الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب القران بين الحج والعمرة
في بيان أحكام القران، وهو مصدر قرن من باب نصر وفعال يجيء مصدرًا من الثلاثي كلباس، وهو الجمع بين الشيئين يقال: قرنت البعير إذا جمعت بينهما بحبل، وهو في اللغة أن يقرن بالحج والعمرة كما أشار إليه بقوله: بين الحج والعمرة، وفي الشرح: القارن يقول من الميقات أو قبله بعد الصلاة التي يريد بهما الإِحرام: اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني، ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، والقران أفضل عند أبي حنيفة وقال مالك والشافعي: الإِفراد أفضل، وقال أحمد: التمتع أفضل.
393 -
أخبرنا مالك، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي، أن سليمان بن يسار، أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَ حَجَةِ الوداع كان مِنْ أصحابه مَنْ أَهَلَّ بحج، ومن أَهَلَّ بعمرة، ومنهم من جَمَعَ بين الحج والعمرة، قال: فَحَلّ من كان أهلّ بالعمرة، وأما من كان أَهَلَّ بالْحَجِّ، أو جمع بين الحج والعمرة فلم يَحِلّوا.
قال محمد: وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة والعامة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، أخبرنا وفي نسخة: قال: ثنا، محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي، يكني أبا الأسود المدني التابعي يتيم عروة ثقةَ في الطبقة السادسة، من أهل المدينة، مات سنة بضع وثلاثين بعد المائة من الهجرة (1) أن سليمان بن يسار، أي: الهلالي المدني مولى ميمونة وقيل: أم سلمة ثقة فاضل أحد الفقهاء السبعة من كبار التابعين قال ابن حجر (2): إنه كان في الطبقة الثالثة، واعتبر عبد الرحمن بن الجوزي
(393) أخرجه: البخاري (1487)، ومسلم (1211)، وأبو داود (1779)، والنسائي (2991)، وابن ماجه (3075)، وأحمد (24572)، ومالك (738) مرسلًا، وابن حبان (3926)، والحاكم (1782)، وابن خزيمة (2604)، والشافعي في المسند (1062)، وأبو يعلى (4652)، والبيهقي في الكبرى (9511)، من طرق عن عائشة رضي الله عنها.
(1)
انظر: التقريب (2/ 535).
(2)
انظر: التقريب (1/ 229).
أنه كان من الطبقة الأولى مات بعد المائة، وقال بعض المؤرخين: مات قبلها ومن مناقبه: أنه كان من أحسن الناس وجهًا فدخلت عليه امرأة فسألته نفسه، فقالت: أدن فخرج عن منزله هاربا فتركها فيه فرأى كما يرى النائم يوسف صلوات الله على نبينا وعليه، وكأنه يقول له: أنت يوسف قال: نعم أنا يوسف الذي هممت وأنت كسليمان الذي لم يهم، وخرج هو وأخوه عطاء بن يسار الهلالي مولى ميمونة حاجين ومعهما أصحاب فنزلوا بالأبواب، فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم وبقي عطاء يصلي فدخلت عليه امرأة جميلة فلما رأها ظن لها حاجة فأوجز ثم قال: ألك حاجة؟ قالت: نعم قال: وما هي؟ قالت: قم فأصب مني فإني قد وردت، ولا بعل لي قال: إليك عني، تحرقيني ونفسك بالنار ونظر إلى امرأة جميلة، وجعلت تراوده وتأبى إلا ما تريد فجعل يبكي ويقول: ويحك إليك عني واشتد بكاؤه، فلما نظرت إليه وما داخله من البكاء والجزع بكت لبكائه، فجعل يبكي وهي تبكي بين يديه، فجاء سليمان من حاجته فنظر إليها فبكى لبكائهما لا يدري ما أبكاهما، وجعل أصحابهما يأتون رجلًا رجلًا كلما أتى رجل فرآهم يبكون جلس يبكي لا يسألهم عن أمرهم، حتى كثر البكاء وعلا الصوت، فلما رأت الأعرابية ذلك قامت فخرجت فقام القوم فدخلوا، فلبث سليمان بعد ذلك لا يسأل أخاه إجلالًا له وهيبة وكان أسن من أخيه عطاء، ثم قدما مصرًا لبعض حاجتهما فلبثا بها ما شاء الله، فبينما عطاء ذات ليلة نائم إذا استيقظ وهو يبكي فقال سليمان: ما يبكيك؟ قال: رؤيا قال: ما هي؟ قال: لا تخبر بها أحد ما دمت (ق 424) حيًا رأيت يوسف صلوات الله على نبينا وعليه وجئت أنظر إليه كمن ينظر فلما رأيت حسنه بكيت فقال: ما يبكيك؟ قلت: بأبي أنت وأمي يا نبي ذكرتك وامرأة العزيز وما ابتليت به من أمرها وما لقيت من السجن وفرقة يعقوب فبكيت من ذلك، وجعلت أتعجب منه قال: فهل تعجبت من صاحب المرأة البدوية بالأبواب فعرفت الذي أراد فبكيت واستيقظت باكيًا قال سليمان: أي أخي ما كان من حال تلك المرأة فقص عليه القصة فما أخبرتها حتى مات، فكان سليمان يصوم الدهر وعطاء يصوم يومًا ويفطر يومًا. كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في طبقاته.
