الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يبزق تحت قدمه، وفيه نقض ما أصلوه، وفيه رد (1) على من زعم أنه على العرش بذاته، ومهما تأوله به جاز أن يتأول به ذاك، وهذا التعليل يدل على حرمة البزاق في القبلة، سواء كان في المسجد أو لا، لا سيما من المصلي، فلا يجري فيه الخلاف في أن كراهة البزاق في المسجد هل هي للتنزيه أو للتحريم.
وفي صحيحي ابن خزيمة وابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "يُبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه"، كذا قاله الزرقاني.
قال محمد: ينبغي له أي: للمصلي أن لا يبصق تِلْقاء وجهه، احترامًا لربه وقبلته، ولا عن يمينه أي: تعظيمًا لكاتب الحسنات، ولا عن يساره، تكريمًا لكاتب سيئاته، ولأنه ربما يكون أحد في أخرى جهاته، وليبصق تحت رجله اليسرى، أي: إذا كان تحت رجله شيء من ثيابه، وإلا فيكره فوق أرض المسجد، وكذا فوق حصيره، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم:"إذا تنخم أحدكم وهو في المسجد فليغيب نخامته لئلا يصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه"(2) رواه أحمد وأبو يعلى، والبيهقي عن سعد، كذا قاله علي القاري (ق 278).
لما فرغ من بيان حكم النخامة في المسجد وما يُكره فيه، شرع في بيان عرق الجنب والحائض، فقال: هذا
* * *
باب الجنب والحائض يعرقان في الثوب
في بيان حكم عرق الجنب والحائض وهما يعرقان، أي: يصبان عرقهما، وهو بفتح التحتية وسكون العين المهملة، وفتح الراء المهملة والقاف، وبعده ألف ونون مضارع من باب علم ومصدره عرق بفتحتين، وهو ماء يخرج به لترشيح من جلد الحيوان بسبب حرارة
(1) هذا خطأ تبع فيه المصنف - عفا الله عنه - المؤوِّلة، والصواب ما ذهب إليه السلف: أن الله تعالى على العرش، كما وردت بذلك النصوص، قال تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، وانظر كتاب العلو للحافظ الذهبي - رحمه الله تعالى. المحقق.
(2)
أخرجه: أحمد (1546)، وابن خزيمة (1311)، وأبو يعلى (808)، والبزار (1127)، والبيهقي في الشعب (11179).
شديدة، يعني الرجل الجنب والحائض يصب عرقهما في ثوب، وهو أي باب مصدر إذ أصله بوب بفتح الباء وسكون الواو بعدها موحدة من باب نصر، فقلبت الواو ألف لسكونها أو انفتاح ما قبلها، فصار بابًا وهو في اللغة المنع، وهو مبني للفاعل، فيكون بمعنى المانع، وإنما جاء به ليمنع دخول حكم ما قبله في حكم ما بعده، كما يمنع بواب دار السلطان من دخول الأجانب فيها، وهو إما ساكن أو منون، فإن كان ساكنًا فلا حظ له في الإِعراب؛ لأن الإِعراب مستحق بعد التركيب، فلا تركيب حينئذ، وإن كان منونًا فهو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف كما قدرناه، أو مبتدأ على أنه علم جنس وخبره محذوف، كما قاله أكمل الدين محمد بن أحمد الخباري في (معراج الدراية على الهداية) ونوح أفندي في (حاشية الدرر)، والمناسبة بين هذا الباب والباب السابق تنفر فإن النخامة والعرق ينفر منهما طبع سليم؛ لأن من عرق النبي صلى الله عليه وسلم فإن منه الورد الأحمر، كما قاله صلى الله عليه وسلم:"من أراد أن يشم رائحتي فليشم الورد الأحمر"، كذا نقله النووي في (كنوز الحقائق) عن (مسند الفردوس) للديلمي.
282 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن ابن عمر، أنه كان يعرق في الثوب وهو جُنُبٌ، ثم يصلي فيه.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا بأس به ما لم يصب الثوب من المنيّ شيء، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، حدثنا وفي نسخة: عن نافع، أي: المدني التابعي، مولى عبد الله بن عمر، عن أبن عمر، رضي الله عنهما، أنه كان يعرق بفتح التحتية وسكون العين المهملة، ثم راء مهملة مفتوحة وقاف بعدها مضارع من باب علم، أي: يصب عرق جلده بالترشيح في الثوب أي: الذي لابسه وهو أي: والحال أن ابن عمر جُنُبٌ، ثم أي: بعد الاغتسال يصلي فيه، أي: في الثوب الذي أصابه عرقه قبل غسله.
أخبرنا نافع عن صلاة ابن عمر بصيغة المضارع، وهو خلاف مقتضى الظاهر،
(282) صحيح، أخرجه: الدارمي (1020)، ومالك (117)، وابن أبي شيبة (1/ 218)، والبيهقي في الكبرى (913).
وينبغي أن يخبر عن صلاته بأن يقول: ثم صلى فيه وعدل عنه حكاية بحال الماضية، وفسرها صاحب (الكشاف) بأن تقدر أن ذلك الفعل القاضي واقع في حال المتكلم واستحضارًا بتلك الحالة الماضية عند المخاطبين، واسترارًا في قلوب السامعين، بأن ابن عمر صلى في الثوب الذي أصابه عرقه في حالة الجنابة قبل غسله؛ لأن عرق بني آدم طاهر بالاتفاق، لا فرق بين الصغير والكبير، والمسلم والكافر، والجنب والحائض، وكذا سؤرهم طاهر؛ لأن عرقهم وبصاقهم متولدان من لحمهم ولحومهم طاهرة، ولكن لا تؤكل لكراهتهم لا لخبثهم، حتى لو سال عرق المؤمن وأصاب ثوبه وبدنه أكثر من قدر الدرهم (ق 279) لا يمنع جواز صلاته، كذا قاله الشرنبلالي في (مراقي الفلاح).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، فانخنس منه، فذهب واغتسل، ثم جاء فقال:"أين كنت يا أبا هريرة؟ " قال: كنتُ جنبًا، فكرهت أن أجالسك، وأنا على غير طهارة، فقال:"سبحان الله، إن المؤمن لا ينجس"(1)، وتمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال: إن الكافر نجس العين، وقواه بقوله تعالى في سورة التوبة:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء، لاعتياده مجانبة النجاسة بخلاف المشرك لعدم تحفظه عنها، وعن الآية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد والاستقذار؛ ولأنه يجب اجتنابهم كالنجاسة، أو لأنهم لا يتطهرون ولا يجتنبون عن النجاسة ملابسون لها غالبًا، وحجة الجمهور أن الله تعالى أباح نساء أهل الكتاب، ومعلوم أن عرقهن لا يأمن منه من يضاجعهن، ومع ذلك فلم يجب عليه من الغسل من الكتابية إلا بمثل ما يجب عليه من المسلمة، فدل على أن الآدمي الحي، ليس بنجس العين، ولا فرق بين النساء والرجال، كذا قاله الزرقاني (2).
قال محمد: وبهذا أي: بخبر نافع عن فعل ابن عمر نأخذ، أي: نعمل ونفتي بأنه لا بأس به أي: لا يمنع صحة صلاة المؤمن في ثوب أصاب به عرقه في حال الجنابة، وصلى فيه قبل غسله، ما لم يصب الثوب من المنيّ أي: ونحوه من المذي والدم وغيرهما
(1) أخرجه: البخاري (285)، ومسلم (371).
(2)
انظر: شرح الزرقاني (1/ 157).