الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15 -
باب المحرم يغسل رأسه ويغتسل
في بيان حكم حال الحرم يغسل رأسه ويغتسل أي: يحمي بدنه من غير قصد إزالة وسخه.
419 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، أن عبد الله بن عمر: كان لا يغسل رأسه وهو محرم، إلا من احتلام.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن النضر بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي، يعني: كان من ولد ملك يقال له: ذي أصبح من ملوك اليمن، وكان في الطبقة السابعة من كبار أتباع التابعين من أهل المدينة، وهي كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة من وجه الأرض (1)، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى: أنا، حدثنا وفي نسخة: قال: بنا نافع بن عبد الله المدني مولى ابن عمر، ثقة تابعي ثبت فقيه مشهور كان في الطبقة الثالثة، مات سنة سبع عشرة ومائة أو بعد ذلك من الهجرة (2) أن ابن عمر: كان لا يغسل رأسه وهو محرم، إلا من احتلام فكان يعمل بالأفضل لما روى الترمذي وابن ماجه (3) من حديث ابن عمر قال: قام رجل فقال: يا رسول الله من الحاج الشعث التفل والشعث: المنتثر شعر الرأس والتفل: التارك الطيب، وقد قال تعالى في سورة الحج:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] والتفث: الوسخ كذا ذكرا المطرزي عن قطرب قوله: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] يعني: ليزيلوا أوساخهم كذا في (عيون التفاسير).
* * *
(419) أخرجه: مالك (702).
(1)
تقدم.
(2)
تقدم.
(3)
أخرجه: الترمذي (2998)، وابن ماجه (2896)، وابن أبي شيبة (4/ 535)، والشافعي في المسند (495)، والبيهقي في الكبرى (8721)، والشعب (3974)، وابن عدي في الكامل (1/ 227).
وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه من حديث ابن عمر إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي، وقد تكلم بعض أهل الحديث في إبراهيم بن يزيد من قبل حفظه.
وقال البيهقي: وإنما امتنعوا منه لأن الحديث يعرف بإبراهيم بن يزيد الخوزي، وقد ضعفه أهل العلم بالحديث.
420 -
أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن إبراهيم بن عبد الله بن حُنين، عن أبيه، أن عبد الله بن عباس، والمِسْوَر بن مَخْرَمَةَ تَمَارَيَا بالأبْوَاءِ، فقال ابن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المِسْور: لا، فأرسله ابن عباس إلى أبي أيوب يسأله، فوجده يغتسل بين القَرْنَيْن، وهو يُسْتَر بثوب؛ قال: فسلمتُ عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا عبد الله بن حُنين، أرسلني إليك ابن عباس، أسألك: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم؟ فوضع يده على الثوب وطَأطَأه حتى بدا لي رأسه، ثم قال لإِنسان يصب الماءَ عليه: اصبُب، فصبّ على رأسه، ثم حرَّك رأسه بيده، فأقبل بيده وأدبر، فقال: هكذا رأيته يفعل.
قال محمد: وبقول أبي أيوب نأخذ، لا نرى بأسًا بأن يغسل المحرم رأسه بالماءِ، وهلْ يزيده الماء إلا شَعَثًا! وهو قولُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، وفي أخرى: أنا أخبرنا وفي نسخة: عن زيد بن أسلم، العدوي مولى عمر يكنى عبد الله وأبا أسامة المدني، ثقة عالم كان يرسل وكان من الطبقة الثالثة، مات سنة ست وثلاثين ومائة من الهجرة (1) عن إبراهيم بن عبد الله الهاشمي مولاهم المدني يكنى أبا إسحاق ثقة من الطبقة الثالثة مات بعد المائة كذا قاله ابن حجر (2) ابن حُنين، بضم المهملة وفتح النون الأولى الهاشمي مولاهم مدني ثقة من الطبقة الثالثة، مات في خلافة يزيد بن عبد الملك في أول المائة الثانية (3) وليحيى
(420) أخرجه: البخاري (1743)، ومسلم (1205)، وأبو داود (1840)، والنسائي في المجتبى (2664)، وابن ماجه (2934)، وأحمد (23036)، والدارمي (1739)، ومالك (699)، والنسائي في الكبرى (3645)، وابن حبان (3948)، وابن أبي شيبة (4/ 213)، والدارقطني (2/ 272)، والطبراني في الكبير (3978)، والبيهقي في الكبرى (9213).
