الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما فرغ من بيان أحكام صلاة الجنازة في المسجد، شرع في بيان أحكام حمل الميت، وجعل الحنوط له وغسله، وهل ينقض وضوءه؟ فقال: هذا
* * *
باب الرجل يحمل الميت أو يحنطه أو يغسله هل ينقض ذلك وضوءه
؟
بالتنوين يحمل الرجل الميت، أي: يسن حمل الميت الكبير لأربعة رجال تكريمًا له؛ لقول ابن مسعود رضي الله عنه: "إذا تبع أحدكم الجنازة فليأخذ بقوائم السرير الأربعة"، وإذا كان الميت صغيرًا يحمله واحد على يديه تكريمًا له، ويكره حمله على ظهره أو على دابة بلا ضرورة، ويستحب لكل واحد أن يحمله من كل جانب عشر خطوات، ليكون حمله أربعين خطوة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"من حمل جنازة أربعين خطوة كفرت عنه أربعين كبيرة"(1)، كذا في (التبيين)، ويبدأ الحامل بمقدمها الأيمن، فيضعه على عاتقه الأيمن، ويمين الجنازة ما كان من جهة يسار الحامل قبل حملها، وأن الميت يلقى على ظهره ثم يضع مؤخرها الأيمن على عاتقه (ق 329) الأيمن، ثم يضع مقدمها الأيسر على عاتقه الأيسر، ثم يختم بالجانب الأيسر على عاتقه الأيسر، فيكون من كل جانب عشر خطوات، أو يحنط من باب التفعيل، أي: يجعل غاسل الميت الحنوط على رأس الميت ولحيته، لم رُوي عن علي وابن عمر رضي الله عنهما، وهو - أي: الحنوط - عطر مركب من أشياء طيبة، وكذلك يجعل الكافور على جبهة الميت وأنفه ويديه وركبتيه وقدميه؛ لأن الطيب سنة، وتخصيص الطيب في هذه المواضع تشريفًا لها وصيانة عن سرعة الفساد، كذا في (الدرر) والاختيار أو يغسله - أي الميت - هل ينقض ذلك؟ أي: الحمل المستفاد من لفظ "يحمل" أو تحنيط الميت أو غسله وضوءه، أي: وضوء الحامل، أو المحنط أو الغاسل، و"أو" هنا
(1) أخرجه: الطبراني في الأوسط (5920)، وقال: لم يرو هذا الحديث عن أنس بن مالك إلا بهذا الإِسناد، تفرد به علي بن أبي سارة، ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنس بن مالك.
قلت: وعلي بن أبي سارة ضعيف.
قال أبو داود: تركوا حديثه. وقال البخاري: في حديثه نظر، وقال أبو حاتم: ضعيف.
للتخيير، وذلك إشارة إلى الحمل، والتحنيط والغسل على سبيل المناوبة، والمناسبة بين هذا الباب والباب السابق ظاهرة.
315 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع: أن ابن عمر حنط ابنًا لسعيد بن زيد، وحمله، ثم دخل المسجد فصلى ولم يتوضأ.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا وضوءَ على من حمل جنازة، ولا على من حَنَّطَ ميتًا أو كَفَّنَهُ، أو غَسَّلَهُ، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الأصبحي، يعني منسوب إلى ملك ذي أصبح من ملوك اليمن، كان من أتباع التابعين، في الطبقة السابعة من أهل المدينة، وهي في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، أخبرنا وفي نسخة: أخبرني بالإِفراد، نافع، المدني، مولى ابن عمر، أن ابن عمر رضي الله عنه حنط أي: جعل الحنوط ابنًا لسعيد بن زيد، يكنى أبا الأعور العدوي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلم قديمًا وحضر المشاهد كلها، وكانت فاطمة أخت عمر تحته بسببها كان إسلام عمر ومات بالعقيق، فحمل إلى المدينة، ودفن بالبقيع سنة إحدى وخمسين، وحمله، أي: حمل ميته، ثم دخل المسجد أي: المسجد المعد للجنازة أو مسجد المدينة، أو غيرها والله أعلم. فصلى ولم يتوضأ، وهذا دليل صريح على أنه من حمل الجنازة أو غسلها أو أعانها لا يلزم عليه الوضوء.
قال محمد رحمه الله: وبهذا أي: بعمل ابن عمر نأخذ، أي: نعمل ونُفتي، لا وضوءَ على من حمل جنازة، ولا على عن حَنَّطَ ميتًا أوكَفَّنَهُ، أي: لف الكفن على الميت، أو غَسَّلَهُ، وهو أي: عدم لزوم الوضوء على هؤلاء قولُ أبي حنيفة، رحمه الله، فما أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان (1) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا:"مَنْ غسَّل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ"، محمول على الاحتياط أو على من لا يكون له
(315) صحيح، أخرجه: مالك (48).
(1)
أخرجه: أبو داود (3161)، والترمذي (993)، وأحمد (9553)، وابن حبان (1161)، وابن أبي شيبة (3/ 155)، والبيهقي في الكبرى (1475).