الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال علي القاري في (شرح الحديث الأربعين) للنووي: فرض الحج في السنة الخامسة أو السابعة (ق 408) أو التاسعة انتهى، ولكل وجه وفرضيته ثابتة بقوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] وفي هذه الآية أنواع من التأكيد منها قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ} يعني: أنه حق واجب لله في رقاب الناس؛ لأن على للإِلزام، ومنها أنه ذكر الناس ثم بدل منه من استطاع إليه وهي ضربان من التأكيد أحدهما: أن الإِبدال تنبيه للمراد وتكرير له والثاني: الإِيضاح بعد الإِبهام والتفصيل بعد الإِجمال وإيراد له في صورتين مختلفتين، ومنها قوله تعالى:{وَمَنْ كَفَرَ} [آل عمران: 97] مكان ومن لم يحج تغليظًا على تارك الحج؛ ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديًا أو نصرانيًا"(1) ومنها ذكر الاستغناء وذا دليل السخط على التارك والخزلان، ومنه قوله تعالى:{عَنِ الْعَالَمِينَ} ولم يقل عنه؛ لأنه إذا استغنى عن العالمين تناوله الاستغناء لا محالة؛ ولأنه يدل على الاستغناء الكامل فكان أدل على عظم السخط، كذا نقله عبد الرحمن المدعو بشيخ زادة عن صاحب (الكشاف) في (مجمع الأنهر).
باب المواقيت
في بيان أحكام المواقيت جمع الميقات وهو مكان الإِحرام فلا يجوز للحاج أو المعتمر أن يجاوزه إلا محرمًا، وفي لفظ المواقيت إشارة إلى أن موضع الإِحرام مختلف ومتعدد، واعلم أن الإِحرام شرط للمنسك، وهي فرضان عندنا النية والتلبية وكونه الميقات واجب، وميقات المكي ومن بمعناه للحج الحرام أو للعمرة الحل وأما ميقات الآفاق البعيدة من مكة فمما سيأتي في هذا الباب.
380 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع مولى عبد الله، عن عبد الله بن عمر: أن
(1) أخرجه: الدارمي (1733)، وابن أبي شيبة (4/ 392)، والبيهقي في الكبرى (8743)، والشعب (3979)، والروياني (1246)، والفاكهي في أخبار مكة (801)، كلهم من حديث أبي أمامة، وقال الروياني: ضعفه الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (2/ 222).
(380)
أخرجه: البخاري (133)، ومسلم (1182)، والترمذي (831)، والنسائي في المجتبى (2650)، وابن ماجه (2914)، وأحمد (5150)، ومالك (720)، والنسائي في الكبرى =
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُهلّ أهل المدينة من ذي الْحُلَيْفَة، ويُهلّ أهل الشام من الجُحْفَة، ويُهَلّ أهل نجد من قَرْنٍ"، قال عبد الله بن عمر: ويزعمون أنه قال: "ويُهلّ أهل اليمن من يَلَمْلَم".
• أخبرنا مالك، ابن أنس بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي، يعني منسوب إلى ملك ذي أصبح، من ملوك اليمن، وكان في الطبقة السابعة من طبقات أتباع التابعين، من أهل المدينة، كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة (1)، وفي نسخة: محمد قال: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، وفي نسخة: حدثنا وفي نسخة: عن نافع مولى عبد الله، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وللبخاري من طريق الليث عن نافع بن عمر أن رجلًا قام في المسجد فقال: يا رسول الله من أين تأمرنا أن نهل قال: "يهل" بضم أوله أي: يحرم.
وعن النووي (2) قال العلماء: الإِهلال رفع الصوت بالتلبية عند الدخول في الإِحرام. ذكره السيوطي (3).
والمراد بالإِهلال الإِحرام، وهو يحصل بمجرد النية، والتلبية عندنا إجماعًا وبمجرد النية عند مالك والشافعي وأحمد، وأما رفع الصوت بالتلبية مستحب إجماعًا.
والحاصل: أن رفع الصوت بالتلبية ليس بشرط في تحقق الإِحرام، وإنما هو بيان كماله الشرعي بناءً على اعتبار معناه اللغوي. كذا قاله علي القاري.
