الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمضمضة والاستنشاق والسواك وحلق العانة والختان والاستنجاء بالماء، كذا قاله الشيخ شهاب أحمد بن محمود السيوسي في (عيون التفاسير).
لما فرغ من بيان فضل الحلق على التقصير وبيان كيفية التقصير عن الحلق، شرع في بيان قدوم المرأة إلى مكة بحج أو عمرة فما تعمل إذا حاضت قبل دخولها مكة أو بعد دخولها بها، فقال: هذا
* * *
باب المرأة تقدم مكة بحج أو عمرة فتحيض قبل قدومها أو بعد ذلك
في بيان حال المرأة تقدم من باب علم، أي: تمشي سرعة إلى مكة بحج أو عمرة والباء سببية كقوله تعالى في سورة البقرة: {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ} [البقرة: 54].
وكما يقال: لقيت يزيد الأسد أي: بسبب لقائي إياه فتحيض قبل قدومها أي: إلى مكة أو بعد ذلك فالفاء تعقيبية، كما في قوله تعالى في سورة الحج:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: 63] وكما يقال: تزوج فلان فولد له أن ألم يكن بينهما إلا مدة الحمل وإن كانت متطاولة كذا قاله ابن الهمام.
464 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، أن ابن عمر كان يقول: المرأة الحائض التي تُهلّ بحج أو بعمرة، تهلّ بِحَجَّتِهَا، أو بعمرتها إذا أرادت، ولكن لا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهر، وتشهد المَنَاسِكَ كلها مع الناس، غير أنها لا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، ولا بقرب المسجد، ولا تِحِلّ حتى تطوف بين الصَّفا والمروة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى: ثنا حدثنا وفي نسخة: قال: ثنا نافع، أي: ابن عبد الله المدني، ثقة فقيه مشهور مولى ابن عمر، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة أن ابن عمر كان يقول: المرأة الحائض وكذا
(464) إسناده صحيح.
النفساء التي تُهلّ أي: تحرم بحج بأن تقول: اللهم إني أريد الحج فيسره وتقبله مني، اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك أو بعمرة، أي: تحرم بأن تقول: اللهم إني أريد العمرة فيسرها لي وتقبلها مني، اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك تهلّ بحَجَّتِهَا، أو بعمرتها أي: يجوز لها أن تحرم بأيتهما إذا أرادت؛ لأن الحيض، وكذا النفساء لا يمنعها عن جواز إحرامها في أي وقت شاءت، بل تغتسل لإِحرامها إلا أنها لا تصلي سنة الإِحرم لعذرها (ق 498) ولكن لا تطوف بالبيت أي: طواف العمرة؛ لأن دخولها في المسجد حرام كذا طوافها من غير طهارتها عن جنابتها؛ لأن الطهارة شرط في صحته ولا بين الصفا والمروة أي: ولا تسعى بينهما فهو من باب علفتها تبنًا وماء باردًا أو التقدير: ولا تطوف مجازًا؛ لأن صحة السعي متوقفة على طواف صحيح قبله، وإلا فالطهارة في السعي غير واجبة إجماعًا حتى تطهر، أي: بانقطاع الحيض وغسلها بعده وتشهد أي: والحال أنها تحضر المَنَاسِكَ كلها أي: من وقوف عرفات والمزدلفة ورمي الجمرة مع الناس أي: مع سائرهم من غير فرق غير أنها لا تطوف بالبيت أي: طواف الإِفاضة ولا بين الصفا والمروة، أي: ولا تسعى بينهما؛ لأن السعي يتوقف على تقدم طواف قبله، فإذا امتنع الطواف امتنع السعي لأجله، لا لأن الطهارة شرط في السعي؛ إذ لا تشترط عند الكافة إلا ما حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري والمجد بن تيمية ورواية عن أحمد، وحكى ابن المنذر عن عطاء قولين فيمن بدأ بالسعي قبل الطواف وبالإِجزاء، قال بعض أهل الحديث. أسامة بن شريك أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سعيت قبل أن أطوف قال: "طف ولا حرج" وعلى الجمهور لا يجزيه وأولوا حديث أسامة على من سعى بعد طواف القدوم وقبل الإِفاضة ولا بقرب المسجد، أي: فضلًا عن دخولها فيه، ولو من غير طواف ولا تِحِلّ من الباب الثاني، كذا قاله محمد الواني في ترجمة (صحاح الجوهري)، أي: ولا تخرج من إحرامها بالكلية إن كانت معتمرة أو بالنسبة إلى غير الحاج إن كانت حاجة سواء كانت مفردة أو قارنة حتى تطوف بين الصفَّا والمروة.
