الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الرجل الْمُحْرِم يفوته الحج
في بيان حكم حال الرجل يفوته الحج، وهو أن يحرم به، ولم يحصل له الوقوف بعرفات في وقته، وهو من الزوال من يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر (ق 467).
431 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن سليمان بن يَسَار: أن هَبَّار بن الأسود جاءَ يوم النحر، وعمر ينحر بُدْنَهُ، فقال: يا أمير المؤمنين، أخطأنا في العِدَّة، كنا نرى أن هذا اليوم يوم عَرَفَة، فقال له عمر: اذهب إلى مكة فَطُفْ بالبيت سبعًا وبين الصفا والمروة سبعًا، أنت ومن معك، وانحر هَدْيًا إن كان معك، ثم احلقوا أو قصِّروا، وارجعوا فإن كان قَابلٌ فَحُجُّوا واهدوا، فمن لم يجد فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم.
قال محمد: وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، إلا في خَصلة واحدة، لا هَدْي عليهم من قابل ولا صوم، وكذلك روى الأعمش عن إبراهيم النَخَعيِّ، عن الأسود بنِ يزيد، قال: سألتُ عمر بن الخطاب، عن الذي يفوته الحج، فقال: يَحِل بعُمْرة، وعليه الحج من قابل، ولم يذكر هديًا، قال: ثم سألتُ بعد ذلك زيد بن ثابت، فقال: مثل قول عمر.
قال محمد: وبهذا نأخذ، وكيف يكون عليه هدي، فإن لم يجد فالصيام، وهو لم يتمتع في أشهر الحج؟
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، وفي نسخة أخرى: بنا، أخبرنا وفي نسخة عن نافع، بن عبد الله المدني التابعي مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه مشهور، من الطبقة الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومائة أو بعد ذلك عن سليمان بن يَسَار: الهلالي المدني، مولى ميمونة، وقيل: مولى أم سلمة، ثقة فاضل أحد الفقهاء السبعة، من كبار التابعين من الطبقة الأولى، مات بعد المائة، وقيل قبلها. كذا قاله ابن حجر في
(431) إسناده صحيح.
(التقريب)(1) ومن مناقبه أنه كان من أحسن الناس وجهًا، فدخلت عليه امرأة فسألته نفسه فامتنع فقالت: ادن فخرج من منزله هاربًا، وتركها فيه فرأى فيما يرى النائم يوسف صلوات الله على نبينا وعليه وكأنه يقول له: أنت يوسف قال: نعم أنا يوسف، وخرج هو وأخوه عطاء حاجين ومعهما أصحاب فنزلوا بالأبواء، فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم، وبقى عطاء يصلي فدخلت عليه امرأة جميلة، فلما رآها ظن أن لها حاجة فأوجز ثم قال لها: ألك حاجة؟ قالت: نعم قال: وما هي؟ قالت: قم فأصب مني، فإني أطلب أن تطأني، ولا بعل لي، قال: إليك عني لا تحرقيني ونفسك بالنار، ونظر إلى امرأة جميلة، وجعلت تراوده، أي تريده عن نفسه ولا تأتي إلا ما تريد، فجعل يبكي ويقول: ويحك إليك عني، واشتد بكاؤه، فلما نظرت إليه وما داخله من البكاء والجزع بكت لبكائه، فجعل يبكي وهي تبكي بين يديه، وجعل أصحابه يأتون رجلًا رجلًا، حتى أتى رجل فرآهم يبكون فجلس يبكي لبكائهم، لا يسألهم عن أمرهم حتى كثر البكاء وعلا الصوت، فلما رأت الأعرابية ذلك قامت فخرجت فقام القوم فدخلوه، فلبث سليمان بعد ذلك لا يسأل أخاه إجلالًا له وهيبة له، وكان أسن منه، ثم قدما مصر لبعض حاجتهم فلبثا بها ما شاء الله فبينا عطاء ذات ليلة نائم إذ استيقظ وهو يبكي، فقال سليمان: ما يبكيك؟ قال: رؤيا، قال: ما هي؟ قال: لا تخبر بها أحدًا ما دمت حيًا، رأيت يوسف صلوات الله على نبينا وعليه، فجئت أنظر إليه فيمن ينظر، فلما رأيت حسنه بكيت، فقال: ما يبكيك قلت: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، ذكرتك وامرأة العزيز وما ابتليت به من أمرها، وما لقيت من السجن وفرقة يعقوب صلوات الله على نبينا وعليه، فبكيت من ذلك، وجعلت أتعجب منه، قال: فهلا تعجب من صاحب المرأة البدوية بالأبواء، فعرفت الذي آراه فبكيت واستيقظت باكيًا، قال سليمان: أي أخي، وما كان من حالى تلك المرأة، فقص عليه القصة فما أُخبِر بها أحدٌ حتى مات، فكان سليمان يصوم الدهر وعطاء يصوم يومًا ويفطر يومًا. كذا قاله (ابن الجوزي) في طبقاته أن الحباء بفتح الحاء وتشديد الموحدة ابن الأسود بن المطلب بن أسد بن العزى بن قصي القرشي الأسدي أسلم بالجعرانة بعد فتح مكة، صحابي شهير، وللبخاري في (التاريخ) عن موسى بن عطية عن سليمان بن يسار
(1) التقريب (1/ 255).
