الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التابعين. كذا قاله ابن حجر في التقريب (1) أخبره، أي: حميد بن شهاب أن عبد الرحمن أخبره، يعني: قال حميد: أخبرني أنه طاف أي: بالبيت الحرام مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد صلاة الصبح بالكعبة، قيده بها احترازًا من الصفا والمروة فلما قضى أي: أتم عمر بن الخطاب طوافه نظر إلى جانب الشرق فلم ير الشمس، أي: لم تطلع ولم ترتفع فركب ولم يسبِّح أي: لم يصل صلاة الطواف وذهب حتى أناخ أي: برك راحلته، وأجلسه والصق بطن بعيره بالأرض بذي طُوىً، بفتح الواو ويضم ويكسر، وينون ويلوك، وهو موضع بقرب مكة ينزل فيه أمير الحاج فسبّح أي: صلى ركعتين أي: الطواف أداء إذ العمر كله وقت، ويجوز أداءه حيث كان من حرم أو حل، وإن كان خلف المقام أفضل ثم داخل البيت، ثم الحطيم ثم سائر المسجد، ثم باقي أرض الحرم المحترم وفي رواية سفيان ثم خرج إلى المدينة، فلما كان بذي طوى وطلعت الشمس صلى ركعتين، رواه ابن منده.
قال محمد: وبهذا بخبر حميد بن عبد الرحمن نأخذ، أي: نعمل وينبغي أن لا يصلِّي ركعتي الطواف أي: بعد صلاة الصبح سواء طاف في وقت الكراهة أم لا بأن طاف قبل الصبح مثلًا حتى تطلعُ الشمس وتبيضّ، أي: وكذا الحكم فيه بعد صلاة العصر وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا فإن قلت: يجوز الوتر بعد الفجر قبل صلاة وبعدهما، فلم لا يجوز صلاة الطواف وهما واجبان؟ قلت: الفرق بينها أن الوتر واجب بإيجاب الله تعالى، وصلاة الطواف تجب فعل الطائف سواء يكون الطواف واجبًا عليه أم لا؛ فتأمل فإنه موضع ذلك.
لما فرغ من بيان حكم طواف البيت الحرام بعد صلاة العصر وبعد الفجر، شرع في بيان حكم الصيد الذي يذبحه الحلال أو يصيده، فقال: هذا
* * *
باب الحلال يذبح الصيد أو يصيده هل يأكل المحرم منه أم لا
؟
في بيان حكم حال الحلال يذبح الصيد، أي صيد البر ويصيده هل يحل أن يأكل
(1) التقريب (1/ 182).
المحرم منه أم لا وقد تقدم أنه كان (ق 476) صاده بأمر محرم أو دلالته أو إشارته وإعانته لا يحل له أن يأكل فيه عندنا وعند مالك والشافعي إذا صاده لأجل محرم أيضًا لا يحل له أن يأكل منه، ويحل لغيره أن يأكل منه، وهذا إذا ذبح الحلال الصيد، وأما إذا ذبحه المحرم فهو حرام مطلقًا، هذا وأن الصيد غير مأكول، ولا تولد من مأكول لم يحرم قتله على المحرم عند الثلاثة، وقال أبو حنيفة: يحرم بالحلال قتل كل وحشي ويجب بقتله الجزاء إلا الذئب، ويؤيده عموم قوله تعالى في سورة المائدة:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} الآية [المائدة: 96] ووجه استثناء الذئب أنه فسر الكلب العقور في الحديث والله أعلم.
441 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عُتْبَةَ بن مسعود، عن عبد الله بن عباس، عن الصَّعب بن جَثَّامَة الليثيّ، أنَّهُ أهْدَى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا وَحْشِيًا، وهو بالأبْوَاءِ - أو بوَدَّان - فردَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رَأى ما في وجهي قال:"إنَّا لم نَرُدُّهُ عليك إلا أَنَّا حُرُمٌ".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أو أنا، وفي أخرى: ثنا، أخبرنا وفي نسخة: قال: ثنا، ابن شهاب، أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري التابعي، من الطبقة الرابعة، من أهل المدينة، عن عبيد الله بضم العين المهملة وفتح الموحدة وسكون التحتية تصغير ابن عبد الله بفتحها ابن عُتْبَةَ بضم العين المهملة وسكون المثناة وفتح الموحدة والهاء ابن مسعود، الهذلي أحد الفقهاء، يكنى أبا عبد الله المدني ثقة ثبت فقيه، كان من الطبقة الثالثة، مات سنة أربعة وتسعين، وقيل: سنة ثمان وقيل غير ذلك كذا قاله ابن حجر (1) عن عبد الله بن عباس، الحسبي الترجمان عن الصَّعب بفتح أوله وسكون المهملة والموحدة ابن جَثَّامَة بفتح الجيم وتشديد المثلثة فألف فميم ابن قيس بن ربيعة بن عبد الله بن يعمر الليثيّ، حليف قريش أمه أخت أبي سفيان بن حرب، واسمها فاختة، وقيل:
(441) صحيح، أخرجه الشافعي في المسند (1/ 323) والبخاري في جزاء الصيد (1825) ومسلم (1193) والترمذي (849) والنسائي (5/ 183) وابن ماجه (3090) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1702) والبيهقي في الكبرى (5/ 192) وفي معرفة السنن والآثار (7/ 10569).
