الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والظاهر أنه في مسجد المدينة، ثم ركب أي: ذهب إلى أرض الجُرُفِ، بضم الجيم والراء المهملة والفاء، قال الرافعي: هي موضع على ثلاثة أميال من جهة الشام، ثم جاء بعد ما ذهب إلى الجرف طلعت الشمس، فرأى في ثوبه احْتِلَامًا، أي: أثره في ثوبه من المني، فقال: لقد احتلمت وما شعرت، بضم العين، أى: ما علمت، أخرج عمر كلامه عن مقتضى ظاهره، حيث أتاه بلام القسم، ولا يقتضيها، ونزل المخاطبين المأمومين منزلة المنكرين مع أنهم مقتدون به في أفعاله وأقواله كأنهم أنكروا الاحتلام عن عمر؛ لأن له زوج، فأخبر عمر (ق 282) عن حال نفسه بلام القسم تقوية للحكم وأكد تقويته: ولقد سُلِّط بضم وتشديد لام مكسورة، أي: أقسم الله، غَلَبَ وَكَثرُ علىّ الاحْتِلام منذ وليت بضم الواو وكسر لام مشددة أمر الناس، قيل: يحتمل أن شغله بأمورهم واهتمامه بهم صرفه عن اشتغاله بالنساء فكثر عليه الاحتلام، ثم أي: بعد ما أخبر عن حاله، غسل ما رأى في ثوبه أي: من المني ونضحه أي: مسحه ثم اغتسل، ثم قام فصلى الصبح أي: قضاه بعد ما طلعت الشمس.
قال محمد: وبهذا أي: بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه نأخذ، أي: نعمل ونفتي، ونرى أي: نختار أن من عِلم ذلك أي: ما وقع لعمر من الاحتلام وصلاته بلا غسل، فمن صلى خلف عمر، فعليه أن يُعيد الصلاة، كما أعادها عمر، لأن الإِمام إذا فسدت صلاته فسدت صلاة من خلفه، وهو قولُ أبي حنيفة، رحمه الله، خلافًا لمالك والشافعي؛ حيث قالا: إن صلاة المأموم صحيحة، إذا لم يعلم من أول الوهلة أنه على غير طهارة، والله أعلم.
لما فرغ من بيان حكم حال الرجل يصلي بالقوم، وهو جنب أو غير وضوء، شرع في بيان حكم حال الرجل يركع دون الصف أو يقرأ في ركوعه، فقال: هذا
* * *
باب الرجل يركع دون الصف أو يقرأ في ركوعه
في بيان حكم حال الرجل وهو يركع دون الصف، أي: في قرب الصف، قال بعض أهل اللغة: لفظ دون بضم الدال المهملة وسكون الواو والنون، استعمل بمعنى القرب مشتق من دان يدون دونًا وداين إدانة، كذا قاله محمد الواني، أو يقرأ في ركوعه
عطف على يركع من عطف الجملة الخبرية على مثلها، وإنما عطفها بأو إشعارًا بإفادة حصول مضمون أحد الجملتين، وذكر صاحب (التقويم) وجماعة من النحويين أن كلمة "أو" موضوعة في الخبر للشك، فإذا قلت: رأيت زيدًا أو عمرًا أخبرت عن رؤية كل منهما على سبيل الشك، وإنك لم تراهما جميعًا، وإنما رأيت أحدهما، كذا قاله عبد الرحمن بن فرشة في (شرح المنار)، وكذلك الحال هنا، وهو: أي المصلي إما يركع خلف الصف، وإما يقرأ في ركوعه، ولا يفعل كليهما جميعًا، بل الأحسن أن يفعلها جميعًا، اقتبس الإِمام محمد هذه الترجمة، جملة يركع دون الصف من رواية الحسن البصري أن أبا بكر رضي الله عنه ركع دون الصف، وجملة يقرأ في ركوعه من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن لبس القسي، وعن لبس المعصفر، وعن التختم بالذهب، وعن القراءة في الركوع.
285 -
أخبرنا مالك، أخبرني ابن شهاب الزُّهري، عن أبي أمَامَة بن سهل بن حُنَيْف أنه قال: دخل زيد بن ثابت فوجد الناس رُكوعًا فركع، ثم دَب حتى وصل الصفّ.
