المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الصلاة على الميت بعد ما يدفن - المهيأ في كشف أسرار الموطأ - جـ ٢

[عثمان الكماخي]

فهرس الكتاب

- ‌باب سجود القرآن

- ‌باب المَارِّ بين يدي المصلي

- ‌باب ما يستحب من التطوع في المسجد عند دخوله

- ‌باب الانتفال في الصلاة

- ‌باب صلاة المُغْمَى عليه

- ‌باب صلاة المريض

- ‌باب النخامة في المسجد وما يكره من ذلك

- ‌باب الجنب والحائض يعرقان في الثوب

- ‌باب بدء أمر القبلة وما نسخ من قبلة بيت المقدس

- ‌باب الرجل يصلي بالقوم وهو جنب أو على غير وضوء

- ‌باب الرجل يركع دون الصف أو يقرأ في ركوعه

- ‌باب الرجل يصلي وهو يحمل الشيء

- ‌باب المرأة تكون بين الرجل يصلي وبين القبلة وهي نائمة أو قائمة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب وضع اليمين على اليسار في الصلاة

- ‌باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب في بيان حكم الاستسقاء

- ‌باب الرجل يصلي ثم يجلس في موضعه الذي صلى فيه

- ‌باب صلاة التطوع بعد الفريضة

- ‌باب الرجل يمس القرآن وهو جنب أو على غير طهارة

- ‌باب الرجل يجر ثوبه أو المرأة تجر ثوبها فيعلق به قذر ما كره من ذلك

- ‌باب فضل الجهاد

- ‌باب ما يكون من الموت شهادة

- ‌أبواب الجَنَائِز

- ‌باب المرأة تُغَسِّل زوجها

- ‌باب ما يكفن به الميت

- ‌باب المشي بالجنائز والمشي معها

- ‌باب الميت لا يُتبع بنار بعد موته أو مجمرة فى جنازته

- ‌باب القيام للجنازة

- ‌باب الصلاة على الميت والدعاء له

- ‌باب الصلاة على الجنازة في المسجد

- ‌باب الرجل يحمل الميت أو يحنطه أو يغسله هل ينقض ذلك وضوءه

- ‌باب الرجل تدركه الصلاة على الجنازة وهو على غير وضوء

- ‌باب الصلاة على الميت بعد ما يدفن

- ‌باب ما رُويَّ أن الميت يُعَذَّب ببكاء الحي

- ‌باب القبر يتخذ مسجدًا أو يُصلى إليه أو يتوسد

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌باب زكاة المال

- ‌باب ما تجب فيه الزكاة

- ‌باب المال متى تجب فيه الزكاة

- ‌باب الرجل يكون له الدَّين هل عليه فيه زكاة

- ‌باب زكاة الحلي

- ‌باب العشر

- ‌باب الجزية

- ‌باب زكاة الرقيق والخيل والبراذين

- ‌باب الركاز

- ‌باب صدقة البقر

- ‌باب الكنز

- ‌باب من تحل له الصدقة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب صدقة الزيتون

- ‌أبواب الصِّيَام

- ‌باب الصوم لرؤية الهلال والإفطار لرؤيته

- ‌باب متى يحرم الطعام على الصائم

- ‌باب من أفطر متعمدًا في رمضان

- ‌باب الرجل يطلع له الفجر في رمضان وهو جنب

- ‌باب القبلة للصائم

- ‌باب الحجامة للصائم

- ‌باب الصائم يذرعه القيء أو يتقيأ

- ‌ باب الصوم في السفر

- ‌باب قضاء رمضان هل يفرَّق

- ‌باب من صام تطوعًا ثم أفطر

- ‌باب تعجيل الإفطار

- ‌باب الرجل يفطر قبل المساء ويظن أنه قد أمسى

- ‌باب الوصال في الصيام

- ‌ باب صوم يوم عرفة

- ‌ باب الأيام التي يكره فيها الصوم

- ‌باب النية في الصوم من الليل

- ‌باب المداومة على الصيام

- ‌باب صوم عاشوراء

- ‌باب ليلة القدر

- ‌باب الاعتكاف

- ‌كتاب الحَجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الرجل يحرم في دبر الصلاة وحيث ينبعث به بعيره