أما حكمة التلبية؛ فإن الإِنسان إذا ناده أحد جليل القدر أجاب بالتلبية فكيف من ناداه مولاه علام الغيوب ودعاه إلى جانبه ليكفر عنه الذنوب والآثام، وإذا قال عبدٌ: لبيك يقول الرب: أنا إليك ومتجل عليك، فاسئل ما تريد، (ق 409) وأنا أقرب إليك من حبل الوريد كذا في (خواتم الحكم) قوله: "يُهلّ خبر حقيقة وإنشاء معنى وأمرا في يُهلّ
= (8632)، (5902)، وابن حبان (3761)، وابن أبي شيبة (4/ 349)، وابن خزيمة (2593)، والشافعي في المسند (524)، وأبو يعلى (5803)، والبيهقي في الكبرى (8989)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 118)، والحميدي (623) من حديث ابن عمر.
(1)
تقدم مرارًا.
(2)
انظر: تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 137).
(3)
انظر: تنوير الحوالك (1/ 307).
أهل المدينة أي: من داخل المدينة أو قراها من ذي الْحُلَيْفَة، بضم الحاء المهملة وفتح اللام وسكون التحتية والفاء المفتوحة مصغر حلفة مكان معروف، وهي قرية خربت بينها وبين مكة مائتا ميل كذا قاله ابن حزم، وقال غيره: بينهما عشرة مراحل وتسعة، وبينها وبين المدينة ستة أميال، وقول ابن الصباغ: ميل واحد وهم يروه الحسن، وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب وبها بئر يقال لها: بئر علي، وهي أبعد المواقيت من مكة فقيل: حكمة ذلك أن يعظم جوار أهل المدينة رفعًا بأهل الآفاق؛ لأن المدينة أقرب الآفاق إلى مكة أي: من له ميقات معين ويُهلّ أهل الشام زاد النسائي من حديث عائشة "ومصر" وزاد الشافعي في روايته "والمغرب" من الجُحْفَة، بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، وهي قرية خربت بينها وبين مكة خمس مراحل أو ست، وقول النووي (1): ثلاث مراحل فيه نظر، وهي الجحفة اسمها في الأصل مَهْيَقة بفتح الميم وسكون الهاء وفتح التحتية بوزن علقمة، وقيل: بوزن علقمة والمشهور الأول، وسميت الجحفة؛ لأن السيل أجحف أي: استأصل قومًا نزلوا بها.
قال ابن الحاسبي: كان العماليق يسكنون يثرب فوقع بينهم وبين بني عبيل بفتح العين المهملة وكسر الموحدة وهم أخوة فأخرجوهم من يثرب، فنزلوا مهيعة فجاء سيل فأجحفهم أي: استأصلهم فسميت والمصريون الآن يحرمون من رابغ براء مهملة وموحدة وغير معجمة قرب الجحفة، لكثرة حمائها فلا ينزل بها أحد إلا حم. ويُهَلّ أهل نَجْد كل مكان مرتفع وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد هنا التي أعلى تهامة واليمن وأسفلها الشام والعراق من قَرْنٍ"، بفتح القاف وسكون الراء فنون بلا إضافة، وفي حديث ابن عباس في الصحيحين: قرن المنازل (2) "بلفظ" جمع المنزل والمركب الإِضافي هو اسم المكان وضبط الجوهري (3) قرن بفتح الراء وغلطوه وبالغ النووي (4) محكمي الاتفاق حكى تخطئته في
(1) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم (8/ 81).
(2)
أخرجه: البخاري (1452)، ومسلم (1181)، من حديث ابن عباس.
(3)
انظر: مختار الصحاح (ص: 222).
(4)
قال: بفتح القاف وإسكان الراء بلا خلاف بين أهل العلم من أهل الحديث واللغة والتاريخ والأسماء وغيرهم، وغلط الجوهري فيه غلطتين، فقال: بفتح الراء، وزعم أن أويسًا القرني رضي الله عنه منسوب إليه، والصواب: إسكان الراء، وأن أويسًا منسوب إلى قبيلة معروفة يقال لها: بنو قرن، وهي بطن من مراد، والقبيلة المعروفة ينسب إليها المرادي، شرح مسلم (8/ 81).