قال محمد: هذا يُجْزِئ، وأحب إلينا أن لا يركع حتى يصل إلى الصفِّ، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، أخبرنا، وفي نسخة: أخبرني بالإِفراد ابن شهاب أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، يكنى أبا بكر، تابعي في الطبقة الرابعة من أهل المدينة، عن أبي أمَامَة بن سهل بن حُنَيْف بالتصغير، اسمه أسعد، وقيل: سعد، أنه قال: دخل أي: المسجد زيد بن (ق 283) ثابت رضي الله عنه، وهو من أكابر الصحابة وفضلائهم، فوجد الناس أي: الإِمام والقوم رُكوعًا أي: في الركوع أو راكعين، فركع أي: بعد التحريم قائمًا ثم دَبّ بفتح الدال وتشديد الباء الموحدة، أي: مشى على هنيته حتى وصل الصفّ.
(285) صحيح، أخرجه: مالك (396).
قال محمد: هذا يُجْزِئ، أي: يكفي في الأداء لكن شرط أن لا يقع ثلاث خطوات متواليات في ركن من أركان الصلاة، كذا ذكره بعضهم. وفي (الخلاصة): إذا مشى في صلاته، إن كان قدر صف واحد لا يفسد الصلاة، وإن كان قدر صفين بدفعة واحدة تفسد، ولو مشى إلى الصف ووقف ثم إلى صف آخر ووقف، ثم وثم لا تفسد صلاته، وفي (الظهيرية)، والمختار أنه إذا أكثر تفسد، وأحب إلينا أن لا يركع أي: بل يؤخر إحرامه حتى يصل إلى الصفِّ، وهو قولُ أبي حنيفة، رحمه الله.
* * *
286 -
قال محمد: حدثنا المُبَارك بن فضَالَة، عن الحسن أن أبا بكْرَة ركع دون الصفّ، ثم مَشَى حتى وصل الصفّ، فلما قَضَى صلاته ذَكَرَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"زَادكَ الله حِرْصًا ولا تَعُدْ".
قال محمد: هكذا نقول، وهو يُجْزِئ، وأحب إلينا أن لا يفعل.
• قال محمد: حدثنا المُبَارك وفي نسخة: ابن المبارك بن فضَالَة، بفتح الفاء، عن الحسن أي: البصري، وهو أي ابن المبارك، عبد الله بن المبارك، يكنى أبا عبد الرحمن، كان أبوه عبدًا تركيًا، وأمه خوارزمية، وكان ابن المبارك من علماء أهل خراسان، تابعيًا.
وقال الحسن البصري، صحبته من خراسان إلى بغداد ما رأيته أكل وحده، وكان يكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل له: إذا صليت معنا لم تجلس معنا؟ قال: أذهب أجلس مع الصحابة والتابعين، قيل له: ومن أين؟ قال: أنظر في علمي فأدرك آثارهم وأعمالهم، ما أصنع معكم وأنت تغتابون الناس.
وقال: كن محبًا للخمول كراهية الشهرة، وهو أي الخمول ضد الشهرة، ولا تظهر من نفسك أنك تحب الخمول، أي العزلة عن الناس فترفع نفسك، فإن دَعْوَكَ الزهد من نفسك هو خروجك من الزهد، ولا تكن تجر إلى نفسك الثناء والمدح.
(286) صحيح، أخرجه: البخاري (783)، وأبو داود (683)، والنسائي (871)، وأحمد (19892).
وقدم هارون الرشيد الرقة فاجتمع الناس خلف عبد الله بن المبارك، وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة، وأشرفت أم ولد لهارون الرشيد من "تبرج" فصرخت فقالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة، يقال له: عبد الله بن المبارك، فقالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الرشيد الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان.
وأتى زمزم فاستقى ثم استقبل الكعبة، فقال: اللهم إن ابن أبي الموال، حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ماء زمزم لما شُرِبَ له"، وهذا أشربه لعطش يوم القيامة، ثم شربه.
وكان إذا قرأ كتاب (الرقاق) فكأنه بقرة منخورة، أي: يصوت صوت البقرة من البكاء.
سأل رجل سفيان الثوري عن مسألة، فقال: من أين أنت؟ قال: من المشرق، قال: أوليس عندكم أعلم أهل المشرق، قال: من هو؟ قال: ابن المبارك، قال: هو أعلم أهل المشرق، قال: نعم وأهل المغرب. وقال سفيان الثوري: نظرتُ في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيتُ (ق 284) لهم عليه فضلًا إلا بصحبتهم النبي صلى الله عليه وسلم وغزوهم معه، وإني لأشتهي أن أكون سنة واحدة مثله فما أقدر، ولا ثلاثة أيام.
