الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواية ابن نمير والقطان: التمسوا وهما بمعنى (ق 403) الطلب لكن معنى التحري أبلغ؛ لأنه يقتضي الطلب بالجد والاجتهاد ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" أي: خصوصًا في أوتاره ولم يقع في شيء من طرق حديث هشام هذا التفسير بالوحي، ولكنه محمول عليه؛ لأن في الصحيح من رواية أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن عائشة مرفوعًا: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" (1) فيحمل المطلق على المقيد.
ثم اختلفوا في تعيينها على ثمانية أقوال:
فقيل: الليلة الأولى من رمضان، وقيل: هي الليلة السابعة عشر منه، وقيل: التاسعة عشر منه، وقيل: الحادية والعشرين منه، وقيل: الثالثة وعشرون منه، وقيل: الرابعة والعشرون منه، وقيل: الخامسة والعشرون منه وقال: وقال أبي بن كعب وجماعة من الصحابة: السابعة والعشرون منه، وقيل: التاسعة والعشرون منه.
وقال عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي (2): أظن أن ليلة القدر السابعة من الليالي العشر الأخيرة وذكروا فيه أمارات أحدها: حديث ابن عباس أن السورة ثلاثون كلمة، وقوله: هي السابعة منها، ومنها ما نقل أيضًا عن ابن عباس أنه قال: ليلة القدر تسعة أحرف، وهو في هذه السورة مذكور ثلاث مرات فيكون السابعة والعشرين.
لما فرغ من بيان فضيلة إحياء ليلة القدر، شرع في بيان أحكام الاعتكاف، فقال: هذا
* * *
باب الاعتكاف
في بيان أحكام الاعتكاف، وهو لغة: اللبث والدوام على الشيء، وفي (النهاية): أنه متعد ومصدره العكف، ولازم فمصدره العكوف، فالمتعدي بمعنى الحبس والمنع، ومنه قوله تعالى في سورة الفتح:{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25]، وأما اللازم فهو الإِقبال على الشيء بطريقة المواظبة، ومنه قوله تعالى في سورة الأعراف: {يَعْكُفُونَ
(1) أخرجه: البخاري (1913)، وأحمد (23924)، والبيهقي في الكبرى (8616)، والشعب (3672).
(2)
انظر: تفسير البيضاوي (5/ 513، 514).
عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} [الأعراف: 138] أي: يقيمون على عبادتها وهذا المعنى على القراءة بكسر الكاف وبضم القاف يكون بمعنى المواظبة كذا في (عيون التفاسير) وهو أي: الاعتكاف شرعًا: لبث ذكر في المسجد تقام فيه بجماعة الصلوات الخمس نيته، أو امرأة في مسجد بيتها عينه لصلاتها. واستنبط المصنف هذه الترجمة من قوله تعالى من سورة البقرة:{وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] والاعتكاف مستحب إلا إذا نذر فواجب، وفي العشر الأخيرة من رمضان سنة مؤكدة، وأقله يوم في الواجب، ولا بد له من صوم وكذا في النفل علي رواية الحسن، وأما على رواية الأصل وقول محمد: فأقله ساعة كذا قاله القاري، والمراد بالساعة مدة يسيرة غير محدودة فيحصل بمجرد المكث مع النية، ولو كان الذي نواه ماشيًا مارًا على غير جالس في المسجد، ولو ليلًا وهو حيلة من أراد الدخول من باب والخروج من باب آخر؛ لأن مبني النفل على المساهلة والاعتكاف مشروع بالكتاب كما مر والسنة كما روي المصنف بقوله.
377 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن عُروة بن الزبير، عن عَمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكفَ يُدني إليَّ رأسه فأُرَجِّلَه، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا يخرج الرجل إذا اعتكف إلا لغائط أو بول، وأما الطعام والشراب فيكون في معتكفه، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي، يعني منسوب إلى ملك ذي أصبح من ملوك اليمن، كان في الطبقة السابعة من طبقات كبار أتباع التابعين من أهل المدينة (1) وفي نسخة: محمد قال: ثنا، وفي نسخة أخرى: أنا، أخبرنا وفي
(377) أخرجه: البخاري (1925)، ومسلم (297)، والترمذي (804)، والنسائي في المجتبى (385)، وأحمد (23521)، (25729)، والدارمي (1056)، ومالك (679)، والنسائي في الكبرى (3373)، (3374)، وابن حبان (3672)، وابن خزيمة (2230)، والطبراني في الأوسط (5696)، والصغير (1017)، وابن الجارود في المنتقى (409)، وأبو يعلى (4632)، والبيهقي في الكبرى (8655)، والطيالسي في مسنده (1443)، والربيع في مسنده (265)، وإسحاق بن راهويه (892)، من حديث عائشة.
