الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، أخبرنا عبد الله بن دِينَار، قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، وهو أي: عبد الله بن دينار العدوي، مولاهم، يكنى أبا عبد الرحمن المدني، مولى ابن عمر، ثقة، في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، وتابعي، مات سنة سبع وعشرين من الهجرة، عن ابن عُمَر، أنه أي: عبد الله بن دينار، رآه أي: ابن عمر، يسجد في سورة الحج سجدتين، أي: مرتين.
قال محمد: قد روي هذا أي: تكرار السجدة عن عمر وعن ابن عمر، وكان ابن عباس لا يرى أي: لا يختار في سورة الحج إلا سجدة واحدة: الأولى؛ وهي الأولى لا الثانية، وبهذا نأخذ، أي: إنما نعمل بقول ابن عباس، وهو أي: قول ابن عباس رضي الله عنهما، قولُ أبي حنيفة، رحمه الله، فإن الأولى سجدة تلاوة، والثانية سجدة صلاة، لاقترانها بالركوع.
قال الشافعي وأحمد: وثانيه الحج - أيضًا - سجدة تلاوة، لما روى أبو داود والترمذي من حديث عقبة بن عامر قال: قلتُ: يا رسول الله، أفضلت سورة الحج على سائر السور بسجدتين؟ قال:"نعم، فمن لم يسجد بهما فلا يقرأهما"، أي: لئلا يجب السجدة (ق 267) عليه.
وأجيب بأن الترمذي قال: الإِسناد ليس بقوي، يعني باعتبار سنده، فأما سكوت أبي داود، دل على أن سنده قوي مع أنه بسبب تعدد إسناده، وبفعل عمر وابن عمر يتقوى، فيترجح على رأي ابن عباس، كما لا يخفى على أهل التحقيق، والله ولي التوفيق.
لما فرغ من بيان حكم قراءة آية السجدة، شرع في بيان حكم المار بين يدي المصلي، فقال: هذا
* * *
باب المَارِّ بين يدي المصلي
باب في بيان حكم المار بين يدي المصلي، والمناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق التضاد من القوة والضعف في الحكم.
272 -
أخبرنا مالك، حدثنا سالمٌ: أبو النضر: مَوْلى عمر، أن بُسْر بن سعيد أخبره: أن زيد بن خالد الجُهَنيّ أرسله إلى أبي جُهَيْم الأنصاري، يسأله: ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المارّ بين يدي المصلي؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المارّ بين يدي المصلي ماذا عليه في ذلك، لكان أن يقف أربعين، خيرًا له من أن يمرّ بين يديه"، قال: لا أدري؛ قال أربعين يومًا، أو أربعين شهرًا، أو أربعين سنة.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، الإِمام، من كبار أتباع التابعين، في الطبقة السابعة من أهل المدينة، ولد سنة ثلاث وتسعين، ومات سنة تسع وسبعين ومائة، كذا قاله الذهبي في (الكاشف)، وفي نسخة: حدثنا، وفي نسخة أخرى: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، حدثنا سالمٌ: أبو النضر: بفتح النون، وسكون الضاد المعجمة، وهو سالم بن أمية، مَوْلى عمر، أي: ابن عبيد الله بالتصغير، ابن معمر القرشي التيمي المدني، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة، كذا قاله الطيبي في زيل (شرح المصابيح)، وابن حجر في (تقريب التهذيب)(1) أن بسْر بن سعيد بكسر الموحدة، وسكون السين المعجمة أخبره أي: مولي عمر أن زيد بن خالد الجُهَنيّ بضم الجيم، وفتح الهاء، الأنصاري الصحابي، أرسله أي: بسر إلى أبي جُهَيْم الأنصاري، وهو بالتصغير، ابن الحارث بن الصمة، بكسر الصاد المهملة، وتشديد الميم، ابن عمرو الأنصاري، قيل: اسمه عبد الله، ينسب إلى جهيمة، وقيل: هو عبد الله بن جهم بن الحارث بن الصمة، وقيل: هو آخر غيره، صحابي معروف، هو ابن أخت أبيّ بن كعب، بقي إلى خلافة معاوية، يسأله: ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أي: يذكر في المارّ أي: في حق من يمر بين يدي المصلي؟ أي: أمامه بالقرب منه.
(272) صحيح، أخرجه: البخاري (1/ 136)، ومسلم في الصلاة (261)، وأبو داود (701)، والترمذي (336)، والنسائي في القبلة، باب (8)(2/ 66)، وأحمد في المسند (4/ 169)، والبيهقي في الكبرى (2/ 268).
(1)
التقريب (1/ 226).