عن هَبَّار أنه حدثه أنه جاءَ يوم النحر، أي: وصل فيه من السفر وعمر (ق 468) رضي الله عنه ينحر بُدْنَهُ، بضم الموحدة وسكون الدال المهملة والنون جمع بدنة، وهي الإِبل، قوله: عمر إلى آخره جملة حالية فقال: أي: هبار بن الأسود يا أمير المؤمنين، أخطأنا في العِدَّة، أي: في عدد أيام ذي الحجة كنا أي: أنا ورفقتي نرى بضم النون وفتح الراء أي: نظن أن هذا اليوم أي: اليوم الذي نحن فيه يوم النحر يوم عَرَفَة، فلهذا تأخرنا والحج فأما [] فما نقصد في إحرامنا؟ فقال له عمر: اذهب إلى مكة فَطُفْ أي: أنت ومن معك بالبيت سبعًا أي: واقطع التلبية عند استلام الحجر كالعمرة وبين الصفا والمروة سبعًا، أنت ومن معك، وانحر هَدْيًا إن كان معك، أي: إن وجد الهدي معك ومعهم، وكان هبار قد حج من الشام كما في رواية ثم احلقوا وهو الأفضل أو قصِّروا، وارجعوا أي: إلى بلادكم إن أردتم فإنكم قد أحللتم فإن كان قَابلٌ أي: عام المستقبل فَحُجُّوا أي: قضاء واهدوا، أي: وجوب لقوله فمن لم يجد أي: الهدي حقيقة أو حكمًا فليصم أي: بدل الهدي ثلاثة أيام أي: متوالية أم لا في الحج أي: في الشهر بعد إحرامه به، فالأفضل أن يكون آخرها يوم عرفة رجاء أن يجده وسبعة إذا رجعتم أي: عن الحج وفرغتم عن أفعاله في أيامه ولو بمكة أو إذا رجعتم إلى بلادكم، فإن الأمر موسع عليكم، وفي البخاري عن سالم قال: كان ابن عمر يقول: أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شيء حتى يحج عام قابل، أفيهدي أو يصوم إن لم يجد هديًا، قول الصحابي بكذا له حكم الرفع، وهو قد صرح بإضافتها له صلى الله عليه وسلم، فهو مرفوع بلا ريب. كذا قاله محمد الزرقاني (1).
قال محمد: وبهذا أي: بما ذكره نأخذ، أي: نعمل وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، وفي نسخة: قبلنا أي من الصحابة والتابعين والأئمة والمجتهدين إلا في خَصلة واحدة، أي: فإنها ليست بواجبة بل مستحبة، كما بينها بقوله: لا هَدْي أي: وجوبًا عليهم أي: على فائتي الحج من قابل ولا صوم، وكذلك أي: كما ذكر لك أيها المخاطب من وجوب أفعال العمرة دون وجود الهدي والصوم وروى وفي نسخة: ذكر الأعمش يكنى أبا محمد، روى عن عيسى بن يونس، قال: ما رأينا في زماننا مثل
(1) في شرحه (2/ 441).
الأعمش، وما رأيت الأغنياء والسلاطين في مجلس أحد أحقر منهم في مجلس الأعمش وهو محتاج إلى درهم، قال وكيع: كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه ستين سنة، ما رأيته يقضي ركعة، وكان من النساك، وكان محافظًا على الصلاة في الجماعة وعلى الصف الأول، وكان في الطبقة الرابعة من أهل الكوفة، وهي في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة في وجه الأرض، عن إبراهيم بن يزيد بن الأسود النَخَعّيِّ، يكنى أبا عمر كان في الطبقة الثالثة من أهل الكوفة عن الأسود بن يزيد بن قيس، بن عبد الله يكنى أبا عمرو، وهو ابن أخي علقمة بن قيس، وهو أكبر من علقمة، كان حج ثمانين حجة وعمرة، وكان من مشايخ التابعين، وكان في الطبقة الأولى من أهل الكوفة، مات سنة أربع وسبعين كذا قاله (أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي) في طبقاته قال: أي: الأسود بن يزيد سألتُ عمر بن الخطاب، رضي الله عنه عن الذي يفوته الحج، فقال: يَحِل أي: عن إحرامه (ق 469) بالعُمْرَة، أي: بأفعالها وعليه الحج من قابل، ولم يذكر هديًا، أي: لو كان واجبًا لذكره ثم أي: قال الأسود: سألتُ بعد ذلك أي: بعد ما سألت عمر بن الخطاب عمن يفوته الحج زيد بن ثابت، المدني تابعي ثقة، فقيه من الطبقة الثالثة، مات سنة مائة من الهجرة فقال: أي: زيد بن ثابت مثل ما قال عمر وفي نسخة: مثل قول عمر بدون ذكر الهدي وبدله، فما روى عن عمر بن الخطاب محمول على الاستحباب، وحاصله أن فائت الحج طاف وسعى وتحلل وقضى بإحرام جديد من قابل لازم عليه ولا طواف في الصدر فلو لم يتحلل وبقى محرمًا إلى قابل فحج بذلك الإِحرام لم يصح حجه؛ لأن الإِحرام له شبه بالركن وشبه بالشرط.
قال محمد: وبهذا أي: بما رواه الأعمش عن عمرو بن زيد بن ثابت نأخذ، أي: نعمل وتفتي؛ لأنه أقوى رواية كما بينه بقوله: وكيف يكون عليه أي: على ما فاته الحج هدي، أي: واجب فإن لم يجد فصيام، وفي نسخة: فالصيام بدله وهو لم يتمتع في أشهر الحج؟ أي: لا تمتع المنون وفق مني ولا القران الذي في معناه، والآية إنما أنزلت فيهما، حيث قال تعالى في سورة البقرة:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} الآية [البقرة: 196] فالجملة الجزائية لا تترتب إلا على تحقق الجملة الشرطية والله أعلم بالكلية والجزائية، ولعل عمر