الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طلبت الفتوى فقالت: إني أقبلتُ أي: توجهت وقصدت أُريدُ أن أطوف بالبيت؛ أي: للحج أو للعمرة، ولا دلالة في الحديث صريحًا على عنوان الباب حتى إذا كنتُ عند باب المسجد أي المسجد الحرام أهْرَقْتُ، أي: صببت الدم فرجعتُ حتى ذَهَبَ ذلك عني، أي: وطهرت وتطهرت ثم أقبلت أي: ثانيًا، حتى كنت عند باب المسجد فرجعت ثانيًا حتى ذهب ذلك عني ثم رجعت إلى المسجد أيضًا، فقال لها ابن عمر: إنما ذلك بكسر الكاف رَكْضَةً من الشيطان، وهي بفتح الراء المهملة وسكون الكاف والضاد المعجمة ضرب بالرجل ومنه قوله تعالى في سورة (ص):{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42] أراد الإِضرار والأذى بسببها، والمعنى أن الشيطان وجد بذلك طريقًا إلى التلبيس عليها في أمر دينها في طهرها وصلاتها حتى نساها ذلك عادتها، وصار التقدير كأنه ركضها برجله من ركضاته كذا في (النهاية) فاغتسلي، ولعل أمرها بالغسل لتقدم حيضها أو لتكمل طهارتها، ونظافتها، وإلا فالمستحاضة تتوضأ، وإذا استمر دمها لكل وقت يجب عليها الوضوء، وأما إذا نسيت عادتها فيجب عليها لكل صلاة غسل على حدة ثم استَثْفِري بِثَوْبٍ، اربطي ثوبًا على مخرج الدم على هيئة الثغر في الدابة ثم طُوفي وكذا الحكم الصلاة، وإن تقاطر دمها.
قال محمد: وبهذا نأخذ؛ أي: نعمل بما رواه أبو الزبير المكي هذه أي: المرأة (ق 506) المُسْتَحَاضَة، أي: لا الحائض فلتتوضَّأ وتَسْتَثفِر بثوب، أي: لئلا يتلوث بدنها ولا يتلطخ ثوبها ثم تطوف، وتصنع ما تصنع الطاهرة، أي: من الصلاة والتلاوة من المصحف ونحوها وهو قولُ أبي حنيفة، والعامَّةِ من فقهائنا أي: من علماء الحنفية.
لما فرغ من بيان حكم حال المستحاضة في الحج، شرع في بيان حكم حال من يريد دخول مكة، فقال: هذا
* * *
باب دخول مكة وما يُستحب من الغُسل قبل الدخول
في بيان حكم حال من يريد دخول مكة، وما يستحب له من الغسل بيان ما قبل الدخول أي: دخوله مكة ليلًا أو نهارًا والظرف متعلق بالغسل، والمناسبة بين هذا الباب والباب السابق استحباب الغسل على المستحاضة في الحج، وعلى من يريد دخول مكة.
472 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن ابن عمر: أنَّه كان إذا دَنَا من مكة باتَ بذي طَوَّى بين الثَّنِيَّتَيْنِ حتى يُصْبِح، ثم يُصلّي الصبح، ثم يدخل من الثَّنِيَّة التي بأعْلَى مكة، ولا يدخل مكة إذا خرج حاجَّا أو مُعْتَمِرًا حتى يغتسل، قبل أن يدخل، إذا دَنَا من مكة بذي طُوْى، ويأمر من معه فيغتسلوا قبل أن يدخلوا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أو أنا، وفي نسخة أخرى: ثنا رمزًا إلى أخبرنا أو حدثنا وفي نسخة: قال: بنا، وفي نسخة أخرى: نافع، أي: ابن عبد الله المدني، فاضل ثقة مشهور، مولى ابن عمر، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة عن ابن عمر: رضي الله عنهما أنَّه كان إذا دَنَا أي: قرب من مكة بات أي: مكث ليلًا بذي طَوَّى مثلثة الطاء والفتح أشهر، وبفتح الواو وبضمها، وحكى كسرها وينون ولا ينون وهو واد بقرب مكة على نحو نصف فرسخ، فيعرف في وقتنا بالزاهر والجوخي في طريق التنعيم، وينزل فيه أمراء الحاج دخولًا أو خروجًا، فمن نونه جعله اسمًا للوادي، ومن منعه جعله اسمًا للبقعة مع العلمية، أو منعه للعلمية مع تقدير العدل من طاف، كذا في (المصباح) بين الثَّنِيَّتَيْن بالثاء المثلثة المفتوحة والتحتية الساكنة وبعدها نون أي: بين العقبتين حتى يُصْبِح، فإن بات أي: مكث ليلًا بذي طوى إلى أن يطلع الفجر ثم يُصلّي الصبح، ومن ثم إيماء إلى الإِسفار.
وفي رواية أيوب عن نافع: فإذا صلى الغداة اغتسل، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك رواه البخاري ومسلم وغيرهما أي: المذكور من البيات والصلاة والغسل ثم يدخل أي: مكة من الثَّنِيَّة التي بأعْلَى مكة، التي ينزل منها المعلا ومقابر مكة بجنب المحصب، وهي التي يقال لها: الحجون بفتح الحاء المهملة وضم الجيم، وكانت صعبة المرتقى فهدها معاوية ثم عبد الملك بن مروان ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي، ثم سهل في سنة إحدى عشرة وثمان مائة موضع، ثم سهل كلها في زمن سلطان قهر الملك 4 المؤيد في حدود العشرين وثمان مائة، وفي البخاري عن إبراهيم بن المنذر وأبي داود عن عبد الله بن
(472) إسناده صحيح.