(1)
انظر: التقريب (2/ 565).
نسخة: ثنا، وفي نسخة أخرى: أنا ابن شهاب، أي: محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، كان في الطبقة الرابعة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، كانت في الإِقليم (ق 404) الثاني من الأقاليم السبعة، مات سنة أربع وعشرين ومائة في رمضان، كما قاله أحمد بن حجر في (التقريب)(1) ومحمد بن أحمد الذهبي في (الكاشف)(2) عن عُروة بن الزبير، بن العوام بن خويلد الأسدي المدني، ويكنى أبا عبد الله المدني ثقة، فقيه، مشهور، كان في الطبقة (3) من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين كذا قاله ابن حجر (4) عن عُمرة بنت عبد الرحمن، أي: ابن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، كانت في الطبقة الثالثة من طبقات التابعيات من النساء من أهل المدينة، وكانت قبل المائة، وقال بعض المؤرخين: ماتت بعد المائة عن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكفَ يُدني من الإِدناء: أي يقرب إليَّ رأسه وأنا في حجرتي فأُرَجِّلَه، من الترجيل فأمشط شعر رأسه وأنظفه، وأحسنه فهو مجاز في الحذف؛ لأن الترجيل للشعر لا للرأس، أو من إطلاق اسم المحل على الحال، وفيه أن إخراج البعض لا يجرى مجرى الكل، زاد في رواية: وأنا حائض، وفيه أن الحائض طاهرة وأن يدي المرأة ليست بعورة؛ إذ لو كانت عورتين لما باشرته بهما في اعتكافه لقوله تعالى في سورة البقرة:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187].
قال سعيد بن زيد الباجي المالكي في إباحة تناول المرأة رأس زوجها وترجيله ولمسه جلده بغير لذة: وإنما يمنع مباشرتها بالذة وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإِنسان أي البول والغائط كما فسرها الزهري واتفق على استثنائهما.
قال محمد: وبهذا أي: بما روته عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها نأخذ، أي: نعمل ولا يخرج الرجل أي: المعتكف عن معتكفه إذا اعتكف أي: اعتكافًا كاملًا إلا لغائط أو بول، وكذلك المرأة المعتكفة لا تخرج عن مسجد بيتها فالمعتكف لا يخرج عن معتكفه إلا لحاجة شرعية كالجمعة والعيدين فيخرج حتى يمكنه إدراكها مع صلاة
(1) انظر: التقريب (2/ 552).
(2)
انظر: الكاشف (3/ 96).
(3)
ها هنا سقط في المخطوطة.
(4)
انظر: التقريب (1/ 399).
سنتها قبلها، ثم يعود إلى معتكفه أو لحاجة طبيعية بالبول والغائط وإزالة نجاسة واغتسال من الجنابة باحتلام أو لحاجة ضرورية كانعدام المسجد وأداء شهادة تعينت عليه، وإخراج ظالم قهرًا أو تصرف أهل المسجد بحيث بطلت المقعودة من الاعتكاف أو خوف على نفسه ومتاعه من المعاندين فإن خرج ساعة بلا عذر معتبر فسد الاعتكاف الواجب، ولا إثم عليه.
قال أبو يوسف ومحمد: إذا خرج المعتكف من معتكفه أكثر اليوم فسد وإلا فلا، قال عطاء بن أبي رباح التابعي تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما وهو أحد مشايخ أبي حنيفة رحمه الله: مثل المعتكف كمثل رجل يتردد ويقف على باب ملك أو أمير لحاجة يقدر على قضائها عادةً فالمعتكف يقول بلسان الحال وإن لم ينطق بلسان المقال: يا رب لا أزال قائمًا على بابك حتى تقضي جميع حوائجي في الدين (ق 405) والدنيا فإني مكروب، اكشف كربي واغفر الذنوب التي تبعدني عنك وأعطني ما يقربني إليك كذا قاله الشرنبلالي في (مراقي الفلاح).
وينبغي للمعتكف أن يعتبر نفسه من أهل القبور انقطع عن قومه ويتفكر يوم يقوم الناس لرب العالمين، ويبكي ويتضرع بأنواع التضرع ويقول: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. رواه البخاري (1) عن أبي بكر رضي الله عنه، وأما في نسخة: فأما بالفاء أي: أكل الطعام والشراب فيكون في معتكفه، على صفة اسم مفعول أي: محل اعتكافه وهو عدم خروج المعتكف من معتكفه أكثر من ساعة قولُ أبي حنيفة رحمه الله خلافًا لأبي يوسف ومحمد، فإن عندهما يجوز للمعتكف أن يخرج من معتكفه للضرورة أقل من نصف يوم.