(1)
التقريب (1/ 372).
زينب ويقال: هو أخو محكم بن جثامة، وكان صحابيًا مات في خلافة عثمان على الأرجح. كذا في التقريب (1) أنَّهُ أي: الصعب بن جثامة أهْدَى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا وَحْشِيًا، لا خلاف عن مالك أيضًا في هذا وتابعه معمر وابن جريج، وعبد الرحمن بن الحارث، وصالح بن كيسان والليث، وابن أبي ذئب، وشعيب بن أبي حمزة ويونس ومحمد بن عمرو بن علقمة كلهم قالوا: حمارًا وحشيًا كما قال مالك، وخالفهم سفيان بن عيينة عن الزهري فقال: هديت له من لحم حمار وحشي رواه مسلم، مكان من إطلاق الكل على الجزء، وهو أي: والحال أنه صلى الله عليه وسلم بالأبْوَاءِ بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد، جبل بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون مَيلًا، سمي بذلك لتبوء السيول به لا لما فيه من الوباء إذ لو كان كذلك يقبل الأوبأ أو هو مقلوب منه أو بوَدَّان شك من الرواي، وهو بفتح الواو وتشديد الدال المهملة فألف فنون على وزن شتات، اسم موضع قريب من الجحفة، أو قرية جامعة أقرب إلى الجحفة من الأبواء بينهما ثمانية أميال فردَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: رد الحمار على الصعب لكونه صلى الله عليه وسلم محرمًا والراوي غافل عن هذا المعنى فتغير وجهه خوفًا من غضبه صلى الله عليه وسلم لغير هذا المعنى، واتفقت الروايات بأكملها على رده إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريق بإسناد حسن عن عمرو بن أمية أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحشي وهو (ق 477) بالجحفة، وأكل القوم، قال البيهقي: إن كان هذا محفوظًا فلعله أراد الحي، وقيل: اللحم.
قال الحافظ: وفيه نظر، فإن كانت الطرق كلها محفوظة، فلعله رده حيًا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك، وقيل: تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله.
وقد قال الشافعي: إن كان الصعب أهدى حمارًا حيًا فليس للمحرم أن يذبح حمارًا وحشيًا حيًا، إن كان أهدى لحمًا فيحتمل أن يكون علم أنه صيد لأجله، ونقل الترمذي عن الشافعي أنه صلى الله عليه وسلم رده لظنه أنه صيد من أجله فتركه على وجه التنزه، ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على حال رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة، ويؤيده أنه جازم بوقوع ذلك في الجحفة، وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودان فلما رَأى أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في (الموطأ) ليحيى ما في وجهي أي: من الكراهة لما حل له من الكسر برد
(1) التقريب (1/ 276).
هديته قال: متعذرًا أو تطييبًا لقلية "ألا" بفتح الهمزة وتخفيف اللام صيغة التنبيه على ما في نسخة "إنَّا بكسر الهمزة وفتح النون المشددة فألف لوقعها في الابتداء لم نَرُدُّهُ بفتح الدال رواه المحدثون، وقال محققو النحاة: إنه غلط، والصواب ضم الدال كآخر المضاعف من كل مضاعف مجزوم اتصل به ضمير المذكر مراعاة للواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها لخفاء الهاء، فكان ما قبلها ولي الواو، ولا يكون ما قبل الواو إلا مضمومًا: هذا في المذكر، أما المؤنث مثل ردها فمفتوح الدال مراعاة للألف.