أخبره أي: أخبر سليمان بن يسار بمحمد بن عبد الرحمن مرسلًا وقدمت أن أبا الأسود وصله عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَ
حَجَةِ الوداع بفتح الواو وبكسر كان مِنْ أصحابه مَنْ أي: الذي أَهَلَّ أي: دخل في الإِحرام بحج، أي: مفرد وهم تسعون ألفًا ويقال: مائة ألف وأربعة عشر ألفا، ويقال: أكثر من ذلك. حكاه البيهقي، وهذا في عدة الذين خرجوا معه، وأما الذين حجوا معه فأكثر من ذلك كالمقيمين بمكة، والذين أتوا من اليمن مع علي وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما وفي حديث:"إن الله وعد أن هذا البيت يحجه في كل سنة ستمائة ألف إنسان فإن نقصوا أكملهم الله بالملائكة".
قال الحافظ في (تسديد القوس)(1): هذا الحديث ذكره الغزالي ولم يخرجه شيخنا العراقي قوله: عام ظرف مضاف إِلى حجة تضاف إلى الوداع ومتعلق بخرج حذف تقديره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى عام حجة الوداع ومعه من أصحابه ثلاثة أقسام الأول منها من أهل بحج، والثاني منها من أهل بعمرة، والثالث من أهل بحج وعمرة، أما من أهل أي: أحرم بحج مفرد فهو لا يخرج من إحرامه حتى كان يوم النحر وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأما من أَهَلَّ بعمرة، فيتحرج إحرامه بأن يطوف ويسعى بين الصفا والمروة قبل أيام منى ومنهم من جَمَعَ بين الحج والعمرة، فلا يخرج من إحرامه حتى يكون يوم النحر بمعنى ومن أهل أي: أحرم بعمرة أي: وحدها، وفي نسخة: ومنهم مؤخرًا عن قوله ومنهم أي: من أصحابه صلى الله عليه وسلم ما جمع بين الحج والعمرة أي: قرن بينهما والهاء في قوله: قال فَحلّ من كان أهلّ بالعمرة، تفصيلية تقديره: أما من أحرم بالعمرة فقط فخرج من إحرامه لها بعد ما طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وحلق أو قصر وأما من كان أَهَلَّ أي: أحرم بالْحَجِّ، أو جمع بين الحج والعمرة فلم يَحِلّوا أي: لم يخرجوا من إحرامهما إلا بعد أن حلقوا بمنى في غير الجماع وبعد أن طافوا في سائر المحظورات قال الزرقاني (2): لم يسق هديا فليحلل بعد ما طاف وسعى وحلق أو قصر بالإِجماع، ومن ساقه عند مالك والشافعي وجماعة وأحمد وجماعة لا يحل من عمرته حتى ينحر هديه (ق 425) يوم النحر، لما في مسلم عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: من أحرم بعمرة ولم يهد فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه، ومن أهل بحج فليتم حجة، وهو ظاهر فيما قالوه، وأجيب بأن هذه الرواية مختصرة من الرواية الأخرى، وفي
(1) تسديد القوس.
(2)
انظر: شرح الزرقاني (2/ 341).
(الصحيحين) عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: "من كان معه هدي فليهلل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا"(1) فهذه مفسرة للمحذوف من تلك وتقديرها: من أحرم بعمرة وأهدى فليهلل بالحج مع العمرة، ولا يحل حتى ينحر هديه وهذا التأويل متعين جمعًا بين الروايتين، لاتحاد القضية والراوي انتهى.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: إنما نعمل بما رواه سليمان بن يسار وهو أي: ما فعلناه قولُ أبي حنيفة والعامة أي: عامة فقهائنا.
