الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال: صحيح على شرطهما، وهذا يبين لعددها منه صلى الله عليه وسلم في الإِحرام، ويحتمل أنهما في إحرام واحد وأن الثاني في عمرة، والأولى في حجة الوداع، وفيه الحجامة في الرأس وغيره للعذر وهو إجماع عليه، ولو أدت إلى قلع الشعر لكن يفدي إذا قلع لقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} الآية [البقرة: 196] وفيه مشروعية التداوي واستعمال الطيب والتداوي بالحجامة، وفي الحديث:"إن أنفع ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري"، وفيه أيضًا:"إن كان الشفاء في شيء ففي شرطة محجم أو شربة عسل أو كي وأنهي أمتي عن الكي". كذا قاله الزرقاني (1).
لما فرغ من بيان حكم الحجامة للمحرم، شرع في بيان حكم غطاء المحرم وجهه، فقال: هذا
* * *
باب المحرم يغطي وجهه
في بيان حكم حال المحرم يغطي أي: يلقي على وجهه سترة أي: لا يجوز تغطية المحرم وجهه عندنا وبه قال مالك، خلافًا للشافعي وأحمد لما رواه الشافعي (2) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي وقص:"خمروا وجهه" أي: غطوه "ولا تخمروا رأسه" ولنا ما رواه مسلم والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا أوقصته أي: رمته على ظهرها راحلته وهو محرم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تمسوه طيبًا ولا تخمروا رأسه، ولا وجهه؛ فإنه
= الكبرى (3832)، وابن حبان (3952)، وابن خزيمة (2659)، والحاكم (1665)، وأبو يعلى (3041) من حديث أنس.
(1)
انظر: شرح الزرقاني (2/ 235).
(2)
أخرجه: البخاري (1206)، ومسلم (1206)، وأبو داود (3238)، والترمذي (951)، والنسائي (2855)، وأحمد (3022)، والدارمي (1794)، وابن حبان (3959)، والدارقطني (2/ 295) والشافعي في المسند (1613)، والطبراني في الكبير (12361)، والأوسط (6827)، والصغير (1006)، وابن الجارود في المنتقى (506)، والبيهقي في الكبرى (1739)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 299، 300)، والحميدي (466)، والخطيب في التاريخ (6/ 153)، والرافعي في التدوين (4/ 109).
يبعث يوم القيامة ملبيًا" (1). قال ابن الهمام: أفاد الحديث أن للإِحرام أثرًا من تغطية الرأس والوجه بدليل آخر.
417 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن أبي بكر، أن عبد الله بن ربيعة أخبره، قال: رأيتُ عثمان بن عفَّان بالْعَرْج وهو محرم، في يوم صائف، قد غَطَّى وجهه بقطيفة أُرْجُوَان، ثم أُتِيَ بلحم صَيْدٍ، فقال: كلوا، فقالوا: ألا تأكُلُ، فقال: لستُ كهيئتكم، إنما صِيد من أجلي.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى: أنا أخبرنا وفي نسخة: بنا، وفي أخرى: أنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني القاضي، ثقة من الطبقة الخامسة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة وهو ابن سبعين سنة كذا قاله ابن حجر (2) أن عبد الله بن ربيعة العنبري حليف بني عدي يكنى أبا محمد المدني ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولأبيه صحبة مشهورة وثقة العجلي (3) مات سنة بضع وثمانين أخبره، قال: رأيتُ عثمان بن عفَّان بالْعَرْج بفتح العين المهملة وسكون الراء والجيم موضع بطريق المدينة وهو محرم، في يوم صائف، أي: من أيام الصيف اسم فاعل لا فعل له قد غَطَّى وجهه قال سعيد بن زيد الباجي المالكي: يحتمل أن يكون فعل ذلك لحاجة إليه أي: لضرورة باعثة عليه، وأن يكون رآه مباحًا فقد خالف غيره فقالوا: لا يجوز بقطيفة أُرْجُوَان، بالإِضافة والقطيفة: دثار له حمل والدثار ما يتدثر به الإنسان أي يتلفف به من كساء أو غيره، والأرجوان: بضم الهمزة (ق 451) والجيم بينهما راء ساكنة ثم واو مفتوحة فألف فنون صوف أحمر فيه خطوط حمر ثم أُتِيَ أي: جيء عثمان بلحم صَيْدٍ، بالإِضافة فقال: أي: عثمان لأصحابه كلوا، أي: أنتم فقالوا: ألا تأكُلُ، بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف عرض وتحضيض ومعناهما طلب الشيء، ولكن العرض طلب بلين
(1) انظر: السابق.
