المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ باب متى تقطع التلبية - المهيأ في كشف أسرار الموطأ - جـ ٢

[عثمان الكماخي]

فهرس الكتاب

- ‌باب سجود القرآن

- ‌باب المَارِّ بين يدي المصلي

- ‌باب ما يستحب من التطوع في المسجد عند دخوله

- ‌باب الانتفال في الصلاة

- ‌باب صلاة المُغْمَى عليه

- ‌باب صلاة المريض

- ‌باب النخامة في المسجد وما يكره من ذلك

- ‌باب الجنب والحائض يعرقان في الثوب

- ‌باب بدء أمر القبلة وما نسخ من قبلة بيت المقدس

- ‌باب الرجل يصلي بالقوم وهو جنب أو على غير وضوء

- ‌باب الرجل يركع دون الصف أو يقرأ في ركوعه

- ‌باب الرجل يصلي وهو يحمل الشيء

- ‌باب المرأة تكون بين الرجل يصلي وبين القبلة وهي نائمة أو قائمة

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌باب وضع اليمين على اليسار في الصلاة

- ‌باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب في بيان حكم الاستسقاء

- ‌باب الرجل يصلي ثم يجلس في موضعه الذي صلى فيه

- ‌باب صلاة التطوع بعد الفريضة

- ‌باب الرجل يمس القرآن وهو جنب أو على غير طهارة

- ‌باب الرجل يجر ثوبه أو المرأة تجر ثوبها فيعلق به قذر ما كره من ذلك

- ‌باب فضل الجهاد

- ‌باب ما يكون من الموت شهادة

- ‌أبواب الجَنَائِز

- ‌باب المرأة تُغَسِّل زوجها

- ‌باب ما يكفن به الميت

- ‌باب المشي بالجنائز والمشي معها

- ‌باب الميت لا يُتبع بنار بعد موته أو مجمرة فى جنازته

- ‌باب القيام للجنازة

- ‌باب الصلاة على الميت والدعاء له

- ‌باب الصلاة على الجنازة في المسجد

- ‌باب الرجل يحمل الميت أو يحنطه أو يغسله هل ينقض ذلك وضوءه

- ‌باب الرجل تدركه الصلاة على الجنازة وهو على غير وضوء

- ‌باب الصلاة على الميت بعد ما يدفن

- ‌باب ما رُويَّ أن الميت يُعَذَّب ببكاء الحي

- ‌باب القبر يتخذ مسجدًا أو يُصلى إليه أو يتوسد

- ‌كتاب الزَّكَاة

- ‌باب زكاة المال

- ‌باب ما تجب فيه الزكاة

- ‌باب المال متى تجب فيه الزكاة

- ‌باب الرجل يكون له الدَّين هل عليه فيه زكاة

- ‌باب زكاة الحلي

- ‌باب العشر

- ‌باب الجزية

- ‌باب زكاة الرقيق والخيل والبراذين

- ‌باب الركاز

- ‌باب صدقة البقر

- ‌باب الكنز

- ‌باب من تحل له الصدقة

- ‌باب زكاة الفطر

- ‌باب صدقة الزيتون

- ‌أبواب الصِّيَام

- ‌باب الصوم لرؤية الهلال والإفطار لرؤيته

- ‌باب متى يحرم الطعام على الصائم

- ‌باب من أفطر متعمدًا في رمضان

- ‌باب الرجل يطلع له الفجر في رمضان وهو جنب

- ‌باب القبلة للصائم

- ‌باب الحجامة للصائم

- ‌باب الصائم يذرعه القيء أو يتقيأ

- ‌ باب الصوم في السفر

- ‌باب قضاء رمضان هل يفرَّق

- ‌باب من صام تطوعًا ثم أفطر

- ‌باب تعجيل الإفطار

- ‌باب الرجل يفطر قبل المساء ويظن أنه قد أمسى

- ‌باب الوصال في الصيام

- ‌ باب صوم يوم عرفة

- ‌ باب الأيام التي يكره فيها الصوم

- ‌باب النية في الصوم من الليل

- ‌باب المداومة على الصيام

- ‌باب صوم عاشوراء

- ‌باب ليلة القدر

- ‌باب الاعتكاف

- ‌كتاب الحَجّ

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الرجل يحرم في دبر الصلاة وحيث ينبعث به بعيره