- ‌باب التلبية

- ‌ باب متى تقطع التلبية

- ‌باب رفع الصوت بالتلبية

- ‌باب القران بين الحج والعمرة

- ‌باب من أهدى هديًا وهو مقيم

- ‌باب تقليد البدن وإشعارها

- ‌باب من تطيب قبل أن يحرم

- ‌باب من ساق هديًا فعطب في الطريق أو نذر بدنة

- ‌باب الرجل يسوق بدنة فيضطر إلى ركوبها

- ‌باب المحرم يقتل قملة أو نحوها أو ينتف شعرًا

- ‌باب الحجامة للمحرم

- ‌باب المحرم يغطي وجهه

- ‌ باب المحرم يغسل رأسه ويغتسل

- ‌باب ما يكره للمحرم أن يلبس من الثياب

- ‌باب ما رخص للمحرم أن يقتل من الدواب

- ‌باب الرجل الْمُحْرِم يفوته الحج

- ‌باب الحلمة والقراد ينزعه المحرم

- ‌ باب لبس المنطقة والهميان للمحرم

- ‌باب المحرم يحك جلده

- ‌باب الْمُحْرِم يتزوج

- ‌باب الطواف بعد العصر وبعد الفجر

- ‌باب الحلال يذبح الصيد أو يصيده هل يأكل المحرم منه أم لا

- ‌باب الرجل يعتمر فى أشهر الحج ثم يرجع إلى أهله من غير أن يحج

- ‌باب فضل العمرة في شهر رمضان

- ‌باب المتمتع ما يجب عليه من الهدي

- ‌ باب الرمل بالبيت

- ‌ باب المكي وغيره يحج أو يعتمر .. هل يجب عليه الرمل

- ‌باب المعتمر أو المعتمرة ما يجب عليهما من التقصير والهدي

- ‌باب دخول مكة بغير إحرام

- ‌باب فضل الحلق وما يجزئ من التقصير

- ‌باب المرأة تقدم مكة بحج أو عمرة فتحيض قبل قدومها أو بعد ذلك

- ‌باب المرأة تحيض في حجتها قبل أن تطوف طواف الزيارة

- ‌باب المرأة تريد الحج أو العمرة فتلد أو تحيض قبل أن تُحْرِم

- ‌باب المستحاضة في الحج

- ‌باب دخول مكة وما يُستحب من الغُسل قبل الدخول

- ‌باب السعي بين الصفا والمروة

- ‌ باب الطواف بالبيت راكبًا أو ماشيًا

- ‌ باب استلام الركن

- ‌ باب الصلاة في الكعبة ودخولها

- ‌باب الحج عن الميت أو عن الشيخ الكبير

- ‌باب الصلاة بمنى يوم التروية

- ‌باب الغُسل بعرفة يوم عرفة

- ‌باب الدفع من عرفة

- ‌باب بطن محسر

- ‌باب الصلاة بالمزدلفة

- ‌باب ما يحرم على الحاج بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر

- ‌ باب من أي موضع يرمي الحجارة

- ‌ باب تأخير رمي الجمار من علة أو من غير علة وما يُكره من ذلك

- ‌باب رمي الجمار راكبًا

- ‌باب ما يقول عند الجمار والوقوف عند الجمرتين

- ‌باب رمي الجمار قبل الزوال أو بعده

- ‌باب البيتوتة وراء عقبة منى وما يكره من ذلك

- ‌باب من قدم نسكًا قبل نسك

- ‌ باب جزاء الصيد

- ‌ باب كفارة الأذى

- ‌ باب من قدم الضعفة من المزدلفة

- ‌باب جلال البدن

- ‌باب المحصر

- ‌باب تكفين المحرم

- ‌باب من أدرك عرفة ليلة المزدلفة

- ‌ باب من غربت له الشمس وهو في النفر الأول وهو بمنى

- ‌باب من نفر ولم يحلق

- ‌باب الرجل يجامع بعرفة قبل أن يفيض

- ‌باب تعجيل الإهلال

- ‌باب القفول من الحج أو العمرة

- ‌باب الصَّدَرِ

- ‌باب المرأة يكره لها إذا حلت من إحرامها أن تمتشط حتى تأخذ من شعرها

- ‌باب النزول بالمحصب

- ‌باب الرجل يُحرم من مكة هل يطوف بالبيت

- ‌باب المحرم يحتجم

- ‌ باب دخول مكة بسلاح

الفصل: ‌باب الصلاة على الميت بعد ما يدفن

