الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب من أفطر متعمدًا في رمضان
في بيان أحكام حال من رأى الصائم الذي نوى من الليل الصيام أفطر أي: أكل أو شرب ما يتغذى به، أو جامع في أحد السبيلين متعمدًا أي: غير ناسي ولا مخطئ ولا مضطر في رمضان أي: نهاره لزمه القضاء والكفارة، أما لزوم القضاء فلاستدراك المصلحة الغائبة، وأما لزوم الكفارة فلكمال الجناية وهي هتك حرمة الشهر بالأكل والشرب والجماع في نهار رمضان.
349 -
أخبرنا مالك، حدثنا الزهري، عنْ حُمَيْد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رجلًا أفْطَرَ في رمضان، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةً، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينًا، قال: لا أجدُ، قال فأُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ من تمر، فقال:"خُذ هذا فتصدَّق به"، فقال: يا رسول الله، ما أَجِدُ أحْوَجَ إليه مني، قال:"كُلْهُ".
قال محمد: وبهذا نأخذ، إذا أفطر الرجل متعمدًا في شهر رمضان، بأكل أو شربٍ أو جِمَاع فعليه قضاءُ يوم مكانه، وكفارة الظِّهَار: أن يَعْتِق رَقَبَةً، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا، لكل مسكين نصفُ صاع من حنطة، أو صاعٌ من تمر أو شعير.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، يعني ينسب إلى ملك ذي أصبح من ملوك اليمن، وكان من أتباع التابعين، من الطبقة السابعة من أهل المدينة، وهي في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة، وفي نسخة: محمد قال: بنا وفي نسخة أخرى: أنا، رمزًا إلى أخبرنا حدثنا وفي نسخة: بنا وفي نسخة أخرى: "عن" موضع "أخبرنا" الزهري، أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري يعني: ينسب إلى زهرة بن كلاب، وكان تابعيًا مدنيًا من الطبقة الرابعة من أهل المدينة ومن التابعين عن حُمَيْد بن عبد
(349) صحيح، أخرجه: البخاري (1936)، ومسلم (1111)، وأبو داود (2392)، والترمذي (724)، وابن ماجه (1671)، وأحمد (7635)، (10309)، والدارمي (1716)، ومالك (660).
الرحمن، أي: ابن عوف الرواسي ذكره ابن حبان في (الثقات) وهو من الطبقة الثالثة من التابعين عن (ق 371) أبي هريرة رضي الله عنه قال الحافظ: هكذا توارد عليه أصحاب الزهري وأكثر من أربعين نفسًا جمعتهم في جزء مفرد أن رجلًا هو سليمان بن صخر، وهو أحد بني بياضة أفْطَرَ أي: وقع على أهله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، أي: نهاره وقال أكثر الرواة عن الزهري: أن رجلًا وقع على امرأته في رمضان فذكروا ما أفطر به، فتمسك به أحمد والشافعي ومن وافقهما في لزوم الكفارة خاصة في الجماع؛ لأن الزمة بريئة فلا يثبت شيء فيها إلا بيقين. وقال مالك وأبو حنيفة وطائفة: عليه الكفارة بتعمد أكل أو شرب، ونحوهما أيضًا؛ لأن الصوم شرعًا: الامتناع من الطعام والجماع، فإذا ثبت في وجه من ذلك شيء في نظيره والجامع بينهما انتهاك حرمة الشهر بما يفسد الصوم عمدًا فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَة، أي: إن قدر عليها أو صيام شهرين متتابعين، أي: إن استطاع أو إطعام ستين مسكينًا، في التخيير مرتب قال ابن عبد البر: هكذا روى هذا الحديث مالك لم تختلف رواية بلفظ التخيير، وتابعه ابن جريج، وأبو أويس عن ابن شهاب عن ترتيب كفارة الظهار "هل تستطيع أن تعتق رقبة" قال: لا، قال:"فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين" قال: لا، قال:"فهل تجد طعام ستين مسكينًا" قال: لا. . . الحديث، وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي وطائفة فقالوا: لا ينتقل عن العتق إلا عند العجز منه، ولا عن [الصيام](1) كذلك.