ذكره القاضي عياض وغيره وجوز الكسر وهو ضعيفًا ضعف من الفتح، أوهم ثعلب فصاحة الفتح وقد غلَّطوه؛ لأنه ذكر في الفصيح ولم ينبه على ضعفه أي: لم نرد الحمار الوحشي عليك لعله من العلل إلا أَنَّا بفتح الهمزة وتشديد النون أي لأجل أنا حُرُمٌ" بضم الحاء المهملة، والراء جمع حرام والحرام محرم أي: لأنا محرمون، ومنه قوله تعالى في سورة المائدة:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} الآية [المائدة: 96] وتمسك بظاهرها من حرم لحم الصيد على المحرم مطلقًا صاده المحرم أو صاده حل له أو لم يصيده، وبه قال على وابن عمر وابن عباس؛ لأنه صلى الله عليه وسلم علل رده بأنه محرم ولم يقل بأنك صدته لنا، وفيه رد ما لا يجوز للمهدي الانتفاع به، وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى: كلاهما عن مالك به والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم من طريق مالك أيضًا كذا قاله الفاضل السيد محمد الزرقاني (1).
* * *
442 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، أنَّه سمع أبا هريرة يحدِّث عبد الله بن عمر، أنَّه مَرّ به قومٌ مُحْرِمون بالرَّبَذَة، فاستفتوه في لحم صَيْدٍ وَجَدُوا: أحِلَّةً يأكلونه؟ فأفْتَاهم بأكله، قال: ثم قَدِمَ على عمر بن الخطاب فسأله عن ذلك، فقال عمر: بِمَ أفْتَيْتَهُمْ؟ قال: أَفْتَيْتُهُمْ بأكله، قال عمر: لو أفْتَيْتَهُمْ بغيره لأوْجَعْتُك.
(1) في شرحه (2/ 378).
(442)
إسناده صحيح.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أو أنا، وفي نسخة أخرى: ثنا، أخبرنا وفي نسخة: قال: ثنا، وفي نسخة أخرى: أنا أو بنا، ابن شهاب، هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري تابعي ثقة، من الطبقة الرابعة، من أهل المدينة عن سالم بن عبد الله، بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، يكنى أبا عمر أو أبا عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، كان ثبتًا عابدًا فاضلًا يشبه بأبيه في الهدى والسمت، وكان من الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين، من أهل المدينة، مات في آخر سنة ست بعد المائة على الصحيح، كذا قاله ابن حجر (1) أنَّه سمع أبا هريرة يحدِّث عبد الله بن عمر، يعني أباه أنَّه أي: أبا هريرة مَرّ به قومٌ مُحْرِمون بالرَّبَذَة، بفتح الراء المهملة والموحدة والذال المعجمة المفتوحة، قرية قرب المدينة ولا يخالف قوله في السابق حتى إذا كان بالربذة وجد ركبًا؛ لأنه يحمل على أنه وجدهم مارين (ق 478) به لما استقر بالربذة، فالقصة واحدة فاستفتوه في لحم صَيْدٍ وَجَدُوا أي: القوم المستفتون أحِلَّةً بفتح الهمزة وكسر المهملة واللام المشددة المفتوحة جمع حلال، أي: جماعة حلال من الربذة يأكلونه؟ فأفْتَاهم أي: أبو هريرة بأكله، أي: بأكل ذلك اللحم ثم قَدِمَ أي: جاء أبو هريرة بعد ما أفتاهم بأكل ذلك اللحم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله أي: أبو هريرة عمر عن ذلك، أي: عما أفتاهم من أكل ذلك اللحم وردد الشارح علي القاري في السائل، حيث فسر الضمير المستتر في قوله فسأله بقوله أي: أبو هريرة عمر عن ذلك، أو عمر أبا هريرة، وعلل تفسيره على الترديد بقوله: لما بلغه مجمل ما هنالك، ولعله لم يقال (بالموطأ) ليحيى حيث فيه السائل والمسئول بأن قال: ثم قدمت المدينة على عمر بن الخطاب فسألته عن ذلك أي: لشكي في فتواي فقال عمر رضي الله عنه: يا أبا هريرة بم أصله بما كما في نسخة فحذف الألف؛ لأن حرف الجر إذا ما دخلت على ما الاستفهامية يحذف ألفها تخفيفًا للفظ الكثير التداول، أو فرقًا بين ما الاستفهامية والإِسمية، كما في قوله تعالى في سورة الصف:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2] والمعنى بماذا أفْتَيْتَهُمْ؟ قال أي: أجاب أبو هريرة لسؤال عمر بقوله: أَفْتَيْتُهُمْ بأكله، قال عمر: لو أفْتَيْتَهُمْ يا أبا هريرة بغيره أي: بمنع أكله لأوْجَعْتُك بالضرب المؤلم، أو بالكلام العنيف كما يقتضيه تأديب المقام، ففي هذا أن حل ما لم يصده المحرم لا صيد له بل صاده الحلال لنفسه كان أمرًا مقررًا عندهم لا يجوز
(1) التقريب (1/ 226).