- ‌باب التلبية

- ‌ باب متى تقطع التلبية

- ‌باب رفع الصوت بالتلبية

- ‌باب القران بين الحج والعمرة

- ‌باب من أهدى هديًا وهو مقيم

- ‌باب تقليد البدن وإشعارها

- ‌باب من تطيب قبل أن يحرم

- ‌باب من ساق هديًا فعطب في الطريق أو نذر بدنة

- ‌باب الرجل يسوق بدنة فيضطر إلى ركوبها

- ‌باب المحرم يقتل قملة أو نحوها أو ينتف شعرًا

- ‌باب الحجامة للمحرم

- ‌باب المحرم يغطي وجهه

- ‌ باب المحرم يغسل رأسه ويغتسل

- ‌باب ما يكره للمحرم أن يلبس من الثياب

- ‌باب ما رخص للمحرم أن يقتل من الدواب

- ‌باب الرجل الْمُحْرِم يفوته الحج

- ‌باب الحلمة والقراد ينزعه المحرم

- ‌ باب لبس المنطقة والهميان للمحرم

- ‌باب المحرم يحك جلده

- ‌باب الْمُحْرِم يتزوج

- ‌باب الطواف بعد العصر وبعد الفجر

- ‌باب الحلال يذبح الصيد أو يصيده هل يأكل المحرم منه أم لا

- ‌باب الرجل يعتمر فى أشهر الحج ثم يرجع إلى أهله من غير أن يحج

- ‌باب فضل العمرة في شهر رمضان

- ‌باب المتمتع ما يجب عليه من الهدي

- ‌ باب الرمل بالبيت

- ‌ باب المكي وغيره يحج أو يعتمر .. هل يجب عليه الرمل

- ‌باب المعتمر أو المعتمرة ما يجب عليهما من التقصير والهدي

- ‌باب دخول مكة بغير إحرام

- ‌باب فضل الحلق وما يجزئ من التقصير

- ‌باب المرأة تقدم مكة بحج أو عمرة فتحيض قبل قدومها أو بعد ذلك

- ‌باب المرأة تحيض في حجتها قبل أن تطوف طواف الزيارة

- ‌باب المرأة تريد الحج أو العمرة فتلد أو تحيض قبل أن تُحْرِم

- ‌باب المستحاضة في الحج

- ‌باب دخول مكة وما يُستحب من الغُسل قبل الدخول

- ‌باب السعي بين الصفا والمروة

- ‌ باب الطواف بالبيت راكبًا أو ماشيًا

- ‌ باب استلام الركن

- ‌ باب الصلاة في الكعبة ودخولها

- ‌باب الحج عن الميت أو عن الشيخ الكبير

- ‌باب الصلاة بمنى يوم التروية

- ‌باب الغُسل بعرفة يوم عرفة

- ‌باب الدفع من عرفة

- ‌باب بطن محسر

- ‌باب الصلاة بالمزدلفة

- ‌باب ما يحرم على الحاج بعد رمي جمرة العقبة يوم النحر

- ‌ باب من أي موضع يرمي الحجارة

- ‌ باب تأخير رمي الجمار من علة أو من غير علة وما يُكره من ذلك

- ‌باب رمي الجمار راكبًا

- ‌باب ما يقول عند الجمار والوقوف عند الجمرتين

- ‌باب رمي الجمار قبل الزوال أو بعده

- ‌باب البيتوتة وراء عقبة منى وما يكره من ذلك

- ‌باب من قدم نسكًا قبل نسك

- ‌ باب جزاء الصيد

- ‌ باب كفارة الأذى

- ‌ باب من قدم الضعفة من المزدلفة

- ‌باب جلال البدن