ذلك، وفي نسبة أويس القرني إليه هو منسوب إلى قبيلة بني قرن بطن من مراد لكن حكى العياض عن القاسبي أن من سكن الراء أراد الجبل، ومن فتح أراد الطريق والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان وفي (أخبار مكة) (1) للفاكهي: أن قرن الثعالب جبل مشرف على أسفل من بينه وبين مسجد مني ألف وخمسمائة ذراع سمي قرن الثعالب لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب، فقد ظهر أنه ليس من المواقيت قال عبد الله بن عمر بن الخطاب راوي الحديث ويزعمون أي: يقول بعض الصحابة والتابعين أنه أي: النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ويُهلّ أي: يدخل في الإِحرام أهل اليمن وعده من أهل الهيئة من الإِقليم الأول من الأقاليم السبعة، وليحيى: قال عبد الله بن عمر: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يهل أهل اليمن (ق 410) من يَلَمْلَم" بفتح التحتية واللام وسكون الميمين بينهما اللام المفتوحة مكان جنوبي مكة على مرحلتين بمكة بينهما ثلاثون ميلًا، ويقال: ألملم بالهمزة وهو الأصل والياء تسهيل لها. وحكى ابن السيد (2) وفيه يرمرم برائين بدل اللامين، وللبخاري من طريق الليث عن نافع عن ابن عمر لم أفقه هذه من النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الصحيحين عن سالم عن أبيه: وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم يهل أهل اليمن من يَلَمْلَم وهي من استعمال الزعم على القول المحقق، وهو يشعر بأن الذي بلغ ابن عمر ذلك جماعة. وقد ثبت ذلك عن ابن عباس في (الصحيحين) وجابر عن مسلم إلا أنه قال: حسبه رفعه عائشة عند النسائي والحارث بن عمرو السهمي عند أحمد وأبي داود والنسائي.
قال ابن عبد البر (3): اتفقوا على أن ابن عمر لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف بين العلماء أن مرسل الصحابي صحيح حجة، وكأنه لم يعتبر قول أبي إسحاق الإِسفرائيني أنه ليس بحجة، وهذا الحديث رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى وأبو داود عن القعنبي وأحمد بن يونس كلهم عن مالك
* * *
(1) انظر: أخبار مكة (4/ 281، 282).
(2)
انظر: إعانة الطالبين (2/ 302)، وحاشية البجرمي (2/ 111)، وشرح الزرقاني (2/ 321)، ومواهب الجليل (3/ 31)، وحاشية العدوي (1/ 654)، وفتح الباري (3/ 386)، ومعجم ما استعجم (4/ 1347)، ومعجم البلدان (5/ 433).
(3)
انظر: التمهيد (5/ 137)، وشرح الزرقاني (2/ 321).
381 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، أنه قال: قال عبد الله بن عمر: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة أن يُهلّوا من ذي الْحُلَيْفَةَ، وأهلَ الشام من الجُحْفَة، وأهل نَجْد من قَرْنٍ، قال عبد الله، أما هؤلاءِ الثلاثة فسمعتُهنّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخْبرتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"وأمَّا أهل اليمن فَيُهِلُّونَ من يَلَمْلَم".
• أخبرنا مالك، في نسخة: محمد قال: بنا، رمزًا إلى أخبرنا، وفي نسخة أخرى: ثنا، رمزًا إلى حدثنا، أخبرنا وفي نسخة: بنا، وفي نسخة أخرى: أنا وكلاهما رمزًا إلى أخبرنا، وفي نسخة: قال: ثنا، عبد الله بن دينار، العدوي سيدهم يكني أبا عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر، ثقة تابعي، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع وعشرين ومائة من الهجرة (1) أنه قال: قال عبد الله بن عمر: رضي الله عنهما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل المدينة أن يُهلّوا أي: أن يدخلوا في الإِحرام بأن يقولوا: اللهم إني أريد الحج لله لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك لا شريك لك من ذي الْحُلَيْفَةَ، قد مر بيانها في الحديث السابق، ففي هذا أن الخبر في رواية نافع مراد به الأمر، ولذا أتى به الإِمام تلوه، فهو من حسن التأليف وأهلَ الشام أي: أمرهم أن يهلوا من الجُحْفَة، وأهل نَجْد من قَرْنٍ، أي: قرن المنازل لا قرن الثعالب كذا قاله الزرقاني (2).