الاجتهاد في الإِفتاء بخلافه إلا فالمجتهد لا لوم عليه فيما أداه اجتهاده، فضلًا عن الإِيجاع بضرب أو غيره كذا قاله الزرقاني (1).
* * *
443 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو النَّضْر، مولى عمر بن عُبَيْد الله، عن نافع مولى أبي قَتَادَةَ، عن أبي قَتَادة، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان ببعض الطريق تخلَّفَ مع أصحابِ له مُحْرِمين، وهو غير مُحْرِم، فرأى حِمارًا وَحْشِيًا، فاستوى على فرسه، فسأل أصحابه أن يُنَاوِلوه سوطه، فأبَوْا، فسألهم أن يُنَاوِلُوهُ رُمحه، فأبَوْا، فأخذه، ثم شدَّ على الحمار فقتله، فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأَبَى بعضهم، فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألُوهُ عن ذلك، فقال: إنما هي طُعْمَةٌ أطْعَمَكُمُوها الله.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا أخبرنا وفي نسخة: قال: بنا أبو النَّضْر، بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، اسمه سالم بن أمية، مولى عمر بن عُبَيْد الله، بن معمر القرشي التيمي المدني، تابعي روى عنه مالك والثوري وابن عيينة، كان من الطبقة الخامسة من أهل المدينة عن نافع بن عباس بموحدة ومهملة وتحتانية ومعجمة ابن محمد الأقرع، المدني الثقة، مولى أبي قَتَادَةَ، الأنصاري كما ذكره النسائي والعجلي وغيرهما، وقال ابن حبان وغيره: قيل له ذلك للزومه له إنما هو مولى عقيلة بنت طلق الغفارية، كان من الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة عن أبي قَتَادة، هو الحارث بن ربعي بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة السلمي، بفتحتين المدني شهد أحدًا وما بعدها، ولم يصح شهوده بدرًا، مات سنة أربع وخمسين من الهجرة، كذا قاله ابن حجر أنه كان مع
(1) في شرحه (2/ 373).
(443)
صحيح: أخرجه البخاري (1823) ومسلم (57/ 1164) وأبو داود (1852) والترمذي (847) والنسائي (5/ 182) وعبد الرزاق في المصنف (8337) وأحمد في المسند (5/ 190، 301، 305، 307) والدارمي (2/ 38) والبيهقي في السنن (5/ 322) وفي معرفة السنن والآثار (7/ 10576) والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 173).
رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان ببعض الطريق أي: طريق مكة كما في (الموط) أليحيى، وفي (الصحيحين) من رواية عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه: انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم حتى كانوا ببعض الطريق مكة تخلَّفَ أي: عن مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابٍ له مُحْرِمين، وهو أي: والحال أن أبا قتادة غير مُحْرِم، قال النووي: فإن قيل: كيف كان أبو قتادة غير محرم وقد جاوز ميقات المدينة، وقد تقرر أن من أراد حجًا أو عمرة لا يجوز له مجاوزة الميقات غير محرم. قال القاضي: وجواب هذا أن المواقيت لم تكن وقتت بَعدُ، وقيل؛ لأنه (ق 479) صلى الله عليه وسلم بعثه ورفقته يكشف عدوًا لهم بجهة الساحل. ذكره السيوطي.
وفي الجوابين: بحث؛ أما الأول فبعد أن لم يوقت بعد، وأما الثاني فلأن بعثه ورفقائه بعد المجاوزة بدليل كونهم محرمين معه؛ فالأوجه أنه أخر إحرامه ليحرم من الميقات الثاني، كما تقدم كذا قاله علي القاري.