- ‌باب المحصر

- ‌باب تكفين المحرم

- ‌باب من أدرك عرفة ليلة المزدلفة

- ‌ باب من غربت له الشمس وهو في النفر الأول وهو بمنى

- ‌باب من نفر ولم يحلق

- ‌باب الرجل يجامع بعرفة قبل أن يفيض

- ‌باب تعجيل الإهلال

- ‌باب القفول من الحج أو العمرة

- ‌باب الصَّدَرِ

- ‌باب المرأة يكره لها إذا حلت من إحرامها أن تمتشط حتى تأخذ من شعرها

- ‌باب النزول بالمحصب

- ‌باب الرجل يُحرم من مكة هل يطوف بالبيت

- ‌باب المحرم يحتجم

- ‌ باب دخول مكة بسلاح

الفصل: ‌ باب متى تقطع التلبية

قال محمد: وبهذا أي: بما رواه نافع عن ابن عمر نأخذ، أي: نعمل التَّلبيةُ أي: المسنونة هي التَّلْبيةُ الأولى التى روى أي: ابن عمر والأظهر أن يقال التي رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم، بأسانيد متعددة، (ق 417) وما زِدْتَ أي: عليها أيها السالك في طريق المناسك أي: عليها فهو حَسَنٌ أي مستحب، وفي نسخة: فحسن أي: مستحسن ولا ينقص عنها فإنه مكروه اتفاقًا وهو أي: كون الزيادة على ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مستحبًا قولُ أبي حنيفة، والعَامَّة من فقهائنا.

وروى الربيع عن الشافعي: إن زاد عليها كره، والأظهر أن يقال: إن زاد من الروايات المأثورة استحب وجاز إذا كان بخلافها؛ فإنه لا ينبغي أن يحمل فعل الصحابة على الكراهة مع أنه ورد في السنة أيضًا لبيك بحجة حقًا تعبدًا ورقًا ولبيك لا عيش إلا عيش الآخرة.

وروى النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: "لبيك إله الخلق لبيك"(1) وفي (الصحيحين) من "لبيك عمرة وحجًا"(2). كذا قاله علي القاري.

لما فرغ من بيان أحكام التلبية، شرع في بيان وقت قطع التلبية، فقال: هذا

* * *

4 -

‌ باب متى تقطع التلبية

بالتنوين أي: أي وقت تقطع التلبية أن تنتهي بأن لا يلبي بعده في الحج والعمرة.

(1) أخرجه: النسائي في المجتبى (2751)، وابن ماجه (2920)، وأحمد (8292)، (8415)، (9815)، والنسائي في الكبرى (3733)، وابن حبان (3800)، وابن خزيمة (2623)، (2624)، والحاكم (1650)، وابن أبي شيبة (4/ 282)، والدارقطني (2/ 225)، والطبراني في الأوسط (4344)، والبيهقي في الكبرى (9114).

(2)

أخرجه: البخاري (1476)، ومسلم (1232)، وأبو داود (1795)، والنسائي في المجتبى (2728)، وأحمد (11976)، والنسائي في الكبرى (3709)، وابن حبان (3930)، وابن خزيمة (2618)، والطبراني في الأوسط (6657)، (8753)، والبيهقي الكبرى (8908)، وابن سعد في الطبقات (2/ 188).