جعفر البرمكي، كلاهما عن معز عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل من الثنية السفلى. قال الحافظ: ليس هذا الحديث في (الموطأ) ولا رأيته في غريب مالك والدارقطني، ولم أقف عليه إلا من رواية معن بن عيسى، وقد عزا على الإِسماعيلي استخراجه، فرواه عن ابن ناجية عن البخاري مثله كذا قاله الزرقاني ولا يدخل أي: ابن عمر مكة إذا خرج أي: من المدينة حاجَّا أي: مفردًا أو قارنًا أو مُعْتَمِرًا حتى يغتسل، أي: لدخول مكة استحبابًا قبل أن يدخل، أي: مكة كما في (الموطأ) ليحيى إذا دَنَا أي: قرب من مكة بذي طُوْى، أي: اقتداء بفعله صلى الله عليه وسلم (ق 507)، ليكون دخوله الأكمل والأفضل، وكان ابن عمر من أتبع الناس له صلى الله عليه وسلم ويأمر من معه أي: بذلك فيغتسلوا قبل أن يدخلوا أي: مكة تحصيلًا للمستحب؛ لأنه يندب لغير حائض ونفساء؛ لأنه للطواف وهما لا تدخلان المسجد، كما قال صلى الله عليه وسلم:"وافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت للإحرام، والوقوف"، وهذا كيفية الدخول، وأما من أراد الخروج فيخرج من آخر مكة من المسفلة، وهي طريق الشبيكة فينزل بذي طوى ثم يسافر منه، لما في مسلم من حديث عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما جاء إلى مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها كذا قاله الزرقاني وعلي القاري.
* * *
473 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم أن أباه القاسم، كان يدخل مكة ليلًا، وهو مُعْتَمِر، فيطوف بالبيت والصَّفَا والمروة، ويؤخِّر الحِلَاق حتى يُصْبِح، ولكنه لا يعود إلى البيت فيطوف به حتى يحلق، قال: وربما دخل المسجد فأوْتَرَ فيه، ثم انصرفَ، ولم يقرب البيت.
قال محمد: لا بأسَ بأن يدخل الرجل مكة، إن شاء ليلًا، وإن شاء نهارًا؛ فيطوف ويسْعَى، ولكنه لا يعجبنا له أن يعود في الطَّوَاف حتى يحلق أو يُقَصِّر، كما فعل القاسم، وأما الغُسْل حين يدخل فهو حَسَنٌ، وليس بواجب.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: أنا، أخبرنا وفي نسخة:
(473) إسناده صحيح.
قال: بنا عبد الرحمن بن القاسم أي: ابن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، يكنى أبا محمد المدني ثقة جليل قال ابن عيينة: كان أفضل أهل زمانه، وكان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، ومات سنة ست وعشرين ومائة وقيل بعدها، كذا قاله ابن حجر (1)، ومنقبته سبقت في باب القراءة في صلاة الجمعة أن أباه القاسم، أي: ابن محمد بن أبي بكر الصديق كان يدخل مكة ليلًا، وهو مُعْتَمِر، قيد وقوعي لا احترازي فيطوف بالبيت كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها. أن أول شيء بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أن توضأ ثم طاف بالبيت والصَّفَا والمروة، أي: سعي بينهما ليلًا لبيان جوازهما ليلًا، وكانت العبادة أفضل أن تكون بالخفية ويؤخِّر الحِلَاق بكسر الحاء المهملة أي: الحلاقة، وفي نسخة: الحلق حتى يُصْبِح، ولعل تأخيره لعدم وجود السراج عنده ولكنه لا يعود إلى البيت فيطوف به أي: ثانيًا حتى يحلق، أي: أو يقصر ليقع التوالي بين طواف الأول وحلقه من غير فاصل بينهما، وإن كان جائز وربما دخل المسجد أي: آخر الليل فأوْتَرَ فيه، أي: تهجد مع الوتر في المسجد ثم انصرفَ، أي: عن المسجد، وفي نسخة: وانصرف بالواو ولم يقرب البيت أي: للطواف ولا للاستلام.
قال محمد: لا بأسَ بأن يدخل الرجل مكة، أي: وقت قصدها إن شاء ليلًا، وإن شاء نهارًا؛ لكن عمل السر خير من العلانية في غير الفريضة فيطوف ويسْعَى، أي: ليلًا أو نهارًا ولكنه أي: الشأن لا يعجبنا أي: لمحرم طاف وسعى، وكذا إذا طاف ولم يسع بالأولى أن يعود في الطَّوَاف أي: فضلًا لما قدمناه واحتياطًا؛ لأنه يوجب الوسوسة حتى يحلق أو يُقَصِّر، كما فعل القاسم، وهو أحد الفقهاء السبعة من أهل المدينة، وكان من أفضل أقرانه في زمانه من علو شأنه وأما الغُسْل أي: الذي كان يفعله ابن عمر يأمر به غيره حين يدخل أي: مكة فهو حَسَنٌ، أي: مستحب وليس بواجب أي: ولا سنة مؤكدة، لما سبق أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة ليلًا في عمرته ونهارًا في حجته.
لما فرغ من بيان حكم حال من يريد دخول مكة وما يستحب له من الغسل، شرع في بيان حكم السعي بين الصفا والمروة، فقال: هذا
* * *
(1) في التقريب (1/ 348).