(1)
انظر: التقريب (1/ 189).
(2)
انظر: التقريب (1/ 30).
(3)
انظر: السابق.
ومالك عن زيد بن أسلم عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله إلى آخره قال ابن عبد البر (1): لم يتابع أحد من رواة (الموطأ) يحيى على إدخال نافع بن زيد وإبراهيم وهو خطأ لا شك فيه، وهو مما يحفظ من أخطاء يحيى في (الموطأ)(ق 453) وغلطه ابن وضاح بطرحه كذا ذكره السيوطي (2) عن أبيه، أي: عبد الله بن حنين أن عبد الله بن عباس، والمِسْوَر بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو ابن مَخْرَمَةَ بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء، وهو ابن أخت عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي ولد بمكة بعد الهجرة بعد السنتين، وقدم به إلى المدينة في ذي الحجة سنة ثمان وقبض النبي صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين وسمع منه وحفظ عنه وكان فقيهًا من أهل الفضل والديانة ولم يزل بالمدينة إلى أن قتل عثمان بن عفان وانتقل إلى مكة فلم يزل بها حتى مات معاوية (3) تَمَارَيَا أي: اختلافا في جواز غسل المحرم وعدمه بالأبْوَاءِ، بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد، وهو جبل قرب مكة وعنده بلدة تنسب إليه قبل سمي بذلك لوبائه، وهو على القلب وإلا لقيل الأوباء فقال ابن عباس: رضي الله عنهما يغسل الحرم رأسه، أي: جوازًا وقال المِسْور: لا، أي: لا يجوز أو لا يغسله استحبابًا ويلائم الأول قوله فأرسله ابن عباس أي: عبد الله بن حنين كما قاله لمالك في (الموطأ): قال عبد الله بن حنين: فأرسلني عبد الله بن عباس إلى أبي أيوب أي: خالد بن زيد الأنصاري، وهو صحابي جليل يسأله، أي: عن حكم الغسل للمحرم فوجده أي: أبا أيوب يغتسل وهذا من الاتفاقات الحسنة إن كان محرمًا بين القَرْنَيْن، بفتح القاف تثنية قرن وهما الخشبتان القائمتان على رأس البير وشبههما وقد بينهما خشبة تجر عليها الحبل المستقي به ويعلوا عليها البكرة كذا ذكره السيوطي وهو أي: الحال أن أبا أيوب يُسْتَر بثوب؛ بصيغة المجهول، وفي رواية (الصحيحين): وهو مستتر بثوب قال: أي: ابن حنين فسلمتُ عليه؛ فقال: من هذا؟ أي: المسلم فقلت: أنا عبد الله بن حُنين، أرسلني إليك ابن عباس، إنما اقتصر عليه؛ لأنه أرسله إليه، ومن باب الاكتفاء والاختصار على من هو أفضل لديه أسألك: أي: على لسانه كما، وقع اختلاف في شأن بيانه وفي رواية: يسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم؟ وفيه أنه لم يكن النزاع في كيفية غسله لكنها تفيد زيادة في بيان جواز فعله.
(1) انظر: التمهيد (4/ 260).
(2)
انظر: تنوير الحوالك (1/ 238).
(3)
تقدم.