قال الحافظ (1): هكذا روى مالك هذا الحديث في (الموطأ) لم يختلف عليه فيه أن المرسل هو زيد، وأن المرسل إليه هو أبو جهيم، وتابعه سفيان الثوري عن أبي النضر، عند مسلم وابن ماجه وغيرهما، وخالفهما ابن عيينة عن أبي النضر، قال: أي: أبو جهيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو يعلم المارّ بين يدي المصلي ماذا عليه من الضرر، المستفاد من على في ذلك، أي: في المرور المذكور، زاد الكشميهني من رواة البخاري بعد قوله: "ماذا عليه من الإثم"، قال الحافظ ابن حجر: وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات غيره، والحديث في (الموطأ) دونها؛ قيل: وفي مصنف ابن أبي شيبة: يعني من الإِثم، فيحتمل أن يكون ذكرت في أصل البخاري حاشية، فظنها الكشميهني أصلًا، فليس لفظ: من الإِثم، صريحًا في الحديث، ولكن ما ذكره النووي في (شرح المهذب) بدونها، قال: وفي رواية رويناها في (الأربعين) لعبد القادر الرهاوي: "ماذا عليه من الإثم"، ذكره السيوطي، وجملة "ماذا عليه" في محل نصب سادة مسدّ مفعولي يعلم، وجواب "لو" قوله: لكان أن يقف، أي: مريد المرور أربعين: أي ساعة، أو غيرها، خبرًا بالنصب خبر كان. وفي رواية: بالرفع على أنه اسمها، وسوّغ الابتداء بالنكرة، لكونها موصوفة، قاله ابن العربي، ويحتمل أن اسمها ضمير الشأن، والجملة خبرها من أن يمر بين يديه، حتى لا يلحقه ذلك الإِثم.
وقال الكرماني: جواب "لو" ليس هو المذكور، بل التقييد، ولو لم يعلم ما عليه لوقف أربعين، ولو وقف أربعين لكان خيرًا له، وأبهم المعدد، تفخيمًا للأمر وتعظيمًا له.
قال الحافظ: السياق أنه عين المعدود، لكن شك الراوي فيه، ثم أبدى الكرماني لتخصيص الأربعين بالذكر حكمتين: أحدهما: كون الأربعة أصل جمع الأعداد، فلما أريد التكثير ضربت عشرة، وثانيهما: كون كمال أطوار الإِنسان بأربعين كالنطفة والعلقة والمضغة، ويحتمل غير ذلك، وفي ابن ماجه، وابن حبان من حديث أبي هريرة:"لكان أن يقف مائة عام خيرًا له من الخطوة التي خطاها"، وهذا أشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر، لا لخصوص عدد معين.
(1) في الفتح (1/ 594).
وجنح الطحاوي إلى أن التقييد بالمائة وقع بعد التقييد بالأربعين، والمقام مقام زجر وتخويف فلا يناسب أن يتقدم ذكر المائة على الأربعين، بل المناسب أن يتأخر ومميز الأربعين إن كان هو السنة المدعى، أو ما دونها فمن باب أولى.
قال: أي: أبو النضر كما في (الموطأ) لمالك: لا أدري؛ قال أي: أقال بسر بن سعيد، كذا صرح الإِمام مالك في (الموطأ) بهمزة الاستفهام أربعين يومًا، أو أربعين كذا في نسخة شهرًا، أو أربعين سنة.
وللبزار من طريق أحمد بن عبدة الضبيّ، عن ابن عيينة عن أبي النضر:"لكان أن يقف أربعين خريفًا"، وجعل ابن القطان الجزم في طريق ابن عيينة، والشك في طريق غيره، دالًا على التعدد، وفي الحديث دليل على تحريم المرور بين يدي المصلي لمعناه النهي الآكد والوعيد الشديد على ذلك، ومقتضاه أن يعد من الكبائر، وفيه أخذ القرين عن قرينه ما فاته، وفيه استعمال "لو" في الوعيد، ولا يدخل ذلك في النهي؛ لأن محله أن يشعر بما يعاند المقدور، واستنبط ابن بطال من هو يعلم أن الإِثم يختص بمن يعلم بالنهي وارتكبه.
قال الحافظ: وأخذه من ذلك فيه بُعد، لكن هو معروف من أدلة أخرى، فظاهر الحديث: أن الوعيد يختص بمن مرَّ لا بمن وقف عامدًا مثلًا بين يدي المصلي، أو قعد أو رقد، لكن إن كانت العلة فيه التشويش على المصلي، فهو معنى المار، وظاهره عموم النهي في كل مصلى.