* * *
394 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، أن عبد الله بن عمر خرج في الفتنة معتمرًا، وقال: إن صُدِدْتُ عن البيت صَنَعْنَا كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: فخرج وأهلَّ بالعمرة، حتى إذا ظهر على ظهر الْبَيْدَاءِ التفت إلى أصحابه، وقال: ما أمرهما إلا واحد، أُشْهِدُكم أني قد أَوْجَبْتُ الحج مع العُمْرَة فخرج حتى إذا جاءَ البيت طاف به، وطاف بين الصَّفَا والْمَرْوَة سَبْعًا سَبْعًا لم يزد عليه، ورأى ذلك مجزئًا عنه، وأَهْدَى.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، أخبرنا، في نسخة: قال: بنا، نافع، أي: المدني مولى عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر خرج في الفتنة أي: خرج إلى مكة في فتنة الحجاج بن يوسف معتمرًا، أي: قاصدًا العمرة وقال: إن صُدِدْتُ على بناء المفعول أي: إن منعت عن البيت أي: عن طواف صَنَعْنَا أي: أنا ومن تبعني كما صنعنا أي: نحن الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: من التحلل بذبح الهدي والحلق والتقصير حين حصرنا بالحديبية قال: أي: نافع فخرج أي: ابن عمر من المدينة وأهلَّ أي: أحرم بالعمرة، من ذي الحليفة عام الحديبية من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بعمرة عام الحديبية
(1) أخرجه: البخاري (4134)، ومسلم (1211)، وانظر رقم (393).
(394)
أخرجه: البخاري (1718)، ومسلم (1230)، وأحمد (7192)، ومالك (797)، والشافعي في مسنده (580)، والبيهقي في الكبرى (10207)، (8828)، وابن جرير في التفسير (2/ 220).
وسار حتى إذا ظهر أي: صعد على ظهر الْبَيْدَاءِ أي: متن المغارة والصحراء التفت إلى أصحابه، أي: نظر إليهم وقال: أي: مخبرًا لهم بما أدى إليه نظره ما أمرهما أي: أمر الحج والعمرة إلا واحد، بالرفع أي: في حكم الحصر فإذا جاز التحليل في العمرة مع أنها غير محدودة بوقت فهو في الحج أجوز، وفيه العمل بالقياس أُشْهِدُكم أني قد أَوْجَبْتُ الحج مع العُمْرَة أي: دخلته عليها، وجمعت بينهما وإنما أشهد بذلك ولم يكتف بالنية؛ لأنه أراد الإِعلام لمن يريد الاقتداء، وفيه دليل على أن من أحرم بعمرة من الميقات ثم أحرم بحجة قبل أن يطوف أربعة أشواط من العمرة كان قارنًا وكذا إن أحرم من الميقات ثم أحرم بحجة قبل أن يطوف كان قارنًا لفعله صلى الله عليه وسلم في حجة الوادع فخرج حتى إذا جاءَ البيت طاف به، أي: بالبيت وطاف بين الصَّفَا والْمَرْوَة سَبْعًا قيد لكل منهما أو للثاني وأطلق الأول لظهور أمره ووضوح قدره، ولكن سمى السعي بين الصفا والمروة طوافًا على طريق المشاكلة والطواف أن يزار البيت على الدور بأطرافه، والسعي بين الصفا والمروة أن يمشي بينهما راجلًا وراكبًا فالشركة بينهما الزيادة المخصوصة كما حكى تعالى عن عيسى صلوات الله على نبينا وعليه {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 116] لم يزد أي: حينئذ عليه، أي: على ما فعله ورأى ذلك أي: ما فعله من الاكتفاء بطواف واحد مجزئًا عنه، أي: كافيًا ولا يحتاج إلى طواف آخر للقدوم ولا إلى سعي آخر للحج مقدمًا أو مؤخرًا، وبه قال مالك والشافعي وأحمد والحديث في (الصحيحين) مبسوطًا، ولنا ما رواه النسائي عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية (ق 426) قال: طوفت مع أبي وقد جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين، وسعى سعيين، وحدثني أن عليًا رضي الله عنه فعل ذلك وحدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. وروى محمد بن الحسن في (الآثار) عن أبي حنيفة، عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن أبي نصر السلم عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال:"إذا أهللت بالحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين بين الصفا والمروة" قال منصور: فلقيت مجاهدا وهو يفتي بطواف واحد لمن قرن فحدثته بهذا الحديث فقال: لو كنت سمعته لم أفت إلا بطوافين، وأما فلا أفتي إلا بهما انتهى.