قال ابن عبد البر: فيه أن ابن عباس رضي الله عنهما كان علم غسل رأس المحرم عنه صلى الله عليه وسلم أنبأه أبو أيوب وغيره؛ لأنه كان يأخذ عن الصحابة، ألا ترى أنه قال: كيف يغسل رأسه، ولم يقل هل كان يغسل؟
وقال ابن دقيق العيد: هذا يشعر بأن ابن عباس كان عنده علم بأصل الغسل، فإن السؤال عن كيفية الشيء إنما يكون بعد العلم بأصله، وإن غسل البدن كان عنده متقرر الجواز إذا لم يسأل عنه إنما سأل عن كيفية غسل الرأس، ويحتمل أن يكون ذلك؛ لأنه موضع الإِشكال؛ لأن الشعر عليه وتحريك اليد يخاف منه نتف الشعر وتعقب بأن النزاع بينهما إنما وقع في غسل الرأس.
وقال الحافظ العسقلاني: لم يقل: هل كان يغسل رأسه ليوافق اختلافهما؟ بل سأل عن الكيفية، لاحتمال أنه لما رآه يغتسل وهو محرم فهم من ذلك الجواب، ثم أحب أن لا يرجع إلا بفائدة (ق 454) أخرى فسأله عن الكيفية كذا قاله الزرقاني (1) فوضع أي: أبو أيوب الأنصاري يده على الثوب أي: الساتر عليه وطَأطَأه بهمزتين على وزن جلب أي: خفض الثوب وأزاله عن رأسه حتى بدا بالتخفيف أي: ظهر لي رأسه، أي: رأس أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ثم قال لإِنسان أي: لرجل هناك ولم يعلم اسمه يصب الماءَ عليه: أي: قاله أبو أيوب لا يصبه على رأسه اصبُب، بضم الهمزة وسكون الصاد المهملة وضم الباء الموحدة الأولى أمر مخاطب أي: صب الماء فصبّ أي: إنسان الماء على رأسه، أي: رأس أبي أيوب الأنصاري في نسخة: فيصب ثم حرَّك أي: أبو أيوب رأسه بيده، فأقبل بيده وأدبر، أي: بها وليحيى: بيديه، فأقبل بهما وأدبر أي: بهما والمراد بيد جنسه ولا تنافي بينهما وهو يدل على جواز ذلك ما لم يؤده إلى نتف الشعر والبيان بالفعل أبلغ من القول فقال: أي: أبو أيوب هكذا رأيته أي: النبي صلى الله عليه وسلم يفعل أي: يغسل في حال الإِحرام على ما هو الظاهر في مقام المرام لكن بقي الكلام أنه هل كان غسله صلى الله عليه وسلم بسبب من الأسباب أم لا على أنه صلى الله عليه وسلم كان محفوظًا من الاحتلام.؟
وفي رواية ابن جريج عن زيد بن أسلم بهذا الإِسناد: فأمرّ أبو أيوب بيديه على رأسه جميعًا فأقبل بهما وأدبر، وزاد سفيان بن عيينة فرجعت إليهما فأخبرتهما فقال المسور بن
(1) انظر: شرح الزرقاني (2/ 302).
مخرمة لابن عباس: لا أماريك أبدًا أي: لا أجادلك، وفيه رجوع المختلفين إلى من يظنان أن عنده علم ما اختلف فيه وقبول خبر الواحد، وأنه كان مشهورًا عند الصحابة؛ لأن ابن عباس أرسل عبد الله بن حنين يسأل أبا أيوب، ومن ضرورة ذلك قبول خبر أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقبول خبر عبد الله بن حنين عن أبي أيوب والرجوع إلى النص عند الاختلاف وترك الاجتهاد والقياس عند النص.
قال ابن عبد البر: وفيه أن الصحابة إذا اختلفوا لم يكن أحدهما حجة على الآخر إلا بدليل، وإن حديث "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" محله في النقل عنه صلى الله عليه وسلم كما قال أهل النظر كالمزني؛ لأن كلًا منهم ثقة مأمون عدل لا في الاجتهاد والرأى وإلا لقال ابن عباس للمسور بن مخرمة: أنت نجم وأنا نجم فبأينا اقتدى اهتدى، ولم يحتج إلى طلب البرهان في السنة على صحة قوله، ولذا حكم سائر الصحابة إذا اختلفوا وفي الاستعانة بالطهارة لقوله: اصبب قال القاضي عياض: والأولى تركها إلا لحاجة.