* * *
465 -
أخبرنا مالك، حَدَّثني عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن
(465) إسناده صحيح.
عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: قدمت مكة، وأنا حائض، لم أطُف بالبيت ولا بين الصَّفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"افعلي ما يفعلُ الحاجّ، غير أنْ لا تطوفي بالبيت حتى تَطْهُرِي".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا حَدَّثني بالإِفراد وفي نسخة: حدثنا بالجمع، وفي نسخة أخرى: قال: أنا أو بنا رمزًا إلى أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، يكنى أبا محمد المدني ثقة جليل، قال ابن عيينة: كان أفضل أهل زمانه، وكان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، ومات سنة ست وعشرين من الهجرة، كذا في (التقريب) عن أبيه، أي: عن القاسم ابن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد الفقهاء السبعة المشهورين، كان أفضل أهل زمانه في علو شأنه، وكان في الطبقة الثانية من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، وقد نقلنا منقبته عن طبقات ابن الجوزي في باب القراءة في صلاة الجمعة، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم وفي نسخة: زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: قدمت مكة، أي: في حجة الوداع وأنا حائض، أي: حينئذ ولم أطُف بالبيت ولا بين الصَّفا والمروة، أي: لما تقدم فشكوت ذلك أي: ما وقع لي ومنعني عن طواف البيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"افعلي ما يفعلُ الحاجّ، أي: من الوقوفين ورمي الجمرة ونحوها والمعنى أرفضي عمرتك وأحرمي بالحج وافعلي جميع أفعاله غير أنْ لا تطوفي بالبيت حتى تَطْهُرِي" أي: من حيضك وتغتسلي فتطوفي وتسعي بعده قوله: تطهري بفتح التاء وسكون الطاء المهملة وضم الهاء كذا في ما وقفت عليه من الأصول، كذا قاله بعض الشراح.
وقال الحافظ: بفتح التاء والطاء المهملة والهاء (ق 499) المشددتين على حذف أحد الطائين وأصله تتطهري، ويؤيده ما رواه مسلم (1) حتى تغسلي، والحديث ظاهر في نهي الحائض عن الطواف لو فعلته وفي معناه الجنب والنفساء والمحدث، وهو قول الجمهور.
وقال الحاكم وحماد ومنصور وسليمان: لا بأس بالطواف على غير طهارة رواه ابن أبي شيبة وفي هذا تعقب على قول النووي: انفرد به أبو حنيفة بأن الطهارة ليس بشرط في الطواف، واختلف أصحابه في وجوبها وجبره الدم إن فعله فلم ينفرد بذلك كما ترى،
(1) مسلم (2/ 873).
فعله أراد انفراده من الأئمة الثلاثة، لكن عند أحمد أن الطهارة للطواف واجبة تجبر بالدم وللمالكية قول يوافقه انتهى.
وقال ولي الدين: في الحديث دليل على امتناع الطواف على الحائض، وهو مجمع عليه، لكن اختلفوا في علته على حسب اختلافهم في اشتراط الطهارة في صحة الطواف، فقال الجمهور ومالك والشافعي وأحمد باشتراطهما، فالعلة في بطلانها عدم الطهارة وقال أبو حنيفة وداود: ليست شرطًا، فالعلة كونها ممنوعة من اللبث في المسجد بل ومن دخوله على رأي كذا قاله الزرقاني (1).
* * *
466 -
أخبرنا مالك، حدثنا ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَ حَجة الوَداع، فأهْلَلْنَا بِعُمْرَة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ كان معه الهَدْي فليُهِلّ بالحج والعُمْرَة، ثم لا يَحِل حتى يَحِلّ منهما جميعًا"، قالت: فقدمتُ مكة وأنا حائض، ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، فشكوتُ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"انقُضي رأسك، وامتشطي، وأهلِّي بالحج، ودعي العمرة"، قالت: ففعلت؛ فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التَّنْعيم، فاعتمرتُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هذه مكان عمرتك"، وطاف الذين حَلوا؛ بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من مِنى، وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة، فإنما كانوا طافوا طوافًا واحدًا.