* * *
(1) أخرجه: البخاري (799)، ومسلم (2705)، والترمذي (3531)، والنسائي في المجتبى (1301)، وعمل اليوم والليلة (179)، وابن ماجه (3835)، وأحمد (8)، والنسائي في الكبرى (1225)، (7710)، (10007)، وابن حبان (1976)، وابن أبي شيبة (7/ 55)، وابن خزيمة (846)، وأبو يعلى (31)، (32)، والبيهقي في الكبرى (2955).
378 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخُدْرِيّ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوُسُطَ من شهر رمضان، فاعتكف عامًا، حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه، قال:"مَن كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد رَأيتُ هذه الليلة، ثم أُنسيتها، وقد رأيتُني من صُبْحَتِها أسجد في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر"، قال أبو سعيد: فَمَطَرت السماء من تلك الليلة، وكان المسجد سقفه عريشًا، فوكف المسجد، قال أبو سعيد: فأبصرتْ عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف وعلى جَبْهته وأنفه أثر الماء والطين من صبح ليلة إحدى وعشرين.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، أخبرنا وفي نسخة: قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا يزيد بن عبد الله بن الهادِ، أصله الهادي بالياء حذفت لغة ووصلًا ويكنى أبا عبد الله الليثي المدني، ثقة مكثر كان من الطبقة الخامسة من أهل المدينة، مات سنة تسع وثلاثين ومائة (1) عن محمد بن إبراهيم، أي: ابن الحارث بن خالد التيمي يكنى أبا عبد الله المدني ثقة له أفراد، من الطبقة الرابعة من طبقات التابعين، من أهل المدينة مات سنة عشرين ومائة (2) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أي: ابن عوف الزهري المدني قيل: اسمه عبد الله وقيل: اسمه إسماعيل تابعي ابن الصحابي ثقة مكثر في الطبقة الثالثة من كبار التابعين، من أهل المدينة مات سنة أربع وتسعين وكان مولده سنة بضع وعشرين كذا قاله ابن حجر (3) عن أبي سعيد الخُدْرِيّ، رضي الله عنه.
(378) أخرجه: البخاري (780)، ومسلم (1167)، وأبو داود (1382)، وابن ماجه (1766)، وأحمد (10802)، (11186)، ومالك (688)، والنسائي في الكبرى (3348)، وابن حبان (3685)، وعبد الرزاق في مصنفه (7685)، وابن خزيمة (2220)، وأبو يعلى (1158)، والبيهقي في الكبرى (8675)، والشعب (3673)، والربيع في مسنده (322).
(1)
انظر: التقريب (2/ 673).
(2)
انظر: التقريب (2/ 498).
(3)
انظر: التقريب (2/ 727).
قال ابن عبد البر (1): هذا حديث يروى في هذا الباب كذا قاله السيوطي (2) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوُسُطَ بضم الواو والسين جمع وسطى ويروى بفتح السين مثل كبر، ورواه سعيد بن زيد الباجي بإسكانها جمع واسط، كبازل وبزل، وأما الوسط بفتح الواو والسين فيحتمل أنه جمع أوسط أو هو جمع وسيط، كما يقال: كبير أو كبر، ويحتمل أنه اسم لجمع الوقت على التوحيد كوسط الدار ووسط الوقت والشهر كذا قاله الزرقاني (3) من شهر رمضان، والاعتكاف المطلوب شرعًا على ثلاثة أقسام: واجب في المنذور، وسنة مؤكدة في العشر الأخير من رمضان لاعتكافه صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى، ومستحب في وقت من الأوقات فاعتكف عامًا، مصدر عام أي: اعتكف في رمضان في سنة حتى إذا كان ليلة بالنصب وضبطه بعضهم بالرفع فاعل كان التامة بمعنى ثبت ونحوه إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يخرج فيها أي: من عادته أن يخرج من اعتكافه، أي: معتكفه في ليلة إحدى وعشرين قال: صلى الله عليه وسلم "مَن كان اعتكف معي أي: من أراد مرافقتي من أصحابي فليعتكف العشر الأواخر، وقد رَأيتُ وفي رواية أبي سعيد الخدري (ق 406) "أُريت" بهمزة مضمومة مبني للمفعول أي: أعُلِمت هذه الليلة، نصب على أنه مفعول به لا ظرف أي: أريت ليلة القدر، وقد جزم سعيد بن زيد الباجي أن الرؤية بمعنى البصر أي: رأى علامتها أي: أعلمت له بها.