وقال ابن دقيق العيد: ورد في الاستعانة أحاديث صحيحة وفي تركها شيء لا يقابلها في الصحة، وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن قتيبة بن سعيد وأبو داود عن القعنبي الثلاثة عن مالك وتابعه سفيان بن عيينة وابن جريج عن زيد بن أسلم كذا قاله الزرقاني (1).
قال محمد: وبقول أبي أيوب أي: الموافق لرأي ابن عباس نأخذ، أي: نعمل؛ لأن علمين خير من علم واحد ولأن المثبت مقدم على النافي؛ ولأن الأصل الجواز (ق 455) حتى ثبت دليل قوي على منعه لا نرى أي: لا نعلم بأسًا أي: جناية بأن يغسل المحرم رأسه بالماءِ أي: سواء غسل سائر بدنه أم لا، نعم الأولى أن لا يغسل رأسه لئلا تموت هوامه ولا يرفع شعثه وغباره لما سبق، وأما قوله: وهل يزيده الماء إلا شَعَثًا! ففيه نظر، فإن الشعث محركة انتشار الشعر وتغيره وتفرقه كما ينتشر رأس السواك، ولا شك أن الماء يحصل له الاجتماع والالتئام والله أعلم بحقيقة المرام، وهو أي جواز غسل المحرم رأسه واغتساله وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا لما تقدم من الحديث وهو في الصحيحين، وفي البخاري قال ابن عباس رضي الله عنهما: يدخل المحرم الحمام، وفي مسند الشافعي وفي
(1) انظر: السابق.
كتاب الحج الأكبر: أن ابن عباس رضي الله عنهما دخل الحمام بالجحفة وهو محرم وقال: ما يعبأ الله من أوساخنا شيء.
* * *
421 -
أخبرنا مالك، أخبرنا حُميد بن قيس المكي، عن عطاء بن أبي رباح، أن عمر بن الخطاب قال ليَعْلى ابن مُنْيَة وهو يصبّ على عمر ماءً، وعمر يغتسل: اصبب على رأسي، قال له يعْلى: أتريد أن تجعلها فيّ؟ إن أمرتني صَبَبْت، قال: اصببْ فلم يزده الماء إلى شَعَثًا.
قال محمد: لا نرى بهذا بأسًا؛ وهو قولُ أبي حنيفة والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى: أنا أخبرنا وفي نسخة: قال: بنا، وفي نسخة أخرى: أنا حُميد بالتصغير ابن قيس المكي، الأعرج يكني أبا صفوان، ليس به بأس، من الطبقة السادسة، مات سنة ثلاثين ومائة وقيل بعدها (1) عن عطاء بن أبي رباح، بفتح الراء المهملة والموحدة اسمه أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإِرسال من الطبقة الثالثة، مات سنة أربع عشرة ومائة على المشهور، وقيل: إنه تغير بآخرة ولم يكن ذلك منه كذا في (التقريب)(2) أن عمر بن الخطاب قال ليَعْلى بكسر اللام وفتح التحتية وسكون العين المهملة واللام المفتوحة والتحتية على وزن سلمى ابن مُنْيَة بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية وهي أمه واسم أبيه أمية بن أبي عبيدة بن همام التميمي حليف قريش، صحابي مات سنة بضع وأربعين (3) وهو أي: يعلى ابن منية يصبّ على عمر ماءً، وهو يغتسل أي: الحال أن عمر يغتسل: محرمًا اصبب على رأسي، يعني أمر عمر ليعلى ابن منية صب الماء على رأسي قال له أي: لعمر يعْلى:
(421) أخرجه: مالك (700).
(1)
انظر: التقريب (1/ 142).
(2)
انظر: التقريب (1/ 401).
(3)
انظر: التقريب (2/ 681).