وبه قال ابن مسعود والشعبي والنخعي وجابر بن زيد وعبد الرحمن الأسود والثوري والحسن بن صالح وأَهْدَى أي: أرسل إلى المحرم حيوانًا يجوز أن يضحي به كإبل
وبقرٍ وشاة فلم ينحر ولم يحل من شيء حرم منه ولم يحلق، ولم يقصر حتى كان يوم النحر حلق ونحر، ورأى أن قد مضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، وقال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا في الصحيحين، وهذا الهدي واجب على القارن والمتمتع لقوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وهو عندنا دم شكر وعند الشافعي دم جبر.
* * *
395 -
أخبرنا مالك، حدثنا صَدَقة بن يَسَار المكي، قال: سمعتُ عبد الله بن عمر، ودخلنا عليه قبل يوم التَّرْوِية بيومين أو ثلاثة، ودخل عليه الناس يسألونه، فدخل عليه رجل من أهل اليمن ثائر الرأس، فقال: يا أبا عبد الرحمن إني ضفَّرتُ رأسي، وأحْرَمْتُ بِعُمْرَة مفردة، فماذا ترى؟ قال ابن عمر: لو كنتُ معك حين أحرمت لأَمَرْتُكَ أن تُهلَّ بهما جميعًا، فإذا قدمت طفت بالبيت وبالصفا والمروة، وكنتَ على إحرامك، لا تَحِل من شيء حتى تحل منهما جميعًا يوم النحر وتنحر هديك.
وقال له ابن عمر: خذ ما تطاير من شعرك واهْدِ، فقالت له امرأة في البيت: وما هديه يا أبا عبد الرحمن؟ قال: هديه ثلاثًا، كلَّ ذلك يقول هديُه، قال: ثم سكت ابن عمر، حتى إذا أردنا الخروجِ، قال: أمَا والله لو لم أجد إلا شاةً لكان أرى أن أذبحها أحبّ إليَّ من أن أصوم.
قال محمد: وبهذا نأخذ، القِرَانُ أفضل، كما قال عبد الله بن عمر.
فإذا كانت عمرة، وقد حضر الحج وطاف لها وسَعَى؛ فليقصِّر، ثم ليُحرم بالحج، فإذا كان يومُ النَحر حلق؛ وشاةٌ تُجْزِئهُ، كما قال عبد الله بن عمر.
وهو قولُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
(395) أخرجه: الشيباني في الحجة (2/ 61)، (2/ 473).
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، حدثنا وفي نسخة: قال: بنا، صَدَقة بن يَسَار بفتح التحتية المهملة الخفيفة الجزري المكي، أي: نزيل مكة شرفها الله تعالى، كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، وهو ثقة كان من الطبقة الرابعة مات في أول خلافة بني العباس وكان ذلك سنة اثنين وثلاثين ومائة قاله ابن حجر في (التقريب)(1).
قال: سمعتُ عبد الله بن عمر، ودخلنا أي: والحال قد دخلنا نحن جماعة من التابعين عليه قبل يوم التَّرْوِية وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة بيومين أو ثلاثة، ودخل عليه الناس يسألونه، أي: عن مفاسد المناسك وغيرها فدخل عليه رجل من أهل اليمن ثائر الرأس، أي: متفرق شعر رأسه لقلة دهنه وعدم مشطه فقال أي: الرجل: يا أبا عبد الرحمن وهو كنية عمر بن الخطاب إني ضفَّرتُ رأسي، بفتح الضاد المعجمة وفتح الفاء الخفيفة وبالتشديد بمعنى واحد أي: جعلته ضفائر كل ضفيرة على حدة وأحْرَمْتُ بِعُمْرَة مفردة، فماذا ترى؟ أي: أي حكم من الأحكام تختار، وفي نسخة: تأمرني قال ابن عمر: لو كنتُ معك أي: أيها اليمني حين أحرمت لأَمَرْتُكَ أن تُهلَّ أي: أن تدخل الإِحرام بالتلبية بهما أي: بالحج والعمرة جميعًا، أي: لأن القران أفضل من التمتع وكذا من الإِفراد على ما عليه جمهور المحققين فإذا قدمت أيها اليمني إلى مكة بعد فرض إحرامك وبها طفت بالبيت وبالصفا والمروة، أي: إذا دخلت في مكة طفت بالبيت الحرام وسعيت بالصفا والمروة للعمرة وكنتَ أي: واثبت على إحرامك، لا تَحِل من شيء أي: من محظورات الإِحرام حتى تحل منهما جميعًا أي: بأن تخرج من إحرام الحج والعمرة يوم النحر بأن ترمي جمرة العقبة وتنحر أي: تذبح هديك أي: للقران ثم تحلق رأسك وتخرج (ق 427) من الإِحرامين إلا ما يتعلق بالجماع فإنه يتوقف على طواف الإِفاضة، وفي إعادة حرف الجر في قوله: بالصفا والمروة اعتناء بشأن السعي بين الصفا والمروة ودليل على جوابه بينهما.