وفي البخاري من طريق عمرو بن الحارث وهم محرمون، وأنا رجل على فرسي وكنت رقًا على الجبال فبينا أنا على ذلك إذ رأيت الناس متشوفين فذهبت أنظر فرأى حِمارًا وَحْشِيًا، فاستوى على فرسه، وفي رواية عمر: وكنت نسيت سوطي، وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة: فسقط مني سوطي، فلعله أطلق النسيان على السوط وعكسه تجوزًا فسأل أصحابه أن يُنَاوِلوه سوطه، فأبَوْا، أي: امتنعوا عن مناولته إياه حيث عرفوا أنه قصد الصيد، وفي رواية عمرو قالوا: لا نعينك عليه فسألهم أن يُنَاوِلُوهُ رُمحه، فأبَوْا، فأخذه، أي: ما ذكر من سقوطه ورمحه ثم شدَ أي: حمل على الحمار أي: الوحشي فقتله، أي: برمحه وطبخه، وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة، قلت: ناولني السوط، قالوا: والله لا نعينك عليه بشيء، فنزلت فتناولته ثم ركبت، فأدركت الحمار من خلفه وهو وراء أكمة فطعنته برمحي فعقرته، وفي رواية عمرو: فأتيت إليهم فقلت لهم: قوموا فاحتملوا قالوا: لا تمسه، فحملته حتى جئتهم به فأكل منه بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: بناء على أن الأصل جوازه وأَبَى بعضهم، أي: من الأكل، وفيه جواز الاجتهاد في الفروع، والاختلاف فيها إذا استند كلُّ إلى دليل في ظنه، وفي رواية: أنهم شكوا في أكله إياه وهم حرم، وفي أخرى: فقلنا: إنا نأكل لحم صيد ونحن محرمون، فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألُوهُ عن ذلك، أي: ذكروا له القصة على ما هي عليه وأن أصحابه لم يعينوه بمناولة سوط
ولا رمح ولا غيرهما، وفي رواية عمرو: وأبى بعضهم فقلت لهم: أنا أستوقف لكم النبي صلى الله عليه وسلم فأدركته فحدثته الحديث، وفي رواية عبد الله بن أبي قتادة فقلنا: نأكل لحم صيد ونحن محرمون فحملنا ما بقي من لحمها فقال: صلى الله عليه وسلم: "هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء"، وفي رواية أخرى:"وأعانه" قالوا: لا، فقال: أي: "كلوا ما بقي من لحمها" إنما هي طُعْمَةٌ بضم الطاء المهملة وسكون العين المهملة فميم وهاء أي طعامه أو لقمة أطْعَمَكُمُوها الله عز وجل أي: رزقكموها وأحلها لكم.
والحديث رواه أصحاب الكتب الستة من حديث أبي قتادة: أنهم كانوا في مسير لهم بعضهم محرم وبعضهم ليس بمحرم، قال: فرأيت حمارًا وحشيًا فركبت فرسي، وأخذت الرمح، واستعنت بهم فأبوا أن يعينوني فاختلست سوطًا من بعضهم وشددت على الحمار فأصبته، فأكلوا منه فأشفقوا، وفي نسخة: واستبقوا فسئل عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أمنكم أحد أمره أي: يحمل عليها أو أشار إليها؟ " قالوا: لا قال: "فكلوا، ما بقي من لحمها"، وفي لفظ مسلم:"هل أشرتم، هل أعنتم"، قالوا: لا، قال:"فكلوا" وفيه جواز أكل المحرم لحم الصيد إذا لم يكن منه دلالة وإعانة عليه أو إشارة إليه، فإن صاده أو صيد لأجله بإذنه أم بغير إذنه حرم عند الجمهور لحديث جابر مرفوعًا:"صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم" رواه أبو داود والنسائي، وإلى هذا ذهب (ق 480) الجمهور ومالك والشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة وطائفة: يجوز أكل ما صيد لأجله؛ لظاهر حديث أبي قتادة أنه صاده لأجلهم، وتعقب بأنه يحتاج إلى نقل أنه صاده لأجلهم، والجمع بينه وبين حديث جابر بما ذهب إليه الجمهور أولى من طرح حديث جابر كذا. قاله الزرقاني.
* * *
444 -
أخبرنا مالك، حدثنا زيد بن أسْلَم، عن عَطاءِ بن يَسار، أنَّ كَعْبَ الأحبار أقْبَلَ من الشام في رَكْبٍ مُحْرِمين، حتى إذا كانوا ببعض الطَّرِيق، وجدوا لحم صَيْدٍ، فأفتاهم كَعْب بأكله، فلما قدموا على عمر بن الخطاب
(444) إسناده صحيح.