فاضل الحلبي في (شرح المنية)(ق 331)، وصلى عليها، أي: على الجنازة بعد التيمم إلا الولي، ومن ينتظر له فيها كالسلطان والأمير، وهذه رواية الحسن عن أبي حنيفة، رحمه الله، وفي (الهداية) هو الصحيح، وظاهر الرواية جواز التيمم للولي أيضًا؛ لأن الانتظار فيها مكروه، وقد روى ابن أبي شيبة والطحاوي والنسائي في كتاب (الكنى) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أنه قال: إذا خفت أن تفوتك صلاة الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم وصل عليها، وروى البيهقي أن ابن عمر أُتي بجنازة وهو على غير وضوء فتيمم، وصلى عليها، كذا قاله علي القاري، وهو أي: التيمم لصلاة الجنازة إذا خيف من فوتها، قولُ أبي حنيفة، رحمه الله.

لما فرغ من بيان جواز التيمم لصلاة الجنازة إذا خيف من فوتها، شرع في بيان جواز الصلاة عليها بعد دفنها في قبرها، فقال: هذا

* * *

‌باب الصلاة على الميت بعد ما يدفن

في بيان جواز الصلاة على الميت بعد ما أي: بعد زمن يدفن على بناء المفعول ونائب الفاعل مستتر فيه راجع إلى الميت.

317 -

أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب الزُّهَرِيّ، عن سعيد بن المسيَّب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَعَى النَّجَاشِيّ في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلّى فصف بهم، وكَبَّر عليه أربع تكبيرات.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، مالك بن أنس بن عمير بن أبي عامر بن ذي أصبح، من ملوك اليمن، كان من أتباع التابعين، في الطبقة السابعة من أهل المدينة، وهي في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، أخبرنا ابن شهاب أي: محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، تابعي في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، عن سعيد بن

(317) صحيح، أخرجه: البخاري (1245)، ومسلم (951)، وأبو داود:(2204)، والنسائي (2042)، وأحمد (9363)، ومالك (530).

ص: 113

المسيَّب، أي: ابن حزن، يُكنى أبا محمد، تابعي مدني في الطبقة الأولى من أهل المدينة، وهو ابن أربع وثمانين سنة، قال سعيد بن المسيب: ما بقي أحدًا أعلم بقضاء قضاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما مني، وما كان إنسان يجترئ عليه يسأله عن شيء حتى يستأذن الأمير، يسأله الرجل وهو مريض عن حديث، وكان مضطجعًا فجلس فحدثه، فقال له الرجل: وددت أنك لم تتعب، فقال: إني كرهتُ أن أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع، وقال: لا تملؤوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بالإِنكار من قلوبكم، لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة، وكان يسرد الصوم، وعن بريد مولاه قال: ما نُودي للصلاة منذ أربعين سنة إلا وسعيد بن المسيب في المسجد، وصلى الغداة بوضوء العشاء خمسين سنة، قال: ما أكرمت العباد أنفسها بمثل طاعة الله تعالى، ولا أهانتها بمثل معصية الله تعالى، وكفى بالمؤمن نصرة من الله تعالى أن يرى عدوه يعمل بمعصية الله تعالى، وقال: من استغنى بالله افتقر إليه الناس، وقال: إن الدنيا نزلة، فهي إلى كل نزلة أميل، وأنزل منها من أخذها بغير حقها، أو طلبها بغير وجهها، ووضعها في غير سبيلها.