قال صاحب (النهاية): أصل هذا السعي سنة أن إبراهيم صلوات الله على نبينا وعليه لما هاجر بها وابنه إسماعيل صلوات الله على نبينا وعليه إلى واد غير ذي زرع وتركهما عند الكعبة، ثم رجع إلى الأرض المقدسة فعطشت هاجر وصعدت الصفا لترى
(1) انظر: التقريب (1/ 254).
الماء فلم تر، فنزلت تمشي على هينتها تنظر إلى ولدها فلما بلغت بطن الوادي سعت، فلما خرجت منه مشت إلى المروة فعلت هكذا سبعًا، فلما أيست من الماء جاءت إلى ولدها فرأت ماء ينبع من تحت رجل ولدها إسماعيل بسبب ضرب جبريل عليه السلام على الأرض عقب رجله أو طرف جناحه، فحمدت الله وخافت ضياع الماء فجعلت تضع حوله أحجارًا وقال جبريل صلوات الله على نبينا وعليه وسلم لهاجر: لا تخافي عن ضياعه فإن الله تعالى يسقي به أضيافه إلى يوم القيامة فقالت له: يبشرك الله بخير وقال صلى الله عليه وسلم: "لولا أم إسماعيل لكان ماء زمزم معينا إلى يوم القيامة". كذا نقلناه في (سلم الفلاح).
وقال له أي: للرجل اليمني ابن عمر: أي: بعد ما بين له العمل الأفضل خذ أي: الآن ما تطاير أي: ارتفع من شعرك أي: إما بحلقك أو قصرك واهْدِ، أي: ذبح يوم النحر للتمتع فقالت له امرأة في البيت: في البيت الحرام من العراق وما هديه بفتح فسكون فتحتية خفيفة وبكسر الدال وتشديد التحتية أي جنس من الحيوان وجب عليه أن يذبحه في الحرم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: هديه أي: ما يطلق عليه الهدي من بعير أو بقر أو شاة ثلاثًا أي: قالته ثلاث، مرات كلَّ ذلك يقول هديُه، أي: في جوابه قال: أي: صدقة بن يسار المكي ثم أي: بعد الجواب للسائلة سكت ابن عمر، حتى أي: إلى غاية من الزمان إذا أردنا الخروج، أي: من عنده قال: أمَا بالتخفيف حرف تنبيه أي: اعلموا أيها المريدون الخروج من عندي والله لو لم أجد ما يجب على أن أذبحه إلا شاةً أي: فيما يجب علي من الهدي لكان أرى أن أذبحها أي: الشاة أحبّ إليَّ أي: أو أحب إلى من أن أصومَ أي: بدله ثلاثة أيام في الحج وسبعة بعد الرجوع، وهذا لا يخالف قوله تعالى في سورة البقرة:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] بدنة أو بقرة؛ لأنه رجع عنه أو لأنه قيد بعدم الوجوه، فمن وجد البقرة أو البدنة فهو أفضل له.
قال أبو عمر: هذا أصح من رواية من روى عن ابن عمر الصيام أحب إلي من الشاة؛ لأنه معروف في مذهب ابن عمر تفضيل إراقة الدماء في الحج على سائر الأعمال كذا قاله الزرقاني (1).
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: إنما نعمل بما رواه صدقة بن يسار القِرَانُ أي:
(1) انظر: شرح الزرقاني (2/ 446).