قال عبد الله، ابن عمر أما هؤلاءِ أي: المواضع الثلاثة أي: المذكورة فسمعتُهنّ من
(381) أخرجه: البخاري (1453)، ومسلم (1182)، والترمذي (831)، والنسائي في المجتبى (2650)، (2654)، وابن ماجه (2914)، وأحمد (2150)، ومالك (720)، والنسائي في الكبرى (3631)، وابن حبان (3759)، وابن أبي شيبة (4/ 349)، وابن خزيمة (2593)، والشافعي في المسند (522)، (523)، والطبراني في الأوسط (4958)، والبيهقي في الكبرى (8987)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 118)، وأبو يعلى (5475)، والكفاية (ص: 73)، من طرق عن ابن عمر.
(1)
تقدم مرارًا.
(2)
انظر: شرح الزرقاني (2/ 321، 322)، والتمهيد (15/ 137، 138).
رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: من غير واسطة وأخْبرتُ على بناء المجهول للمتكلم وحده أي: سمعت من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وأمَّا أهل اليمن فَيُهلُّونَ من يَلَمْلَم"، ولم أسمع ذلك منه صلى الله عليه وسلم. وحكى الأثرم عن أحمد أنه سئل أي سنة وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت فقال عام حج.
وفي الحديثين حرمة مجاوزة هذه المواقيت لمريد الحج والعمرة بلا إحرام وبه قال الأئمة الأربعة والجمهور وقالوا: عليه الدم لكن بدليل آخر.
* * *
382 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، أن ابن عمر (ق 411) أحْرَمَ من الفُرْع.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى: أنا حدثنا وفي نسخة: بنا، وفي نسخة أخرى: عن نافع، أي: المدني مولى ابن عمر رضي الله عنهما أن ابن عمر أحْرَمَ من الفُرْع (1) بضم الفاء وسكون الراء المهملة موضع بناحية المدينة يقال: هو أول قرية مارت إسماعيل وأمه التمر بمكة، وفيها عينان يقال لهما: المربض والنخف كانتا تسقيان عشرين ألف نخلة كانت لحمزة بن عبد الله بن الزبير، والربض: منابت الأراك في الأرض قال ابن عبد البر (2): محله عند العلماء أنه مر بميقات لا يريد إحرامًا ثم بدا له فأهل منه وجاء إلى الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له في الإِحرام كما قاله الشافعي وغيره، وقد روى حديث المواقيت، ومحال أن يتعداه مع علمه به فوجب على نفسه وما هذا لا يظنه عالم.
* * *
383 -
أخبرنا مالك، أخبرني الثِّقَة عندي، أنَّ ابن عمر أحْرَمَ من إيلْيَاء.
قال محمد: وبهذا نأخذ، هذه مواقيت وَقَّتَها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي لأحد أن يُجَاوِزَهَا إذا أراد حَجّا أو عُمْرَةً، إلا مُحْرِمًا، وأما إحرام عبد الله بن
(382) أخرجه: مالك (722)، والبيهقي في الكبرى (9004).
(1)
انظر: معجم البلدان (4/ 252).
(2)
انظر: التمهيد (15/ 151)، وشرح الزرقاني (2/ 323).
(383)
أخرجه: مالك (723)، عن الثقة عنده.
عمر من الفُرْع، وهو دون ذي الحُلَيْفَةَ إلى مكة، فإنَّ أمامها وقتٌ آخر، وهو الْجُحْفَة، وقد رُخِّصَ لأهل المدينة أن يُحرِموا من الجُحْفَة؛ لأنها وقت من المواقيت. بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من أحب منكم أن يستمتع بثيابه إلى الجحفة فليفعل"، أخبرنا بذلك أبو يوسف، عن إسحاق بن راشد، عن أبي جعفر محمد بن عليّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم (1).
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي نسخة أخرى: أنا، أخبرني الثِّقَة عندي، أي: ربيعة بن أبي عبد الرحمن؛ اسمه فروخ ثقة تابعي فقيه مشهور، كان من الطبقة الخامسة من أهل المدينة، مات سنة ست وثلاثين ومائة، كذا قاله ابن حجر (2) لما مرَّ من أن الثقة إذا أطلق يراد به ربيعة بن فروخ، وقال الزرقاني (3): المراد بالثقة قيل: هو نافع أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما أحْرَمَ أي: مرة من إيلْيَاء وبكسر أوله ممدودًا مخففًا، وقد يشدد الياء الثانية ويقصد الحاسمة اسم مدينة بيت المقدس، كذا في النهاية. وفيه جواز تقديم الإِحرام على الميقات بل قيل: هو الأفضل إذا أمكن ارتكاب المحظور، ويؤيده ما رواه الحاكم أنه سئل علي - كرم الله وجهه - عن قوله تعالى في سورة البقرة:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] قال: أن تحرم من دويرة أهلك (4). فالإِتمام في الآية بمعنى الإِكمال فيحمل الأمر على الاستحباب. كذا قاله علي القاري.