وقال: ما من شريف ولا عالم ولا ذي فضل إلا فيه عيب، ولكن من الناس من لا ينبغي أن تذكر عيوبه، من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله، وكان قد ذهبت إحدى عينيه وهو يعيش بالأخرى، وقال: ما من شيء عندي أخوف من النساء، وما يلبس الشيطان من شيء إلا أتاه من قِبَل النساء، وكان عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم يقول: ما كان بالمدينة عالم إلا يأتيني بعلمه، (ق 332) وأُوتي بما عند ابن المسيب، كذا قاله عبد الرحمن بن الجوزي من علماء الحنبلية في (طبقاته)(1).

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَعَى أي: أخبر الناس بموت النَّجَاشِيّ بفتح النون على المشهور، وقيل: تكسر وتخفيف الجيم المفتوحة والألف وأخطأ من شددهما، وبتشديد التحتية في آخره، وحكى المطرزي التخفيف ورجحه الصغاني، وهو: أي النجاشي لقب لكل من ملك الحبشة، واسمه أصحمة بن أبجر مالك الحبشة، أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إليه، وكان ردءًا للمسلمين، نافعًا، وأصحمة بوزن أربعة، وحاؤه مهملة، وقيل: بموحدة بدل الميم وقيل: صحمة بلا ألف ومعناه بالعربية عطية، كذا نقله الزرقاني عن (الإِصابة) من (الطبقات) لابن حجر، وفي (فتح

(1) تقدم.

ص: 114

القدير): نزل جبريل عليه السلام فقال: يا رسول الله، إن الحبشة يكتم إسلامه من قومه الكفار، أتحب أن طوى تلك الأرض فتصلي عليه؟ قال:"نعم"، فضرب بجناحه الأرض فرفع له سريره، فصلى عليه، وخلفه صفان من الملائكة، وفي كل صف سبعون ألف ملك، ثم رجع فقال لجبريل عليه السلام: بم أدرك هذه الكرامة؟ قال: "بحبه سورة الإخلاص، وقراءته إياها جائيًا وذاهبًا، قائمًا وقاعدًا"، وعلى كل حال كما نقله الشرنبلالي في (إمداد المفتاح) عن (فتح القدير)، في اليوم الذي مات فيه، أي: كان إخبار جبريل بموت النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم من رجب سنة تسع من الهجرة، كذا قاله ابن جرير وجماعة، وقيل: كان قبل الفتح ففيه جواز الإِعلام بالجنازة ليجتمع الناس للصلاة.

وفي حديث: "مَنْ صلى على جنازة كان له من الأجر كذا

"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يموت أحد من المسلمين، فيصلي عليه أمة من الناس يبلغون مائة فيشفعون له إلا شُفِّعُوا"، وفيه دليل على الإِباحة وشهود الجنازة خير والدعاء إلى الخير خير إجماعًا، كذا قاله ابن عبد البر، وقال ابن العربي: يُؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات:

الأول: إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح، فهذا سُنَّة.

والثانية: دعوة الجُعْل للمفاخرة فهذا يكره.

والثالثة: الإِعلام بالنياحة ونحوه فهذا يحرم. وفي البخاري عن عقيل وصالح بن كيسان عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة: نعى لنا النجاشي يوم مات، فقال:"استغفروا لأخيكم"، وخرج بهم أي: بأصحابه إلى المصلّى أي: إلى موضع صلاة الجنازة، وقال ابن حجر في (الإِصابة): جاء من طريق زمعة بن صالح عن الزهري عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: أصبحنا ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل فقال: إن أخاك أصحمة النجاشي قد تُوفي فصلوا عليه، فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثبنا معه حتى جاء المصلى، فصف بهم، الباء بمعنى مع، أي: صف معهم أو هو متعدٍ والباء زائدة للتأكيد، أي: صفهم؛ لأن الظاهر أن الإِمام متقدم، فلا يوصف بأنه صاف معهم الأعلى، (ق 333) المعنى الآخر ولم يذكر كم صفهم. وفي النسائي عن جابر: كنتُ في الصف الثاني يوم صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي (1)، وفيه أنه

(1) أخرجه: البخاري (1317)، والنسائي (1974)، وأحمد (14545).