وهي السجود في الماء والطين ثم أُنسيتها، بصيغة المجهول أي: أنسانيها الله تعالى، ولعل الحكمة في نسيانها هو أن ينغفل الناس بتعظيمها وقد رأيتُني أي: رأيت نفسي في المنام في تلك الليلة من صُبْحَتِها أي: صبحة ليلة القدر يعني: أن كلمة "من" بمعنى في أسجد في ماء وطين، المراد أنه صلى الله عليه وسلم نسي علم تعينها تلك السنة لا رفع وجودها؛ لأمره بطلبها بقوله: فالتمسوها أي: اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر، من رمضان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان، ثم اعتكف العشر الأوسط، ثم قال: "أُتيت أي: أتاني ملك من الملائكة فقيل لي: إنها في
(1) انظر: التمهيد (23/ 55).
(2)
انظر: تنوير الحوالك (1/ 297).
(3)
انظر: شرح الزرقاني (2/ 286).
العشر الأواخر" رواه البخاري. والتمسوها أي: ليلة القدر في كل وتر"، أي: من أوتار ليالي العشر الأواخر من رمضان من ليلة إحدى وعشرين والثالث والعشرين والخامس والعشرين والسابع والعشرين والتاسع والعشرين قال أبو سعيد: أي: الخدري الذي رواه البخاري عنه فَمَطَرت السماء من تلك الليلة، يقال: في الليلة الماضية التي الليلة إلى الزوال فيقال: البارحة، وفي رواية في (الصحيحين): وما نرى في السماء قزعة فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد وكان المسجد أي: مسجد المدينة سقفه مرفوع على أنه بدل البعض من الكل وهو لفظ المسجد عريشًا، أي: على مثل العريش وإلا فالعريش هو السقف أي: أنه كان مظللا بالخوص والجريد، ولم يكن محكم البناء بحيث يمكن من المطر، وفي رواية: وكان السقف من جريد النخيل فوكف المسجد، أي: قطر الماء من سقفه وهو من قبيل ذكر المحال وإرادة الحال قال أبو سعيد: فأبصرت عيناي أي: رأيت وهو تأكيد كقولك: أخذت بيدي، وإنما يقال في أمر بغير الوصول إليه إظهارًا للتعجب من تلك الحالة الغريبة رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف علينا أي: بعد ما فرغ من صلاة الصبح وعلى جَبْهته وفي رواية "جبينه" وأنفه أثر الماء والطين من صلاة صبح ليلة إحدى وعشرين متعلق، بقوله: انصرف.
وفي رواية: فنظرت إليه وقد انصرف بين صلاة الصبح ووجهة وأنفه فيهما الماء والطين تصديق رؤياه، وفيه السجود على الطين، وحمله الجمهور على الخفيف والسجود على الجبهة والأنف جميعًا فإن سجد على أنفه وحده لم يجزه وعلى جبهته وحده أساء وأجزأه قاله مالك والشافعي لا يجزيه تظاهر هذا الحديث، وقال أبو حنيفة: إذا سجد على جبهته أو ذقنه أو أنفه أجزء لخبر: "أمرت أن أسجد على سبعة آراب" وذكر منها الوجه فأي شيء وضع (ق 407) من الوجه أجزاءه، وليس بشيء؛ لأن هذا الحديث ذكر فيه جمع من الحفاظ الجبهة والأنف، وأخرجه البخاري عن مالك به وطرقه كثيرة في الصحيحين وغيرهما.
وقال ابن عبد البر (1): هذا أصح حديث في الباب كذا قاله الزرقاني (2).
* * *
(1) انظر: التمهيد (23/ 55).
(2)
انظر: شرح الزرقاني (2/ 286).
379 -
أخبرنا مالك، قال: سألتُ ابن شهاب الزهري، عن الرجل المعتكف يذهب لحاجته تحت سقف؟ قال: لا بأس بذلك.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا بأس للمعتكف إذا أراد أن يقضي الحاجة من الغائط أو البول أن يدخل البيت أو يمر تحت السقف، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، قال: سألتُ ابن شهاب الزهري، أي: محمد بن مسلم بن زهرة بن كلاب، كان من الطبقة الرابعة من طبقات التابعين، من أهل المدينة (1) عن حال الرجل المعتكف أي: على صفة اسم الفاعل يذهب لحاجته أي: من البول أو الغائط تحت سقف؟ أي: خراب صار مزبلة ويكون حول المسجد قال: لا بأس بذلك أي: لكن البيت أفضل إن كان له فإنه أستر وأحوط.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا بأس أي: لا يكره للمعتكف إذا أراد أن يقضي الحاجة من الغائط أو البول أن يدخل البيت أي: بيته أو يمر تحت السقف، أي: ولو كان لغيره إذا علم رضى صاحبه به وهو قولُ أبي حنيفة رحمه الله تعالى ونفعنا الله ببركته.
لما فرغ من ما يتعلق بأحكام الصوم، شرع في بيان ذكر ما يتعلق بأحكام الحج، فقال: هذا
* * *
(379) أخرجه: مالك (681).
(1)
تقدم مرارًا.