الإِحرام بالحج والعمرة أفضل، كما قال عبد الله بن عمر وفي (شرح مسلم) (1): اختلفت روايات الصحابة في صفة حجه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع هل كان قارنًا أو مفردًا أو متمتعًا وطريق الجمع أنه صلى الله عليه وسلم كان أولًا مفردًا ثم صار قارنًا، فمن روى الإِفراد روى (ق 428) أول الأمر، ومن روى القران اعتمد آخر الأمر، ومن روى التمتع اللغوي، وهو الارتفاق يعني الانتفاع الأخروي بأداء النسكين انتهى، وقد وضع ابن حزم كتابًا (2) في أنه كان صلى الله عليه وسلم قارنًا في حجة الوداع وتأول باقي الأحاديث فإذا كانت عمرة، أي: إحرامها وحدها وقد حضر أي: المحرم بها الحج أي أشهره بأن أوقع طوافه فيه أو أكثر وطاف لها وسَعَى؛ أي: للعمرة فليقصِّر، أي: إن لم يحلق ليكون حلقه بعد حجه ثم ليُحرم بالحج، فإذا كان يومُ النَحر حلق؛ أي: بعد الرمي والذبح مثاةٌ أي: واحدة من ضأن أو معز تُجْزِئهُ، أي: عن هديه كما قال عبد الله بن عمر أي: لأنها أدنى ما يطلق عليه الهدي وهو قولُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
* * *
396 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، أن محمد بن عبد الله بن نَوْفَل بن الحارث بن عبد المطلب حدَّثه: أنه سمع سعد بن أبي وقاص، والضحاك بن قيس عامَ حجَّ معاوية بن أبي سفيان، وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج؛ فقال الضحاك بن قيس: لا يُصْنَعُ ذلك إلا مَنْ جَهِلَ أمر الله تعالى، فقال سعد بن أبي وقَّاص: بئس ما قلتَ؛ قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصنعناها معه.
قال محمد: القِرَانُ أفضل من الإِفراد بالحج، وإفراد العُمْرَة، فإذا قَرَنَ
(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (8/ 135)، وتنوير الحوالك (ص: 250).
(2)
هو كتاب (حجة الوداع) مطبوع عدة طبعات.
(396)
أخرجه: الترمذي (823)، والنسائي في المجتبى (2733)، وأحمد (1506)، والدارمي (1759)، ومالك (758)، والنسائي في الكبرى (3714)، وابن حبان (3939)، والشافعي في المسند (1061)، وأبو يعلى (805)، والبزار (1232)، والبيهقي في الكبرى (8934)، وقال الترمذي: صحيح.
طاف بالبيت لعمرته، وسَعَى بين الصفا والمروة، وطاف بالبيت لحجته، وسعَى بين الصفا والمروة، طوافان وسَعْيان أحبَّ إلينا من طوافٍ واحدٍ وسعْيٍ واحد، ثبت ذلك بما جاءَ عن عليّ بن أبي طالب: أنه أمر القَارِنَ بطَوافين وسَعْيَيْن، وبه نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة والعامَّةِ من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي، يعني كان منسوبًا إلى ملك يقال له: ذو أصبح من ملوك اليمن، وكان في الطبقة السابعة من كبار أتباع التابعين، من أهل المدينة، وهي كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة (1) وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة: أنا وكل واحد منهما رمزًا إلى أخبرنا، أخبرنا وفي نسخة: قال: بنا، أو أنا ابن شهاب، وهو محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة (2) أن محمد بن عبد الله بن نَوْفَل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي النوفلي المدني مقبول كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة (3) وفي نسخة: حدَّثه: أي: ابن شهاب أنه أي: محمد بن عبد الله سمع سعد بن أبي وقاص، بن مالك الزهري، وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة (4) والضحاك بن قيس نصب على أنه عطف على سعد، وهو ابن خالد بن وهب القرشي الفهري الأمير المشهور صحابي، وهو أخو فاطمة بنت قيس كان أصغر سنًا منها يقال: إنه ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسبع سنين أو نحوهما وينفون سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم قتل في وقعة "مرج راهط" سنة أربع وستين، وكان من ولاة معاوية وعماله كذا نقله علي القاري عن ابن عبد البر في (الاستيعاب)(5) عامَ حجَّ معاوية بن أبي سفيان، وهما أي: سعد والضحاك يذكران المتعة أي: التمتع كما في نسخة: بالعمرة إلى الحج؛ أي: الإِحرام بأن يحرم بها في أشهره فقال الضحاك بن قيس، لا يُصْنَعُ ذلك أي: التمتع إلا مَنْ جَهِلَ أمر الله تعالى؛ لأنه تعالى قال في سورة البقرة: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] بأمره
(1) تقدم مرارًا.
(2)
تقدم مرارًا.
(3)
انظر: التقريب (2/ 528 - 532).
(4)
انظر: التقريب (1/ 201).
(5)
انظر: الاستيعاب (4/ 170) رقم (963)، والإصابة (4/ 160)، رقم (3187).