ص: 115

للصفوف على الجنازة تأثيرًا، ولو كثر الجمع؛ لأن الظاهر أنه خرج معه صلى الله عليه وسلم عدد كثير، والمصلى أيضًا لا يضيق بهم لو صفوا فيه صفًا واحدًا، ومع ذلك صفهم، وهذا ما فهمه مالك بن هبيرة الصحابي، فكان يصف من يحضر صلاة الجنازة ثلاثة صفوف سواء قلوا أو كثروا، كذا قاله الزرقاني، وقال الحافظ ابن حجر: وبقي فيه إشكال، وهو إذا تعددت الصفوف والعدد قليل، أو كان الصف واحدًا والعدد كثيرًا أيهما أفضل؟ يقول الفقير: العدد الكثير أفضل ثوابًا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخبرنا الشفاعة عن العدد الكثير لا عن تعدد الصفوف، حيث قال آنفًا:"لا يموت أحد من المسلمين، فيصلي عليه أمة من الناس يبلغون مائة، فيشفعون له إلا شُفِّعُوا"، ومع هذا إن صف الملائكة كان صفين، وفي كل صف سبعون ألف ملك، ولو كان كثير عدد الصفوف خيرًا لكان صف الملائكة عددًا كثيرًا، وفيه إشعارٌ بأن الملائكة يحضرون صلاة الجنازة، كما يحضرها بنو آدم، وكَبَّر عليه أي: على النجاشي، أربع تكبيرات، أي: مقرونته بثناء وصلاة ودعوات، وفي الاقتصار على ذكر التكبيرات دلالة على أنها أركان والباقي سنن مكملات.

وفي (الاستذكار) عن أبي حنيفة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر على الجنازة أربعًا وخمسًا وسبعًا وثمانية، حتى جاء موت النجاشي فخرج إلى المصلى فصف الناس وراءه صلى الله عليه وسلم فكبر أربعًا، ثم ثبت النبي صلى الله عليه وسلم على أربع حتى توفاه الله عز وجل، كذا قاله علي القاري، ففيه أن تكبيرات صلاة الجنازة أربعة، وهو المقصود من الحديث، واعترض بأن هذه صلاة على غائب لا على جنازة، فقال الفقهاء: شرائط صحة الصلاة على الجنازة ستة: أولها: إسلام الميت، وثانيها: طهارته، وثالثها: تقدمه على قدام الإِمام، ورابعها: حضوره أو حضور أكثر بدنه، أو نصفه مع رأسه، وخامسها: كون المصلي على الجنازة غير راكب بلا عذر، وسادسها: كون الميت على الأرض، فلا تصح الصلاة على غائب أجيب عنه بأن الصلاة على الميت الغائب جائزة عند الشافعي وأحمد وأكثر السلف، وقال الحنفية والمالكية: ذلك خصوصية له صلى الله عليه وسلم، قال ابن عبد البر: ودلائل الخصوصية واضحة، لا يجوز أن يشركه فيها غيره؛ لأنه - والله أعلم - أحضر روحه بين يديه، أو رُفِعت له جنازته حتى شاهدها، كما رُفع له صلى الله عليه وسلم بيت المقدس حين سألته قريش عن صفته، وعبر غيره عن ذلك بأنه كُشِف له عنه حتى رآه، فتكون كصلاة الإِمام على ميت رآه، ولم يره المأموم، ولا خلاف في جوازها، وأجيب أيضًا بأن ذلك خاص بالنجاشي لإِشاعة له أنه

ص: 116

مات مسلمًا، واستئلاف قلوب الملوك الذين أسلموا في حياته صلى الله عليه وسلم إذ لم يأت في حديث صحيح أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ميت غائب غيره، وأما حديث صلاته على معاوية الليثي فجاء من طرق لا تخلو من مقال، وعلى تسليم صلاحيته للحجية بالنظر إلى مجموع طرقه، رفع بما ورد أنه صلى الله عليه وسلم رُفِعت له الحجب حتى شهد جنازته، (ق 334) كذا قاله الزرقاني.