وقال مالك وجماعة: هي على التخيير لظاهر حديث الباب الدال على أن الترتيب في الرواية الثانية ليس بمراد؛ لأنه اقتصر على الإِطعام في حديث عائشة في (الصحيحين) وغيرهما؛ ولذا قال مالك: الإِطعام أفضل؛ ولأنه سنة البدل في الصيام، ألا ترى أن الحامل والمرضع والشيخ الكبير والمفرط في قضاء رمضان حين دخل عليه رمضان آخر لا يؤمر واحد منهم بعتق ولا صيام، فصار الإِطعام له مدخل في الصيام ونظائر من الأصول؛ فلذا فضله مالك قال: أي: المسئول عن الأشياء الثلاثة لا أجدُ، أي: قوة على جميع ما ذكر، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمان بن صخر "تصدق" فقال: يا نبي الله ما لي شيء وما أقدر عليه، زاد ابن عيينة عن ابن شهاب فقال:"اجلس" فأُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضم الهمزة مبنيًا للمفعول ولم يسم الآتي أي جيء لكن
(1) في الأصل: العتق.
للبخاري في الكفارات: فجاء رجل من الأنصار، وللدارقطني عن سعيد بن المسيب مرسلًا: فأتى رجلًا من ثقيف، قال الحافظ: فإن لم يحمل على أنه كان حليفًا للأنصار أو إطلاق الأنصار بالمعنى الأعم، وإلا فما في الصحيح أصح. بِعَرَقٍ من تمر، بفتح العين المهملة فراء مفتوحة فقاف، وروى بإسكان الراء والفتح أفصح وأشهر ذكره السيوطي، وهو الكيل العظيم يسعه ثلاثون صاعًا وقيل: خمسة عشرة كذا في (المغرب)، فقال:"خُذْ هذا فتصدَّق به"، أي: بالتمر الذي فيه (ق 372) فقال: يا رسول الله، ما أَجِدُ الآن أحدًا أي: ما بين لابتي المدينة من الحرائر، فإن النكرة وقعت في سياق النفي فتفيد عمومًا أحْوَجَ إليه ضبط بالرفع على جعل ما تميمية والنصب على جعلها حجازية عاملة عمل ليس أي: ليس أحد من الناس أجده في الحال أفقر وأحق إلى أكله مني، ومن عيالي، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه أي: أسنانه الرباعيات، وقد روي أن ضحكه كان تبسمًا في غالب أحواله، لكنه تعجب هنا من حال الرجل في كونه جاء أولًا هالكًا محترقًا، خائفًا على نفسه راغبًا في فدائها مهما أمكنه، فلما وجد الرخصة طمع أن يأكل الكفارة ثم قال صلى الله عليه وسلم:"كُلْهُ" وفي رواية: "أطعمه أهلك" وفي رواية أخرى: "عيالك" واحتج القائل بأنه لا تجب الكفارة، ورد بأنه أباح له تأخيرها إلى وقت اليسر؛ لا أنه أسقطها عنه جملة، وليس في الحديث نفي استقرارها عليه بل فيه دليل لاستقرارها؛ لأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعجزه عن الخصال الثلاثة ثم أتى صلى الله عليه وسلم بالتمر فأمره بإخراجه في الكفارة، فلو كانت تسقط بالعجز لما أمره بذلك، لكن لما احتاج إلى الإِنفاق على عياله في الحال أذن له في أكله وإطعام عياله، وبقيت الكفارة في ذمته ولم يبين ذلك له؛ لأن تأخيره البيان إلى وقت الحاجة وهو جائز عند الجمهور. وقال ابن العربي: كان هذا رخصة لهذا الرجل خاصة، أما اليوم فلا بد من كفارة كذا قاله الزرقاني.