ذكروا ذلك له، فقال: مَنْ أفْتاكم بهذا؟ قالوا: كعب، قال: فإني قد أمَّرْتُه عليكم حتى ترجعوا، ثم إنه لما كان ببعض الطَّريق طَريقِ مكة، مَرَّت بهم رِجْلٌ من جَرَاد، فأفْتاهم كعب بأن يأكلوه ويأخذوه، فلما قدموا على عمر ذكروا ذلك له، فقال: ما حملك على أن تفتيهم بهذا؟ قال: يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده، إن هو إلا نَثْرَة حوت، يَنْثُرُهُ في كل عام مرتين.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أو أنا، وفي أخرى: ثنا حدثنا زيد بن أسْلَم، العدوي مولى عمر، يكنى أبا عبد الله أو أبا أسامة المدني، ثقة عالم، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، مات سنة ستة وثلاثين عن عَطاءِ بن يَسار، الهلالي، يكنى أبا محمد المدني مولى ميمونة ثقة، فاضل صاحب مواعظ وعبادة، كان في الطبقة الثانية من طبقات صغار التابعين، مات سنة ستة وتسعين وأربع أنَّ كَعْبَ الأحبار بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة فألف فراء كان من علماء اليهود وأسلم بعد سيد الأبرار فصار من التابعين الأخيار، وهو أي: الأحبار جمع حبر بكسر الحاء المهملة وفتحها وأيضًا كما لأوله إما لكثرة كتابته بالحبر بإيحاء العلماء وقول المحد: كعب الحبر ولا تقل: الأحبار، فيه نظر [فيه] أثبت غير واحد، وهو أي: كعب بن ماتع بفوقية أدرك زمن النبوة وأسلم في خلافة عمر على المشهور كذا قاله الزرقاني (1) كان في الطبقة الأولى من طبقات التابعين من أهل الشام وهي كانت في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة من وجه الأرض.
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي: من بعض مناقب كعب الأحبار أنه قال: ما كرم عبد على الله تعالى إلا زاد البلاء عليه شدة، ولا أعطى رجل زكاة فنقصت من ماله ولا حبسها فذادت فيه، لا يسرق سارق إلا حسب له من رزقه، وقال: إن سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر دوي حول العرش يذكرون بصاحبها، والعمل الصالح في الخزائن، وقال: ما استقر لعبد ثناء في الأرض حتى يستقر في السماء، وقال: لأن أبكي من خشية الله حتى تسيل دموعي على وجنتي أحب إلى أن أتصدق بوزني ذهبًا، والذي نفس كعب بيده، ما بكى عبد من خشية الله حتى تقع قطرة من دموعه على الأرض فتمسه النار أبدًا حتى يعود قطر السماء الذي وقع على الأرض من حيث جاء، ولن يعود أبدًا.
(1) في شرحه (1/ 318).
وقال: من تعبد الله تعالى ليلة حيث لا يراه من يعرفه خرج من ذنوبه كما يخرج من ليلته انتهى أقْبَلَ من الشام في رَكْبٍ بفتح الراء وسكون الكاف والموحدة اسم لأصحاب الإِبل أي: في جمع مُحْرِمين، أي: بعمرة، كذا في رواية حتى إذا كانوا ببعض الطَّرِيق، أي: ببدء إحرامهم وجدوا لحم صَيْدٍ، صاده حلال بغير إحرام فأفتاهم كَعْب بأكله، فلما قدموا على عمر بن الخطاب أي: بالمدينة المنورة ذكروا ذلك له، أي: لعمر ففيه تنبيه على أنهم أحرموا من دويرة أهلهم بعد دخول أشهر الحج، فإنه أفضل لمن أمن ارتكاب المحظور، فقد روى أنهم أحرموا بها من بيت المقدس، لحديث ورد بذلك فقال: أي: عمر مَنْ أفْتاكم بهذا؟ أي: بأكل المحرم لحم الصيد قالوا: كعب، أي: أفتانا به قال أي: عمر فإني قد أمَّرْتُه عليكم بتشديد الميم (ق 481) أي: جعلته أميرًا عليكم حتى ترجعوا، إلى بلدكم ثم لما كانوا أي: كعب الركب ببعض الطَّريق طَريقِ مكة، عطف بيان مَرَّت بهم أي: عبرت عليهم رِجْلٌ بكسر الراء وسكون الجيم أي: قطيع من جَرَاد، فأفْتاهم كعب بأن يأكلوه ويأخذوه، الواو بمجرد الجمع، في (الموطأ) ليحيى أن يأخذوه فيأكلوه فلما قدموا على عمر أي: في المدينة بعد رجوعهم من مكة ذكروا ذلك أي: ما أفتى به كعب له، أي: لعمر فقال: أي عمر ما حملك أي: يا كعب على أن تفتيهم بهذا؟ أي: على تجوز أكل الجراد للمحرمين قال: يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده، إن هو أي: ما هو يعني: الجراد إلا نَثْرَة حوت، بفتح النون وسكون المثلثة وأصلها ما يلقيه الإِنسان عند الامتحان والعطاس في (النهاية) أي: عطسته حوت يَنْثُرُهُ إي: يرميه في كل عام مرتين وبذلك ورد حديث مرفوع عند ابن ماجه (1) عن أنس رضي الله عنه: أن الجراد نثره الحوت من البحر وفي أبي داود (2) والترمذي (3) وابن ماجه (4) عن أبي هريرة مرفوعًا: الجراد من صيد البحر، وفي رواية: إنما هو من صيد البحر، لكنها أحاديث ضعفها أبو داود والترمذي وغيرهما، فلا حجة فيها لمن أجاز للمحرم صيده.