* * *

318 -

أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب الزُّهريّ، أن أبا أُمامَة بن سهل بن حُنَيْف أخبره: أن مِسْكينَةً مرضت، فأُخْبِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَعُودُ المساكين، ويسألُ عنهم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ماتت فآذنوني بها"، قال: فأُتِيَ بجنازتها ليلًا، فكَرِهُوا أن يُؤذِنُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، فلما أصْبَحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بالذي كان من شأنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألم آمُركم أن تُؤذِنُوني؟ "، فقالوا: يا رسول الله، كَرِهْنَا أن نُخْرِجك ليلًا أو نُوقِظك، قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى صَفَّ بالناس على قبرها فصلَّى عليها، فكبَّرَ أربع تكبيرات.

قال محمد: وبهذا نأخذ، التكبير على الجنازة أربع تكبيرات، ولا ينبغي أن يُصَلَّى على جنازة قد صُلِّيَ عليها، وليس النبي صلى الله عليه وسلم في هذا كغيره، ألا يُرَى أنه صَلَّى على النَّجَاشِيّ بالمدينة، وقد مات بالحبشة، فصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بركة وطهور، وليست كغيرها من الصلوات، وهو قولُ أبي حنيفة.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا ابن شهاب أي: محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، تابعي في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، أن أبا أُمامَة بضم الهمزة اسمه أسعد، وقيل: سعد بن سهل بفتح فسكون، ابن حُنَيْف بضم الحاء المهملة وفتح النون، وسكون التحتية وبالفاء، سماه النبي صلى الله عليه وسلم لما ولد قبل موته بسنتين اسم

(318) صحيح، أخرجه: النسائي (1907)، ومالك (531).

ص: 117

جده لأمه أسعد بن زرارة، وكناه ومسح رأسه، فهو أي: أبو أمامة بن سهل صحابي من حيث الرؤية، تابعي من حيث الرواية، ومات سنة مائة، وأبو سهل بن حنيف أنصاري أوسي شهد بدرًا وأحدًا، والمشاهد كلها، وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد، وصحب عليّا بعده صلى الله عليه وسلم واستخلفه على المدينة، ثم ولاه فارس، روى عنه ابنه أبو أمامة وغيره، مات بالكوفة، سنة ثمان وثلاثين، أخبره، أي: أخبر أبو أمامة ابن شهاب مرسلًا، أن مِسْكينَةً وفي حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما: أنها امرأة سوداء كانت تَقُمُّ المسجد بقاف مضمومة، أي: تجمع القمامة، وهي الكناسة، وفي لفظ: كانت تنقي المسجد من الأذى، ولابن خزيمة: كانت تلتقط الخذف والعيدان من المسجد، وللبيهقي بإسناد حسن عن بريدة: أن أم محجن كانت مولعة بلقط القذى من المسجد بقاف ومعجمة مقصود في العين والشراب، ثم استعمل في كل شيء يقع في البيت وغيره، إذا كان قليلًا، وفي (الإِصابة) لابن حجر: محجنة، وقيل: أم محجن امرأة سوداء كانت تَقُمُّ المسجد، ذُكِرت في (الصحيح) بلا تسمية، مرضت، فأُخْبِرَ على بناء المفعول، رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها، قال سعيد بن زيد الباجي المالكي: فيه إخبار بضعفاء المسلمين، ولذا كان يخبر بمرضاهم، وذلك من تواضعه، وقال أبو عمر: فيه التحدث بأحوال الناس عند العالم إذا لم يكن مكروهًا، فيكون غيبة، قال: أي: أبو أمامة مرسلًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَعُودُ المساكين، ويسألُ عنهم، أي: عن فقراء المسلمين سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا لمزيد تواضعه وحسن خلقه، ففيه عيادة النساء وإن لم يكن محرمًا إن كانت طوافة وإلا فلا إلا أن يسأل عنها، ولا ينظر إليها، قاله أبو عمر، قال: أي: أبو أمامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا ماتت فآذنوني بالمد، أي: أعلموني من الإِعلام بها"، أي: بموتها، أو بحضور جنازتها لأحضر بجنازتها والاستغفار؛ لأن لها من الحق في بركة دعائه صلى الله عليه وسلم، قال: أي: أبو أمامة، فأُتِيَ على بناء المفعول، بجنازتها ليلًا، لجوازه وإن كان الأفضل تأخيرها للنهار، ليكثر من يحضرها دون مشقة ولا تكلف، فإذا كان لقُربه فلا بأس به.