وخصه بعض المالكية، يعني: ابن عبد البر بالإِمام والمنفرد، لا المأموم؛ لأن المأموم لا يضره بمن مرّ بين يديه؛ لأن سترة إمامه سترة له، والتعليل المذكور لا يطابق المدَّعي؛ لأن السترة تفيد رفع الحرج على المصلي لا عن المار، والحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى، وكلاهما عن مالك، به كذا قاله الزرقاني.
* * *
273 -
أخبرنا مالك، حدثنا زيد بن أسْلَم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخُدْرِي، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان أحدكم يصلي فلا يَدعْ أحدًا يمرّ بين يديه، فإن أبَى فَليُقاتِله، فإنما هو شيطان".
• أخبرنا مالك: وفي نسخة: محمد قال: ثنا، حدثنا زيد بن أسْلَم، العدوي، مولى (ق 269) عمر، أبو عبد الله وأبو أسامة المدني، ثقة عالم، وكان يرسل، من الطبقة الثالثة من التابعين، مات سنة ست وثلاثين ومائة من الهجرة، حدثنا عبد الرحمن بن أبي سعيد الخُدْرِي، أي: سعد بن مالك الأنصاري الخزرجي، ثقة، من الطبقة الثالثة من طبقات الصحابة، له سبع وسبعون سنة، مات سنة اثنتي عشرة، عن أبيه، أي: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفيه رواية الصحابي عن الصحابي، فإن عبد الرحمن صحابي، كما كان أبوه أبو سعيد الخدري صحابيًا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان أحدكم يصلي فلا يَدعْ أي: فلا يترك، بل يمنع أحدًا لئلا يمرّ بين يديه، أي: المصلي، ولابن أبي شيبة عن ابن مسعود: إن المرور بين يدي المصلي يقطع نصف صلاته، فإن أبَى أي: إن لم يطع قول الدافع، بل أراد المرور، فليُقاتِله، بكسر اللام الجازمة وسكونها، أي: فليدفعه بالتسبيح أو بالإِشارة، إن عدم سترة أو يريد أن يمر بينه وبينها؛ لما في الصحيح من حديث أبي هريرة: "من نابه" أي: قاربه "شيء في صلاته فليسبح؛ فإنه إذا سبح التفت إليه وامتنع من المرور". كذا قاله علي القاري.
وقال القرطبي: أي: يزيد في دفعه الثاني أشد من الأول، وأجمعوا على أنه لا يلزمه أن يقاتله بالسلاح، لمخالفة ذلك لقاعدة الإِقبال على الاشتغال بها، والخشوع فيها، وقال أبو عمر ابن عبد البر: أحسبه خرج عن التغليظ، فإذا دفعه مدافعة يقصد بها قتله فمات فالدية في ماله، وقيل: على عاقلته، وقيل: هدر ولا قود؛ لأن أصله مباح، انتهى.
وأطلقت جماعة من الشافعية أن له قتاله حقيقة، واستبعده في "القبر" (1) وقال: المراد من المقاتلة: المدافعة، وقال سعيد بن زيد الباجي المالكي: يحتمل أن يريد: فليلعنه كما قال تعالى في سورة الذاريات: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [الذاريات: 10]، أي: لُعِنَ الكذابون، ويحتمل أن يريد: يؤاخذه ويؤدبه على ذلك بعد تمام صلاته، لما روى ابن ماجه عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة أم سلمة فمر بين يديه عبد الله بن عمر، أو عمر بن أبي سلمة، فقال: بيده، أي: أشار بها، فرجع، فمرت زينب بنت أبي سلمة، فقال بيده، أي: أشار بها، فمضت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هن
(1) كذا في المخطوطة.
أغلب هذا" ويدل على كون المقاتلة بعد إتمام الصلاة، والفاء في قوله: "فليقاتله"، فإنها بمعنى "ثم" التي للتراخي الزماني. قال تعالى في سورة المؤمنون: {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: 14]، فالفاء في هذه الآية بمعنى "ثم" للتراخي. فإنما هو شيطان"، أي: الذي يمر بين يدي المصلي باطل عمله، وخائب أمله، أي: لم ينل ما طلبه، فإن لفظ شيطان مأخوذ من شاط، بمعنى بطل، وقيل: من شياط، فمعناه أنه ممتلئ خبثًا وشرًا ونكرًا، كما قال تعالى في سورة الكهف:{لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف: 74]، فإسناد شيطان إلى المارّ بين يدي المصلي حقيقة في الإِنس، فإن الشيطان على قسمين: أحدهما: شيطان الإِنس، والآخر (ق 270): شيطان الجن، كما قال تعالى في سورة الأنعام:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} الآية [الأنعام: 112]، أو مجاز الجن، وهو من قسم الاستعارة التخيلية، وهي أن يثبت للمشبه أمر مختص للمشبه به من غير أن يكون في المشبه أمر متحقق حسّا أو عقلًا، فاستعير لفظ الشيطان لمن مرَّ بين يدي المصلي، وأُثبت للمار أمورٌ مختصة للشيطان من الغرور والإِغفال والإِضلال وإلقاء الفتنة بين الناس، وغير ذلك من الحيل والشرور، ولذلك بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم حال المار بطريق الصفة على الموصوف بالقصر الإِفرادي بقوله:"إنما هو شيطان".