قيل له: إلى متى تكتب الحديث؟ [فقال](1): لعل الحكمة التي أنتفع بها ما كتبتها بعد، وقال: خرج أهل الدنيا منها قبل أن يتطعموا أطيب ما فيها، قيل: وما هو؟ قال: معرفة الله تعالى، وقال: لأن أرد درهمًا من شبهة أحب إليَّ من أن أتصدق بمائة ألف ومائة ألف حتى أبلغ إلى ستمائة ألف، وقيل له: ما التواضع؟ قال: التكبر على الأغنياء، قال له رجل: أوصني، قال: اعرف قدرك، وقال له رجل: هل بقي من ينصح؟ فقال: هل تعرف من يقبل؟. . كذا قاله أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي الحنبلي في (طبقاته)(2).
أن أبا بكْرَة رضي الله عنه، بالتاء بعد الراء، صحابي من أهل ثقيف، نزل يوم الطائف ببكرة وأسلم فكَنَّاه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكرة، وأعتقه، فهو من مواليه، ركع دون الصفّ أي: بقرب الصف، قبل أن يصل إليه، ثم مَشَى حتى وصل الصفّ، فلما قَضَى صلاته أي: أداها، كما قال تعالى في سورة الجمعة: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي
(1) كلمة زدناها ليست في المخطوط ليستقيم المعنى.
(2)
انظر: صفة الصفوة (4/ 134).
الْأَرْضِ} الآية [الجمعة: 10]، أي: إذا أديت الصلاة، ذَكَرَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"زَادكَ الله حِرْصًا ولا تَعُدْ"، بضم العين والدال نفي استقبال، أي: لا تفعل مثل هذا، وعلى هذا عطف على قوله فقال: أي: وقال لأبي بكرة: لا تعد، أو فهي حاضر على أن يكون عطفًا على زادك، فيكون عطف الإِنشاء على الأخبار، وهو ليس بحسن عند البلغاء، ويقال: لفظ زادك إنشاء معنى، وإن كان إخبارًا لفظًا، وإنما وقع الخبر بلفظ الماضي موقع الإِنشاء للتفاؤل، دلالة على أنه كأنه وقع نحو وفقك الله للتقوى، أو لإِظهار الحرص في وقوع المطلوب، كما قاله سعد الدين التفتازاني في (شرح التخليص)، وكذا الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة:"زادك الله حرصًا".
قال محمد: هكذا أي: مثل ما قاله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة نقول أي: نتكلم بعدم فساد الصلاة إذا لم يكثر الخطوات، وفي نسخة: بهذا، وفي نسخة أخرى: فهكذا بالفاء الفصيحة، وهي في مذهب صاحب (الكشاف) التي كان مدخولها جزاء لشرط محذوف فيما قبلها، كذا قاله صدر الدين زادة في إيجاز في الحذف من الباب الثامن في (حاشية المطول)، وهو أي: الركوع دون الصف والمشي إليه يُجْزِئ أي: يكفي ولا يلزم أن يعيد إذا وصل إلى الصف، ولكن بشرط أن يقع ثلاث خطوات متواليات في ركن من أركان الصلاة، قوله: وأحب إلينا أن لا يفعل، إشعار بأن النهي في قوله:"لا تعد" نهي تنزيهي يقتضي كراهية في الصلاة، وقال أحمد والنخعي والحسن بن صالح: لا تصح الصلاة، واختاره ابن المنذر، لما روى أبو داود والترمذي (1) وحسنه عن وابصة بن معبد، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة، واستدل الجمهور بعدم فسادها بقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة حين كبَّر وحده، ثم التحق بالصف:"زادك الله حرصًا ولا تعد" ولم يأمره بالإِعادة.
* * *
(1) أخرجه: أبو داود (682)، والترمذي (230)، وابن ماجه (1004)، وأحمد (17541)، والدارمي (1262)، وابن حبان (2201)، وابن أبي شيبة (2/ 98)، والدارقطني (1/ 362)، والشافعي في المسند (857)، والطبراني في الكبير (22/ 141)، حديث (374)، والبيهقي في الكبرى (5309).
287 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع مولى ابن عمر، عن إبراهيم بن عبد الله بن حُنيْن، عن عليّ بن أبي طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهاه عن لُبْس القَسيِّ، وعن لُبْس المُعَصْفَر وعن تَخَتُّم الذَّهب، وعن قِراءة القرآن في الركوع.