(417)
أخرجه: مالك (782)، والدارقطني في العلل (3/ 13)، والشافعي في المسند (1109)، والبيهقي في الكبرى (9167)(10039).
(2)
تقدم.
(3)
انظر: تاريخ الثقات (ص: 263).
والتحضيض طلب بحث كما قاله ابن هشام في (مغني اللبيب)(1) أي: كل أنت فقال: لستُ كهيئتكم، أي: ما كان حالي كحالكم في هذه القصة إنما صِيد من أجلي وأنا محرم، وقد اختلف قول مالك فيما صيد لمحرم بعينه هل لغير من صيد لأجله أن يأكل في سائر من معه من المحرمين والمشهور من مذهبه عند أصحابه أنه لا يأكل ما صيد لمحرم معين أو غير معين، ولم يأخذوا بقول عثمان هذا قاله أبو عمر. كذا قاله الزرقاني (2).
وقد روى الحاكم في (مستدركه) عن جابر مرفوعًا: "لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم"(3) وفي رواية أيضًا: "ويصاد لكم" والحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي أيضًا عن جابر مرفوعًا (4)، وبه قال مالك والشافعي أنه إذا صاد حلال صيد لأجل محرم لا يحل للمحرم أكله، وعند أبي حنيفة للمحرم أن يأكل ما فعل الحلال فيه مجموع الصيد وذبحه سواء صيادة لأجل حلال ولأجل محرم، لكن بشرط عدم دلالة محرم عليه وأمره إليه لما روى في مسلم (5) من حديث معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان عن أبيه قال: كنا مع طلحة بن عبيد الله ونحن حرم فأهدى إليه طير وطلحة راقد فمنا من أكل ومنا من تورع، فلما انتبه أخبر فوافق من أكله وقال: أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي (الموطأ)(6) من حديث هشام بن عروة عن أبيه أن الزبير بن العوام كان يتزود
(1) انظر: مغني اللبيب (ص: 470).
(2)
انظر: شرح الزرقاني (2/ 378).
(3)
أخرجه: أبو داود (1851)، والترمذي (846)، والنسائي في المجتبى (2827)، وأحمد (14478)، والنسائي في الكبرى (3810)، وعبد الرزاق في مصنفه (8349)، وابن خزيمة (2641)، والحاكم (1659)، (1748)، والدارقطني (2/ 290)، والبيهقي في الكبرى (10036) من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المطلب عن جابر مرفوعًا.
وعمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي عندهم. . والمطلب لا يُعرف له سماع من جابر.
(4)
انظر: السابق.
(5)
أخرجه: مسلم (1197)، والنسائي في المجتبى (2816)، وأحمد (1386)(1395)، والدارمي (1773)، والنسائي في الكبرى (3799)، وابن حبان (5256)، وابن أبي شيبة (4/ 393)، وابن خزيمة (2638)، وأبو يعلى (635)، والبيهقي في الكبرى (10025)، والبزار (931).
(6)
أخرجه: مالك (779)، وابن أبي شيبة (3/ 307)، والبيهقي في الكبرى (9696)، والآثار (505).
