضيلة، هذا المال، وسهم الرسول صلى الله عليه وسلم سقط بموته، وسهم ذوي القربى ساقط عندنا، وهم قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم فيصرف اليوم إلى ثلاثة أصناف: اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وعند الشافعي سهم ذوي القربى ثابت.
والثالث: الخراج الجزية وما أُخذ من المستأمن (ق 363) وأهل الذمة عند مرورهم على العاشر وغيرهم، ومصرفها عمارة الرباط والقناطير والجسور وسد الثغور، وشق الأنهار العظام، كجيحون والفرات ودجلة، ويصرف إلى أرزاق القضاه والولاة والمفتين والمحتسبين والحفاظ والمفسرين والمعلمين وأرزاق المقاتلة، ويصرف إلى من رصد الطريق في دار الأسواق، وحاصله أن هذا النوع من المال يصرف إلى عمارة الدين وصلاح دار الإِسلام والمسلمين.
والرابع: ما أُخِذَ من تركة الميت الذي مات ولم يترك وارثًا أو زوجًا أو زوجة، ومصرفه نفقة المرضى وأدويتهم وعلاجهم، وهم فقراء، وكفن الموتى الذين لا مال لهم، ونفقة اللقيط، وعقل جنايته، ونفقة من هو عاجز عن الكسب، وليس له من يقضي عليه بنفقته، وما أشبه ذلك، والواجب على الأئمة والولاة والسلاطين أن إيصال الحقوق إلى أربابها، وأن لا يحبسوها عنهم على ما يرى من غير تفضيل وميل في ذلك، ولا يحل لهم منها إلا مقدار ما يكفيهم ويكفي أعوانهم.
وإن فضل من بيت المال بعد إيصال الحقوق إلى أربابها قسموه بين المسلمين، وإن قصروا في ذلك فوباله عليهم ويستحقون، أو يسمع أباهم الظالم هذا زبدة ما في (غاية البيان)، نقلًا من شرح (مختصر الطحاوي).
قال محمد: وبهذا أي: بهذا الحديث الذي رواه عطاء بن يسار مرسلًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ أي: نعمل ونُفتي، والغازي في سبيل الله إذا كان له عنها أى: عن أخذ الصدقة غِنىً أي: استغناءً بأن يكتفي عنها بغيرها مما عنده يَقدر بغِناه أي: يطيق بسببه على الغَزْوِ في سبيل الله لم يُسْتَحَبّ أي: لا ينبغي له أن يأخذ أي: بل ينبغي أن لا يأخذ منها أي: من الصدقة شيئًا.
وفيه تنبيه على أنه لا يجوز أن يأخذ من قدر كفايته، بل الأولى أن يستقرض إن قدر كما ذكر ابن السبيل، وكذلك الغارم أي: المديون، إذا كان عنده وَفاءٌ بِدَيْنِهِ وَفضْلٌ أي: وزيادة قدر، تجب فيه الزكاة لم يُسْتَحَبّ أي: لا يحسن له أن يأخذ منها شيئًا، بل يجب أن لا يؤخذ منها شيئًا، وهو أي: المديون الذي له مال يكفي لدينه ومال زائد يجب فيه الزكاة ينبغي أن لا يأخذ من الصدقة، قولُ أي حنيفة، رحمه الله تعالى.
لما ذكر ما يتعلق بحال من يحل له أخذ الصدقة، شرع في بيان أحكام زكاة الفطر، فقال: هذا
* * *