بالإِتمام، يقتضي استمرار الإِحرام إلى فراغِ الحج ومنع التحلل والمتمتع يتحلل ويستمتع بما كان محظورًا عليه فقال سعد بن أبي وقَّاص: بئس ما قلتَ؛ أي: يا ابن أخي ملاطفة وتأنيسًا فإن الحظر الذي يجب عنه الحذر فقال الضحاك فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك أي التمتع كما في (الموطأ) لمالك، روى الشيخان (1) واللفظ لمسلم عن أبي موسى: كنت أفتي الناس بذلك أي: بجواز التمتع في إمارة أبي بكر وعمر وإني لقائم بالموسم إذ جاءني رجل فقال: إنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في شأن النسك قال: إنه بكتاب الله تعالى فإنه تعالى قال: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] وأن نأخذ بسنة نبينا فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى نحر الهدي ولمسلم أيضًا فقال عمر: قد علمت (ق 429) أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه ولكن كرهت أن تظنوا معربين بهن أي: النساء في الأراك ثم تروحون في الحج تقطروا رؤوسهم، فبين عمر العلة التي لأجلها كره التمتع، وكان في رأيه عدم الترفه للحاج بكل طريق فكره قرب عهدهم بالنساء لئلا يستمر البلل إلى ذلك بخلاف من بعد عهده ومن يعظم بتعظيم، فقال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: المتعة اللغوية، وهي الجمع بين الحج والعمرة وحكم القران والمتعة واحد للأنواع الثلاثة في الحج من الإِفراد والتمتع والقران جائز بالإِجماع، وإنما الخلاف في الأفضل منها كما قدمناه وصنعناها معه أي: فعلنا المتعة اللغوية والشرعية مع النبي صلى الله عليه وسلم.
والحاصل: أن القران وقع منه صلى الله عليه وسلم والتمتع من بعض أصحابه بعلمه واطلاعه فالطف في كل منهما جهل بأمر الله تعالى، وقال سعد بن زيد الباجي المالكي: إنما نهى عمر؛ لأنه لم ير الإِفراد أفضل منهما ولم ينه عنها على وجه التحريم.
قال محمد: القِرَانُ عندنا أي: معشر الحنفية أفضل من الإِفراد بالحج، أي: مع إتيان عمرة بعده، وإلا فمن المعلوم أن العبادتين خير من عبادة واحدة إجماعًا فالمعنى أن بالجمع بينهما بإحرام أفضل من إتيانهما بإحرامين وإفراد العُمْرَة، أي: ومن إفراد العمرة في أشهر الحج وإفراد الحج بعدها ليكون متمتعًا وإلا فالعمرة سنة عندنا والحج وحده أفضل منها إجماعًا فإذا قَرَنَ أي: بين النسكين طاف بالبيت لعمرته، أي. طواف الفرد لها
(1) أخرجه: البخاري (1484)، ومسلم (1221)، والنسائي في المجتبى (2737)، وأحمد (275)، والدارمي (1760)، والنسائي في الكبرى (3718)، وابن الجارود في المنتقى (432)، وأبو يعلى (7278)، والبيهقي في الكبرى (8951)، والطيالسي في مسنده (516)، والروياني (557).
وسَعَى بين الصفا والمروة، أي: لأجلها، وطاف بالبيت لحجته، أي: طواف القدوم فإنه من سنن حجته وسعى بين الصفا والمروة أي: إن أراد تقديمه وقوفه وجاز له بل الأفضل أن يؤخر حتى يسعى بعد طواف فرضه المسمى بطواف الإِضافة وطواف الركن طوافان وسَعْيان أرى أي: النسكين أحبَ إلينا أي: واجب علينا من طوافٍ واحدٍ أي: من عمرته وقدوم حجته وسعْيٍ واحد، أي: عن عمرته وحجته كما قال به مالك والشافعي وأحمد ثبت ذلك أي: ما ذكرنا من الطوافين والسعيين بما جاءَ عن عليّ بن أبي طالب: أنه أمر القَارِنَ بطَوافين وسَعْيَيْن، أي: كما قدمناه وبه نأخذ، أي: إنما نعمل بما رواه محمد بن عبد الله بن نوفل بن الحارث وهو أي: قاله محمد بن عبد الله بن نوفل قولُ أبي حنيفة والعامَّةِ من فقهائنا وقد ذكرنا بعضهم.
* * *
397 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب قال: افْصِلُوا بين حَجَكم وعُمْرَتَكُم، فإنَّه أتَمُّ لحجّ أحدكم، وأتمُّ لِعُمْرَتِه أن يعتمر في غير أشهر الحَجّ.
