الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب جلال البدن
في بيان حكم جلال البدن الجلال: بكسر الجيم وتخفيف اللام جمع جل بضم الجيم ما يجعل على ظهر البعير كثوب الإِنسان يلبسه تقية من البرد والوسخ وهو والبدن بالضم جمع بدنة محركة فهي الإِبل والبقر عندنا والإِبل خاصة عند الشافعي.
506 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، أن ابن عمر كان لا يشق جِلال بُدْنه وكان لا يُجلِّلها حتى يغدوَ بها من منى إلى عرفة، وكان يُجَلِّلها بالحُلَل والقَبَاطي، والأنْمَاطِ؛ ثم يبعث بِجِلالها، فيكسوها الكعبة، قال: فلما كُسِيَتْ الكعبة هذه الكسوة أقْصَرَ مِنَ الجِلال.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا وفي نسخة: بنا، وفي أخرى: ثنا نافع، بن [عبد](*) الله المدني مولى ابن عمر، ثقة فقيه شهير، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة أن ابن عمر كان لا يشق أي: لا يقطع جِلال بُدْنه وكان أي ابن عمر رضي الله عنه لا يُجلِّلها أي: لا يلبس البدن جلها حتى يغدوَ بها أي: إلى غاية إذهاب البدن في أول النهار وبجلالها أو معها من منى إلى عرفة، وكان يُجَلِّلها بالحُلَل متعلق بيجللها، والحلل بضم الحاء المهملة وفتح اللام الأولى المخففة جمع حلة، وهي بضم الحاء المهملة وتشديد اللام المفتوحة ثوب من برود اليمن، ولا يسمى حلة إلا أن يكون ثوبين من جنس واحد، روى البيهقي من طريق يحيى بن بكير عن مالك، وقال: زاد فيه غيره عن مالك إلا موضع السنام، أي: لا يشق ابن عمر جلال البدن إلا موضع سنامها وإن نحرها نزع جلالها مخافة أن يفسدها الدم، ثم يتصدق بها أي: لئلا تسقط وليظهر الإِشعار، لئلا تستر تحتها ونقل عياض أن التحليل يكون بعد الإِشعار، لئلا تتلطخ بالدم وأن شق الجلال الأسنمة إن قلت قيمتها وإن كانت نفيسة لم تشق، وروى ابن المنذر من طريق أسامة بن زيد عن نافع أن ابن عمر كان يجلل بدنه الأنماط والبرود والجر حتى يخرج من المدينة ثم ينزعها فيطولها (ق 546) حتى يكون يوم عرفة فيلبسها إياها حتى ينحرها ثم يتصدق بها، قال نافع: ربما دفعها إلى بني شيبة.
(506) إسناده صحيح.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفتين سقط من المطبوع
قال الحافظ: وفي هذا كله استحباب التقليد والتجليل والإِشعار وذلك يقتضي أن إظهار التقرب بالهدي أفضل من إخفائه، والمقرر أن إخفاء العمل الصالح غير الفروض أفضل من إظهاره، فأما أن يقال: إن أفعال الحج مبنية على الظهور كالإِحرام والطواف والوقوف، فكان الإشعار والتقليد كذلك فيختص ذلك من عموم الإِخفاء وأما أن يقال: لا يلزم من التقليد والإِشعار وغيرها إظهار العمل الصالح؛ لأن الذي يهديها يمكنه أن يبعثها مع من يقلدها ويشعرها ولا يقول: إنها لفلان فتحصل سنة التقليد مع كتمان العمل، وأبعد من استدل بذلك على أن العمل إذا شرع فيه صار فرضًا وإنما يقال: إن التقليد جعل علمًا لكونها هديًا حتى لا يطمع صاحبها في الرجوع فيما انتهى.
ولعل الجواب بالتخصيص أولى كذا قاله الزرقاني (1) والقَبَاطي، بفتح القاف جمع قبطية بالضم وهو ثوب من ثياب مصر دقيقة بيضاء كأنها منسوبة إلى القبط، وهم أهل مصر وضم القاف من تغير النسبة، وهذا من الثياب وأما الإِنسان القبطي بالكسر لا غير والأنْمَاطِ؛ بفتح الهمزة جمع النمط بفتحتين، وهو ثوب من صوف مطرح على الهودج. كذا في (المعرب) وقيل: ضرب من البسطة له حمل رقيق وهو بفتح الخاء المعجمة والميم المفتوحة واللام يقال له باللسان التركية: سحيق ثم يبعث أي: يرسل بعد نحرها بِجِلالها، فيكسوها الكعبة، أي: فيلبسها إياها تعظيما لها عن نظر الحقارة إليها قال: أي: نافع فلما كُسِيَتْ الكعبة بصيغة المجهول أي: لبست هذه الكسوة بالنصب، وهي بالضم والكسر الثوب واللباس على ما في (القاموس) وفي (المصباح)، والكسر أشهر والمعني أن الكعبة حين كسيت الكسوة المعروفة أقْصَرَ مِنَ الجِلال بفتح الهمزة والصاد والراء المهملتين المفتوحتين على أنه ماض، أي: ترك ما كان يفعله من أن يكسوها الجلال؛ لاستغنائها عنها ويصرفها في محل آخر أهم منها أول من كسى الكعبة تبع ملك اليمن، ثم كسا العرب في الجاهلية، ثم كساها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثياب اليمانية، كساها عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما بالثياب القباطية ثم كساها ابن الزبير رضي الله عنه ثم بعد ذلك يبعث كل سنة بالديباج لكسوة الكعبة المشرفة، وأول من كسا البيت بالديباج والدة العباس بن عبد المطلب حين أضلت العباس صغيرًا فنذرت إن وجدته نسكوا الكعبة المشرفة فوجدته ففعلت، وأول من جرد الكعبة وكشفها وطرح عنها الكسوة في الجاهلية، وكانت قبل ذلك لا تجرد
(1) في شرحه (2/ 436).
