الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وطهور، أي: رحمة ومظهرة عن الآثام، وكفارة لما سبق، وليست أي: صلاته كغيرها من الصلوات، لقوله تعالى في سورة التوبة:{إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة: 103]، وهو أي: التكبير في صلاة الجنازة أربع تكبيرات، أو عدم الصلاة على الجنازة بعد أن يُصلى عليها، قولُ أبي حنيفة، رحمه الله.
لما فرغ من بيان حكم الصلاة على الميت بعد الدفن، شرع في بيان حكم الخبر من عذاب الميت، ببكاء أهله، فقال: هذا
* * *
باب ما رُويَّ أن الميت يُعَذَّب ببكاء الحي
في بيان ما أي: في بيان حكم الخبر رُوي أن الميت يُعذب ببكاء الحي، وفي نسخة: أهله، أي: بسبب بكائه عليه إذا كان الميت راضيًا بنياحة لديه، وهي أي: النياحة، أن يقول: وا ويلاه، وا حزناه، وقيل: هي الصوت التي تعد المرأة خصال الميت.
319 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، أنه قال: لا تبكوا على موتاكم، فإنَّ المَيِّت يُعَذَّب ببكاءِ أهله عليه.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن (ق 337) أبي عامر الإِمام، من بني ملك ذي أصبح من ملوك اليمن، كان من أتباع التابعين في الطبقة السابعة من أهل المدينة التي كانت في الإِقليم الثاني في الأقاليم السبعة، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، حدثنا، وفي نسخة بنا رمزًا إلى: أخبرنا عبد الله بن دينار، العدوي المدني، مولى ابن عمر، ثقة تابعي، من الطبقة الرابعة من أهل المدينة، مات سنة سبع وعشرين، عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أنه قال: لا تبكوا أي: أيها المؤمنون على موتاكم بطريق النياحة بأن يقول الباكي: وا ويلاه، وا حزناه.
روى البخاري ومسلم (1) عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، أنه قال: قال
(319) صحيح الإسناد.
(1)
أخرجه: مسلم (934).
رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة - أي: بين أهل الموقف - وعليها سربال - أي: قميص - من قطران، ودرع من جرب"، فإنَّ الميت يُعَذَّب على صيغة المجهول، ببكاءِ أهله أي: أتباعه عليه، قيل: هذا محمول على ما إذا أوحى لأهله أن يبكوا عليه، ويشقوا ثيابهم، ويضربوا خدودهم، كما كان يفعل أهل الجاهلية، فيكون آمرًا بالمعصية وراضيًا بها؛ لأن الله تعالى قال في سورة الإِسراء:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15]، وهذا الحديث موقوف حقيقة، ومرفوع حكمًا.
* * *
320 -
أخبرنا مالك، حدثنا عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عَمْرة بنت عبد الرحمن، أنها أَخْبَرَتْهُ، أنها سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وذُكِرَ لها أن عبد الله بن عمر يقول: إنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّب ببكاءِ الحيِّ، فقالت عائشة: يغفر الله لابن عمر: أما إنه لم يكذب، ولكنه قد نَسِي أو أخطأ، إنما مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة يُبْكَى عليها، فقال:"إنهم لَيَبْكُونَ عليها، وإنها لَتُعَذَّب في قبرها".
قال محمد: وبقول عائشة نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، حدثنا عبد الله بن أبي بكر، أي: ابن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، المدني القاضي، ثقة من الطبقة الخامسة، مات سنة خمس وثلاثين وهو ابن سبعين سنة، كذا قاله ابن حجر في (التقريب)، عن أبيه، أي: أبي بكر، عن عَمْرة بفتح العين المهملة وسكون الميم وفتح الراء المهملة، وفي آخره تاء التأنيث، وهي كانت في حجر عائشة وربتها، بنت عبد الرحمن، أي: ابن سعد بن زرارة أنها أي: عمرة أَخْبَرَتْهُ أي: أبا بكر أبا عبد الله، أنها أي: قالت عمرة: سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وذُكِرَ لها أي: والحال أنه قد ذكر الناس لعائشة رضي الله عنها أن
(320) صحيح، أخرجه: البخاري (1289)، ومسلم (932)، والترمذي (1006)، وابن ماجه (1595)، وأحمد (24237)، ومالك (553).
عبد الله بن عمر يقول: إنَّ المَيِّتَ لَيُعَذَّب ببكاءِ الحيِّ، أي: من أهله عليه، فقالت عائشة: يغفر الله لابن عمر، أي: يسامحه فيما ذكر، أما بفتح الهمزة والميم المخففة، والألف حرف تنبيه، أنه أي: ابن عمر لم يكذب، أي: في نقله، ولكنه قد نَسِيَ أي: سبب ورود قوله، أو أخطأ أي: تأويله، وحمل الحديث على عمومه، إنما مَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم -على جنازة يُبْكَى عليها أي: بصيغة المجهول، فقال صلى الله عليه وسلم:"إنهم أي: أصحاب الجنازة لَيبْكُونَ عليها أي: على الجنازة، وإنها لَتُعَذَّب في قبرها"، أي: بذنبها، ولم ينفعها بكاؤهم عليها، وليحيى: إنما مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودية يبكي عليها أهلها، فقال:"إنكم لتبكون عليها، وإنها لتُعذب في قبرها".
قال محمد: وبقول عائشة رضي الله عنها نأخذ، أي: نعمل، فإنه مطابق لقوله تعالى في سورة الإِسراء:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15]، وهو أي: قول عائشة، قولُ أبي حنيفة، رحمه الله، وهو لا ينافي في ما سبق من قول الجمهور، (ق 338) أن تأويله أنه إن كان وصى بالنياحة أو رضي بالنياحة أو قصر في الوصية حينئذٍ تؤاخذ بالجناية، كذا قاله علي القاري.
فإن قيل: هل للأرواح مقر بعد خروجها عن الأبدان قلت: أرواح المؤمنين في عليين، وأرواح الكافرين في سجين، وللروح بالبدن اتصال بحيث يصح أن يخاطب ويسلم عليها ويسأل ويعرض مقعدها، وغير ذلك مما ورد في شأنها لها شيئان: الدنيوي فيكون في مقرها هناك، وإنما يأتي الغلط من قياس هنا قياس الغائب على الشاهد، فيعتد أن الروح من جنس ما يُعهد من الأجسام إذا شغلت مكانًا لم يكن أن يكون في غيره، وهذا غلط محض، لقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج موسى عليه السلام قائمًا يصلي في قبره، ورآه في السماء السادسة، فالروح كانت هناك في مثال البدن، ولها اتصال بالبدن بحيث يصلي في قبره، ويرد على المُسَلِم عليه، وهو في الرفيق الأعلى، ولا تنافي بين الأمرين، فإن شأن الأرواح غير شأن الأبدان، وقد مثل بعضهم بالشمس في السماء وشعاعها في الأرض، كروح المحمدي يرد من يصلي عليه قبره، وإنما مع القطع أن روحه في أعلى عليين، وهو عليه السلام لا ينفك عن قبره، كما ورد عنه.
فاعلم أن أمور البرزخ والآخرة على نمط غير المألوف في الدنيا، والحاصل أنه ليس