ولابن أبي شيبة: فأتوه ليأذنوه فوجدوه نائمًا، وقد ذهب الليل، فكَرِهُوا أي: الصحابة أن يُؤذِنُوا أي: يعلموا، وفي نسخة: أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، أي: تخوفوا عليه ظلمة الليل، وهوام الأرض، قال ابن أبي شيبة فدفناها، فلما أصْبَحَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُخْبِرَ على بناء المفعول، أي: أجيب بالذي كان من شأنها، أي: من موت

ص: 118

المسكينة ودفنها، والمجيب أبو بكر (ق 335) الصديق رضي الله عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألم آمُركم بمد إلى الاستفهام التوبيخي، أن تُؤذِنُوني؟ "، وفي نسخة: بها، أي: بجنازتها، فقالوا: يا رسول الله، كَرِهْنَا أن نُخْرِجك لَيلًا أو نُوقِظك، شكٌ من الراوي، ويحتمل أن تكون "أو" للتنويع لتنوع جوابهم، ولابن أبي شيبة: فقالوا: أتيناك يا رسول الله لنؤذنك بها فوجدناك نائمًا، فكرهنا أن نوقظك، وتخوفنا عليك ظلمة الليل وهوام الأرض، كذا قاله الزرقاني (1)، وقال السيوطي: زاد في حديث عامر بن ربيعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلا تفعلوا، ادعوني بجنائزكم"، رواه ابن ماجه، وفي حديث زيد بن ثابت، قال:"فلا تفعلوا لا يموتن فيكم ميت ما كنتُ بين أظهركم إلا آذنتموني به، فإن صلاتي عليه له رحمة"، أخرجه أحمد، قال: أي: الراوي، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: من المدينة إلى مصلى الجنازة ووقف حتى صَفَّ بالناس على قبرها أي: على حذائه فصلَّى على قبرها، وفي نسخة: عليها، فكبَّرَ أربع تكبيرات، وهذا الشاهد للترجمة، وأما الصلاة على القبر فقال بمشروعيتها الجمهور ومنهم الشافعي وأحمد وابن وهب وابن عبد الحكم ومالك في رواية شاذة، والمشهور عنه منعه، وبه قال أبو حنيفة والنخعي وجماعة عنهم، إن دفن قبل الصلاة شرعت عليها في القبر، وإلا فلا، وأجابوا بأن ذلك من خصائصه، ورده ابن حبان بأن ترك إنكاره صلى الله عليه وسلم على من صلى معه على القبر دليل على جوازه لغيره، وأنه ليس من خصائصه، وتعقب بأن الذي يقع بالتبعية لا ينهض دليلًا للأصالة، والدليل على الخصوصية ما زاده مسلم وابن حبان (2) في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: فصلى على القبر ثم قال: "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم" وفي حديث زيد بن ثابت: "فإن صلاتي عليها له رحمة"، وهذا لا يتحقق في غيره، وقال مالك: ليس العمل على حديث النور، قال أبو عمر: يريد عمل المدينة، وما حكي عن بعض الصحابة والتابعين من الصلاة على القبر، إنما آثار بصرية وكوفية ولم نجد عن مدني من الصحابة فمن بعدهم أنه صلى على القبر. انتهى.