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، الحائض تقضي المناسك كلها، غير أن لا تطوف بالبيت، ولا تسعى بين الصَّفَا والمروة، حتى تَطْهُرَ، فإن كانت أهَلَّت بعمرة، فخافت فوت الحج، فلتُحْرِم بالحج وتقف بعرفة، وترفض العمرة،
(1) في شرحه (2/ 501).
(466)
إسناده صحيح: أخرجه أحمد في المسند (6/ 163).
فإذا فرغت من حجتها قضت العمرة، كما قضتها عائشة، وذبحت ما اسْتَيْسَرَ من الهَدْي.
بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عنها بقرة، وهذا كله قولُ أبي حنيفة، إلَّا من جمع الحجّ والعُمْرَة، فإنه يطوف طوافين، ويَسْعى سَعْيَيْن.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا حدثنا وفي نسخة: قال: بنا ابن شهاب، أي: محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة عن عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي المدني، يكني أبا عبد الله المدني، ثقة فقيه مشهور، كان في الطبقة الثانية من طبقات التابعين من أهل المدينة مات سنة أربع وتسعين من الهجرة. كذا قاله ابن حجر في (التقريب) (1) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجنا أي: معشر الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عامَ حَجة الوَداع بفتح الواو وبكسر سميت بذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها ولم يحج بعد، وكانت سنة عشر من الهجرة. كذا قاله علي القاري فأهْلَلْنَا بِعُمْرَة، أي: أحرم بعضنا بعمرة مفردة ليكون متمتعًا وقيل: المعنى أهللنا بها بعد أن فتحنا الحج، وهو إخبار عن حالها وكان من كان مثلها في إهلال بعمرة، لا عن فعل جميع الناس، فلا تنافي في قولها المتقدم، فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج وقد اختلفت الروايات فيما أحرمت به عائشة اختلافًا كثيرًا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ بعد إحرامهم بالحج وقربهم من مكة يسوق كما في رواية عائشة أو بعد طوافهم بالبيت، كما في رواية جابر، ويحتمل كما قال القاضي عياض وغيره أنه قال مرتين في الموضعين، وأن العزيمة كانت أخرى لا أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة من كان معه الهَدْي بإسكان الدال وخفة الياء وبكسرها وتشديد الياء الأولى أفصح كالهدي إلى الحرم من الأنعام وسوق الهدي سنة لمن يريد الحج أو العمرة فليُهِلّ بالحج والعُمْرَة، أي: فليحرم بالحج مع العمرة، كما في (الموطأ) ليحيى، والواو في والعمرة بمعنى المصاحبة أي: فليقرن بينهما فإنه أفضل من غيره ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم كان ممن معه هدي فكان قارنًا إذ لا يتصور أنه يأمر الناس بشيء ويفعل بخلافه ثم لا يَحِل (ق 500) بكسر الحاء المهملة فيه وفيما يأتي أي: لا يخرج
(1) التقريب (1/ 389).
صاحب الهدي قارنًا أو متمتعًا عن إحرامه حتى يَحِلّ منهما جميعًا"، أي: يخرج من الحج والعمرة معًا، بأن يحلق أو يقصر بعد الرمي والذبح يوم النحر. وفيه دلالة على أن السبب في بقاء من ساق الهدي، كما يقول أبو حنيفة وأحمد وجماعة متمسكين برواية عقيل عن الزهري في الصحيحين فقال صلى الله عليه وسلم: "من أحرم بعمرة ولم يهد فلا يحلل حتى ينحر هديه، ومن أحرم بحج فليتم حجة" وهي ظاهرة في الدلالة لمذهبهم، وقال مالك والشافعي وجماعة: يحل بتمام العمرة قياسًا على الإِجماع على من يسق هديًا؛ ولأنه يحل من نسكه فوجب أن يحل له كل شيء وأجابوا عن هذه الرواية بأن فيها حذف بينته رواية مالك هذه، وتقديره: ومن أحرم بعمرة وأهدى فليتحلل بالحج، وحينئذ فلا يحل حتى ينحر هديه، وهذا التأويل متعين؛ لأن فيه جمعًا بين الروايتين لأن القصة واحدة والمخرج واحد وهو عائشة قالت: فقدمتُ مكة وأنا حائض، جملة إسمية وقعت حالًا كان ابتداء حيضها بسوق كما صح عنها وذلك يوم السبت لثلاث خلت من ذي الحجة ولم أطف بالبيت أي: طواف العمرة؛ لأن الطهارة شرط فيه؛ ولأنه في المسجد ولا تدخله الحائض ولا بين الصفا والمروة، أي: للعمرة؛ لأن شرطه تعقب الطواف.