ص: 264

387 -

أخبرنا مالك، أخبرنا محمد بن أبي بكر الثَّقَفِيّ، أنه أخبره، أنه سأل أنس بن مالك، وهما غَادِيَانِ إلى عَرَفَةَ، كيف كنتم تصنعون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم؟ قال: كان يُهِلّ الْمُهِلّ فلا يُنْكَر عليه، ويُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ لا يُنْكَر عليه.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، وفي نسخة أخرى: أنا، أخبرنا وفي نسخة قال: ثنا رمزًا إلى حدثنا محمد بن أبي بكر بن عوف الثَّقَفِيّ، الحجازي الثقة، كان من الطبقة الرابعة من طبقات التابعين، كذا قاله ابن حجر (1) وليس له عن أنس ولا غيره سوى هذا الحديث الواحد أنه مفعول ثان لأخبرنا أن محمد بن أبي بكر أخبره، أي: مالك أنه: أي: محمد بن أبي بكر سأل أنس بن مالك، بن النضر بن ضمضم رضي الله عنه أنه خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وكان من الطبقة الثالثة فيمن شهد الخندق وما بعدها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في طبقاته، وهما أي: والحال أن محمد بن أبي بكر رحمه الله وأنس بن مالك بن النضر بن ضمضم رضي الله عنه غَادِيَانِ بالغين المعجمة والدال المهملة بينهما ألف وبالتحتية والنون بينهما ألف أي: ذاهبان غدوة من منى كذا في الموطأ لمالك إلى عَرَفَةَ أي: يذهبان يوم عرفة من منى إلى جبل عرفات كيف كنتم تصنعون أي: من الذكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم؟ أي: من جهة التلبية وغيرها من الأذكار المروية، ولمسلم من طريق موسى بن عقبة عن محمد بن أبي بكر قلت: لأنس رضي الله عنه غداة عرفة: ما تقول في التلبية في هذا اليوم؟ قال: أي: أنس رضي الله عنه كان يُهِلّ بضم التحتية وكسر الهاء واللام المشددة أي يلبي الْمُهِلّ أي: الملبي برفع صوته بالتلبية فلا يُنْكَر عليه، بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية موسى بن عقبة لا يعيب أحدنا صاحبه، وفي مسلم عن ابن عمر غدونا مع

(387) أخرجه: البخاري (1576)، ومسلم (1285)، والنسائي في المجتبى (3000)، وأحمد (13109)، والدارمي (1818)، ومالك (740)، والنسائي في الكبرى (3991)، وابن حبان (3847)، وابن أبي شيبة (4/ 466)، والشافعي في المسند (1127)، والبيهقي في الكبرى (6363)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 223)، والحجة للشيباني (2/ 106).

(1)

انظر: التقريب (2/ 505).

ص: 265

رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفات منا الملبي ومنا المكبر ويُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ لا يُنْكَر عليه بالبناء للفاعل فيها أي: النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال بعض الشراح: بالبناء للمفعول فيهما، وقال الشيخ ولي الدين ظاهر: كلام الخطابي أن العلماء أجمعوا على ترك العمل بهذا الحديث، وأن السنة في الغدو من منى إلى عرفات بالتلبية فقط كذا قاله الزرقاني (ق 418)(1)، فيحصل تقريره صلى الله عليه وسلم أن التلبية بعرفات مستحبة وفي (الحصن الحصين) أن التلبية بعرفات سنة رواه النسائي والحاكم من طريق سعيد بن جبير قال: كنت مع ابن عباس رضي الله عنه بعرفات فقال: ما لي لا أسمع الناس يلبون فقلت: يخافون من معاوية، فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك، فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي (1) واللفظ للنسائي، وقال الحاكم: صحيح على شرطهما وفي (الحصن الحصين) أنه صلى الله عليه وسلم إذا سار إلى عرفات لبى وكبر. رواه مسلم وأبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما.

* * *

388 -

أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن عبد الله بن عمر، قال: كل ذلك قد رأيت الناس يفعلونه، وأما نحن فَنُكَبِّرُ.

قال محمد: بذلك نأخذ، على أنَّ التلبية هي الواجبة في ذلك اليوم، إلا أن التكبير لا يُنْكَر على حالٍ من الحالات، والتَّلبية لا ينبغي أن تكون إلا في موضعها.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا وفي نسخة: قال ابن شهاب، أي محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، تابعي مدني، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، وهي كانت في الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة عن عبد الله بن عمر، قال: كل ذلك أي: جميع ذلك من التلبية والتكبير قد رأيت الناس أي:

(1) أخرجه: النسائي في المجتبى (3006)، والكبرى (3993)، وابن خزيمة (2830)، والحاكم (1706)، والبيهقي في الكبرى (9530).