قال محمد: وبهذا نأخُذُ، تُكْرَهُ القراءة في الركوع والسجود، وهو قولُ أبي حنيفة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: ثنا مالك، عن نافع، المدني، مولى ابن عمر، عن إبراهيم بن عبد الله (ق 285) بن حُنين، بضم الحاء المهملة، وفتح النون، وسكون التحتية، وبعدها نون، الهاشمي مولى العباس أبو إسحاق المدني التابعي، قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، روى له الجميع، وكان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين، من أهل المدينة، ومات بعد المائة من الهجرة، عن إبراهيم بن عبد الله بن حُنين، بضم الحاء المهملة، وفتح النون وسكون التحتية ونون بعدها، تابعي ثقة، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، المتوفى في أول إمارة يزيد، روى له الجماعة، وفي الإِسناد ثلاثة من التابعين روى بعضهم عن بعض، وهو من اللطائف، وفي نسخة: جبير بضم الجيم وفتح الموحدة وسكون التحتية واللام المهملة، وهو تصحيف من الناسخ، عن عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهاه عن لُبْس بضم اللام، وسكون الباء الموحدة والسين مهملة من الباب الرابع، مصدر يقال: لبست الثوب ألبسه لباسًا، كذا في ترجمة الجوهري، القَسيِّ، بفتح القاف وكسر السين المهملة وتحتية مشددتين، وهو ثوب مضلع أي: مخطط بالحرير، وكان يعمل بالقس، وهو موضع من قرى مصر القاهرة على ساحل البحر بقرب دمياط، وقيل: أصله القسي القزي، بالزاء منسوب إلى القز، وهو ضرب من الإِبريسم فأبدل السين من الزاي، كذا نقله علي القاري عن السيوطي، والضمير في "نهاه" عائد إلى على، فمقتضى الظاهر أن يقول الراوي: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أورده الإِمام البغوي في (المصابيح) عن عليّ رضي الله عنه، أنه
(287) صحيح، أخرجه: مسلم (2078)، وأبو داود (4044)، والترمذي (264)، والنسائي (1040)، وأحمد (1046)، ومالك (177).
قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب، وعن لبس القسي، وعدل عليّ رضي الله عنه عن مقتضى الظاهر، ونزل نفسه منزلة الغائب، لئلا يتوهم أن هذا الحكم مخصوص لعلي، بل هو عام للمؤمنين، كما يؤيده ما رواه يحيى الليثي في الموطأ عن مالك عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسي والمعصفر، وعن تختم الذهب، وعن قراءة القرآن من الركوع. ومعلوم أن حذف المفعول يقتضي التعميم كقوله في سورة يونس:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} [يونس: 25]، أي: يدعو جميع عباده إلى دار السلام، كذا قاله سعد الدين التفتازاني في متعلقات الفعل من شرح (التلخيص).
وعن لُبْس المُعَصْفَر بضم الميم وفتح العين وسكون الصاد المهملة، وفتح الفاء قبل الراء، وهو الثوب المصبوغ بالعصفر، والنهي للتنزيه على المشهور.
وعن تَخَتُّم الذَّهب، أي: نهى صلى الله عليه وسلم عن لبس خاتم الذهب، والنهي تحريمي؛ لأن لبسه يوجب نقصانه عن قدر النصاب للزكاة، فيعذر بالفقراء فهو حرام، أو يوجب قلة آلة الجهاد، فهي تقتضي ضعف أهل الإِسلام، وقوة أهل الحرب، فهذا لا يجوز لأهل الإِسلام، وهاتان العلتان تجريان في حرمة استعمال الفضة، وهذا الحكم مع هاتين العلتين شامل على النساء، كما روى أبو داود والنسائي بالواسطة عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة تقلدت قلادة من ذهب قلدت (ق 286) في عنقها مثلها من النار يوم القيامة، وأيما امرأة جعلت في أذنها خرصًا - أي: حلقة - الذهب جعل الله في أذنها مثله من النار يوم القيامة"(1)، قال الخطابي: هذا الوعيد في حق امرأة تقصد أن لا تؤدي الزكاة للذهب دون امرأة لا تقصد عدم أدائها.
وقال الأشرف: لو كان هذا الوعيد للامتناع عن أداء الزكاة لما خصّ النبي صلى الله عليه وسلم الذهب بالذكر، ورخص في الفضة، حيث قال:"ولكن عليكم بالفضة، فالعبوا بها"، فلا فرق في وجوب الزكاة بين الذهب والفضة، وهذا إنما يستقيم على مقتضى مذهبنا من وجوب الزكاة في الحلي دون مذهبهم، حيث قالوا: لا زكاة في الحلي، وأما ما قيل من أنه محمول على كراهة التنزيه كذا قاله علي القاري في باب التختم من (شرح مشكاة المصابيح).
(1) أخرجه: أبو داود (4238)، والنسائي (5139)، وأحمد (27057).