قال محمد: يعتمر الرجل ويرجع إلى أهله، ثم يَحُج ويرجع إلى أهله، فيكون ذلك في سَفَرَيْن، أفضل من القِرَان في سفر واحد، ولكن القِرَان أفضل من الحجّ مفردًا والعُمْرة من مكة، ومن التمتُّع والحَجّ من مكة؛ لأنه إذا قَرَنَ كانت عُمْرَتُه وحَجَّته من بلده، وإذا تمتَّعَ كانت حَجَّتُهُ مَكِّيَّةً، وإذا أَفْرَدَ الحجّ كانت عُمْرَتُه مكيةً، فالقِرَان أفضل، وهو قولُ أبي حنيفة والعامَّةِ من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى: أنا، أخبرنا نافع، أي: المدني مولى ابن عمر عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: افْصِلُوا أي: فرقوا يا معشر المسلمين بين حَجَكم وعُمْرَتَكُم، أي: بأن تحرموا بكل منهما وحده وأن لا يكون العمرة في أشهر الحج أي: تفريق الحج عن
(397) أخرجه: مالك (765)، وابن أبي شيبة (4/ 234).
العمرة فإنَّه أتَمُّ لحجّ أحدكم، وأتمُّ لِعُمْرتِه أي: حيث يكون كل في سفر منفرد بناء على أن الأجر على قدر المشقة أن يعتمر أي: أن يحرم المعتمر للعمرة في غير أشهر الحَجّ وهو شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة والحاصل أنه قائل بأفضلية نوع من الإِفراد مما الخلاف فيه بين العباد.
قال محمد: يعتمر الرجل أي: يفعل الرجل المعتمر أفعال العمرة، وهي الإِحرام لها من ميقاتها وطواف البيت سبعة أشواط مع الرمل في الثلاثة الأولى منها والسعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط مع الهرولة بين الميلين الأخضرين في كل سعي، وأفعال العمرة في غير أشهر (ق 429) الحج إما قبلها وإما بعدها أيام التشريق.
ويرجع إلى أهله، والعمرة جائزة في جميع السنة؛ لأنها غير مؤقتة، وتكره يوم عرفة والنحر وأيام التشريق فإن هذه الأيام مشتغلة بأفعال الحج فلو اشتغلت بالعمرة ربما اشتغلت عنها فتفوت ولو أداها فيها جازت مع الكراهة كصلاة التطوع في الأوقات الخمسة المكروهة كذا في الاختيار، ثم أي: بعد رجوع المعتمر إلى أهله يَحُج أي: يفعل أفعال الحج في ذلك العام ويرجع إلى أهله، فيكون ذلك إلى الرجوع إلى أهله بعد إتمام أفعال العمرة والحج في سَفَرَيْن، أفضل من القرَان في سفرٍ واحد، ولكن القِرَان أي: في سفر أفضل من الحجّ مفردًا والعُمْرة من مكة، أي: فضلًا عما لا يأتي بها ومن التمتُّع أي: من العمرة في أشهر الحج، فمن كان في الحال يحرم للعمرة في أشهر الحج أو قبل أشهر الحج ويطوف لها في أشهر الحج أربعة أشواط أو أكثر؛ لأن العمرة في المتمتع أن يوجد طواف العمرة أو أكثر في أشهر الحج فيطوف المتمتع ويسعى ويحلق أو يقصر ويبقى على إحرامه حتى يحرم بالحج يوم التروية ويحلل من الإِحرامين بالحلق يوم النحر كذا قاله الشمني في (شرح النقاية) والحَجّ من مكة؛ لأنه إذا قَرَنَ كانت عُمْرَتُه وحَجَّته أي: كلتاهما من بلده، أي: حيث أحرم بهما منه فيستحب حكم السفر عليهما وإن كان أفعال الحج تتأخر عن أفعال العمرة وإذا تمتَّعَ أي: وإذا أحرم الأفاقي خارج حرم مكة للعمرة والحج كانت حَجَّتُهُ مَكِّيَّةً، وعمرته أفاقية وإذا أَفْرَدَ الحجّ كانت عُمْرَتُه مكيةً، أي: إن أتى بها وسفره ينصرف إلى حجه فالقِرَان أي: إحرام الأفاقي بالحج مع العمرة أفضل، أي: بهذا الاعتبار مع قطع النظر عن ورود الأحاديث والآثار وهو أي: فضل القران من الإِفراد بالحج والإِفراد بالعمرة قولُ أبي حنيفة والعامَّةِ من فقهائنا كذا قاله علي القاري.