ص: 266

الصحابة يفعلونه، والمعنى أن بعضهم كان يكبر وبعضهم يلبي وبعضهم يجمع بينهما وأما نحن فَنُكَبِّرُ. أي: نختار التكبير مع تجويز التلبية.

قال محمد: بذلك أي: بما سبق من استحباب التلبية في عرفات نأخذ، أي: نعمل على أنَّ التلبية هي الواجبة أي: الثابتة بالدليل الظني في ذلك اليوم، والدليل الظني هو السنة إلا أن التكبير أي: ونحوه من الأذكار والدعوات وفي نسخة: لأن التكبير لكن هذه النسخة أولى بقرينة قوله: لا يُنْكَر على بناء المجهول على حالٍ من الحالات، والتَّلبية لا ينبغي أن تكون أي: توجد إلا في موضعها أي: في محل التلبية، وهو حال الإِحرام والمعنى أن التلبية في تلك الحالة سنة مؤكدة؛ لأنه لا يجوز أن يلبي من غير نية الإِحرام إلا قد ورد لفظ لبيك في بعض دعواته صلى الله عليه وسلم نعم التلبية المسنونة المعروفة لم يعرف وجودها في غير حال الإِحرام مع أنه لا مانع أنه يأتي بها لنحو تعليم غيره في سائر الأيام.

* * *

389 -

أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، أن عبد الله بن عمر، كان يَدَع التَّلْبية إذا انتهى إلى الحَرَم حتى يَطُوفَ بالبيتِ وبالصَّفَا والْمَروَة، ثم يُلَبي حتى يَغْدُوَ مِن مِنَى إلى عَرَفَة، فإذا غَدَا ترك التَّلْبية.

• أخبرنا مالك، بن أنس بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي، يعني منسوب إلى ملك ذي أصبح من ملوك اليمن، وكان من الطبقة السابعة من طبقات كبار أتباع التابعين، من أهل المدينة، وهي كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة (1)، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا نافع، أي: المدني أن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما كان يَدَع أي: يقطع كما في الموطأ لمالك في الحج التَّلْبية أي: يتركها في إحرام الحج أصل يدع يودع بفتح التحتية وسكون الواو وفتح الدال المهملة والعين المهملة من الباب الثالث حذفت الواو لوقوعها في قرب حرف الحلق، ولكن النحاة أماتوا ماض يدع ويذر ومصدرهما وكذا في المستوفى أنه ورد في كلام العرب، ولا عبرة بكلام النحاة فيه، وإذا جاء نهر الله بطل نهر العقل، وإن كان نادرًا، وقال في (المغرب): أن النحاة زعموا أن العرب أماتت ذلك

(389) أخرجه: مالك (743).

(1)

تقدم مرارًا.

ص: 267

والنبي صلى الله عليه وسلم أفصحهم وقال: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات"(1) كذا قلنا في تفسير قوله تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى: 3] إذا انتهى إلى الحَرَم أي: إلى أرض ويستمر على ذلك حتى يَطُوفَ بالبيتِ وبالصَّفَا (ق 419) والْمَروَة، أي: ويسعى بين الصفا والمروة وفي إعادة أحرف الجر تنبيه على أن المحرم للحج يلزم عليه أن يستمر على ترك التلبية إذا انتهى إلى الحرم حتى يتم السعي بين الصفا والمروة، ويؤيده قوله: ثم أي: بعد السعي يُلَبي أي: يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك حتى يَغْدُوَ أي: يذهب مِن مِنَى إلى عَرَفَة، فإذا غَدَا أي: ذهب إليها ترك التَّلْبية هذا في الحج وزاد يحيى في الموطأ: "وكان يترك التلبية في العمرة إذا دخل المحرم" وبه قال مالك في الحرم من الميقات.