* * *
274 -
أخبرنا مالك، حدثنا زيد بن أسْلَم، عن عَطاء بن يَسَار، عن كعب، أنه قال: لو كان يعلم المارُّ بين يدي المصلي ماذا عليه في ذلك، لكان أن يُخسف به خيرًا له.
قال محمد: يكره أن يمرّ الرجل بين يدي المصلي، فإن أراد أن يمرّ بين يديه، فَلْيَدْرأه ما استطاع ولا يقاتله، فإن قاتله كان ما يدخل عليه في صلاته من قتاله إياه أشد عليه من أن يمرّ هذا بين يديه، ولا نعلم أحدًا رأى قتاله، إلَّا ما رُوِيَ عن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وليست العامّة عليها، ولكنها على ما وصَفْت لك، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، وفي نسخة أخرى: محمد قال: حدثنا زيد بن أسْلَم، وفي نسخة:"عن" مقام "حدثنا"، وهو العدوي مولى عمر، أبو عبد الله وأبو أسامة المدني، ثقة تابعي عالم، وكان يرسل، في الطبقة الثالثة من أهل المدينة، مات سنة ست وثلاثين من الهجرة، عن عَطاء بن يَسَار، بفتح التحتية والسين المهملة، وهو الهلالي، يكنى: أبا محمد المدني، مولي ميمونة، ثقة، فاضل، صاحب مواعظ وعبادة، من صغار التابعين، من الطبقة الثانية من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين من الهجرة، كذا قاله ابن حجر في (التقريب). عن كعب، أي: الأحبار، كما صرح به يحيى في (الموطأ)، وهو ابن مانع، ويكنى أبا إسحاق، كان في الطبقة الأولى من التابعين من أهل الشام، وهو بلد طيب في الإِقليم الثالث من الأقاليم السبعة، أنه أي: كعب الأحبار، قال: لو كان يعلم المارُّ بين يدي المصلي أي: قدامه، ماذا عليه أي: من الضرر المستفاد من كلمة على في ذلك، أي: المرور المذكور، ومحل جملة:"ماذا عليه" نصب ساد مسدّ مفعوليّ "يعلم"، وجواب "لو" قوله: لكان، كذا في نسخة: باللام، وفي نسخة أخرى: بغيرها، والأولى أَوْلَى أن يُخسف به بصيغة المجهول، أي: أن يخسف الله بالمار، قوله: المصلي في الأرض خيرًا له، جمع أخير، وهو أفعل تفضيل تقدر فيه "من" ومنصوب على أنه خبر "كان"، ويخسف لازم من باب ضرب، يتعدى بالباء، قال الجوهري: خسف المكان يخسف خسوفًا ذهب في الأرض، وخسف الله به الأرض: أي غاب به فيها، يعني لو كان يعلم المار أمام المصلي كم ينزل عليه من العذاب لأجل مروره لكان أن يذهب تحت الأرض خيرًا له من أن يمرَّ قدام المصلي، وقسَّم المالكية أحوال المارّ والمصلي في الإِثم وعدمه أربعة أقسام بإثم المار دون المصلي، وعليه يأثمان جميعًا، وعكسه:
فالأولى: وإذا صلى إلى سترة وللمار مندوحة، فيأثم دون المصلي.
والثانية: إذا صلى في شرع سلوك بلا سترة، أو متباعد عنها ولا يجد المار مندوحة فيأثم المصلي لا المار.
والثالثة: مثل الثانية، لكن يجد المار مندوحة فيأثمان جميعًا.
والرابعة: مثل الأول، لكن لا يجد المار مندوحة، (ق 271) أي: وسعة فيأثمان، كذا قاله الزرقاني.
وفي رواية ابن أبي شيبة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن مرسلًا: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من ذلك لأحب أن ينكسر فخذه، ولا يمر بين يديه".