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: إنما نعمل بما رواه حميد ين عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه، إذا أفطر الرجل، وكذا المرأة متعمدًا أي: غير ساهٍ ولا مخطئ فإن من أفطر ساهيًا لا يلزمه شيء، وإن أفطر خطأ يلزمه القضاء فقط في شهر رمضان، أي: في نهاره بأكلٍ أو شربٍ أو جِمَاع أخره مبالغة في استواء أمره مع غيره فعليه أي: فيجب عليه شيئان أحدهما: قضاءُ يوم مكانه، أي: بدل يوم أكل فيه أو يومين أكل فيهما أو أيام أكل فيهن قصدًا. وثانيهما: وكفارة الظِّهَار وهو في اللغة: مصدر ظاهر من امرأته إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي كذا في (الصحاح) و (المغرب)، وفي الشريعة: وهو تشبيه مسلم
زوجته أو تشبيه ما يعبر عن أعضائها أو جزء شائع منها كبطنها أو فخذها بمحرم عليه تأبيدًا كأنت علي كظهر أمي أو رأسك أو رقبتك أو عنقك، أو نصفك كظهر أمي أو بطنها أو فخذها أو فرجها أو كظهر أختي أو عمتي، فيحرم على الزوج وطء امرأته ودواعيه بما ذكر حتى يكفر كذا قاله التمرتاشي في (تنوير الأبصار)، وهي أي: الكفارة أن يَعْتِقِ المفطر متعمدًا رَقَبَةً، أي: غير معيوبة بفوت منفعة البطش والمشي والكلام والنظر ولو كانت غير مؤمنة فإن لم يجد أي: المفطر رقبة ولا قيمتها فصيام أي: فله صيام شهرين متتابعين، أي: ليس فيهما يوم عيد ولا أيام التشريق للنهي عن صيامها وفي نسخة: صام لعله تصحيف عن صيام وإلا فمعنى فيصوم شهرين متتابعين فإن لم يستطع أي: فإن لم يقدر المفطر أن يصوم شهرين متتابعين فأطعم ستين مسكينًا، والشرط فيها أن يغديهم ويعشيهم غداء وعشاء (ق 373) مشبعين أو يغديهم غدائين وليعشيهم عشائين أو عشاء وسحورًا لكل مسكين أي: يطعم المكفر لكل مسكين نصفُ صاع من حنطة، أو صاعٌ من تمر أو شعير ويعطي قيمته، وكفت كفارة واحدة عن أكل وشرب وجماع متعدد في أيام كثيرة لم يتخلل الجماع أو الأكل والشرب تكفير، ولو كان الجماع والأكل والشرب من رمضان على الصحيح التداخل بقدر الإِمكان، فإن تخلل التكفير بين الوطئين والأكلين والشربين لا تكفي كفارة واحدة في ظاهر الرواية لعدم حصول الزجر بعوده كما في (مراقي الفلاح) صورته: لو جامع مرارًا في يوم من رمضان واحد ولم يكفر كان عليه كفارة واحدة؛ لأنها شرعت للزجر وهو يحصل بواحد، فلو جامع فكفر ثم جامع مرة أخرى فعليه كفارة أخرى في ظاهر الرواية للعلم بأن الزجر لم يحصل بالأول، ولو جامع في رمضانين فعليه كفارتان، وإن لم يكفر للأولى في ظاهر الرواية.
وقال محمد: عليه كفارة واحدة قال في (الأسرار): وعليه الاعتماد كذا في البزازية، ولو أفطر ثلاثة أيام فأعتق في كل يوم ثم استحقت الثالثة فعليه الكفارة الثالثة، ولو استحقت الأولى فعليه كفارة واحدة، ولو استحقت الثانية وحدها الأولى وحدها فلا شيء عليه؛ لأن ما بعدها يجزئ عن ما قبلها وما قبلها لا يجزئ عما بعدها كذا قاله التمرتاشي.
لما فرغ من بيان أحكام الإِفطار متعمدًا في نهار رمضان، شرع في بيان أحكام حال الرجل دخل في الصباح في رمضان جنبًا وهو صائم، فقال: هذا
* * *