وقال الزرقاني (5): وأما كراهة تقديم الإِحرام على الميقات فهي خوف أن يعرض للمحرم إذا بعدت مسافته ما يفسد إحرامه، وأما قصيرها فلما فيه من التباس الميقات والتحليل عنه، وهذا مذهب مالك وجماعة من السلف، فأنكر عمر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة، وأنكر عثمان بن عفان على عبد الله بن عامر إحرامه قبل الميقات.
قال ابن عبد البر (6): وهذا من هؤلاء - والله أعلم - كراهة أن يضيق المرء على نفسه
(1) محمد بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.
(2)
انظر: التقريب (1/ 172).
(3)
انظر: شرح الزرقاني (2/ 324).
(4)
أخرجه: ابن أبي شيبة (4/ 195)، والحاكم (3090)، والبيهقي في الكبرى (8787)(9009).
(5)
انظر: شرح الزرقاني (2/ 324).
(6)
انظر: شرح الزرقاني (2/ 324).
ما وسع الله عليه، وأن يتعرض لما لا يُؤمَن أن يحدث في إحرامه، وذهب جماعة إلى جوازه من غير كراهة وبه قال الشافعية، وإن كان الأفضل الميقات من الإِحرام اقتداءً بفعله صلى الله عليه وسلم، وأما حديث أبي داود عن أم سلمة مرفوعًا:"من أهلَّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة"(1) ورواه ابن ماجه بلفظ: "من أهلَّ بعمرة من بيت المقدس كانت كفارة لما قبلها من الذنوب"(2) وفي لفظ: "من أهلَّ بعمرة من بيت المقدس غفر له"(3) فحديث معلول قال المنذري (4): اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافًا كثيرًا وضعفه عبد الحق وغيره.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: إنما نعمل بما رواه الثقة هذه أي: المواضع مواقيت أي: أماكن موقتة وَقَّتَها أي: بيَّنها وعينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأهلها أي: لأهل المواقيت فلا ينبغي أي: لا يحل لأحد أن يُجَاوِزَهَا أي: المواقيت إذا أراد حَجّا أو عُمْرَةً، أي: بحجة أو عمرة أو بهما، ثم قيد أراد بهما غالبي وإلا (ق 412) فلا يحل لأحد من الأفاقي أن يتجاوز أحد المواقيت بلا إحرام إذا أراد دخول الحرم سواء أراد أحد النسكين أو لم يرد خلافًا للشافعي، ويؤيد مذهبنا ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يجاوز أحد الميقات إلا بإحرام"(5) وأما دخوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح بغير إحرام
(1) أخرجه: أبو داود (1741)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 161)، وابن ماجه (2992)، وأحمد (26017)، (26018)، وابن حبان (3701)، والدارقطني (2/ 283)، والطبراني في الأوسط (6515)، وأبو يعلى (6927)، والبيهقي في الكبرى (9007)، والشعب (4026)، والمقدسي في فضائل مكة (59)، والفاكهي في أخبار مكة (885).
وقال البخاري: فيه محمد بن عبد الرحمن بن عيسى.
قال البخاري: ولا يتابع في هذا الحديث.
وقال الذهبي: غريب، الميزان (6/ 71).
وقال ابن حجر: لا يثبت، التلخيص (2/ 230).
(2)
أخرجه: ابن ماجه (2992).
(3)
أخرجه: ابن ماجه (2993).
(4)
انظر: الترغيب والترهيب (2/ 121، 122).
(5)
أخرجه: ابن أبي شيبة (4/ 509) موقوفًا على ابن عباس (4/ 509) عن خصيف بن سعيد بن جبير مرفوعًا بلفظ: "لا يجاوز أحد الوقت إلا المحرم".