قال محمد: يكره أن يمرّ الرجل أي: فضلًا عن المرأة بين يدي المصلي، أي: قدامه فإن أراد أن يمرّ بين يديه، فَلْيَدْرأه أي: فليدفع الرجل عنه، أي: عن مروره ما استطاع أي: ما قدر عليه من تسبيح أو إشارة أو مدافعة بلطف عن مروره، ولا يقاتله، أي: لا يقصد ضربه، فإنه أي: المصلي إن قاتله أي: المار كان ما أي: إثم ضربه المار وقتله يدخل أي: المصلي عليه أي: على إثم الضرب والقتل في صلاته من قتاله، أي: من قتال نفس المصلي بيانًا لما إياه أي: المار أشد منصوب على أنه خبر كان عليه أي: على المصلي من إشغال أن يمرّ هذا أي: المار بين يديه، ولا نعلم أحدًا أي: والحال لا نعلم من أصحاب أبي حنيفة أحدًا من الصحابة روي أي: في هذا الحديث قتاله، أي: مما يؤدي إلى قتاله من لفظ فليقاتله، إلَّا ما رُوِيَ أي: حديث روي عن أبي سعيد الخُدْرِيّ، رضي الله عنه، فيكون مما تفرد به، فمتن حديثه شاذ بسببه، والحديث الشاذ الذي له إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ ثقة، كان أو غير ثقة، فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج، كذا قال أهل الحديث، وليست العامّة أي: عامة الرواة من العلماء، أو جمهور الفقهاء عليها أي: على المقاتلة لا مبين ومعين، ولكنها أي: المقاتلة المفهومة من حديث فليقاتل، محمولة على ما وصَفْت لك من المدافعة، وهو أي: ما وصفه الإِمام محمد قولُ أبي حنيفة، رحمه الله.
* * *
275 -
أخبرنا مالك، حدثنا الزُّهْرِي، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر، أنه قال: لا يقطع الصلاة شيءٌ.
قال محمد: وبه نأخذ، لا يقطع الصلاة شيءٌ مِمّا مرّ بين يَدَي المصلي، وهو قولُ أبي حنيفة.
(275) صحيح، أخرجه: مالك (358)، والبيهقي في الكبرى (3604).
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: ثنا، وفي نسخة أخرى: محمد قال: ثنا، حدثنا الزُّهْرِي، أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، تابعي يكنى أبا بكر، كان في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر، وهو أبوه، أنه أي: ابن عمر قال: لا يقطع الصلاة شيءٌ، أي: مما يمر بين يدي المصلي، والمرور يقطع نصف صلاته، أي: وهو ما يتعلق بالباطن من حضوره وكمال شعوره.
قال محمد: وبه نأخذ، يعني قال محمد: لا نعمل إلا بقول ابن عمر: لا يقطع الصلاة شيءٌ من مار بين يَدَي المصلي، وفي نسخة: مما مر بين يدي المصلي، وهو أي: عدم قطع المرور بين يدي المصلي صلاته، قولُ أبي حنيفة، أي: نعمان بن ثابت بن طاوس بن هرمز بن ملك بن شيبان، كان في الطبقة السادسة من طبقات الحنفية، وكان من صغار التابعين، ورواه مالك موقوفًا، وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن سالم عن أبيه مرفوعًا، لكن إسناده ضعيف، وجاء أيضًا مرفوعًا عن أبي سعيد عن أبي داود، عن أنس وأبي أسامة عن الدارقطني، وعن جابر عن الطبراني في الأوسط وفي إسناد كل منهما ضعيف، وقال قوم: تقطعها المرأة، والحمار، والكلب الأسود، قال عبد الله بن الصامت: يا أبا ذر (ق 272) ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر، والكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي، سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ما سألتني عنه فقال:"الكلب الأسود شيطان"(1)، رواه مسلم، وله أيضًا مرفوعًا عن أبي هريرة:"يقطع الصلاة: المرأة والحمار والكلب، ويبقى ذلك مثل مؤخرة الرحل"(2) رواه الطبراني عن الحكم بن عمرو، وابن ماجه عن عبد الله بن مغفل نحوه من غير تقييد بالأسود.
ولأبي داود (3) عن ابن عباس مثله، لكن قيد المرأة بالحائض، واختلف العلماء في العمل بهذه الأحاديث، فمال الطحاوي وغيره إلى أن حديث أبي ذر وما وافقه منسوخ بحديث عائشة في الصحيحين أنه ذكر عندها ما يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة، وقالت: شبهونا بالحمر والكلاب، والله لقد رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا على السرير بينه
(1) أخرجه: مسلم (510).
(2)
أخرجه: مسلم (511).
(3)
أخرجه: أبو داود (703).