ولذا قال الأكثر كمالك والشافعي أنه صيد البر، فيحرم التعرض له، وفيه قيمته
(1) ابن ماجه (3221).
(2)
أبو داود (1853).
(3)
الترمذي (850).
(4)
ابن ماجه (3222).
وقد جاء ما يدل على رجوع كعب عن هذا، فروى الشافعي بسند صحيح أو حسن عن عبد الله بن أبي عمار أقبلنا مع معاذ بن جبل وكعب الأحبار في الناس محرمين من بيت المقدس بعمرة حتى إذا كنا ببعض الطريق وكعب على نار يصطلي فمرت به رجل جرد أي: قطيع من الجراد فأخذ جرادتين فقتلهما، وكان قد نسي إحرامه فذكره فألقاهما فلما قدمنا المدينة على عمر قص عليه كعب قصة الجرادتين فقال: ما جعلت على نفسك قال: درهمين قال: بخ، درهمان خير من مائة جرادة نعم لو عم الجراد المسالك، ولم يجد بدا من وطئه فلا ضمان، وليحفظ منه وقد توقف ابن عبد البر في أنه من نثرة حوت بأن المشاهدة تدفعه، وقد روى سعيد بن زيد الباجي المالكي عن كعب قال: خرج أوله من منخر حوت فأفاد أن أوله خلقه من ذلك، وهذا أشبه.
قال وما ذكره كعب الأحبار من ذلك لا تعلم صحته ولم يكذبه عمر ولا صدقه؛ لأنه خشي أنه علم ذلك من التوراة والسنة فيما حدثوا به أن لا يصدقوا ولا يكذبوا لئلا يكذبوا في حق جاؤوا به أو يصدقوا في باطل اختلفوا أوائلهم وحرفوه عن مواضعهم، كذا قاله الزرقاني (1).
* * *
445 -
أخبرنا مالك، حدثنا زيد بن أسْلَم، أن رجلًا سأل عمر بن الخطاب فقال: إني أصَبْتُ جَرَادَات بِسَوْطِي، فقال: أطعم قبضةً من طعام.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا حدثنا وفي نسخة: قال: بنا زيد بن أسْلَم، العدوي مولى عمر، يكنى أبا عبد الله وأبا أسامة المدني ثقة عالم، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، مات سنة ست وثلاثين، كذا قاله ابنِ حجر (2) أن رجلًا سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إني أصَبْتُ جَرَادَات بِسَوْطِي، أي: قتلتهن بضرب سوطي عليهن وأنا محرم أي: والحال أنا محرم على ما في
(1) في شرحه (2/ 375).
(445)
إسناده صحيح.
(2)
التقريب (1/ 222).
نسخة فقال: أطعم قبضةً كذا في الأصل بالضاد المعجمة وهي بفتح القاف والضم أكثر ما قبضت عليه من شيء من طعام أي: من حنطة، والأظهر أنه بالصاد المهملة، وهي بالفتح وبضم ما ملأ كفاك من الطعام، وهذا هو المناسب للمقام.
* * *
446 -
أخبرنا مالك، أخبرنا هشام بن عُرْوَة، عن أبيه أنَّ الزُّبَيْر بن العَوَّام كان يتزَوَّد صَفيف الظِّباءِ في الإِحرام.