قال الطيبي: عطف على المنفي قبله على تقدير ولم أسع، هذا مثال من يقول: علفتها تبنًا وماء باردًا، ويجوز أن يقدر ولم أطف على تقدير المجاز لما في الحديث وطاف بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ولعل هذا المجاز من قبيل تسمية المقارن باسم قرينه، وإنما ذهب إلى التقدير دون الانسحاب، لئلا يلزم استعمال اللفظ الواحد حقيقة ومجازًا في حالة واحدة؛ لأن حقيقته الطواف الشرعي لم توجد لأنها الطواف بالبيت، وأجيب أيضًا بأنه سمي السعي طوافًا على حقيقته اللغوية، فالطواف لغة المشي فشكوتُ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل عليها وهي تبكي فقال:"ما يبكيك" فقلت: لا أصلي كما في رواية عنها في الصحيح كنَّت بذلك عن الحيض، وهي من لطيف الكنايات.
وفي مسلم عن جابر: أن دخوله عليها وشكواها كان يوم التروية فقال: "انقُضي بضم القاف وكسر الصاد المعجمة رأسك، أي: حلي ضفر شعر رأسك وامتشطي، أي: سرحيه، والمعنى: اخرجي من عمرتك وأهلِّي بالحج، أي: وأحرمي به ودعي العمرة"، أي: اتركيها برفضها، ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم أمرها أن تجعل عمرتها حجًا، ولذا قالت يرجع الناس بحج وعمرة، فأعمرها من التنعيم واستشكل أن العمرة لا ترفض كالحج.
وقال مالك: ليس العمل على هذا الحديث قديمًا ولا حديثًا، قال ابن عبد البر: يريد لبس العمل عليه في رفض العمرة وجعلها حجًا بخلاف جعل الحج عمرة، فإنه وقع للصحابة، واختلفوا في جوازه من بعدهم وأجاب جماعة منهم الشافعي باحتمال أن معنى دعي عمرتك، اتركي التحلل منها وأدخلي عليها الحج، فتصير قارنة ويؤيده قوله في رواية مسلم وأمسكي على العمرة، أي: على أعمالها وإنما قالت: وأرجع بحج لاعتقادها أن إفراد العمرة بالعمل أفضل كما وقع لغيرها من أمهات المؤمنين. ولمسلم أيضًا: فقال لها صلى الله عليه وسلم: "طوافك يسعك لحجك وعمرتك" فهذا صريح (ق 501) في أنها قارنة، وتعقب بأن قوله:"انقضي رأسك وامشطي" ظاهر في إبطال العمرة، وأن المحرم لا يفعل مثل ذلك لتأديه إلى نتف الشعر، وأجيب بجوازهما للمحرم حيث لا يؤدي إلى نتف الشعر مع الكراهة لغير عذر، وكان ذلك لأذى برأسها فأباح لها ذلك كما أباح لكعب بن عميرة الحلاق لأذى برأسه ونقض رأسها لأجل الغسل، لتهل بالحج ولا سيما إن كانت ملبدة فتحتاج إلى نقض الضفر. ولعل المراد بالامتشاط تسريح شعرها بأصابعها برفق، حتى لا يسقط منها شيء ثم تضفره كما كان أو عادة الشكوى بعد رمي جمرة العقبة فأباح لها الامتشاط حينئذ.