بل تخفف عنها بعض كسوتها معاوية بن الحكم، وأول من كسا الكعبة المكرمة يعلى بن منبه، وكان عاملًا على اليمن للإِمام عثمان رضي الله عنه فعل ذلك بأمره كما قاله الجلال الدين السيوطي في الكتاب المسمى (بالأوائل).
* * *
507 -
أخبرنا مالك، سألتُ عبد الله بن دينار: ما كان ابن عمر يصنع بجِلال بُدنه؟ حين أقْصَرَ عن تلك الكسوة، قال عبد الله بن دينار: كان ابن عمر يتصدق بها.
قال محمد: وبهذا نأخذ، ينبغي أن يتصدّق بِجِلال البدن وبخطمها، وأن لا يعطي الجزَّار من ذلك شيئًا، ولا من لحومها.
وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مع عليّ بن أبي طالب بهذي، فأمره أن يتصدَّق بِجِلاله، وبِخُطِمِهِ، وأن لا يعطي الجزَّار من خُطْمه وجلاله شيئًا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا قال: أي: مالك سألتُ (ق 547) عبد الله بن دينار العدوي مولاهم يكنى أبا عبد الرحمن المدني ابن عمر، ثقة كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع وعشرين بعد المائة كذا في (التقريب) (1) ما كان ابن عمر يصنع بجِلال بكسر الجيم وبلا حقيقة بُدنه؟ بضم الموحدة وسكون الدال المهملة والنون حين أقْصَرَ أي: ابن عمر عن تلك الكسوة، قال عبد الله بن دينار كان ابن عمر يتصدق بها أي: البدن على فقراء الحرم وفي الكلام وضع الظاهر موضع الضمير لإِيضاح المرام، كما قاله علي القاري.
قال المهلب ليس التصدق بجلال البدن فرضًا، وإنما صنع ذلك ابن عمر؛ لأنه أراد أن لا يرجع في شيء أهداه الله ولا في شيء أضيف إليه، وفي الصحيحين (2) عن علي
(507) إسناده صحيح.
(1)
التقريب (1/ 302).
(2)
البخاري (2/ 610).
أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتصدق بجلال البدن التي نحرت وبجلودها، وفيه استحباب التجليل والتصدق بذلك الجل، ولفظ: أمر لا يقتضي الوجوب؛ لأن ذلك في وصيفة افعل لا لفظ أمر، كما قاله الزرقاني (1).
قال محمد: وبهذا نأخذ، إنما نعمل بما رواه عبد الله بن دينار عن ابن عمر ينبغي أي: يجب ويتعين أن يتصدّق أي: صاحب الهدي بِجِلال البدن بضم الموحدة وسكون الدال المهملة وبِخُمُطِها، بضم الخاء المعجمة وفتح الطاء المهملة والميم جمع خطام البعير، وهو زمامه المعروف والباء فيه وفي ما قبله بمعنى المصاحبة، وفي إعادتها وعدم الاكتفاء بدلالة القرينة عليها دلالة على أن للمصنف مزيد اعتناء واهتمام في هذا الحكم، وإشعارًا بأنه يجب على صاحب الهدي أن يتصدق مع زمامه وأن لا يعطي الجزَّار أي: لأجل أجرته وهو بفتح الجيم وتشديد الزاء المعجمة والألف، والراء المهملة رجل يذبح الهدي ويقطع اللحم من ذلك شيئًا، أي: مما ذكر من جلال البدن ولا من لحومها وفي معناها جلودها، بل يعطى أجرته من غيرها ثم إن كان فقيرًا فلا بأس أن يعطيه شيئًا منها.
وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مع عليّ بن أبي طالب بهدي، أي: مشتمل على مائة بدنة فأمره أي: عليًا أن يتصدَّق بِجِلاله، وبِخُطِمِها، أي: الهدي وفي نسخة الشارح بجلالها وتأنيث الضمير باعتبار البدن والهدايا وأن لا يعطي الجزَّار أي: لأجل أجرته من خُطْمه وجلاله شيئًا والأمر بعدم الإِعطاء، فهي عن العطاء، والحديث رواه الجماعة إلا الترمذي عن علي رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأقسم جلوده وجلاله أو أمرني أن لا أعطي الجزار منها شيئًا، وقال: نحن نعطيه من عندنا، كما قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان حكم جلال البدن، شرع في بيان ما يتعلق بحكم المحصر، فقال: هذا
* * *
(1) في شرحه (2/ 435).