واستدل به على التفصيل بين من صلى عليه فلا يُصلى عليه، بأن القصة وردت

(1) انظر: شرح الزرقاني (2/ 83).

(2)

أخرجه: مسلم (956)، وأحمد (8804)، وابن حبان (3086).

ص: 119

فيمن صلى عليه، وأجيب بأن الخصوصية تستحب على ذلك.

قال ابن عبد البر: أجمع من يرى الصلاة على القبر أنه لا يُصلى عليه إلا بقرب دفنه، وأكثر ما قالوا في ذلك شهر، وقال غيره: اختلف في أمر ذلك فقيده بعضهم بشهر، وقيل: ما لم تبل الجثة، وقيل: يختص بمن كان من أهل الصلاة عند موتهم، قال الإِمام أحمد: رويت الصلاة على القبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من ستة وجوه حسان كلها، قال ابن عبد البر: بل تسعة كلها حسان، وساقها كلها بأسانيده في تمهيده، من حديث سهل بن حنيف وأبي (ق 336) هريرة وعامر بن ربيعة وابن عباس وزيد بن ثابت، والخمسة في صلاته على المسكينة، وسعد بن عبادة في صلاة المصطفى على أم سعد بعد دفنها بشهر، وحديث الحصين بن وحوح في صلاته عليه الصلاة والسلام على قبر طلحة بن البر، ثم رفع يديه وقال:"اللهم القِ طلحة يضحك إليك، وتضحك إليه"، أي: يرضى عنك وترضى عنه، وحديث أبي أمامة فصلى عليها، وحديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم صلى على امرأة بعد ما دُفِنَت، وهو محتمل للمسكينة وغيرها، فهي عشرة وغيرها، وكذا ورد من حديث بريدة عند البيهقي بإسناد حسن كما قدمناه في المسكينة فهي عشرة أوجه، كذا قاله الزرقاني.

قال محمد رحمه الله: وبهذا أي: بقول أبي أمامة بن سهل بن حنيف نأخذ أي: نعمل ونُفتي، التكبير على الجنازة أربع تكبيرات، ولا ينبغي أن يُصَلَّى أي: أحد من آحاد الأمة على جنازة قد صُلِّيَ عليها، أي في بلده أو غيره، وليس النبي صلى الله عليه وسلم في هذا أي: الحكم كغيره أي: بل له خصوصيات، ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم روى الحاكم في مستدركه أن أهل البيت سألوا عن النبي صلى الله عليه وسلم من يصلي عليك؟ قال:"إذا غسلتموني وكفنتموني، ضعوني على السرير فاخرجوا؛ فإن أول من يصلي عليَّ من الملائكة جبريل، ثم ميكائيل، ثم إسرافيل، ثم ملك الموت مع جنوده، وأول من يُصلي عليَّ من بني آدم: العباس بن عبد المطلب، وبنو هاشم يخرجون ثم يدخل المهاجرون، ثم الأنصار، ثم الناس فوجًا فوجًا، فلما انقضى الناس يصلي الصبيان صفوفًا، ثم النساء"، كذا قاله السيوطي في (خواتم الحكم) ولا يؤم؛ لأنه إمامكم حال حياته وحال مماته، وهذه الهيئة من خصائصه صلى الله عليه وسلم، كذا قاله علي القاري في (شرح الشمائل) للترمذي، ومن خصائصه ما قاله المصنف: ألا يُرَى أي: ألم تعلم أنه أي: النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى على النَّجَاشِيّ بالمدينة، وقد مات بالحبشة، أي: ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم هنالك والحال أن بين المدينة وبين الحبشة مسيرة شهر، فصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بركة

ص: 120