قال المازري: هو تعسف بعيد من لفظ الحديث أو كان مذهبها أن المعتمر إذا دخل مكة استباح ما يستبيحه الحاج إذا رمى الجمرة.
قال الخطابي: وهذا لا يعلم من جهة قالت: أي: عائشة ففعلت؛ بسكون اللام أي: عملت ما أمرت به من النقض والامتشاط والإِهلال بالحج وترك العمرة بظاهره. استدل الحنفية على أن المرأة إذا أحرمت بالعمرة متمتعًا فحاضت قيل أن تطوف تترك العمرة وتهل بالحج مفردًا، كما صنعت عائشة رضي الله عنها، فإنها تركتها وحجت مفردة، ويقويه ما لأحمد عن عطاء عنها وأرجع بحجة ليس معها عمرة، ورد بأن في رواية عطاء عنها ضعفًا. وفي مسلم في حديث جابر أن عائشة أهلت بعمرة حتى إذا كانت بسرف حاضت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"أهلي بالحج" حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وسعت فقال: فتحللت من حجك وعمرتك قالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حجت قال: "فأعمرها من التنعيم" فهذا صريح في أنها كانت قارنة، وإنما أعمرها من التنعيم تطييبًا لقلبها لكونها لم تطف بالبيت لما دخلت معتمرة، وفي رواية مسلم: وكان صلى الله عليه وسلم رجلًا سهلًا إذا هويت الشيء تابعها عليه فلما قضينا الحج أي: أديته
وفرغت منه أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخي عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التَّنْعيم بفتح الفوقية وسكون النون وكسر المهملة مكان خارج مكة على أربعة أميال منها إلى جهة المدينة، كما نقله الفاكهاني.
وقال المحب الطبري: أبعد من أدنى الحل إلى مكة بقليل وليس بطرف الحل بل نحوهما نحو الميل، ومن أطلق عليه طرف الحل فهو تجوز. وروى الفاكهاني عن عبيد بن عمير: إنما يسمى التنعيم؛ لأن الجبل الذي عن يمين الداخل يقال له: ناعم والذي عن يساره يقال له: منعم، والوادي نعمان أي بفتح النون فاعتمرتُ أي: منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه أي: العمرة، وفي (الموطأ) ليحيى: هذا أي: الاعتمار مكان عمرتك" بالرفع خبر والنصب على الظرفية وعامله محذوف، وهو الخبر أي: كائنة مجعولة مكان عمرتك ومضاف إلى عمرتك.
قال القاضي عياض: والرفع أوجه عندي إذ يرد به الظرف وطاف الذين حَلوا؛ بالحاء المهملة المفتوحة واللام المضمومة المشددة وسكون الواو، أي: خرجوا من إحرام العمرة بالبيت أي: بسبب طواف البيت طواف العمرة وبين الصفا والمروة، أي: وسعى الذين حلوا بين الصفا والمروة وفي (الموطأ) لمالك (ق 502). ثم حلوا أي: خرجوا من إحرام العمرة بالحلق أو التقصير ثم أي: بعد طواف العمرة وسعيها بينهما أو بعد الخروج عن إحرامها بالحلق أو التقصير طافوا طوافًا آخر أي: بلا إفاضة، ووقع لبعض رواة البخاري: طوافًا واحدًا، والصواب الأول كذا قاله القاضي عياض بعد أن رجعوا من مِنى، أي: لحجهم يوم النحر، ويحتمل أنهم قدموا السعي أو أخروه وأما الذين كانوا أي: من الصحابة جمعوا الحج والعمرة، أي: بأن أحرموا بها فإنما كانوا طافوا طوافًا واحدًا أي: على زعمها؛ لأن القارن يكفيه طواف واحد؛ لأن أفعال العمرة تندرج في أفعال الحج، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور.
وقال الحنيفة: لا بد للقارن طوافين وسعيين؛ لأن القران هو الجمع بين العبادتين، فلا يتحقق القران إلا بالإِتيان بأفعال كل منهما، والطواف والسعي مقصودان فيهما فلا يتداخلان إذ لا تداخل في العبادات. كذا قاله الزرقاني (1).
قوله: وطاف الذي أهلوا بالبيت. . . إلى آخره كلام مدرج عن عائشة رضي الله
(1) في شرحه (2/ 500).