* * *

390 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، أن عائشة كانت تترك التَّلْبية إذا راحت إلى الْمَوْقِف.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى: أنا، أخبرنا وفي نسخة: قال: عبد الرحمن بن القاسم، أي: ابن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي يكنى أبا محمد المدني ثقة جليل، قال ابن عيينة: كان أفضل أهل زمانه، وكان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة ست وعشرين ومائة كذا قاله ابن حجر (2). عن أبيه أبي القاسم أن عائشة أي: زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها كانت تترك التَّلْبية إذا راحت أي: مالت إلى الْمَوْقِف إلى عرفات بعد الزوال ففي فعلها وفعل على ذلك وهما بالمكان من النبي صلى الله عليه وسلم أقوى دليل على ترك العمل بحديث الفضل وإن كان صحيحيًا.

(1) أخرجه: مسلم (429)، والنسائي في المجتبى (1369)، وابن ماجه (794)، وأحمد (2133)، والدارمي (1533)، والنسائي في الكبرى (1658)، (1659)، وابن حبان (1855)، والطبراني في الأوسط (408)، وأبو يعلى (4765)، والبيهقي في الكبرى (5672)، والشعب (3008)، والطيالسي في مسنده (1952).

(390)

أخرجه: مالك (742)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 226).

(2)

انظر: التقريب (1/ 347).

ص: 268

قال أبو عبد الملك: والمعنى في ذلك والله أعلم أن التلبية إجابة فهو يجيب إلى الأخذ في انتهاء المناسك ثم بعد ذلك التكبير والتهليل على ما بين صلى الله عليه وسلم كذا قاله الزرقاني (1).

وقال علي القاري: فهذا يدل على وقوع خلاف بين الصحابة وكان معاوية اختار هذه الرواية. بخلاف ابن عباس وغيره، وأما ما ذكره الحاكم والنسائي عن ابن عباس عن معاوية أو أتباعه تركوا السنة من بُغض على خلاف وجه له لا سيما والحاكم منهم من جهة التشبع.

* * *

391 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عَلْقَمة بن أبي عَلْقَمَةَ، أنَّ أُمَّهُ أخْبَرَتْهُ، أنَّ عائشة كانت تنزل بعَرَفةَ بِنَمِرَةَ، ثم تحوَّلَتْ فنزلت في الأرَاك، وكانت عائشة تُهِلّ ما كانت في منزلها، وَمَنْ كان معها، فإذا رَكِبَتْ وتوجَّهَتْ إلى الْمَوْقِف، تركت الإِهْلال، وكانت تُقيم بمكة بعد الحج، فإذا كان قبل هلال المحرَّم خرجت حتى تأتي الْجُحْفَة، فتُقيم بها حتى ترى الهلال، فإذا رَأَتِ الهلال أَهَلَّتْ بالعُمْرة.

قال محمد: مَنْ أَحْرَمَ بالْحَجِّ أو قَرَنَ لَبَّى حتى يرمي الْجَمْرة بأوّل حَصَاةٍ يوم النَّحْر، فعند ذلك يقطع التَّلْبية.

وَمَنْ أحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مفردَةٍ لَبَّى حتى يستلم الركن للطَّوَاف، بذلك جاءت الآثار عن ابن عباس وغيره، وهو قولُ أبي حنيفة والعامَّة من فقهائنا.

• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، حدثنا، وفي نسخة: قال: أخبرني بالإِفراد عَلْقَمة بن أبي عَلْقَمَةَ، أي: بلال المدني ثقة علامة مولى عائشة، كان في الطبقة

(1) انظر: شرح الزرقاني (2/ 344)، والتمهيد (13/ 79).

(391)

أخرجه: مالك (745).