قال محمد: وبهذا كلِّه نأخذ، إذا صادَ الحلال الصَّيْد فذبحه لا بأس بأن يأكل المُحْرِم من لحمه، إن كان صِيد من أجله، أو لم يُصَدْ من أجله؛ لأن الحلال صادَه وذبحه، وذلك له حَلال، فخرج من حال الصَّيْد، وصار لحمًا، فلا بأس بأن يأكل المُحْرِم منه.
وأما الجراد فلا ينبغي للمحرم أن يصيده، فإن فعل كَفَّرَ، وتَمْرَةٌ خيرٌ من جَرَادَة، كذلك قال عمر بن الخطاب، وهذا كلّه قولُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: ثنا أخبرنا وفي نسخة: قال: ثنا، هشام بن (ق 482) عُرْوَة، عن أبيه أنَّ أي: أباه الزُّبَيْر بن العَوَّام الأسدي ثقة فقيه ربما دلس، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين، من أهل المدينة مات سنة ست أو خمس وأربعين ومائة من الهجرة، وله سبع وثمانون سنة. كذا قاله ابن حجر كان يتزَوَّد أي: يتخذ في السفر طعامًا صَفيف الظِّباءِ بكسر الظاء المعجمة وفتح الموحدة والألف الممدودة جمع الظبي في الإِحرام أي: عند قصده.
قال مالك: والصفيف بصاد مهملة وفائين بينهما تحتية بزنة أمير، هو القديد، وفي القاموس: الصفيف كأمير ما صف في الشمس وعلى الجمر ليتشوى.
قال محمد: وبهذا كلِّه نأخذ، أي: إنما نعمل أنا وأصحاب أبي حنيفة بجميع ما
(446) إسناده صحيح.
روى في هذا الباب إذا صادَ الحلال الصَّيْد فذبحه أي: الحلال إن ذبحه المحرم للصيد حرام عليه وعلى غيره إذ يصير نجسة فلا بأس بأن يأكل المُحْرِم من لحمه، أي: من لحم صيد الحلال وذبحه إن كان أي: سواء كان صِيد بصيغة المجهول أي: اصطيد من أجله، أي: بلا دلالة محرم وأمره أو لم يُصَدْ بصيغة المجهول من أجله؛ خلافًا لما ذهب إليه عثمان، وبه قال مالك والشافعي مستدلين بما رواه أبو داود (1) والترمذي (2) من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم بأمركم" لأن الحلال صادَه وذبحه، وذلك أي: ما ذكر من الفعلين له أي: للمحرم حَلال، أي: بالإِجماع فخرج من حال الصَّيْد، وصار لحمًا، أي: كسائر اللحوم فلا بأس أي: لا كراهة بأن يأكل المُحْرِم منه أي: كما يجوز له أن يأكل من لحم الغنم ونحوه إذا ذبحه حلال أو محرم اتفاقًا.
وأما الجراد فقد اختلف العلماء في كونه صيد البحر أو البر فلا ينبغي للمحرم أن يصيده، أي: يأخذه ويأكل منه؛ لأنه الأحوط وعليه الأكثر فإن فعل كَفَّرَ، أي: بقيمته وتَمْرَةٌ خيرٌ من جَرَادَة، أي: كما رواه ابن أبي شيبة عن عمرو بن عباس كذلك قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه أي: كما رواه يحيى في (موطئه) عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلًا جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأله عن جرادة قتلها وهو محرم فقال عمر لكعب: تعالى حتى تحكم فقال: درهم درهم فقال عمر لكعب: إنك لتجد الدراهم تمرة خير من جرادة انتهى.
ولا يخفى هذا من كعب مخالفًا لما سبق من فتواه، ولا الحق من عمر فيما أمضاه، ولعلهما رجعًا عن قولهما أولًا أو رجع كعب إلى رأي عمر لما تبين أنه أظهر وهذا كلّه قولُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا وفي (شرح الهداية) لابن الهمام وعليه كثير من العلماء لكنه يشكل عليه ما في أبي داود والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة أو عمرة فاستقبلنا رجل، أي: قطيع من جراد فجعلنا نضربه بسياطنا وقسينا فقال: صلى الله عليه وسلم: "كلوه فإنه من صياد البحر" فعلى هذا لا يكون فيه شيء وتبع عمر أصحاب المذاهب انتهى.
قال علي القاري: يحل للمحرم أكل الجراد عند الأئمة الأربعة سواء مات بحتف أو
(1) أبو داود (1851).
(2)
الترمذي (846).