صفيف الظباء في الإِحرام والصفف ما يصف اللحم على اللحم ليشوى قال مالك: والصفيف القويد وقال (القاموس): الصفيف كأمير ما صف في الشمس ليجف أو على الجمر ليشوى، وأجاب الطحاوي عن حديث جابر بأن معناه ويصيد لكم بأمركم توفيقًا بين الأحاديث، وفي مسند أبي حنيفة (1) عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده الزبير بن العوام قال: كنا نحمل الصيد صفيفًا وكنا نتزوده ونأكل ونحن محرمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. واختصره مالك في (الموطأ) وحاصله: نقل وقائع أحوال فيه لا عموم لها فيجوز كون ما كانوا يحملونه من لحوم الصيد للتزود فما لم يصد لأجل المحرمين بل هو الظاهر؛ لأنهم يتزودون من الحضر ظاهرًا والإِحرام بعد الخروج من الميقات في أثناء السفر فالأولى بالاستدلال في هذا المقام ما ذكره الإِمام ابن الهمام على أصل المطلب والمراد حديث أبي قتادة على وجه المعارضة على ما في الصحيحين فإنهم لما سألوه صلى الله عليه وسلم لم يجب بحله لهم حتى سألهم عن واقع الحل كان موجوده أم فقال صلى الله عليه وسلم: "أمعكم أحد آمره أن يحمل عليها أو أشار إليها" قالوا: لا قال: "فكلوا إذن" فلم كان من الموانع أن يصار لنظم في سلك ما يسأل عنه منها في التفحص عنها لتجيب بحكم عند خلوها وهذا المعنى كالصريح في نفي كون الاصطياد مانعًا فيعارض حديث جابر ويقدم عليه لقدرة ثبوته، إذ هو في الصحيحين وغيرهما من الكتب الستة بخلاف ذلك كذا قاله علي القاري.
* * *
418 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، أن عبد الله بن عمر، كان يقول: ما فوق الذَّقَن من الرأس، فلا يخمره المُحْرِم.
قال محمد: وبقول ابن عمر نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
• أخيرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى، أنا حدثنا وفي نسخة: عن (ق 452) نافع بن عبد الله المدني مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه مشهور من الطبقة
(1) انظر: مسند أبي حنيفة (ص: 248).
(418)
أخرجه: مالك (710)، وابن أبي شيبة (4/ 370)، والبيهقي في الكبرى (9171).
الثالثة مات سنة سبع عشرة ومائة أو بعد ذلك من الهجرة (1) أن ابن عمر، رضي الله عنهما أنه كان يقول: ما فوق الذَّقَن بفتحتين وهو الوجه من الرأس، أي: جملته في باب الإِحرام فلا يخمره المُحْرِم أي: فلا يغطيه وإن الوجه من حكم الرأس بالنسبة إلى الرجل وأما المرأة فلا تكشف رأسها بل تكشف وجهها لما روى الدارقطني والبيهقي والطبراني عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس على المرأة إحرام إلا في وجهها وكفيها"(2).
قال الدارقطني: الصواب وقفه على ابن عمر. أقول: لكنه في حكم المرفوع فإن مثله ما يقال بالرأي على أن قول الصحابي عندنا حجة إذا لم يخالف ولو سدلت شيئًا على وجهها مجافيًا عنه جاز لما روى أبو داود وابن ماجه من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا جاوزنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه (3).
قال محمد: وبقول ابن عمر نأخذ، أي: نعمل وهو قولُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا رحمهم الله وقد سبق خلاف بعض المتأخرين من المجتهدين.
لما فرغ من بيان حكم غطاء المحرم وجهه، شرع في بيان حكم غسل المحرم رأسه واغتساله له، فقال: هذا
* * *
(1) تقدم مرارًا.
(2)
أخرجه: الدارقطني (2/ 294)، والبيهقي في الكبرى (9129).
وقال البيهقي: قال أبو أحمد بن عدي: لا أعلمه، يرفعه عن عبيد الله غير أبي الجمل هذا.
قال الشيخ: وأيوب بن محمد أبو الجمل ضعيف عند أهل العلم بالحديث، فقد ضعفه يحيى بن معين، وغيره، وقد روى هذا الحديث من وجه آخر مجهول، عن عبيد الله بن عمر مرفوعًا، والمحفوظ موقوف.
(3)
أخرجه: أبو داود (1833)، وأحمد (23501)، والبيهقي في الكبرى (9131)، وفيه يزيد بن أبي زياد: ضعيف.
انظر: الدراية في تخريج أحاديث الهداية (482)، وتلخيص الحبير (2/ 272).