ص: 269

الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة مات سنة بضع وثلاثين بعد المائة من الهجرة (1) أنَّ أُمَّهُ أي: والدة علقمة اسمها مرجانة مولاة عائشة رضي الله عنها مقبولة كانت في الطبقة الثالثة من طبقات التابعات، من أهل المدينة، كذا في (التقريب)(2) لابن حجر أخْبَرَتْهُ، أي: علقمة أنَّ عائشة رضي الله عنها كانت تنزل بعَرَفةَ أي: بقربها بِنَمِرَةَ، بفتح النون وكسر الميم موضع بعرفات، وقيل: بقربها خارج عنها، وهو الآن معروف بمسجد نمرة، وكان ذلك عملًا بالسنة كان صلى الله عليه وسلم يضرب له خيمة بها فينزل قبل زمان الوقوف فيها ثم تحوَّلتْ أي: انتقلت عن نمرة لأجل رفع المزاحمة فنزلت في الأرَاك، بضم الهمزة موضع بعرفات من ناحية الشام وكانت عائشة رضي الله عنها تُهِلّ أي: تلبي بلا رفع صوت ما كانت أي: ما دامت في منزلها، أي: الموضع الذي نزلت فيه وَمَنْ أي: ويهل من كان معها، أي: ويوافقها في التلبية من كان في خدمتها فإذا رَكِبَتْ أي: بعد الصلاة وتوجَّهَتْ إلى الْمَوْقِف، أي: بعرفات تركت الإِهْلال، أي: التلبية وكانت تُقيم أي: تسكن بمكة أي: في ذي الحجة كما فعلت مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحج، أي: بعد فراغها منه ثم تركت ذلك (ق 420) فإذا كان قبل هلال أي: غرة شهر المحرَّم خرجت أي: من مكة حتى تأتي الْجُحْفَة، فتُقيم بها حتى ترى الهلال، أي: هلال شهر الله المحرم فإذا رَأَت الهلال أي: هلال المحرم أَهَلَّتْ أي: تلبي بالعُمْرة أي: ليكون عمرتها أفاقية؛ فإنها أفضل من أن يكون مكية، لا سيما والعمرة المكية لا تصح عند الحنبلية كذا قاله علي القاري. فتأتي مكة تفعل العمرة ثم تعود إلى المدينة لقوله تعالى في سورة البقرة:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] فيستحب تخليص أشهره كلها للحج وخروجها للجحفة لفضل الإِحرام من الميقات والإِحرام من التنعيم إنما هو رخصة والميقات أفضل قاله أبو عبد الملك كذا قاله الزرقاني (3).

قال محمد: مَنْ أَحْرَمَ بالْحَجِّ أي: مفردًا أو قَرَنَ أي: جمع بين الحج والعمرة لَبَّى حتى يرمي الْجَمْرة بأوّل حَصَاةٍ رمى يوم النَّحْر، فدل على أنه يلبي في الحرم وغيره من عرفات ونحوها فعند ذلك أي: فحينئذ رمى أول حصاة في جمرة العقبة أول أيام النحر

(1) انظر: التقريب (1/ 408).

(2)

انظر: التقريب (2/ 876).

(3)

انظر: شرح الزرقاني (2/ 345، 346).

ص: 270

يقطع التَّلْبية لما في الصحيحين من حديث ابن عباس أن أسامة بن زيد كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات إلى المزدلفة، والفضل بن عباس كان ردفه من مزدلفة إلى منى فكلاهما قالا لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى في جمرة العقبة (1).

وَمَنْ أحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مفردَةٍ لَبَّى حتى يستلم الركن أي: يقبل الحجر الأسود، وصورة استلامه بالحجر الأسود أن يأتي المحرم للحج أو للقران حذاء الحجر الأسود ويرفع يديه كما رفعها في الصلاة ويجعل بياض كفيه نحو الحجر، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير بسم الله، والله أكبر فيقبله إن قدر تقبيله من غير إزاء لما روي أنه صلى الله عليه وسلم: قبل الحجر الأسود ووضع شفتيه عليه وبكى طويلًا ثم نظر فإذا هو بعمر فقال: "يا عمر ههنا - أي: قف مكانك - تسكب العبرات"، وقال:"إنك قوي تؤذي الضعيف، فلا تزاحم الناس على الحجر الأسود ولكن إذا وجدت فرجة فاستلمه وإلا فأشر بيديك أو بشيء آخر فقبله"(2) كذا في (الفرائد) وهو كان أبيض مضيئًا ما بين المشرق والمغرب ثم صار أسود بخطايا بني آدم - روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءت ما بين المشرق والمغرب". كذا أورده محيي السنة في (المصابيح)، والمراد بالركن الحجر، وبالمقام مقام إبراهيم صلوات الله على نبينا وعليه، فإن قيل: ما الحكمة في الاستلام بالحجر الأسود؟ والجواب: ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله تعالى أخذ الذر من ظهر آدم وقررهم بقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] قالُوا بَلَى كما في سورة الأعراف: كتبه في رقه وأودعه في الحجر فمن يستلم الحجر الأسود فهو كأنه يجدد عهده السابق والحجر الأسود يشهد له يوم القيامة.

