الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للأرواح سعيدها وشقيها مقر واحد، وكلها على اختلاف محالها وتباين مقارها لها اتصال بأجسادها البرزخي في قبورها من عليين أو سجين، يشبه حالة النائم اتصالًا فإذا نقل الميت من قبر إلى قبر، فالاتصال المذكور يستمر، وكذا إذا تفرقت الأجزاء العنصرية لا تتفرق الأجزاء الأصلية البرزخية، المقدرة لكل هيكل، فهي كاملة بالجسد البرزخي لا تنحل بانحلال الهيكل المحسوس الشاهدي، كذا في (خواتم الحكم).
لما فرغ من بيان كون الميت معذبًا ببكاء أهله، شرع في بيان أحوال القبر، فقال: هذا
* * *
باب القبر يتخذ مسجدًا أو يُصلى إليه أو يتوسد
في بيان حكم القبر أي حال كونه يتخذ على صيغة المجهول مسجدًا أو يُصلى إليه، أو يتوسد أي: يستذر عليه وكلمة "أو" فيهما للتخيير.
321 -
أخبرنا مالك، حدثنا الزُّهريّ، عن سعيد بن المسيَّب، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"قاتل الله اليهود؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيائِهِم مساجد".
• أخبرنا مالك، أي: ابن أنس بن عمير بن أبي عامر، الإِمام من بني ملك ذي أصبح من ملوك اليمن، كان من أتباع التابعين، في الطبقة السابعة من أهل المدينة، كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، وفي نسخة: محمد قال: بنا، رمزًا إلى أخبرنا الزُّهريّ، أي: محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، ثقة، تابعي في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، عن سعيد بن المسيَّب، أي: ابن حزن، يُكنى أبا محمد، تابعي، كان في الطبقة الأولى من أهل المدينة، كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في طبقاته، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قاتل الله اليهود؛ (ق 339) هذا إخبار عن هلاكهم، أي: قتلهم، أو لعنهم، أو إخبار بمعنى الإِنشاء على معنى استحقوا بأن يدعوا أحد من أفراد الإِنسان عليهم بأن يقول: قاتلهم الله، اتَّخَذُوا قُبُورَ أنبيائِهِم
(321) صحيح، أخرجه: البخاري (437)، ومسلم (530)، وأبو داود (3227)، والنسائي (2047)، وأحمد (10338).
مساجد"، وفي نسخة: مسجد، أي: يسجدون إلى قبورهم ويتعبدون في حصورهم إلى ظهور نورهم، لكن لما كان هذا بظاهره يشاهد عبادة غير الله تعالى استحقوا أن يُقال لهم: قاتلهم الله، هذا تأويل حسن، والمعنى الظاهر الحقيقي وهو القتل والهلاك لا ينبغي إليه صلى الله عليه وسلم بأنه قال: قاتلهم الله؛ لأنه مخالف للأصول، حيث قال تعالى في آخر سورة الأعراف:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، يعني: عليك يا محمد العفو عمن ظلمك، وأمر بما يرضاه العقل والشرع من الخصال الحميدة كالتقوى وصلة الرحم، وأعرض عن الجاهلين، أي: حذر نفسك عن المشركين بما صدر منهم السوء، يعني: احلم عنهم، ولا تغضب عليهم، واصبر على أخلاقهم السيئة، ولا تقابل أقوالهم الركيكة وأفعالهم الخسيسة بأمثاله، كذا في (عيون التفاسير)، و (اللباب).
وقال تعالى في سورة القلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، قال القسطلاني في (المواهب اللدنية): ومن خُلقه صلى الله عليه وسلم: الحلم والعفو مع القدرة، والصبر، وحسبك صبره وعفوه صلى الله عليه وسلم عن الكافرين المحاربين له في أشد ما نالوه به من الجراح، والجهد، بحيث كسرت رباعية وجهه يوم أُحد، حتى صار الدم يسيل على وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم حتى شق ذلك على أصحابه شديدًا، وقالوا: لو دعوت عليهم يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "إني لم أُبعث لعانًا، ولكني بُعثتُ داعيًا إلى الله، ورحمةً للعالمين"، فقال:"اللهم اغفر لقومي واهد قومي فإنهم لا يعلمون".
* * *
322 -
أخبرنا مالك، بلغني: أنَّ عليَّ بن أبي طالب، كان يَتَوَسَّد عليها ويضطجع عليها، قال بشر: يعني القُبُور.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، قال: أي: مالك بلغني أي: من غير إسناد، أنَّ علي بن أبي طالب، كان يَتَوَسَّد أي: يستند ظهره عليها أي: على القبور، ويضطجع عليها، قال بشر بن موسى، كذا في النسخة: أي: أحد من أصحاب مالك: يعني أي: يريد بضمير عليها القُبُور، فدل على فعل عليّ كرم الله وجهه على
(322) إسناده ضعيف، أخرجه: مالك (539).
جوازه، وليس فيه مهانة للقبر وصاحبه، بخلاف الجلوس فوقه والدوس عليه، ونحوه.
فقد روى أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (1) عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يُقعد على القبر، وأن يُجصص، وأن يُبنى عليه، فقيل: أراد القعود عليه تهاونًا بالميت والموت، ورُوي أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا متكئًا على قبر فقال:"لا تؤذ صاحب القبر"، كذا في (النهاية)، فالنهي نهي للتنزيه، وعمل علي رضي الله عنه محمول على الرخصة، إذا لم يكن على وجه المهانة، كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان أحكام ما يتعلق بالصلاة، شرع في بيان أحكام الزكاة، فقال: هذا
* * *
(1) أخرجه: مسلم (970)، وأبو داود (3225)، والنسائي (2028)، وأحمد (13735).