(1) أخرجه: البخاري (1469)، ومسلم (1218)، وأبو داود (1815)، والترمذي (918)، والنسائي في المجتبى (3079)، وابن ماجه (3040)، وأحمد (1805)، والدارمي (1839)، والنسائي في الكبرى (4085)، وابن حبان (3804)، وابن أبي شيبة (4/ 341)، وابن خزيمة (2885)، والشافعي في المسند (16669)، وابن الجارود في المنتقى (476)، والطبراني في الكبير (12698)، والأوسط (756)، والصغير (638)، وأبو يعلى (6716)، والبزار (4142)، والبيهقي في الكبرى (6357).

(2)

أخرجه: أحمد (191)، راجع تعليق الشيخ شاكر.

ص: 271

روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته أتى إلى الحجر الأسود ووقف ثم قال: "أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (ق 421) استلمك ما استلمتك".

فبلغ مقالته عليًا رضي الله عنه فقال لعمر رضي الله عنه: بلى يا أمير المؤمنين فإن الحجر الأسود ينفع فقال له عمر رضي الله عنه: ما منفعته يا ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو علمت ذلك في كتاب الله تأويله لقلت كما أقول.

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ} الآية [الأعراف: 172] فلما أمروا أن الرب وأنهم العبيد كتب ميثاقًا في رق وألقمه في هذا الحجر أنه يبُعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وفى عهده فهو أمين الله تعالى في هذا الكتاب فقال له عمر: لا أبقاني الله بأرض لست بها يا أبا الحسن (1). كما قاله السيواسي في (شرح الملتقى) وقال علي القاري في (شرح مشكاة المصابيح) وبيان ذلك، قال ابن عباس رضي الله عنه مسح الله تعالى أي: مسح ملك من الملائكة يأمره تعالى على ظهر آدم عليه السلام فأخرج أرواح ذريته من صلبه على صورة الذر بعضها أبيض وبعضها أسود وانتشروا على يمين آدم صلوات الله على نبينا وعليه ويساره، فجعل الأرواح عقلاء وخاطبهم حين أشهدهم على أنفسهم بقوله:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] وأمرهم بالإِيمان، ونهاهم عن الكفر فأقروا له تعالى بالربوبية ولأنفسهم بالعبودية حيث قالوا: بلى فكان لك منهم إيمانًا فهم يولدون على تلك الفطرة كما قاله أبو حنيفة رحمه الله تعالى في (الفقه الأكبر)، والمراد بالفطرة: الإِيمان جدد الله هذا العهد والميثاق، وذكر لنا هذا المسمى بإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن، وفرض على الناس حج البيت ليحجوا به ويقبلوا الحجر الأسود ويجددوا عهودهم وميثاقهم السابق، فإن قيل: من حج فاستلم الحجر الأسود فقد جدد عهده وميثاقه السابق في عالم الأرواح، أما من لم يحج ولم يستلم الحجر الأسود بأي شيء يجدده؟ قلت: يجدده بقوله: الله أكبر في افتتاح الصلاة كما بيناه في باب افتتاح الصلاة من

(1) رواه بتمامه الحاكم (1682)، والبيهقي في الشعب (4040)، والرافعي في التدوين (3/ 151)، وقال البيهقي: أبو هارون العبدي غير قوي، وأبو هارون هذا هو عمارة بن جوين، كذبه حماد بن زيد، وقال أحمد: ليس بشيء، وقال ابن معين: ضعيف لا يصدق في حديثه، وقال النسائي: متروك الحديث، ميزان الاعتدال (5/ 209).

ص: 272